الموازنة العامة للدولة .. أرقام تثير التفاؤل ووقائع تلامس الإحباط

[Rihab]

63,5 ألف فرصة عمل في الموازنة يعني تعاطٍ باهت مع مشكلة البطالة


لن يتوقف العام القادم عند العثرات الثقيلة التي أفرزتها نتائج الخطة الخمسية العاشرة، وسوف يستقبل بكثير من الحفاوة السنة الأولى للخطة الخمسية الحادية عشرة، وبأكبر موازنة عرفها التاريخ السوري، وهي تلك التي أقرّها مجلس الوزراء مؤخراً والبالغة ( 835 ) مليار ليرة سورية، بزيادة بلغت نحو 12% عن العام 2010 الجاري، حيث كان حجم الموازنة ( 754 ) مليار ليرة، ومن المعروف أنَّ الرقم الذي أعلنه مجلس الوزراء للموازنة العامة للدولة للسنة القادمة سيبقى ثابتاً دون تغيير، رغم أنَّ القانون الذي سيتم اعتماد الموازنة بموجبه، ما يزال مشروعاً وخاضعاً لمناقشة مجلس الشعب قبل إقراره، فصحيح أن الدستور قد أقرَّ وجوب عرض مشروع الموازنة على مجلس الشعب قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية ولا تعتبر الموازنة نافذة إلا إذا اقرها المجلس، وصوّت عليها باباً باباً، غير أنَّ المادة 79 من الدستور نصّت على أنه ليس للمجلس أثناء دراسة الموازنة أن يزيد في تقدير مجموع الواردات أو النفقات، ولكن يجوز له بعد إقرار الموازنة أن يقر قوانين من شانها إحداث نفقات جديدة وموارد لها.

هذا يعني أنَّ الرقم باقٍ – على الأرجح – كما هو ( 835 ) مليار ليرة سورية للنفقات، ومثله للواردات المقدّرة، فالرقم كبير وكفيل بتغطية حالات التشاؤم وفجواته فعلاً، لاسيما وأن الاعتمادات الاستثمارية فيه مغرية وتثير الشهية لمزيد من التفاؤل حيث وصلت تلك الاعتمادات إلى ( 380 ) مليار ليرة سورية، أي أن حجم هذه الاعتمادات الاستثمارية تُشكل بحدود 45,5% من حجم الموازنة ككل، وهذا يشير للوهلة الأولى إلى أن سورية ستشهد المزيد من المشاريع الاستثمارية الكفيلة بتشغيل المزيد من اليد العاملة العاطلة عن العمل، ولكن سرعان ما يتلاشى هذا التفاؤل وقتما نقرأ في مشروع قانون الموازنة العامة للدولة لعام 2011 أنَّ فرص العمل التي تعتزم الدولة توفيرها من خلال الموازنة لا تتعدّى 63 ألفاً و 565 فرصة، وهذا عدد قليل بالنسبة لحجم الاعتمادات الاستثمارية الضخم، وقياساً بعدد الدّاخلين إلى سوق العمل سنوياً في سورية والذي يُقدَّر بنحو 250 ألف طالب عمل جديد.

القطاع الخاص من المفترض أن يوفر ضعف ما سوف توفّره الموازنة، أي بحدود 127 ألفاً و 130 فرصة عمل، ليكون المجموع المأمول الذي سيجري توفيره خلال عام 2011 من فرص العمل بحدود 190 ألفاً و 695 فرصة، أي يبقى هناك فجوة تصل إلى 59 ألفاً و 305 من السوريين الوافدين حديثاً إلى سوق العمل من غير عمل، هذا غير الرصيد المزمن للعاطلين عن العمل، الذي يُقدّر بمئات الآلاف إن لم نقل الملايين الذين ملّوا وهم ينتظرون الفرج بفرصة عمل يُشغلونها.

الاعتمادات الاستثمارية التي أقرّتها الموازنة العامة للدولة لعام 2011 تشير إلى أن الحكومة سوف تقوم يومياً بصرف مليار و41 مليون ليرة سورية ، وهذا المبلغ من شأنه أن يمثل كلفة 208,2 فرصة عمل يومياً، على مبدأ أن كلفة الفرصة الواحدة تصل إلى خمسة ملايين ليرة، غير أن مشروع الموازنة يُشير إلى أنه لن يؤمّن أكثر من 174 فرصة عمل يومياً، أي أنَّ 870 مليون ليرة سورية سوف تُصرف يومياً في مختلف جهات الدولة دون أن يكون لها علاقة بتأمين أية فرصة عمل، ليختص مبلغ 171 مليون ليرة سورية من أصل الاعتمادات الاستثمارية.

هذه الأرقام الناضحة عن مؤشرات الموازنة العامة للدولة لعام 2011 تكاد تجزم بأنَّ تعاطي الحكومة مع مشكلة البطالة هو تعاطٍ باهت، ومواجهة مشكلة البطالة بالشكل الذي يتناسب مع الواقع الراهن ليس من أولوياتها على الرغم من قدرتها الكبيرة على جعل مثل هذه المشكلة الخطيرة من أولى أولوياتها.

داماس بوست