المصارف الإسلامية ... د.البوطي

[teacher]

المصارف الإسلامية ... د.البوطي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
فإن المصارف الإسلامية غدت اليوم واقعاً فرض وجوده في الميدان الاقتصادي للعالم الإسلامي والعربي، بل امتد إلى العالم الغربي، وهو في نمو مستمر . وتجربته أصبحت موضع اهتمام الدوائر الاقتصادية في كثير من بلاد العالم.
وبالنسبة لسورية التي دخلت عالم الصيرفة الإسلامية حديثاً يعد المرسوم التشريعي رقم 35 القاضي بالسماح بإقامة مصارف إسلامية فيها تصورا متطوراً ومتكاملاً لنظام المصارف الإسلامية، وقد صدر نتيجة دراسة متأنية لتجربة المصارف الإسلامية في الأقطار الأخرى، كي تبدأ سورية في خطوتها هذه من حيث انتهى الآخرون، مستفيدة من خبرة سنوات طويلة من العمل أمضوها في مجال صنعة الصيرفة الإسلامية.
ولعل من المزايا التي تعد سبقاً تقدمت به سورية في هذا المرسوم على أكثر الأقطار التي تقيم مصارف إسلامية ما تضمنته المادة 12 من هذا المرسوم والمتضمنة التوجيه إلى استعانة المصرف المركزي بهيئة استشارية شرعية تعد مرجعية شرعية لنشاط المصارف الإسلامية في مجلس النقد والتسليف . والتي تضبط العلاقة بين المصرف المركزي والمصارف الإسلامية بالأسس الشرعية التي تنسجم مع خصوصيات هذه المصارف وبما يتلاءم مع نص المرسوم 35 .
وإذا كانت القاعدة النظرية لإنشاء المصارف الإسلامية قد بلغت هذا المستوى من النضج والتقدم إذ استفادت من تجارب من سبق، فإن ذلك يعد القاعدة النظرية التي يجب أن تقوم على مستواها الممارسة التطبيقية لصنعة الصيرفة الإسلامية في سورية.
وأعتقد أن ثمة شروطاً ضرورية لنجاح هذا المشروع في هذا المجال لعل من أهمها:

1- أن يدرك الجميع أن طبيعة عمل المصارف الإسلامية تختلف اختلافاً جوهرياً عن عمل المصارف التقليدية، فهي ليست مجرد ودائع في حسابات توفير أو حسابات جارية، وقروض وخدمات مصرفية من فتح اعتماد وخطاب ضمان ونحو ذلك . بل إن للمصرف الإسلامي نشاطاً تنموياً يوظف من خلالها السيولة المالية التي بين يديه مع مساهمات المتعاملين في تمويل مشاريع استثمارية يباشرها بنفسه بعد التعرف على حاجة السوق، ودراسة الجدوى الاقتصادية، ومدى شرعية العمل فيها، وملاءمتها لخصوصيات القوانين السائدة. وخطة تمويلية يوظف من خلالها إمكاناته المالية في دعم مشاريع استثمارية للمتعاملين بعد دراسة مدى إمكانات نجاحها بالنظر إلى حاجة السوق من جهة، ومع وجود ضمانات تكفل إلى حد بعيد تحقيق نتائج إيجابية.

2- إعداد الموظفين العاملين في هذه البنوك على مختلف مستوياتهم علمياً وفنياً وثقافياً بحيث يحسنون ممارسة دورهم بصورة متقنة وكفاءة عالية ومهنية متميزة، وأخلاقية وثقافة ملائمة لروح المصرف الإسلامي. ومن الضروري إخضاع جميع العاملين في هذه المصارف لهذا الإعداد بدءاً من الإدارات بمختلف أشكالها إلى المدققين الماليين والقانونيين والشرعيين وسائر الموظفين. لأن الفرق بين المصرف الإسلامية والمصرف التقليدي يتجاوز الشكل إلى جوهر النظام الذي يقوم عليه كل من المصرفين. ويقتضي ذلك تزويد المختص في مجال الاقتصاد والمصارف بما يتطلبه العمل في مجال الصيرفة الإسلامية من معلومات شرعية ، و تزويد المختص بفقه المعاملات المالية الشرعية بما يقتضيه منه العمل في المجال المصرفي من معلومات اقتصادية ومصرفية وفنية ومهنية. بالإضافة إلى تزويد سائر العاملين في هذا المجال بثقافة الصيرفة الإسلامية وأخلاقياتها.

3- من الجدير بالذكر أن لهذه المصارف هويتها المتميزة المستمدة من قناعات دينية أولاً. وهذه القناعات تعد الدافع الأول للمواطنين للإقبال الذي فاق التوقعات نحو التعامل مع المؤسسة المصرفية الإسلامية. ذلك لأنها تراعي تجنب الربا وسائر المعاملات المحرمة شرعا، وتلتزم الكسب بالصور التي يقرها الشرع الحنيف. أضف إلى ذلك أن قناعات كثير من الاقتصاديين قد توصلت إلى أن الاستثمار بصورته الإسلامية، والذي يتم في إطار نشاطات المصرف الإسلامي قد أثبت نجاحه. كما أنه يجنب الاقتصاد كثيراً من المشكلات التي تنشأ عن النظام المصرفي التقليدي. مما حدا بكثير من القائمين على المصارف التقليدية اللجوء إلى فتح نوافذ تعمل وفق النظام المصرفي الإسلامي أو إلى نظام الصكوك الإسلامية أو صناديق الاستثمار المستند إلى مبادئ شرعية.

4- ولعل من أهم شروط نجاح المؤسسات المصرفية الإسلامية أن تعمل على توظيف أكبر قدر ممكن من الإيداعات التي في حوزتها ضمن خطة متكاملة شاملة. بعد دراسة المخاطر المحتملة. ومدى حاجة السوق ونجاح هذا التوظيف إن صح التعبير. ويقتضي هذا الأمر الاستجابة للاستثمارات الصغيرة والمحدودة، بعد دراسة فرص نجاحها وأن تكون لدى المصارف الإسلامية خطة تنموية اقتصادية واجتماعية توطد لهذه المصارف دورها الاقتصادي والاجتماعي. على أن الاستثمارات الصغيرة إذا وضعت لها الضمانات، بعد دراستها، بكثرتها وتنوعها ستكون ذات أثر لا يقل بالنتيجة عن المشاريع الاستثمارية الكبيرة.


5- إن أهم ما يميز المصارف الإسلامية أنها مؤسسات مصرفية من جهة واستثمارية تجارية من جهة أخرى . وهذا يقتضي من القائمين على هذه المصارف أن تكون لديهم دراسة واسعة لفرص الاستثمار المتاحة في بلادنا هذه. إن وجود هذه المصارف يعد فرصة ثمينة لتوظيف السيولة المالية والموارد البشرية والمخزون الطبيعي من الثروات الباطنة والظاهرة في مجال إنتاجي مثمر، يعود على الأمة والوطن بالازدهار والتقدم. إن في بلادنا موارد بشرية تحتاج إلى إعداد، وأن تمارس دورها في بناء هذا الوطن. إن في بلادنا أراضي طيبة تحتاج إلى يد عاملة ومال وخبرة كي تقدم عطاءها السخي. إن في بلادنا من المواد الخام ما يمكن تصنيعه وتصدير الفائض منه إلى الدول الأخرى. إن لدينا إنتاجاً زراعيا وحيوانيا يمكن أن يستثمر صناعيا لحاجة البلاد وللتصدير الخارجي، إن لدينا طاقات شابة تحتاج إلى تطوير قدراتها في مجالات تقنية وعلمية وصناعية وإبداعية للنهوض بهذا الوطن. فلماذا تحجم هذه المصارف عن توظيف قدراتها المالية ضمن برنامج مخطط له ومدروس بصورة علمية؟

لقد اغتبط الجميع للاندفاع الكبير الذي استقبل به المواطنون في سورية ولادة هذه المصارف، فيجب أن تكون هذه المصارف على مستوى الثقة التي أولاها إياها الجمهور تخطيطاً وتنفيذاً. بتلبية حاجة السوق وبتوظيف المال الذي بين يديها بصورة صحيحة ومدروسة.

6- يجب أن تكون العلاقة بين المصارف الإسلامية والمصرف المركزي وسائر الجهات ذات الصلة قائمة على الثقة والشفافية. وأن تقوم على التعاون الذي يحقق النجاح لهذه التجربة المتميزة. كما يجب أن تكون العلاقة بين المصارف الإسلامية والمتعاملين معها على الأساس نفسه من شفافية ووضوح يكسب المتعاملين الطمأنينة لمتابعة التعامل المثمر للطرفين المستفيدين بل للمجتمع كله.

7- يجب أن تلتزم المصارف الإسلامية القواعد الناظمة لنشاطها من الناحية الشرعية من جهة، ومن الناحية القانونية من جهة أخرى, والجانب الأول يمكن تحقيقه من خلال المرجعية الدينية التي تشرف أو تراقب أو تدقق نشاط المصرف وعقوده وفق الأحكام الشرعية. والتي يجب أن تكون دقيقة ومبنية على اجتهادات معتمدة. وليس على مبدأ التساهل والتمييع. إذ الفرق كبير بين التيسير الذي تقوم عليه أحكام شريعتنا، والتساهل والتمييع الذي يخرج بنا عن أحكامها وضوابطها. أما الجانب الآخر أعني الجانب القانوني فهو ضمانة استمرار حسن سير العمل في هذه المصارف إذ الأحكام التي تضبط نشاطها أحكام مصلحية تراعي المصلحة العامة وفق رؤية القائمين على الأمر. على أني أقول إن هذه الأنظمة والقوانين يجب أن تضع بعين الاعتبار الخصوصية التي تتميز بها المصارف الإسلامية، كما يجب أن تتيح لها مجال العمل ضمن الإطار الشرعي الذي أنشئت هذه المصارف على أساسه.

8- وختاماً وأخيرا إن هذه المؤسسات أمانة في أعناق القائمين عليها، أمانة من حيث شرعية معاملاتها، سوف يسألون عنها بين يدي الله، وأمانة في عنق المسؤولين الذين هم في موقع القرار، ليتيحوا المجال لهذه المصارف أن تمارس نشاطها الذي يمكنها من تحقيق أهدافها البناءة ضمن حدود مصالح الوطن، ومصالح المواطنين. كما أن الأموال التي في هذه المصارف، والفرص المتاحة أمام القائمين عليها للنهوض بشأن هذه الأمة نحو التقدم والازدهار هي مسؤولية مشتركة في أعناق الجميع، والله الموفق لكل مخلص يريد الخير للوطن والأمة.

د. محمد توفيق رمضان البوطي

[Syria-steps]

ماشاء ...واضح أن عائلة الدكتور البوطي ...

لها ما لها في مجال الإقتصاد الإسلامي ...

اللـه يوفقهم في الخير ...

[beautiful life]

كلام جميل جدا


جزاك الله خيرا