عندما ينتهك احد وزارء الحكومة السورية دستور البلاد
عندما ينتهك احد وزارء الحكومة السورية دستور البلاد
الذي يشكل بحد ذاته نوعا من السخرية إذا يخصص لمن هو على حافة الموت جوعا،
حملت مواقع تعتنى بحقوق المرأة على الحكومة السورية معتبرة أن الحكومة تنتهك الدستور، وتحرم المرأة السورية المطلقة والارملة والمتزوجة من غير السوري والاطفال الايتام، من (دعمها)، وفي مقال نشره موقع نساء سوريا (الموقع الأبرز) في الدفاع عن حقوق المرأة السورية جاء أن الحكومة السورية أكدت مجددا حرمانها المرأة السورية من الدعم الحكومي، الذي يشكل بحد ذاته نوعا من السخرية إذا يخصص لمن هو على حافة الموت جوعا، وذلك عبر توضيحات أصدرها وزير الإدارة المحلية ونشرتها جريدة "الوطن" السورية، وفي مناقشة ايضاحات وزارة الادارة المحلية قال الموقع أنه في البند الأول من التوضيحات يرد ما يلي: "لا تستحق المطلقة التي ليس لها أب وأم وأخوة عازبون ولديها البطاقة العائلية لوالدها"!
المعنى واضح. فإذا كانت المطلقة لديها أي أحد من أهلها على قيد الحياة، فهي لن تستحق الدعم حتى لو كانت البطاقة العائلية لوالدها معها. وبالتالي فإنها ستستفيد من الدعم فقط إذا كانت وحيدة لأهلها (بالولادة أو بوفاة الآخرين)، وتملك البطاقة العائلية. أما في غير هذه الحالة فهي محرومة من "الدعم الحكومي"!
وفي البند الثالث من التوضيحات يرد: "لا تستحق الأرملة التي لا تحمل بطاقة عائلية ولو كانت تقيم إقامة دائمة في سورية"!
وهي أيضا واضحة تماما. لكن من هي الأرملة التي لا تحمل بطاقة عائلية؟ إنهن جميع النساء السوريات اللواتي صادف أن وقعن تحت براثن الزواج المتعدد، وصادف حظهن أنهن لم يكن "الزوجة الأخيرة"! فالبطاقة العائلية سوف تبقى مع الزوجة الأخيرة للزوج الذي تزوج أكثر من امرأة، فيما "نسائه" الأخريات سوف يحرمن كليا من الدعم لأنه ليس لديهن بطاقة عائلية! وبالطبع لا يعني الحكومة السورية أن هذه المرأة هي أصلا ضحية عنف تقره هي هو الزواج المتعدد تحت ذريعة (المسوغ الشرعي)! ولا يعنيها أن المرأة السورية هي أصلا مواطنة سورية تقوم بانتخاب أعضاء مجلس الشعب وتشارك في استفتاء رئيس الجمهورية، وهي نائبة لرئيس الجمهورية، ووزيرة، وضابطة في الجيش والشرطة، ومديرة مصنع وموظفة وعاملة ومزارعة... وفي جميع هذه الحالات هي تدفع للحكومة، ولوزارة الإدارة المحلية، جزءا ليس يسيرا من دخلها تحت مسمى "ضرائب"! فهي "مواطنة" حين يتعلق الأمر بأن تدفع! ولكنها ليست كذلك حين يتعلق الأمر بأن تحصل على دعم وصف بحق أنه "مسخرة وذلّ".
وفي البند الخامس يرد: "لا تستحق المطلقة مبلغ الدعم الحكومي والتي ليس لها أب وأم ولا تحمل بطاقة عائلية"! هكذا يكتمل الخناق. فإن كانت مطلقة ولها أب أو أم أو أخ ذكر عازب فهي لا تستحق الدعم. وإذا لم يكن لديها أب وأم ولا تحمل البطاقة العائلية فهي أيضا لا تستحق الدعم! فمتى تستحق الدعم إذا؟ إنها لا تستحقه بإطلاق!
وتساءل الموقع : كم من النساء سوف يحرمن على هذا النحو من الدعم العتيد؟ كل النساء المطلقات، وكل النساء الأرامل، كل النساء اللواتي تزوجن من رجال غير سوريين (بمن في ذلك كل النساء اللواتي تزوجن من سوريين أكراد لا يحملون الجنسية السورية).. وفي الواقع، وباختصار: كل النساء السوريات. لن تحصل أية امرأة سورية على الدعم الحكومي إلا في حالة واحدة: حين تمتلك البطاقة العائلية لزوجها المتوفي.
لكن الحكومة السورية لم تكتف بهذا الخرق الفاضح للدستور السوري الذي ينص في البند الخامس من المادة الخامسة والعشرين على: "المواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات"! كذلك المادة الخامسة والأربعين التي تقول: "تكفل الدولة للمرأة جميع الفرص التي تتيح لها المساهمة الفعالة والكاملة في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وتعمل على إزالة القيود التي تمنع تطورها ومشاركتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي"!
بل إنها تمعن في تدابيرها الاقتصادية التي لم تعد كلمات مثل "التنمية، الإنسان، المواطن/ة.." تعني لها شيئا إلا بقدر ما تلائم خزينتها، فتقول التوضيحات في البند الثالث: "لا يستحق الأطفال القاصرون الذين ليس لهم بطاقة عائلية لوالديهما المتوفيين لعدم انطباق الشروط عليهم"!
هكذا، دون تردد، تقصي الحكومة السورية جميع الأطفال السوريين الأيتام الذين صادف أنهم لم يسجلوا لهذا السبب أو ذاك في البطاقة العائلية! وكل الأطفال السوريين الذين صادف أن ولدتهم أمهم السورية (السوريون رغما عن قانون الجنسية التميزي) من أب غير سوري! وكل الأطفال السوريين الذين يسميهم القانون "لقطاء أو مجهولي النسب"! فهؤلاء جميعا لا تعترف عليهم الحكومة السورية، بل ترميهم إلى الشارع دون أي تأنيب ضمير!
وهذا أيضا هو انتهاك فاضح للدستور السوري الذي ينص في البند الثاني من المادة الرابعة والأربعين منه على: "تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه وتحمي الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم"!
إذا لم نكن نضرب في الرمل حين قلنا أن الحكومة السورية قد قررت أن تقصي النساء السوريات عن "المواطنة" وتؤكد أنهن لسن سوى كائنات تابعة للرجل. وهذا ما برهنت عليه وتبرهن عليه يوميا. بدءا من النسخة الظلامية من مشروع قانون الأحوال الشخصية، ومرورا بالرفض المتعنت لتعديل قانون الجنسية وحق الحاضن بسكن لها ولمحضونها، وليس انتهاء بالتأكيد الآخير هذا أن المرأة لا تستحق الدعم بإطلاق. كما رأينا أعلاه.
الحكومة السورية بهذه التوضيحات تقر أنها لا تعترف بوجود المرأة في سورية كموطنة. ولا كإنسانة. ولا تعترف بوجودها إلى حين تقتص من دخلها تحت اسماء ضرائب لا تنتهي، أو حين تجبرها على العمل ليلا مثل العمل في معامل الغزل والنسيج، أو حين تموت من أجل أمن الوطن مثلما تفعل الجنديات والشرطيات. أما غير ذلك، فلا مكان لها في مؤسسة لا تعترف إلا بالذكورة.
ونحن نرفض هذه التوضيحات، ونعتبرها خرقا صريحا للدستور السوري، وتمييزا فاضحا ضد المرأة السورية، ونؤكد أن للمرأة السورية كل الحق بالدعم الحكومي مهما كان تافها ومذلا. وإذا كان مبررا أن يتوجه الدعم إلى الأسرة، وليس إلى الأشخاص، فإنه يجب إقرار مبدأ حق كل امرأة لا تنضوي في أسرة تحصل على الدعم، بالحصول عليه. بغض النظر عن الألعاب البيروقراطية المتعلقة بالبطاقة العائلية وغيرها. وكذلك حق كل الأطفال السوريين، المسجلين وغير المسجلين لأي سبب، بالدعم الحكومي. فالحكومة السورية ملتزمة تجاه الدستور السوري الذي يعلو على كل قراراتها. وكذلك ملتزمة تجاه اتفاقية حقوق الطفل التي تنص في مادتها الثالثة، البند الأول، على: "في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولي الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى".
وكذلك اتفاقية مناهضة كافة أشكال العنف والتمييز ضد المرأة (سيداو) والتي تنص في المادة العاشرة منها، البند (د)، على: "التساوي في فرص الحصول على المنح والإعانات الدراسية الأخرى".
وندعو الحكومة السورية للتراجع عن انتهاكاتها المستمرة لحقوق المرأة والطفل في سورية، والتي هي في الوقت نفسه انتهاكات صريحة للدستور السوري وللالتزامات السورية تجاه ما صادقت عليه من اتفاقيات وبروتوكولات عالمية.
__________________
أفضل الذكر
لاإله إلا الله محمد رسول الله