|
استراحة المضاربين بعد قضاء .. فترة التداول والمضاربات .. لنسترح قليلا .. هنا .. ونتكلم .. ونتناقش سوياً .. |
|
أدوات الموضوع |
15-03-2012, 02:30 PM | #1 |
عضو أساسي
شكراً: 3,069
تم شكره 5,605 مرة في 1,439 مشاركة
|
زمن الطوابير في سورية
ورد هذا المقال في العدد رقم ( 134 ) من مجلة الاقتصادي الكاتب: حمود المحمود | تاريخ المقال: 2012-03-15 ماذا تعني ثقافة الطوابير في التجربة السورية؟ قبل أن نشرح معناها في سورية علينا أن نذكر معناها في بلدان العالم المتقدمة.. هناك، أنت أمام مايسمى ثقافة الـ Queue أو الاصطفاف في الطابور، تدخل إلى المطعم فتجد صفاً من الناس في انتظار دورهم لوجود مقعد شاغر، وتدخل إلى الصيدلية، فلا تهجم على الصيدلي وأنت ترى من سبقك من الزبائن، بل تصطف عند خط مرسوم على البلاط انتظاراً لانتهاء الزبون الذي سبقك، ليس ذلك فقط، بل أنت تنتظر بعد انتهاء الزبون، إشارة من الصيدلي أو صاحب المحل أو الموظف في دائرته بأن تتقدم، والتجربة بشكل تقريبي هي ما نعايشه في انتظارنا للدور عند دفع الفواتير لدى شركات الاتصالات الخليوية. الناس في تلك البلدان اعتادوا على ما يسمى "الكيو أو اللاين"، فهم ينتظرون دورهم بلا تبرم أو مزاحمة لأنّها بالنسبة لهم ثقافة "العدالة"، وبالتالي فأنت عندما تدخل على طريقتنا وتحاول اختراق الدور، فأنت بكل بساطة ترتكب مخالفة قانونية من وجهة نظرهم، ولذلك ستجد المنع من الناس وستجد التجاهل من صاحب المطعم أو المحل أو قاطع التذاكر أو الموظف، كما أنك ستحاسب قانونياً بكل تأكيد في حال تماديت. وهذا الذي نتحدث عنه، ينطبق بكل تأكيد على من كان يرتدي طقماً فاخراً أو يضع نظارات سوداء أو من يدعي أنه مستعجل أو من يدعي أنه مهم إلى غيرها من مبررات اختراق الصفوف عندنا. ومن المهم ونحن نتحدث عن ثقافة الاصطفاف في تلك الدول، أن نبين أنّها وليدة أنظمة متكاملة من العدالة، لكن سبب انتشار ظاهرة الاصطفاف من الناحية الاقتصادية، هو زيادة العرض مترافقة مع زيادة الطلب، وهو الأمر الذي يؤدي بكل بساطة إلى تحول ثقافة الاصطفاف أو الطوابير إلى ثقافة يومية غير مزعجة، تضمن سرعة تلبية الطلب من الزبائن، والجميع على يقين أن العرض متوفر بما يناسب الطلب، بل إنّ الطوابير قد تتحول في هذه المعادلة إلى نوع من المتعة كما يحصل في انتظار الآلاف لأيام انتظاراً لشراء الجيل الجديد من اختراع تكنولوجي جديد أو لشراء بطاقات الدخول إلى المباريات الرياضية الرئيسية. لكن المعادلة هنا مختلفة، فالازدحام والطوابير هنا ثقافة طارئة، ولكنها قائمة على أساس واحد يعطيها صفة الاستمرارية، ويجعلها قابلة للاشتعال من جديد في أية لحظة بسبب "غياب الثقة" بين الناس ومنظمي الأسواق من أصحاب القرار الاقتصادي. وبسبب غياب عامل الثقة، يمكن للإشاعة أن تتسبب بعودة الطوابير في أية لحظة من الليل أو النهار، حتى ولو رأى الناس أنّ المادة التي يتزاحمون لأجلها متوفرة بما يفوق العدد المزدحم، ومهما كانت التصريحات الرسمية مطمئنة.. هل نسأل لماذا؟ ما نتحدث عنه في هذه المقالة لايتوقف عند هذه الأزمة التي تعيشها سورية فقط، بل يتجاوزها لموروث مزمن من أزمة الثقة، بتحقيق مبدأ "العدالة" سواءً في الالتزام بالطابور أو "العدالة" في حصول صاحب الحق على ما يستحقه، إنها ثقافة اختراق العدالة والاستثناءات، والتي عززها كثير من القرارات الرسمية التي دفعت المواطن قبل أن يفكر بالذهاب للطابور للتسجيل على السكن الشبابي أن يسأل من يعرفه عن واسطة، ومن يريد أن يسجل على الدور في طابور المسابقات الوظيفية أن يبحث عن الواسطة، ومن يريد التسجيل على دور المازوت أن يبحث عن الواسطة قبل أن يسجل. وهكذا فإننا نجد أن النتيجة التي تحصل مع كل أزمة حقيقية أو أزمة وهمية كما يحلو للمسؤولين تسميتها، أنّ يسجل أصحاب الواسطات عبر الهاتف على الدور، بينما يحضر الضعفاء أو رافضي الواسطة إلى الدور الحقيقي، وهؤلاء أيضاً لديهم معركة من نوع آخر، تبدأ بالاحتيال وتنتهي باستعراض العضلات للفوز بالدور. إذاً العدالة غائبة هنا، وما يحضر هو صراع القوى بدءاً بقوة الواسطة وانتهاء بقوة العضلات، وهذا ما يجعلنا نشهد جرحى وقتلى في بعض حالات الازدحام كما حصل في بعض المرات التي نقلتها الصحافة السورية بما فيها الصحافة الحكومية. إذاً تنطلق ظاهرة الطوابير من أزمة الثقة وتستمر بسبب أزمة العدالة، فالثقة التي باتت شبه مفقودة بين مواطن يستمع من المسؤول مجرد تصريحات تتهمه بالجشع والطمع والتحرك بدافع الإشاعات، وبين مسؤول اقتصادي يصر في كل مرّة أنّه "لايوجد أزمة" وأنّها وهمية. وعندما يستمر نهج الأزمات والطوابير في سورية لسنوات طويلة نصبح أمام حقيقة صادمة أساسها عدم الثقة بتصريحات المسؤولين الذين يقعون في كل مرّة أمام إدارة الأزمة عاجزين، ونصبح في حالات قليلة من الشفافية أمام تصريح مماثل لما أطلقه وزير الاقتصاد محمد نضال الشعار لمجلة الاقتصادي "لايوجد في سورية وزارة مهيأة لإدارة الأزمة". وهكذا يشعر المواطن بخيبة الأمل أنّ عليه أن يدفع الثمن بشكل مستمر، دون أن يجد في الأفق ثماراً لما تحمّله من مشقة، وأن الاقتصاد الذي تحمّل المواطن ضنكه وضيقه قبل عشرين وثلاثين عاماً لم يصبح من القوة بحيث يوصلنا إلى مرحلة نهاية أزمة الطوابير القائمة على الأسس ذاتها "عدم العدالة وعدم الثقة". وبعد أن قبلنا قبل بضع سنوات أن نتذكر قصص آبائنا وهم يصطفون على الزيت والسمنة وعلب المحارم، وكنا نتداول هذه القصص نحن الأبناء على سبيل النكات. ها نحن أيضاً ندفع الثمن مجدداً ونصطف نحن الأبناء على المعونة الاجتماعية، على صرافات الرواتب، على المازوت، على محركات توليد الكهرباء، على الخبز..! |
4 أعضاء قالوا شكراً لـ BISO على المشاركة المفيدة: |
|
|