اجراءات الجهات الحكومية العليا هي التي أرجعت الدولار وليس التصريح ؟
الدكتور عابد فضلية : هذه هي بالمحصلة القيمة التي أضافها السيد الحاكم للمواطنين السوريين ..، أفلا يعقلون
24/03/2013
دمشق - سيرياستيبس :
رأى الدكتور عابد فضلية الاستاذ في جامعة دمشق أنّه : طوال ستين دقيقة في حديثه عن دور المصرف المركزي في التدخل الإيجابي في السوق السوداء لحماية قيمة الليرة السورية أمام ارتفاع أسعار القطع الأجنبي، لم يذكر السيد حاكم مصرف سورية المركزي ولا كلمة عن واحدة من أهم وظائف ومهام المصرف المركزي، ألا وهي تصميم ووضع (السياسة النقدية العليا) وإدارتها ومتابعة تنفيذها والرقابة على حسن تطبيقها من قبل الجهات النقدية والمالية ذات الصلة، الحكومية وغير الحكومية، بل تحدث (عدة مرات وببضعة كلمات) عن إجراءات كان المصرف المركزي قد اتخذها سابقاً وسيتخذها لاحقاً، ولكن دون أن يذكر أو يُعدد أو يُعرف ماهية هذه الإجراءات التي كنا وما زلنا كمواطنين وخبراء وباحثين ومشاهدين ومراقبين نجهل معظمها، ونستغرب الآلية المعقدة التي اتخذها المركزي لتطبيق الباقي منها، والشيء الوحيد الذي لا يجهله أحد ولا يستطيع تجاهله، هو (واقع البيدر) المتمثل بالارتفاع المستمر المتواتر (شبه اليومي) لقيمة القطع الأجنبي مقابل الليرة السورية، مما يدل بشكل حسي وملموس على عدم نجاعة تلك الإجراءات التي يتحدث عنها السيد الحاكم. وعن سبب الارتفاع الكبير في سعر الدولار في السوق السوداء نهاية الأسبوع الماضي، والذي قفز بسرعة إلى (123 ل س)، ثم عاد وانخفض بعد ساعات فقط إلى (108 ل س)، فنؤيد السيد الحاكم

عندما قال أن سبب هذا الارتفاع ليس اقتصادياً ولا وموضوعياً وبأنه غير مبرر، لأن السبب هو التأجيج والتسخين والتصعيد والمضاربة في السوق، ولكن بالمقابل نختلف مع السيد الحاكم عندما قال أن سبب الانخفاض السريع لسعر الدولار هو التصريح الذي أدلى به يوم الأربعاء الماضي، والصحيح أن التصريحات لا تحدد أسعار القطع، وبالتالي هناك سببان، الأول هو الإجراءات الرقابية السريعة والرادعة التي تم اتخاذها الأسبوع الماضي بتوجيه من الجهات الحكومية العليا، والسيد الحاكم يعرف تماماً ما المقصود مما أقول. أما السبب الثاني الذي أدى إلى الخفض السريع لسعر الدولار فهو لأن السعر البالغ (123 ل س) هو سعر مضاربة مؤجج غير طبيعي لا يمكن أصلاً أن يستمر طويلاً بوجود التدخل الحكومي الرقابي السريع والرادع الذي نوهنا إليه أعلاه.
صحيح ما قاله السيد الحاكم عندما أشار إلى الضغوط العدائية الكبيرة التي يتعرض لها القطر خلال الأزمة الراهنة، وإلى الصمود السوري الكبير، الاقتصادي والمالي والنقدي تجاه ضخامة التحديات رغم مرور عامين على انفلات هذه الأزمة المعقدة والشرسة، كما نؤيد (جزئياً) رأيه بالدور السلبي الذي يلعبه العامل النفسي في تهافت الموطنين العاديين على شراء القطع الأجنبي خوفاً على مدخراتهم من احتمال استمرار تراجع قيمة الليرة السورية، مما يزيد بدوره من حدة المشكلة، إلا أن السيد الحاكم أغفل الدور الموضوعي الذي لعبه العامل الاقتصادي من جهة، وهو المتجسد بضعف العجلة الإنتاجية، كما أنه أغفل من الجهة الأخرى التطرق إلى الدور التدخلي الإيجابي الذي لم ينجح المصرف المركزي بلعبه بهدف شد سعر القطع الأجنبي في السوق السوداء إلى المستوى المُستهدف من قبله، بل على العكس، حيث نجد على أرض الواقع أن هذا السعر يتأرجح غالباً عند المستوى الذي يرغبه كبار المضاربين وتجار السوق السوداء. بل أبعد من ذلك: ما لا نفهمه في نشرات أسعار الصرف اليومية التي يُصدرها المصرف المركزي، فهي توحي للمراقب أو المتابع أن المصرف المركزي هو الذي يُؤجج أسعار الصرف النظامية وغير النظامية، عندما بدأ منذ أشهر (وما زال)، وبشكل شبه يومي، برفع سعر الصرف الرسمي (للمستوردين على سبيل المثال) وسعر التدخل وسعر بيع القطع لغرض تلبية الاحتياجات الشخصية (سفر، علاج)، وهذا ما يؤدي أو يُساعد أو يدفع (كتحصيل حاصل) إلى رفع أسعار القطع الأجنبي في السوق السوداء (أو شَدها نحو الأعلى)، عدا عن أثره الاقتصادي الاجتماعي المؤذي في رفع تكلفة، وبالتالي أسعار جميع أنواع السلع المستوردة.
الدكتور فضلية وهو الاستاذ في كلية الاقتصاد قال : من المهم الإشارة في هذا السياق إلى أن الزميلة الإعلامية التي كانت تُحاور السيد الحاكم، ورغم محاولاتها العديدة، لم تستطع طوال فترة المقابلة أن تنتزع منه أية سيناريوهات أو حلول أو مقترحات من شأنها لجم انفلات أو ارتفاع أسعار القطع الأجنبي بالسوق السوداء، إلا أنه نوه إلى اجتماع قريب سيتم مع العديد من المستشارين والجهات الحكومية العليا للتشاور في هذا الإطار واتخاذ ما يلزم، وهذا بالطبع ما يعطينا الأمل والتفاؤل بإمكانية اتخاذ قرارات وإجراءات سريعة وفاعلة، ليس لأن المصرف المركزي طرفاً بهذا الاجتماع، بل لأن هناك خبراء وجهات حكومية عليا (عدا المركزي)، جدية ومهتمة ومتابعة لموضوع لجم سعر الصرف.
إن ما ورد أعلاه هو رأي شخصي، وقد يكون قابلاً للطعن أو الدحض أو النقاش، إلا أن النتيجة المزلزلة المؤكدة غير القابلة للطعن أو الدحض التي خرج بها السيد الحاكم في هذا اللقاء التلفزيوني، والمتمثلة (برأيه) بنقطتين، الأولى أن تهافت المواطنين العاديين على شراء القطع الأجنبي هو سبب المشكلة، والثانية أن توقف المواطنين عن شراء القطع الأجنبي سيحل المشكلة.. هذه هي بالمحصلة القيمة التي أضافها السيد الحاكم للمواطنين السوريين ..، أفلا يعقلون.