دقيقة نقاش الأسبوعية - مرض عضال

[waelhabash]

جريـــدة القــنديــل الاقتصــادية الأســـبوعية :

إعداد د.محمد وائل سعيد حبش


دكتوراه في الأسواق المالية


دقيقــة نقاش :


مرض عضال :


لم يكن تخشب الخطاب الاقتصادي لدينا بالشيء الجديد وغير المألوف فدائماً ماكان هناك فجوة بين الواقع الاقتصادي والخطاب الاقتصادي لدينا فبدلاً من أن يكون القرار الاقتصادي مخططاً للفعل الاقتصادي نراه منفعلاً للحدث وقاصراً عنه بخطوات وهذا يبدأ من هيئات التخطيط وصولاً إلى الدوائر التنفيذية الدنيا فالخطط بدون مراجعة ومحاسبة ومتابعة وتحليل أوجه التقصير أو الانحراف عن التخطيط يبقى كلاما بكلام فلا نريد خططاً بلا تنفيذ ولا نريد تنفيذاً بلا خطط فالاثنان وجهان لعملة واحدة وهي عملة الفشل .

وإن كنت تحدثت عن الشماعات التي يتعلق بها المستثمر لدينا في سوق دمشق للأوراق المالية في المقال السابق وذلك عندما تبدأ الخسائر فالمخططين لدينا أيضاَ يمتلكون من الشماعات ما يكفي لملء موانئنا بسفن لتصدير الأعذار والعوائقفكل خطوة من خطوات التخطيط لدينا تحوى من الأخطاء ما يجعلها مصدرة لأزمتها للخطوة التالية انتهاء بنتائج معللة بأعذار مكدسة تكفي للاستهلاك المحلي لا و بل وتدعم الليرة السورية عن طريق تصدير هذه الأعذار للخارج !
تفاجأت بخبر منشور بأن الإدارة الاقتصادية بدأت تقتنع وتتفهم ضرورة جدولة زيادة رؤوس أموال البنوك لمدة ثلاث أو خمس سنوات إضافية والحيرة التي راودتني بأن هل التفهم والاقتناع عبارة عن سيرورة زمنية تبدأ بتاريخ ولا تنتهي إلا عندما تنفرج أسارير صاحب القرار؟ أما أن اتخاذ القرار المالي والنقدي يكون بناء على معطيات كمية ونوعية وأرقام مدونة تشرح الوضع المالي والاقتصادي وهي مايحدد زمن ونوع القرار !!؟؟
دائماً ما يكون التخطيط والتنفيذ مبنياً على أرقام وحتى التعديل يكون مبنياً على أرقام ففريقنا الاقتصادي السابق دائماً ماكان يتحفنا بمناقشات وحوارات فلسفية اقتصادية عائمة هائمة وإن زودت بأرقام فهي متضاربة متناقضة بعضها واقعي وبعضها الآخر من سجلات الدول المجاورة وكلها تنشر بالمانشيت العريض في جرائدنا فلم يكتفوا بالمغالطات بل روجوا لها إعلامياً متفوقين عن من سبقهم باستخدام الإعلام ورقة معهم لا عليهم فوقع اقتصادنا في التدليس .
ولعل مايميز السوق المالي لدينا هو حداثته وبالتالي فالإدارة الجديدة لم تأت في منتصف خطة معدة بشكل خاطىء أو منفذة بشكل منحرف بل مازال السوق في مراحله الأولى من التخطيط إلا أننا نؤمن أن ماينقص السوق الآن هو الرؤيا الواضحة فالرؤيا السديدة تتغلب على المصاعب ولا بد أن نقول دائماً بصدق حقيقة رؤيتنا للأشياء بصورة مختلفة عما هو معتاد فالاختلاف يولد الغنى والتعاون يولد نتائج جديدة لم تكن موجودة من قبل ولا يقتصر مفهوم التعاون على تشكيل فريق عمل بل يتعداه لتوليد انتصارات جديدة ولو كانت صغيرة بالبداية فالانتصارات الصغيرة تولد الانتصارات الكبيرة ولو بعد حين .

لكن ما نرفضه هو أن يصطبغ سوق دمشق للأوراق المالية بطابع مؤسسات الحكومة المالية فيبدأ يعاني من البيروقراطية والبطء وغموض صنع القرار فيه فيتم التدخل في رؤيا هذا السوق لنصل إلى منظومة من القرارات المتداخلة التي لا تخلو من ثغرات قانونية وإدارية تؤثر على مضمون الرؤيا وتبتعد عنها .

كما يزيد من حساسية موضوع الأسواق المالية أهمية الإعلام ودوره في في شفافية السوق المالي فهناك دائماً معركة خفية بين الإعلام ومؤسسات الدولة ووزاراتها فالمعروف في الوسط الإعلامي لدينا صعوبة الحصول على المعلومة وخاصة الموثقة منها ولا أظن أن هذه المشكلة العامة لم تلق بظلالها على هيئة الأسواق المالية و السوق المالي وعلى الرغم من قناعتنا بكفاءة الإدارة الجديدة في سوق دمشق للأوراق المالية إلا أنه هناك مرضاً عضالاً عاماً يدعى فشل التعامل مع الإعلام فتارة بالهجوم عليه وتارة بالتجاهل وأخرى بالمواربة نأمل من الإدارة الجديدة ألا تصاب به بتجنب العدوى من الغير أو بأخذ اللقاح من أسواق الغرب .