دمشق في الازمة

[مجرد إنسان]

نقلا عن صحيفة الفاينانشال تايمز !

الدمشقيون لا يرجون الكثير من الأمم المتحدة
مايكل بيل من دمشق

وسط الأسعار المتصاعدة وتراجع المبيعات في المحال التجارية في دمشق، من القصابين إلى محال الكمبيوتر، ادعى صاحب مكتبة اسمه حسن أن أعماله ممتازة.

قال إن مكتبته – التي تشتمل على مواد تراوح من مجلة "الإيكونوميست" إلى الترجمة العربية لكتاب هتلر "كفاحي" – تمر بحالة ازدهار في الوقت الذي يسعى فيه سكان العاصمة السورية للبحث عن ملجأ من العنف الدموي للأزمة السورية ومصاعب الحياة اليومية التي نشأت بفعل الصراع.

وقال: "تعِب بعض الناس من التلفزيون والأخبار، وبطبيعة الحال هناك حالات انقطاع التيار الكهربائي. بالتالي الناس تقرأ حتى تنسى".

هذا التحليل ينجح في وضع اليد على المشاعر المتعبة التي يُظهِرها كثير من أهل دمشق، وهي مشاعر لا يبدو عليها أي تغير يذكر نتيجة تصويت مجلس الأمن في نهاية الأسبوع الماضي والقاضي بنشر مئات المراقبين بموجب خطة وضعها كوفي عنان، مبعوث السلام الخاص إلى سورية.

كثير من الناس، سواء كانوا من المؤيدين للنظام أو ضده، أو – وهو الأرجح – يحاولون فقط تجنب السياسة، يتوخون الحذر وسط الافتقار إلى لوازم الحياة الأساسية وما يعتبرونه جهوداً دولية لا طائل منها من أجل وقف العنف، الذي يقدر أنه أدى إلى مقتل نحو تسعة آلاف شخص في مختلف أنحاء البلاد.

وقال شخص اسمه أبو كريم بنوع من الأسى: "نحن الناس الذين يستطيعون حل هذا الأمر، الشعب السوري فقط". وذكر أن المبيعات في محله لبيع الأجهزة الكهربائية تراجعت بنسبة 90 في المائة منذ اندلاع الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد قبل أكثر من سنة. وأضاف: "إذا كان لديك أي خيار آخر، كل ما عليك هو أن تنبئني به".

ويحتفظ وسط دمشق بوضع طبيعي سطحي يكاد يبعث على الانزعاج، حيث الحركة في الأسواق وحركة المرور مزدحمة تماماً في بعض الأماكن في اليوم الأول من الأسبوع. ويشعر المرء إلى حد كبير بأن الطريق المؤدي إلى مدينة حمص الواقعة تحت القصف – حيث تنتشر صور بشار الأسد ووالده حافظ، وعليها وعد يقول إن "طريقكم سيظل طريقنا" – وكأنه يؤدي إلى بلد آخر.

مع ذلك، فإن حالات القتل في الضواحي الخارجية للعاصمة هي تذكره بأن الانطباع الأول عن المناطق المحلية يمكن أن يكون مضللاً.

وشهد وسط دمشق عدداً من الاحتجاجات، إلى جانب عمليات تفجير غامضة لبعض المباني الحكومية – وبالتالي فإن المقيمين خارج مناطق النخبة المدللة يشعرون في الوقت الحاضر ببعض الألم الناتج عن الصراع في أماكن أخرى.

ويقف محمد، وهو صاحب محل لبيع اللحوم، خارج محله الذي يوجد داخله فخذ خروف وحيد معلق من خطاف في نافذة العرض، ويقول إن الأسعار ارتفعت إلى الضعف بحيث أصبح سعر كيلو اللحم 900 ليرة سورية، وسط الوضع الأمني المتدهور، والعقوبات الدولية على سورية، وعمليات المتاجرة والتربح من الموردين.

وفيما يتعلق بنتيجة الأزمة، قال – بنوع من الغموض وبطريقة غير مباشرة يفهمها السامع، وهو أمر من غير المستغرب أن يلجأ إليه كثير من الناس في ظل هذه الأوقات الخطرة – إن "من غير الواضح" ما ستكون عليه نهاية الصراع.

وكان إبراهيم، وهو بائع في محل للملابس قريب من محل محمد، حذراً في كلامه بالقدر نفسه حين قال: "أعتقد أن السلام آتٍ" دون أن يعطي أية تفاصيل عن كيفية ذلك وموعده.

وبالمثل تراجعت السياسة إلى الوراء في كثير من مقاهي العاصمة في وقت متأخر من يوم السبت، حين انطلقت صيحات التشجيع والاحتجاج، ولكن ليس على الجدل الدائر في مجلس الأمن، وإنما على مباراة كرة القدم الإسبانية بين برشلونة وريال مدريد.

وفي حين أن كثيراً من الناس ينظرون إلى عناق ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو على أنه عملية تحويل للمشاعر مطلوبة، إلا أن هناك عدداً قليلاً للغاية من الناس يعبرون عن رأيهم بصراحة حول مدى الإنكار. وقال شاب اسمه إسماعيل، وهو يشير إلى الشارع المزدحم بالمتسوقين حوله: "لن تجد هنا شخصاً يقول لك الحقيقة. إنهم يعلمون أننا نتعرض للقتل – لكنهم لا يريدون أن يقولوا ذلك".