الرقم الإحصائي مأكول مذموم !

[saeed]

الرقم الإحصائي مأكول مذموم ! دمشق ـ البعث

المكتب المركزي للإحصاء هو الجهة الرسمية المكلفة والمخولة قانوناً بإعداد الأرقام الإحصائية، والجهات الرسمية والخاصة هي المصدر الأساس لجميع الأرقام لتي تصدر في نشرات المكتب الدورية والعرضية، ومن المجمع عليه عالمياً أن دقة الأرقام الإحصائية نسبية وليست مطلقة، ولا يتم اعتمادها ما لم تصل درجة الثقة بها إلى نسبة مقبولة علمياً، وفق الأسس والمعايير المعمول بها دولياً في الاختبارات الإحصائية التي تتم قبل الاعتماد النهائي للأرقام، علماً أن العديد من المنظمات الدولية تساهم في إعداد الكثير من الإحصاءات، وتعتمد الأرقام والمؤشرات الناتجة في الدراسات والنشرات الدولية التي تصدرها. قد يكون من غير المستغرب أن يشكك بعض الباحثين والدارسين بدقة بعض الأرقام الإحصائية (التي يصدرها المكتب المركزي للإحصاء) تحت حجة وأخرى، ولكن الملفت للانتباه أن يصدر التشكيك من بعض الرسميين، فلأكثر من مرة سبق أن شكك بعض الرسميين بالرقم الإحصائي، والحالة الأخيرة هي ما ورد قبل أيام على لسان أحد الوزراء (وزير الاقتصاد -الدكتور نضال محمد الشعار)في أحد تصريحاته الذي أبدى فيه عدم قناعته بالأرقام ورآها مخالفة للقوانين الاقتصادية السليمة وتساءل قائلاً: إذا كان معدل البطالة مستقراً ويصل (حسب قوله) إلى 12٪ سنوياً، فكيف تدخل سنوياً /300/ ألف فرصة عمل لسورية ويمتص السوق منها /55/ ألفاً، مبيناً أن الأرقام غير منسجمة مع بعضها، ولكن ربما غاب عن ذاكرة الوزير أن الـ /55/ ألفاً، هم فقط أولئك الذين تم استيعابهم في الجهات الرسمية العامة وفي بعض المؤسسات الخاصة المنظمة، وأنه يوجد هناك أيضاً عشرات الآلاف الذين استوعبتهم القطاعات العديدة الواسعة غير المنظمة، والتي لا تظهرها السجلات الرسمية، هذا الاستيعاب الذي تظهر نتائجه من خلال المسوح الميدانية لقوة العمل التي ينفذها المكتب المركزي للإحصاء مرتين كل عام، وهذا ثابت ومؤكد ميدانياً على الطبيعة، إذ إن كثيراً من الخريجين يعملون عقب تخرجهم في القطاع غير المنظم، لحسابهم أو لدى أسرهم أو بأجر لدى الغير، /ولو لم يتفق عملهم مع تخصصاتهم الدراسية/ بانتظار توفر فرصة عمل مؤسساتية لاحقاً، ولكن الوزير أصاب عندما ترك الباب مفتوحاً، حيث قال سنطلب من الإحصاء أن يقدموا لنا شرحاً ومعالجة ما تحتاجه الأرقام من معالجة، وفي اليوم التالي /الأربعاء 14/12/2011 أوردت نفس الصحيفة التي نقلت تصريحات الشعار تصريحاً لوزير آخر (هو وزير الشؤون الاجتماعية والعمل -الدكتور رضوان الحبيب) قال فيه: إن نسبة البطالة هي بين /22 و30٪/ في حين أن الإحصاءات الرسمية تظهر أن نسبة البطالة هي أقل من ذلك بكثير، ولكن المتمعن في متن نص المقال يكتشف أن الوزير يقصد أن هذه النسبة تعود لفئة الشباب، خاصة وأنها قريبة بعض الشيء من النسبة التي جاءت في صحيفة محلية أخرى قالت: إن إحصاءات المكتب المركزي للإحصاء تظهر أن معدل البطالة العام هو 8.6٪ لعام /2010/ ولكن معدل بطالة الشباب في سن (15-24) هو 20.38٪ ما يستوجب ضرورة توافق العبارة مع مضمون الرقم. أي ألا تعمد جهة لاعتماد أو نشر رقم بطالة بصيغة عامة، وهو خاص بشريحة عمرية معينة، تجنباً لحدوث أي التباس في ذهنية القارئ المهتم. ليس من المنطق أن يكون الرقم الإحصائي مأكولاً مذموماً، فالأرقام الإحصائية في سورية تصدر عن جهة رسمية والجهات الرسمية الأخرى معنية باعتمادها، ما يجعل من غير المناسب أن تكون محط تشكيك أي جهة رسمية أخرى، وأرى من غير المناسب أن يعمل البعض للترويج لأهمية وجود جهات إحصائية خاصة تكون معنية بإعداد الرقم الإحصائي إلى جانب المكتب المركزي للإحصاء، متغافلين عن ضعف قدرة هذه المراكز الإحصائية الخاصة المرتقبة في تأمين أرقام أكثر دقة من أرقام المكتب، لأن الجهات (المواطن والأسرة والمؤسسات الخاصة وحتى المؤسسات العامة) التي هي المصدر الأساس لبيانات الأرقام الإحصائية التي يجمعها المكتب، لن تكون أكثر تعاوناً مع الجهات الإحصائية الخاصة فيم لو تم الترخيص لها، وأدعو الذين يقولون إن أرقام الجهات الإحصائية الدولية -بخصوص الشأن السوري -أكثر دقة وموثوقية من أرقام المكتب، ألا يغيب عن ذاكرتهم أن المكتب المركزي للإحصاء هو المصدر الأساس لأرقام جميع الإحصاءات الدولية الرسمية بخصوص سورية، ولهذه الجهات اهتماماتها المتتابعة بأعمال المكتب (على غرار اهتماماتها بأعمال الأجهزة الإحصائية في بقية الدول المنضوية تحت لوائها) ومساهماتها مستمرة في العديد من المسوح التي ينفذها المكتب، حيث لم تتوقف المنظمات الدولية المعنية بالرقم الإحصائي عن تقديم الدعم الخارجي لمشروعات المسوحات الإحصائية، دون أن تلقي بالاً بالعقوبات العربية والدولية المفروضة على سورية، وقد تأكد ذلك من خلال التصريح الذي صدر (عبر صحيفة البعث ليوم الجمعة 16/12/2011) عن مدير المكتب المركزي للإحصاء، على هامش اللقاء التشاوري الذي عقد في دمشق بالتعاون مع منظمة اليونيسيف حول صياغة الرقم الإحصائي، حيث أكد أن المنظمات الدولية جادة في العمل والتعاون المستمر مع المكتب دون النظر في العقوبات بما ينعكس بشكل إيجابي على الوثوقية بالرقم وتحضيراً للاستراتيجية الوطنية الإحصائية، ولكل ما من شأنه خلق شراكة حقيقية بين المكتب وكافة الجهات المعنية والمستخدمة للبيانات والمنظمات الدولية الداعمة لرفع درجة الوعي بأهمية البيانات الإحصائية، وزيادة الثقة بين منتجي ومستخدمي البيانات للوصول إلى رقم إحصائي شفاف يلبي تعاظم الطلب على البيانات الإحصائية في الوقت المناسب وبما ينمي احتياجات التنمية، وحبذا ألا يغيب عن بال الجميع أن دقة الرقم الإحصائي رهن بتفهم الناشرين والباحثين والدارسين والرسميين لمدلولاته وجميع الحيثيات المتعلقة به، كما هي رهن بصدقية وجدية المدلين به، والعاملين في استيفاء الاستبيانات الإحصائية وتبويبها واستخلاص نتائجها ومؤشراتها، ما يتطلب أن تحظى الأرقام الإحصائية بالمزيد من جدية واهتمام وتمعن جميع المعنيين في جمعه واستخدامه ونشره. عبد اللطيف عباس شعبان عضو جميعة العلوم الاقتصادية السورية