عضو مشارك
تاريخ التسجيل: Nov 2011
الدولة: سورية
المشاركات: 327
شكراً: 11,041
تم شكره 2,088 مرة في 327 مشاركة

رد: صالة أسعار الدولار والذهب مقابل الليرة السورية ليوم الخميس 19-9-2013
ما حذرنا منه قبل عدة أشهر وقع اليوم
القمح السوري ذهب مع (رياح) الاستهتار والحكومة (تطرب لموال) الاستيراد!
18/09/2013
زياد غصن- سيرياستيبس - خاص
الباحث اقتصادي كبير متخصص في الشؤون المالية والمصرفية عبارة تلخص كل أسباب الفشل الاقتصادي الذي تعيشه سورية منذ عدة عقود وما جرى من عمليات نهب وسرقة وهدر للثروات الوطنية، فهو كان دوماً يردد:"إن أهم ميزة موجودة في سورية هي أنه ليس هناك من يحاسب..".
وكما أن هذه العبارة تفسر لنا كيف وصلت سورية إلى آذار من العام 2011، فإنها أيضاً تشرح لنا باختصار شديد كيف تدهور الوضع الاقتصادي الوطني خلال الأشهر الأخيرة بشكل كبير وغير متوقع، فالحكومة الحالية التي مضى على تسلمها مهامها نحو عام ونيف ونتيجة افتقادها للخبرة والكفاءة الاقتصادية تسببت في هدر ثروات وطنية هائلة من جهة وفي انفلات الاقتصاد الوطني وخضوعه لسيطرة طبقة من الفاسدين والمتنفذين تسمى بأثرياء وتجار الأزمات من جهة ثانية.
وقد قدمت في مقالات سابقة أمثلة مباشرة موثقة بالبيانات والأرقام الإحصائية عن هدر الحكومة لثروات البلاد وأوجه سيطرة تجار الأزمات وتحكمهم بحركة الاقتصاد الوطني، واليوم أقدم مثالاً جديداً وخطيراً يتعلق بالمادة الرئيسية في غذاء المواطن السوري..
فقبل عدة أشهر، وبناءً على معلومات قدمها مواطنون من المنطقتين الشمالية والشرقية، نشرنا في هذا الموقع مقالة تحذر الحكومة الحالية من مغبة مشروع يستهدف سرقة إنتاج البلاد من محصول القمح وتهريبه إلى تركيا، الأمر الذي يهدد إن حصل لقمة عيش جميع سكان سورية دون استثناء إضافة إلى تكبد الدولة لخسائر مالية باهظة، فما كان آنذاك من الحكومة إلا أن طلبت من وزير الزراعة الحالي الخروج عبر شاشة الفضائية السورية ليستعرض إجراءات الحكومة لتسوق محصول القمح وما ستقدمه من "مزايا وإعفاءات" دون أن تفكر بذلك التهديد بطريقة استراتيجية وتضع خطط حقيقية لمواجهته...فماذا كانت النتيجة اليوم؟!.
وفق تصريحات رئيس الحكومة د. وائل الحلقي فإن التقديرات كانت تشير إلى أن إنتاج البلاد هذا العام من محصول القمح يبلغ نحو 2.5 مليون طن(علماً أن وزير الزراعة الحالي قال في شهر أيار الماضي بـ3،6 ملايين طن ) وتوقعت الحكومة قيام الفلاحين بتسليم مراكزها نحو مليوني طن من القمح وخصصت لذلك مبلغ وقدره 70 مليار ليرة، لكن بعد أن انتهى موسم الحصاد والتسليم تبين أن مراكز المؤسسة العامة للحبوب وهيئة إكثار البذار لم تتسلم إلا ما يقرب من مليون طن فقط، وتبعاً لبعض المصادر فإن الكميات المسلمة لمؤسسة الحبوب والتي ستحول إلى المطاحن لم تتجاوز 780 ألف طن...فأين ذهب المليون ونصف المليون طن من محصول القمح لهذا العام؟ هل بقيت في السوق المحلية أم جرى تهريبها للخارج؟ ومن هي الجهات التي أخذت هذه الكمية شراءً أو سرقةً...الخ ؟ وهل كان يمكن للحكومة أن تتسوق كميات أكبر فيما لو اتخذت إجراءات أكثر فاعلية ومسؤولية؟!.
يجب الاعتراف بداية أن الحكومة مجتمعة (وليس فقط وزارة الزراعة) تعاملت هذا العام مع ملف محصول القمح باستهتار شديد وبإجراءات اعتيادية لا تأخذ بعين الاعتبار التهديدات والظروف المستجدة، وإلا لما كانت الكميات المسوقة لمؤسسة الحبوب تسجل أرقاماً متواضعة وتفتح الباب لاستيراد كميات ضخمة من القمح والطحين لتلبية احتياجات السوق المحلية وما يعنيه ذلك من استنزاف للقطع الأجنبي والتسبب بحدوث أزمات متتالية في توفر مادة الخبز والطحين...وغيرها.
من المؤكد أن جزءاً كبيراً من محصول القمح الذي لم يسلم للمراكز الحكومية جرى تهريبه إلى دول الجوار، فالسيارات الشاحنة التركية كانت تصول وتجول في بعض المناطق الشمالية الحدودية لاصطياد الإنتاج السوري، كما أن بعض مجموعات المعارضة المسلحة أخذت جزءاً ليس بالقليل من هذه الإنتاج وفق ما نشره ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، والجزء الثالث من هذا الانتاج جرى تخزينه من قبل المزارعين للاستهلاك الذاتي، وإذا افترضنا أن كميات القمح التي لم تسلم للمراكز الحكومية هذا العام تقدر بنحو مليون طن فقط وأن وسطي سعر الكيلو غرام الواحد لا يتعدى 27 ليرة وفق تسعيرة الحكومة فهذا يعني أن قيمة القمح الذي لم يسلم للدولة تصل إلى أكثر من 27 مليار ليرة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار السعر العالمي لاسيما بعد ارتفاع سعر صرف الدولار في مقابل الليرة فإن القيمة ترتفع إلى أكثر من 50 مليار ليرة، وعلى خطورة هذا الرقم إلا أن الحكومة لم تقدم دراسة علمية وموضوعية لمصير محصول القمح والجهات التي استحوذت عليه وتأثيرات ذلك على الأمن الغذائي للمواطن السوري لاسيما في ظل هذه الظروف.
قد يسأل البعض: وماذا يمكن للحكومة أن تفعل غير زيادة السعر وتحمل تكلفة النقل لاسيما وأن بعض المناطق المنتجة تسيطر عليها مجموعات متباينة من المعارضة المسلحة؟!.
ليس مطلوباً من الحكومة أن تفعل أكثر، لكن أن تكون ذكية بعض الشيء عند تطبيق ما أقرته من مزايا وتسهيلات، فمثلاً قرار إعفاء المزارعين والفلاحين من غرامات وفوائد التأخير على القروض المستجرة من المصرف الزراعي كان يمكن أن يكون خطوة فاعلة ومؤثرة لو أن تطبيقها اقتصر على المزارعين والفلاحين الذين يسلمون إنتاجهم الزراعي للدولة لا أن تتم مساواة جميع المقترضين المتعثرين دون تمييز بين الفلاح الملتزم بتسليم إنتاجه للدولة والاستمرار بالعمل الزراعي وبين المواطن الذي استجر قرضاً واستخدمه في غير غايته وهجر أرضه وزراعته.
وكذلك الأمر بالنسبة لسعر محصول القمح المعتمد رسمياً والذي كان يجب أن تكون الحكومة متابعة له ومرنة في تحريكه تبعاً لتوزع المحصول جغرافياً والمخاطر المحيطة به، فدخول المهربين والتجار الأتراك على خط شراء القمح السوري من بعض المناطق الحدودية الخارجة عن سيطرة الدولة كان يقتضي من الحكومة تحريك سعرها لمحصول القمح ليصبح منافساً لهؤلاء ومغرياً للمزارعين، ففي النهاية الخزينة العامة ستكون مضطرة لدفع أضعاف كذلك السعر جراء الاستيراد لسد فجوة الاستهلاك.
على الطرف الآخر كان المستفيدون من فشل الحكومة في إدارة ملف محصول القمح يتوزعون على شريحتين:
-الشريحة الأولى تضم المهربين والسماسرة والتجار الأجانب الذين استغلوا ظروف الفلاح وأوضاع المناطق أمنياً لسرقة محصوله وتهريبه إلى خارج البلاد أو بيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة.
-الشريحة الثانية وتمثل المستوردين لمادة القمح، فما حدث لهم وفر فرصة ذهبية هي الأولى منذ نحو عشرين لاستيراد كميات ضخمة من القمح بدأتها الحكومة مؤخراً بالإعلان عن رغبتها باستيراد مليون طن.
طبعاً هذا الملف سيكون مصيره كمصير عشرات الملفات التي تكشف زيف خطط الحكومة وإدعاءاتها وما تسببت به من هدر للمال العام والثروات الاقتصادية، فما دامت هناك أزمة في البلاد فإن الشماعة جاهزة لتعلق عليها الحكومة كل الأخطاء والمخالفات والتجاوزات وحالات الهدر والفساد....وغيرها.