الجزء الخامس - فترة الرئيس أوباما: الإصلاحات جنبت الدولار مزيدا من الهبوط ولكن إلى أي مستوى يقف سقف الدين
الرئيس باراك أوباما
باراك حسين أوباما الابن: هو الرئيس الرابع والأربعون للولايات المتحدة الأمريكية منذ 20 يناير 2009، وأول رئيس من أصول أفريقية يصل للبيت الأبيض، حقق انتصارا ساحقا على خصمه جون ماكين وذلك بفوزه في بعض معاقل الجمهوريين مثل أوهايو وفيرجينيا في 4 نوفمبر 2008 حصل على جائزة نوبل للسلام لعام 2009 نظير جهوده في تقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب، وذلك قبل إكماله سنة في السلطة.
تخرج أوباما من كلية كولومبيا بجامعة كولومبيا وكلية الحقوق بجامعة هارفارد، وكان من أوائل الأمريكيين من أصول أفريقية يتولى رئاسة مجلة هارفارد للقانون، كما كان يعمل في الأنشطة الاجتماعية في شيكاغو قبل حصوله على شهادة المحاماة. وعمل كمستشار للحقوق المدنية في شيكاغو، وقام بتدريس مادة القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة شيكاغو في الفترة من 1992 إلى 2004.
عرف أوباما في شبابه باسم " باري "، ولكن طلب من الجميع التعامل معه باسمه الأصلي خلال السنوات الجامعية
بدأ في خوض منافسات انتخابات الرئاسة في فبراير من عام 2007وبعد حملة شديدة التنافس داخل الحزب الديمقراطي من أجل الحصول على ترشيح الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية استطاع الحصول على ترشيح حزبه وذلك بعد تغلبه على منافسته هيلاري كلينتون، ليصبح أول مرشح للرئاسة من أصل أفريقي لحزب أمريكي كبير، في الانتخابات العامة التي جرت في 4 نوفمبر 2008 استطاع أن يهزم المرشح الجمهوري جون ماكين، ونصب رئيساً في 20 يناير 2009.
ولد أوباما في مركز كابيئولاني الطبي للنساء والأطفال في هونولولو بهاواي في الولايات المتحدة الأمريكية من أم أصلها إنجليزي تدعى ستانلي آن دونهام والكيني باراك أوباما الأب والذين التقيا في عام 1960 خلال دورة تدريبية في اللغة الروسية في جامعة هاواي في مانوا، حيث كان والده طالبا أجنبيا يدرس من خلال منحة دراسية وكانا قد تزوجا في 2 فبراير 1961 وانفصل والداه عندما كان عمره عامين، وتطلقا في عام 1964 وعاد والد أوباما إلى كينيا بعدها، وشاهد ابنه مرة واحدة فقط قبل أن يموت في حادث سيارة عام 1982.
في أعقاب انتهائه من المدرسة الثانوية انتقل إلى لوس أنجلوس في عام 1979 للالتحاق بكلية اوكسيدنتال وفي عام 1981 انتقل إلى جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك حيث تخصص في العلوم السياسية مع تخصص في العلاقات الدولية، وتخرج وحصل على البكالوريوس في عام 1983، ثم التحق أوباما بكلية الحقوق بجامعة هارفارد في أواخر عام 1988.
وفي 27 أكتوبر 2008 ألقت قوات الأمن الأمريكية في ولاية تينيسي الجنوبية القبض على شخصين من "النازيين الجدد" من المتطرفين البيض كانا يخططان لاغتياله باعتباره أول أمريكي من أصول أفريقية يترشح لمنصب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة.
الوظائف التي شغلها قبل تولي الرئاسة
- أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق بجامعة شيكاغو من عام 1992 حتى عام 2004.
- عضو مؤسس في مجلس إدارة الهيئة العامة للحلفاء في عام 1992.
- التحق بشركة ديفيس مينر جالند وبارنهيل للمحاماه عام1993.
- عضو مجلس إدارة صندوق وودز في شيكاغو بالفترة من 1994 إلى 2002.
- عضو مجلس إدارة مؤسسة جويس من 1994 إلى 2002.
- محام استشارى من 1996 إلى عام 2004.
- عضو مجلس إدارة شيكاغو إننبرج للتحدي في الفترة من 1995 إلى 2000.
- رئيس مجلس إدارة في لجنة المحامين للدفاع عن الحقوق المدنية بشيكاغو.
- عضو مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي وذلك في الفترة من 1997 إلى 2004.
- رئيس لجنة الخدمات الصحية والإنسانية في مجلس الشيوخ بإلينوي في يناير 2003.
- تولى مهام عدة لجان في مجلس الشيوخ مثل لجنة العلاقات الخارجية، ولجنة البيئة والأشغال العامة ولجنة شؤون المحاربين القدماء.
- مرشح الحزب الجمهوري عام 2008.
أهم الأحداث الاقتصادية في عهد باراك أوباما
بميراث يثقل كاهل الجبال بدأ الرئيس الأمريكي بارك أوباما فترة رئاسته في 20 يناير 2009 بعدما تسبب سابقه الرئيس بوش الإبن في دخول الاقتصاد الأمريكي في حقبة اعتبرها الاقتصاديين أسوأ من حقبة الكساد العظيم وذلك بسبب ممارساته الغير مسئولة وهي دخوله في أكثر من حرب تسببت في وصول الدين العام الأمريكي إلى 12 تريليون دولار، إلى جانب محاباته لرجال الأعمال على حساب الطبقة المتوسطة في الشعب الأمريكي، وإعطائهم صلاحيات كثيرة مما دفعهم إلى هتك النظام المالي للولايات المتحدة بحدوث فقاعة الرهونات العقارية في 2008.
وفي خلال هذه الفقرة سوف نوضح الخطوات التي اتخذها الرئيس أوباما تجاه الاقتصاد الأمريكي المريض، وبعد ذلك نذكر إذا ما أتت هذه الخطوات بنتائج إيجابية على الاقتصاد الأمريكي من عدمه.
الجهود والخطوات الاقتصادية التي قام بها باراك أوباما منذ توليه الحكم حتى الآن
مع بدأ تولي أوباما سدة الحكم اعتمد في سياسته الاقتصادية على زيادة الإنفاق العام كوسيلة توسعية وتنشيطية للاقتصاد الأمريكي عن طريق زيادة الإنفاق الحكومي والاستثمارات في البنية الأساسية مثل الطرق والكباري والكهرباء والتعليم وكذلك الرعاية الصحية، هذا إلى جانب توفير تخفيضات ضريبية كبيرة على المواطنين الأمريكيين مع التركيز على الطبقات الوسطى والفقيرة من المجتمع. في يناير 2009 تقدم أوباما بخطة عاجلة لتحفيز الاقتصاد الأمريكي شملت تخفيضات ضريبية كبيرة للمواطنين والشركات التجارية بمبلغ يتجاوز 275 مليار دولار، إلى جانب ضخ 550 مليار دولار في مجموعة من بنود الإنفاق الحيوية الهامة لإنعاش الاقتصاد الأمريكي، بما في ذلك إصلاح الجسور والطرق وزيادة إعانات البطالة والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة وإصلاح التعليم وبناء مدارس جديدة.
وكان الهدف من خطة التحفيز الاقتصادية لإدارة أوباما هو توفير ما بين ثلاثة إلى أربعة ملايين فرصة عمل خلال 18 شهرا، وتحقيق الاستقرار المالي، والحد من تأثيرات أزمة الرهن العقاري، وإنقاذ الاقتصاد الأمريكي من شبح الركود، وفي سبيل ذلك تركز الخطة الاقتصادية على توفير محفزات كبيرة لتنشيط الاقتصاد الأمريكي من ناحيتين:
تخفيضات كبيرة لمستوى الضرائب على 95% من المواطنين الأمريكيين، فقد شملت الخطة الاقتصادية تخفيضات ضريبية كبيرة للشركات والعمال من الطبقات الوسطى والفقيرة يصل إجمالي توفيرها إلى 275 مليار دولار، وهو ما يتجاوز ثلث تكاليف الخطة الاقتصادية، وشملت هذه التخفيضات مبلغ يصل إلى 500 دولار سنويا في المتوسط للفرد وإلى 1000 دولار للأسرة، إلى جانب القضاء على ضرائب الدخل لكبار السن الذين تقل دخولهم عن50 ألف دولار سنويا مما يحقق لهم تخفيضات تصل إلى 1400 دولار سنويا، ورفع متوسط الدخل الخاضع للضريبة إلى 250 ألف دولار سنويا، هذا إلى جانب تبسيط وتحديث إجراءات التسجيل والدفع لدافعي الضرائب.
وتضمنت الإعفاءات الضريبية أيضا الشركات التي تخلق فرصا جديدة للعمل وكذلك الشركات الأمريكية التي تعتمد بصفة أساسية على العمالة الأمريكية أكثر من الاعتماد على العامل الأجنبي وكذلك تخفيضات كبيرة للمشروعات الصغيرة والناشئة لتشجيعها على الاستمرار وتوفير فرص عمل جديدة، كما أقر أوباما تخصيص 75 مليار دولار، لمساعدة أكثر من تسعة ملايين من أصحاب المنازل المتعثرين في سداد الأقساط الشهرية المستحقة عليهم، بسبب الأزمة المالية، التي انعكست تأثيراتها بقوة علي قطاع الرهن العقاري. وانتقد الحزب الجمهوري الخطة لأنها لا تتضمن إعفاءات ضريبية كافية لتشجيع رجال الأعمال علي زيادة استثماراتهم، وحذروا في الوقت ذاته، من زيادة الدين العام بسبب تكاليف تنفيذ هذه الخطة، وخاض أوباما مواجهة طويلة مع الجمهوريين لإقرار الخطة، وقد لاقت الخطة الاقتصادية لإدارة أوباما كثيرا من الانتقادات خاصة من الحزب الجمهوري باعتبارها ستؤدى إلى ارتفاعات كبيرة في عجز الموازنة العامة، وهو الأمر الذي لا يهتم به كثيرًا الرئيس أوباما كمشكلة أساسية في الأجل القصير في سبيل تحقيق الهدف الأساسي وهو تنشيط الاقتصاد الأمريكي، وتوفير فرص عمل جديدة للقضاء على مشكلة البطالة التي تعدت حدود 7% والقضاء على الأزمة المالية، ولكن في النهاية وافق مجلس النواب الأمريكي على خطة التحفيز الاقتصادية التي تتكلف 825 مليار دولار.
وفي يوم 29 يناير 2009 وقع الرئيس أول مشروع ليصبح قانون، وهو قانون ليلي ليدبيتر للأجر العادل لعام 2009، والذي سهل من شروط تقديم دعاوى قضائية للتمييز في العمل وبعد ذلك بخمسة أيام، وقع على إعادة تفويض من الدولة لبرنامج التأمين الصحي للأطفال (SCHIP) لتغطية 4 ملايين طفل إضافي غير مؤمن عليهم.
في مارس 2009 ألغى أوباما السياسة الضريبية الاتحادية التي أقرت في عهد جورج بوش والتي منعت من استخدام الضرائب الفيدراليه لتمويل البحوث المتعلقة بأبحاث جديدة.
وفي مارس قام وزير الخزانة تيموثي جيثنر بإتخاذ المزيد من الخطوات لمعالجة الأزمة المالية بما في ذلك البرنامج الاستثماري بين القطاعين العام والخاص من خلال شراء ما يصل إلى 2 ترليون دولار قيمة الأصول العقارية التي انخفضت والتي بثقلها أثرت على قيمة الأسهم بالسلب مما أدى إلى تجميد سوق الائتمان وتأخير الانتعاش الاقتصادي، الأمر الذي أدى بالفعل إلى تفاعل المستثمرين بإيجابية مع ارتفاع مؤشرات الاسهم الرئيسية بمجرد فتح الأسواق إلى جانب ضمانات الانفاق والقروض من البنك الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة، وتمت الموافقة على نحو 11.5 ترليون دولار من قبل إدارتي أوباما وبوش، وتم إنفاق 2.7 ترليون دولار بالفعل بحلول نهاية يونيو 2009.
ومن جانب آخر فقد قامت إدارة أوباما بمراجعة الشركات المتعثرة التي حصلت على دعم مالي في العام المالي 2008 خلال فترة تولي جورج بوش للرئاسة وتحديد أي من الشركات التي تستحق الدعم خلال الفترة المقبلة وذلك بعد أن أعرب أوباما عن غضبه الشديد من التقارير التى أشارت إلى صرف كثير من الشركات المتعثرة في وول ستريتWall Street إلى موظفيها مكافآت تتجاوز 10 مليارات دولار بالرغم من الخسائر التي حققتها والتخلي عن عدد كبير من الوظائف، ولهذا ركز أوباما في خطته عند صرف المبلغ المتبقي البالغ 350 مليار دولار من خطة الإنقاذ السابقة البالغة 700 مليار دولار على إعادة النظر في برامج إنقاذ الشركات والبنوك والتركيز على الحد من آثار الرهن العقاري وإنقاذ أكثر من مليوني من متعثري الرهون العقارية وأغلبهم من الطبقات الوسطى.
وانتقد أوباما منح إعفاءات ضريبية للشركات الأمريكية التي تنقل فرص العمل والمصانع إلى الخارج ووصف ذلك بغير المنطقي، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الشركات الأمريكية التي تفكر الآن في توطين وظائفها مرة أخرى في الولايات المتحدة، ومؤكدا على أن الولايات المتحدة أصبحت أكثر قدرة على المنافسة من أي وقت مضى.
وعن قطاع السيارات فقد تدخل أوباما في الشركات المتعثرة في شهر مارس حيث قام بتجديد القروض لشركة جنرال موتورز وكرايسلر لتواصل عمليات إعادة التنظيم، كما قام بتحديد شروط للشركات التي على وشك الإفلاس من ضمنها بيع كرايسلر لشركة فيات الإيطالية للسيارات وإعادة تنظيم جنرال موتورز لتمنح حكومة الولايات المتحدة حصة قدرها 60% من رأس مال الشركة. وبالنسبة للسياحة فقد قام أوباما بوضع خطوات لتسهيل السفر على زائري الولايات المتحدة وذلك بهدف تعزيز السياحة ومساعدة الاقتصاد المحلي إلى جانب دعم الشركات التي تتطلع إلى التوسع في توظيف العمالة.
وعن قطاع المقاولات فقد أقر أوباما حزمة من الإجراءات العاجلة لإنعاش المقاولات الأمريكية وتشجيعه على تشغيل العاطلين، حيث قامت إدارة أوباما بمنح الشركات التي تؤسس مشاريع داخل أمريكا إعفاءات ضريبية متعددة، فيما ستعمل على حرمان الشركات التي تنقل أعمالها إلى الخارج وخصوصا إلى الصين من أي إعفاءات ضريبية، حيث قال أوباما أنه من غير المقبول أن تحقق الشركات الخاصة أرباحا خيالية عبر نقل الوظائف إلى الصين وتقتل سوق العمل في أمريكا وتتمتع بعد ذلك بإعفاءات ضريبية ضخمة من الإدارة الأمريكية.
قطاع الصادرات شهد أيضا اهتماما من جانب الرئيس أوباما حيث وافق على قانون إعادة تفويض بنك التصدير والاستيراد لعام 2012 الذي يعيد التفويض بممارسة أنشطة بنك التصدير والاستيراد بما يزيد سقف تعاملات البنك ويجري تعديلات أخرى على سلطاته، وذلك بهدف مساعدة آلاف الشركات الأمريكية على بيع منتجاتها وخدماتها بشكل أكبر في الخارج، وهو ما سينتج عنه خلق فرص عمل جديدة داخل الولايات المتحدة دون تكلفة إضافية على دافعي الضرائب الأمريكيين. قامت إدارة أوباما بتقديم الدعم إلى شركة بوينج الأمريكية العملاقة لصناعة الطائرات وهو ما مكنها من إبرام صفقة لبيع أكثر من 200 طائرة من إنتاجها لإحدى شركات الطيران الأسرع في العالم.
اتفاقيات التجارة الحرة:
وافق الكونغرس في 12 أكتوبر لعام 2011 على خطة أوباما بشأن اتفاقيات التجارة الحرة والتي تضمنت ثلاث اتفاقيات تجارة حرة مع كل من كوريا الجنوبية وكولومبيا وبنما، وذلك بعد أربع سنوات من عدم الدخول في شراكات تجارية جديدة، مما أعطى كلا من البيت الأبيض والكابيتول هيل الفرصة لإثبات أنهما يستطيعان العمل معا لتحفيز الاقتصاد وتوفير فرص العمل للشعب الأمريكي.
حيث صوت مجلس النواب ومجلس الشيوخ على الاتفاقيات التجارية الثلاث التي تقول الإدارة الأمريكية أن من شأنها أن تزيد الصادرات بمقدار 13 مليار دولار، وأن تدعم عشرات الآلاف من الوظائف الأميركية. وقد قال الرئيس أوباما إن إقرار الاتفاقيات كان نصرا كبيرا للعمال والأعمال الأمريكية، وأضاف أن هذا سيعزز الصادرات الأمريكية التي تحمل عليها عبارة صنع في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تمدنا بإحساس بالفخر، كما سيوفر عشرات الآلاف من الوظائف الأمريكية ذات المدخول العالي وسيحمي حقوق العمال والبيئة والملكية الفكرية، بالإضافة إلى تقليل أو إلغاء التعريفات الجمركية التي يتكبدها المصدرون الأمريكيون في البلدان الثلاث. أما بالنسبة للإتفاقية مع كوريا الجنوبية التي تعد البلد الثالث عشر من حيث حجم الاقتصاد فهي تعد أكبر صفقة من نوعها منذ اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة مع المكسيك وكندا في عام 1994.
ونوهت غرفة التجارة الأمريكية إلى أن المنتجات الزراعية الأمريكية المباعة إلى كوريا الجنوبية تواجه تعريفات جمركية بنسبة 54% مقابل نسبة 9% للمنتجات الزراعية الكورية في الولايات المتحدة، وبأن مصنعي السيارات الأمريكيين يواجهون تعريفات جمركية بنسبة 35% في كولومبيا مقابل 2% لأي مركبة قادمة من كولومبيا.
وافقت إدارة أوباما على إنتاج محلي لم يسبق له مثيل من النفط والغاز داعيا إلى دعم استراتيجيته الشاملة لخفض اعتماد أمريكا على النفط الأجنبي، في الوقت الذي قام فيه أوباما بمناقشة اللجوء إلى السحب من الاحتياطيات النفطية المخصصة للطوارئ لخفض أسعار النفط.
ورغم قيام أوباما بتدشين مشاريع عديدة تهدف إلى استغلال مصادر طاقة جديدة كالرياح والفحم وأشعة الشمس والذرة، إلا أن جهوده لم تفلح في إقناع الأمريكيين بالتخلي عن قيادة السيارات رباعية الدفع التي تستهلك كميات كبيرة من البنزين أو حتى اقتناء السيارات الهجينة التي تعمل بالبطاريات، بالإضافة إلى البنزين.
كما أن معظم سائقي هذه السيارات ينتمون إلى الطبقة المتوسطة التي تتحمل بشكل مباشر أعباء ارتفاع ثمن البنزين، بالإضافة إلى باقي الأعباء الاقتصادية الأخرى، وهي الطبقة نفسها التي تتوجه إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات للإدلاء بأصواتها، التي غالبا ما تكون حاسمة في ترجيح كفة مرشح دون آخر.
في الثاني من أغسطس 2011 بعد صراع كبير بين الديموقراطيين والجمهوريين وافق مجلس الشيوخ في الكونغرس الأمريكي على مشروع قانون يقضي برفع سقف الاقتراض الحكومي، بهدف تجنيب الحكومة العجز عن الوفاء بالتزاماتها المالية لأول مرة في تاريخها، وبموجب الاتفاق سيرفع سقف الدين بمقدار 2.4 تريليون دولار، وسيخفض الإنفاق خلال السنوات العشر المقبلة بنفس قيمة رفع سقف الدين، مع عدم فرض ضرائب جديدة.
خطة أوباما المسماة بقانون الوظائف
عرض الرئيس أوباما خطة لإنعاش قطاع الوظائف الإمريكية في سبتمبر 2011 ولكن الخطة قوبلت بالرفض كالعادة من قبل الجمهوريين، ولكني أردت أن أذكرها لتوضيح سياسة أوباما تجاه الاقتصاد الأمريكي، وهدف الخطة هو بكل بساطة عودة الامريكيين الى العمل مع العلم ان معدل البطالة في الولايات المتحدة هو 9.1 بالمئة. هذه الخطة ستكلف 447 مليار دولار منها 240 مليارا تتعلق بتخفيض الضرائب وتخفيف الاعباء من اجل تنشيط التوظيف في الولايات المتحدة، واتخاذ اجراءات لمصلحة العاطلين عن العمل وكذلك طرح استثمارات في البنى التحتية من أجل تنشيط العمل.
ملخص خطط أوباما لإنعاش الاقتصاد الأمريكي
أداء بورصة وول ستريت:
في خطاب سابق لـ "باراك أوباما" كان قد وصف المصرفين الذين يعملون في وول ستريت بـ"القطط السمان"، وهو ما دفعه إلى اتخاذ سياسات مالية تعمل على تجنيب القطاع المالي من الانهيار مثل ما حدث في أزمة الرهونات العقارية، حيث استثمرت الحكومة الفيدرالية مئات المليارات من أموال دافعي الضرائب في البنوك، الأمر الذي أعطى فرصة كبيرة للانتعاش.
ففي خلال فترة حكم أوباما ازدادت البنوك ثراء مما كانت عليه عند تولي أوباما منصبه رئيسا قبل 3 سنوات، حتى أنها اقتربت من تحقيق مستوى الأرباح التي كانت تحققها قبل الأزمة المالية الطاحنة فى أمريكا في عام 2008.
وأظهرت البيانات الصناعية أن شركات وول ستريت المستقلة وغيرها من أذرع تداول الأوراق المالية لللبنوك، حققت أداء أفضل، حيث جنت أرباحا في أول سنتين لإدارة الرئيس أوباما أكثر مما حققته خلال السنوات الثمانية لإدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.
الإصلاح المالي لوول ستريت
كان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد أعلن أن الوقت قد حان للمضي قدما في تنفيذ الإصلاحات الحقيقية لوول ستريت، وقال أوباما إنه كان بالإمكان تفادي الأزمة الاقتصادية الحالية لو كانت وول ستريت أكثر عرضة للمساءلة، والمحاسبة وأكثر شفافية في تعاملاتها المالية، ولو كان قد تم منح المستهلكين وحملة الأسهم مزيدا من المعلومات، وسلطة اتخاذ القرارات، وأضاف أن ذلك لم يحصل، وذلك لأن المصالح الخاصة أثارت حملة كبيرة لانتهاك القواعد الأساسية والبديهية الموضوعة لتفادي الاستغلال وحماية المستهلكين مشيرا إلى أن أحد الأسباب الرئيسية للأزمة المالية في السنتين الماضيتين كان الأخطاء في القطاع المالي.
وأخيرا وبعد صراع كالعادة من قبل الجمهوريين لسياسات أوباما، صادق الكونغرس الاميركي على الصيغة النهائية لاكبر اصلاح لنظام الضبط المالي منذ الثلاثينات، مانحا بذلك الرئيس باراك اوباما نصرا تشريعيا مهما.
ولكن كبار رجال الأعمال في وول ستريت عملوا بكل جهدهم على عرقلة خطة أوباما الإصلاحية لوول ستريت وهو ما دفعه إلى شن هجوما جديدا على وول ستريت، حيث مقر شركات المال الأميركية الكبرى، معتبرا أنها السبب وراء الصعوبات التي واجهها الاقتصاد الأميركي في السنوات الأخيرة.
وطالب أوباما الكونغرس بإتمام كامل للالتزامات التي قطعت سابقا بإصلاح مؤسسات المال في وول ستريت، ملقيا باللوم على الجمهوريين في محاولتهم لإعاقتها.
أوضح أوباما أن الإدارة الأميركية تخوض معركة منذ ثلاث سنوات ونصف السنة للخروج من أزمة اقتصادية تاريخية تسبب بها عدم مسؤولية البعض في وول ستريت الذين تعاملوا مع النظام المالي وكأنه "كازينو"وأضاف أن السلوك غير المسؤول من هذه المؤسسات لم يقترب من تدمير النظام المالي فحسب، بل كلف اقتصاد أميركا ملايين الوظائف وأضر بعائلات الطبقة الوسطى.
وتطرق أوباما في حديثه إلى الخسارة الكبيرة التي مني بها مصرف جي بي مورغان تشايس، مؤخرا وهو من أكبر البنوك الأميركية، قائلا إن خطأ كبيرا فيه أدى إلى خسائر بملياري دولار، لافتا إلى أنه في حين يستطيع مصرف بهذا الحجم التعامل مع هكذا حجم من الخسائر، فإن بنوكا أخرى قد لا تستطيع ذلك.
أهم الأحداث السياسية:
تحولت السياسة الأمريكية في عهد أوباما من استخدام القوة العسكرية لفرض الهيمنة، إلى استخدام القوة الناعمة، ففي شهري فبراير ومارس، قام نائب الرئيس جو بايدن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون برحلات منفصلة للخارج للإعلان عن الحقبة الجديدة في العلاقات الخارجية الأمريكية مع روسيا وأوروبا وذلك باستخدام مصطلحات مثل هدنة وإعادة وذلك للإشارة إلى التغييرات الكبيرة التي ستحدث لتحل محل سياسات الإدارة السابقة.
وفي 18 فبراير 2009 أعلن أن القوات الأمريكية في أفغانستان سيتم دعمها بإرسال 17،000 جندي مؤكداً أن من الضروري زيادة استقرار الوضع المتدهور في أفغانستان وإنها منطقة لم تتلق الاهتمام والتوجيه الإستراتيجي والموارد التي تحتاج إليها على وجه المطلوب
في 27 فبراير أعلن أن العمليات القتالية في العراق ستنتهى في غضون 18 شهر، حيث قال في حضور مجموعة من رجال المارينز تستعد للانتشار في أفغانستان إنه بقدوم 13 أغسطس 2010 ستنتهي المهام القتالية في العراق
وفى مجال العلاقات الدولية والسياسات العالمية لم تكن ثورة التوقعات الخارجية أقل من نظيرتها داخل الولايات المتحدة بعد وصول أوباما إلى البيت الأبيض، سيما أنه وعد بعودة الشراكة العالمية لحل القضايا الدولية التى تهدد الاستقرار العالمى.
وصحيح أن العامين السابقين من رئاسة أوباما تميزا بمحاولة الانقلاب على سياسات إدارة الرئيس السابق بوش الابن من خلال ترسيخ نهج برجماتى فى التعامل مع الأزمات الدولية، وأن أوباما ربما استطاع بناء بعض التحالفات الجديدة، لكنها تحالفات لأجل إنقاذ أمريكا نفسها؛ فها هو تحالف يضم القوى الاقتصادية الصاعدة لتفادى انهيار النظام الاقتصادى العالمى، وعلى رأسه الاقتصاد الأمريكى، وها تحالف آخر يسعى لتخفيض حجم الفشل المحقق عسكريا فى العراق وأفغانستان وفى "الحرب على الإرهاب".
وعد أوباما بإغلاق معتقل جوانتانامو ومحاسبة مستشارى التعذيب فى عهد بوش.. واليوم لم يتحقق أى من الوعدين ولن يتحقق بعد انتصار الجمهوريين فى انتخابات الكونجرس.
وفى محصلة النتائج أيضا اعتبر أوباما حرب أفغانستان "عادلة" واليوم تفشل إستراتيجية أوباما كلية، ويكون عاما 2009 و2010 الأكثر دموية للقوات الأمريكية فى أفغانستان، فضلا عن محصلة الوضع الأمنى فى الحرب على الإرهاب فى باكستان وأفغانستان، ثم انفتاح جبهة جديدة فى اليمن، ليعود أوباما لاستخدام عبارة "الحرب على الإرهاب"، والتى منع مسئولى إدارته من استخدامها فى عام 2009.
وفى بقية ملفات الشرق الأوسط تسير خطوات السياسة الأمريكية بتباطؤ شديد، كما فى الملف الإيرانى، وحاولت إدارة أوباما إيهام الجميع بتحقيق نصر فى العراق إثر الانسحاب الجزئى من العراق، وفى ذات الوقت تقسم السودان فى ظل تناسى أمريكا لقضية دارفور واعتقال البشير، ولا زالت إعادة تشكيل سياسات وخريطة هذه المنطقة أولوية لإدارة أوباما، على نفس منوال سابقتها، وإن اختلفت الوسائل.
الخلاصة:
إن كل هذه الإجراءات وغيرها لم تؤد لإنقاذ الاقتصاد الأمريكى أو إنعاش حياة المواطن كما وعد أوباما خلال حملته الرئاسية، فأمريكا أضحت أكبر مدين فى العالم، فيما يمكن تسميته " امبراطورية الاقتراض ".
وثمة مخاوف راهنة من أن تتحول أمريكا فى المرحلة المقبلة إلى "أيرلندا جديدة"، بعد أن أظهرت الأرقام أن العام الماضى كان الأسوأ اقتصاديا للولايات المتحدة، فلم يتجاوز حجم النمو فى الناتج المحلى الإجمالى 1.8%، وثبت معدل البطالة عند أعلى مستوياته منذ حوالى ربع قرن بنسبة 10%، كما تقدم أكثر من 1.5 مليون أمريكى بطلبات لإشهار إفلاسهم خلال عام 2010 بزيادة بلغت 9% عن عام 2009، وثمة تحذيرات من كوارث اجتماعية قد تصيب ما بين 50 إلى 100 مدينة أمريكية جراء خطر إفلاس العديد من المدن والولايات الأمريكية.
شهد الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي خلال فترة ولاية أوباما أداء إيجابيا ولكنه ليس على المستوى الذي يؤدي إلى خروج الاقتصاد الأمريكي من حالة الركود التي يعشيها، ولكن أوباما استطاع من خلال سياسته الاقتصادية وخطة التسهيل الكمي في الخروج من المعدلات السالبة للناتج المحلي الإجمالي إلى معدلات 3.5% ولكن هذه النتيجة تراجعت شيئا ءاخذة اتجاها عرضيا حول مستويات 2.1%.
وعن معدلات التضخم فقد شهدت ارتفاعا خلال فترة أوباما لتصل إلى 4% خلال 2011 ولكنها تعتبر معدل طبيعي في ظل ضخ كميات كبيرة من السيولة في السوق، ويذكر أن الاقتصاد الأمريكي في بداية 2009 كان قد دخل في حالة انكماش كما نشاهد على الرسم البياني وقد فقدت الولايات المتحدة تصنيفها الائتماني الممتاز AAA على هامش تراجع إمكانية الولايات المتحدة عن الوفاء بديونها.
كما شهدت فترة أوباما عوائق كبيرة من قبل الحزب الجمهوري الذي كان يقف دائما أمام خططه الاقتصادية التي كان من الممكن أن تقدم شيء للاقتصاد الأمريكي وتسبب الخلاف المستمر بين الحزبين حول كيفية حل التحديات المالية للأمة في صعوبة تمرير اقتراحات التحفيز التي قدمتها الحكومة للكونجرس لتعزيز الاقتصاد الذى ينقصه الطلب القوي، وغير المحصن أمام أزمة الدين في منطقة اليورو.
وقد تأثر الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير هامش الارتفاع الكبير في أسعار النفط في الولايات المتحدة أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم، مسجلة أعلى مستوياتها منذ أزمة عام 2008.
وبالنسبة لمعدلات البطالة فقد شهدت ارتفاعا خلال فترة أوباما وصلت إلى مستويات 10% ولكن بعد ذلك بدأت في التراجع لتسجل خلال يناير 2012 حوالي 8.3% أى بانخفاض نسبته 0,4% خلال شهرين لكنها ما زالت بعيدة عن نسبة 5% التى سجلت مطلع 2008.
وعن الحساب الجاري للولايات المتحدة منذ 2009 حتى الآن، فقد شهد العجز في الحساب الجاري ارتفاعا كبيرا، فبعدما كان العجز بقيمة 95.58 مليار دولار خلال 2009 فقد وصل إلى 117.4 مليار دولار خلال 2012.
وبلغ الدين العام الأمريكي 15 تريليون دولار، في حين فشل الكونجرس في التوصل الى اتفاق لخفض 1. 2 تريليون دولار من عجز الميزانية خلال العقد القادم بسبب عدم القدرة على تضييق هوة الخلاف بين الحزبين.
رسم بياني شهري يوضح تحركات مؤشر الدولار خلال فترة الرئيس باراك أوباما
