تقييم أداء البنوك

[andraous]

الكفاءة المصرفية والحمام الزاجل!

د.سعد بساطة - تشرين
13/ 07/ 2010
تحدثت في موقع آخر عـن مدير مصرف ق ع طرد زبونا ً لإصراره عـلى إتمام عـملية مصرفية قبل بدء الدوام الرسمي (بعـشر دقائق..ياللدقة!)...

ولربما السيد المدير قد تم ترفيعـه الآن لالتزامه الصارم بالزمن الذي إن لم تقطعـه قطعـك! ‏

في السياق نفسه لديّ مثال مصرفي حقيقي الآن: استلمت البارحة تحويلا ً من إحدى غـرف الصناعـة أو التجارة (لن أحدّد منعـا ً للتشهير) بواسطة أحد بنوك ق ع، إلى حسابي في بنك خاص، ويفترض أن تتم العـملية بين مصرفين وضمن محافظتين في ثوان ٍ – مادمنا نتشدّق بهيمنة عـصر الاتصالات - ، ولكنها استغـرقت أكثر من ذلك.. من 11 أيار إلى 24 حزيران – أي والله أربع وأربعـون يوما ًُ بالتمام والكمال – ونبقى نتحدث عـن جذب الاستثمارات، والكفاءة المصرفية، وتكامل القطاع العـام والخاص، وقصص أخرى عـجيبة وغـريبة، مع ممارسات تختلف 180 درجة، كأنها الكاميرا الخفيـّة... ‏

إليكم بعـض الطرف في ذات السياق: مل ّ الآذن بمدخل أحد المؤسسات من سؤال الموظفين المتكرّر له عـن الوقت، فاشترى من حسابه الخاص ساعـة جدارية عـملاقة وعـلـّقها عـلى الحائط، هنا أخذت التساؤلات الموجـّهة له منحى آخر فأضحت “ هل الساعـة صحيحة؟ ‏

فرح مسؤول الدفاع المدني في إحدى المؤسسات لدى تجريب الإخلاء الاحتياطي للمؤسسة من كافة الموظفين كتجربة للاستعدادات في حال طارئ ما، حيث تم إخلاء المبنى في أربع دقائق فقط.. ولكن فخره تلاشى لدى قياس أحد الفضوليين الزمن الذي يتم فيه إخلاء المبنى لدى الانصراف، فكانت النتيجة دقيقتين فقط! ‏

يروي المرحوم (حافظ الجمالي) عندما كان سفيرا ً لنا في بريطانيا أنـّه ملّ من طول انتظار قطار الساعـة 12 من محطة فيكتوريا الشهيرة قاصدا ً إحدى بلدات الجنوب، فسأل مفتش المحطة عـن سبب التأخير، فأجابه (لايوجد لدينا قطار في الثانية عـشرة) ولما عـرض عـليه بطاقته جاءته الإجابة الصاعـقة (هذا قطار الـ 11.59 وليس الثانية عـشرة!)... ستون ثانية كفيلة بأن تفقد قطارك.. ماذا نقول نحن أصحاب المقولة الشهيرة بمواعـيدنا المترهـّلة التي تقع (بين الصلاتين) – المغـرب والعـشاء – للدلالة عـلى مدى الاستهتار بالدقة. ‏

يتم قياس تنافسية بلد ما بكفاءة وسرعـة وشفافية إنجاز والحصول لمنشأة عـلى تراخيصها الرسمية المختلفة، وعـدد التواقيع التي تزدان بها المعـاملة، والأختام التي (يطجـّها) الموظفون عـليها، والحواشي التي تزيـّن خاتمتها، والمرفقات التي تـُلحق فيها والطوابع التي تثقـّلها، ولعـمري فلقد ضربت سورية زمنا ً قياسيا ً تستحق دخول موسوعـة (غينيس) في عـدد المراجعـات وزمن الانتظار للحصول عـلى قرض ما خلال دراسة أعـدتها اليونيدو2002 عـن SMEs كان لي شرف المشاركة بها ، كانت إحدى أهم معـوقات المشاريع بحسب الاستبيان هي: (المطمطة) في المعـاملات البنكية. ‏

ملّ الأب من تذكير ولده بأهمية التباكير، فهدته قريحته لهذا المثال: (استيقظ أحدهم فانصرف لرزقه فوجد في الطريق صرة مملوءة بالدنانير الذهبية)، أجاب الولد بهدوء (لابد أنّ الذي أضاعـها قد بكـّر أكثر منه)! ‏

إذا سرق منك لص ما مبلغـاً من المال – أو أضعـته- تشعـر بمزيد الأسى، أما إذا هدرت ساعـات بل أياماً، فالموضوع لايستحق منك ثواني من التفكـّر، لِمَ هذا الاستهتار بقيمة الوقت؟ ‏

لانكلّ من حساب الأرباح والخسائر والمواد الداخلة في تصنيع سلعـة ما، ولكننا ننسى أمراً مهماً هو زمن إنتاجها، وهذا ما يميـّز الإنتاج عـن الإنتاجية.. ‏

فمئة وحدة (Unit) من سلعـة ما يتم إنتاجها بنفس الجودة في منشأتين مختلفتين، وتطرحـا في السوق بسعـر موحـّد، هنا الغـلبة للذي ينتجها بزمنٍ أقل... ‏

ووصول سلعـة ما للزبون في الوقت المناسب – لاقبله- ، وبتوقيت ملائم – لابعـده- هو من أهم محدّدات كفاءة التسويق، وجودة الخدمة. ‏

منذ زمن ينوف عـلى النصف قرن أضحت الأبعـاد في الكون رباعـية ، الطول والعـرض والارتفاع، والزمن ( أليس هذا جوهر نظرية النسبية لطيـّب الذكر آينشتين؟). ‏

ويـُقال عـمـّن يتأخر بأنـّه قد فاته القطار.. هذا وقد تحدّث المبدع -صموئيل بيكيت- في مسرحية (بانتظار غـودو.. الشخص الذي لايأتي) عـن عـبثية الانتظار وسلبياته... ‏

في الختام: لم يعـد في عـالمنا المتسارع مكان ٌ للمتقاعـسين، والغـلبة ليست للأكبر والأقوى بل للأسرع... جعـلنا الله منهم آمين.

[iass]

المقالة ما ألها أي علاقة بتقييم أداء البنوك على الإطلاق