![]() |
#11 |
عضو أساسي
شكراً: 6,342
تم شكره 10,276 مرة في 3,461 مشاركة
|
![]() أداء سوق القطع أو كيف يمكن رفع سعر الدولار بشكل مصطنع وبصرف النظر عن الدوافع التي كانت تقف وراء هذه القرارات, والتي سنأتي على ذكرها لاحقًا, فإنه يمكن التذكير بالطريقة التي كان يعتمدها المتعاملون في سوق القطع, لرفع سعر الدولار. ولنفترض على سبيل المثال, أنه جرى افتتاح سوق القطع على أساس سعر معين للدولار. ولا تلبث هذه السوق أن تشهد بعد حين طلبًا على هذه العملة, لا يجد عرضًا يقابله. ويعبر ذلك عن تمنّع البائعين المفترضين عن البيع. وينتظر هؤلاء المتعاملون إرتفاع سعر الشراء الذي يعرض عليهم. الأمر الذي لا يتأخر بالحدوث. وبمجرد أن يرتفع هذا السعر إلى حد معين, فإن ارتفاعه يؤدي الى ظهور عرض ما لهذه العملة. إلا أن هذا الاخير يبقى غير كاف لتلبية حاجات الطلب, وإيقاف حركة الارتفاع في السعر. ويستمر سعر الدولار بالصعود حتى يبلغ المستوى الذي يريده, أو الذي قرره, أو اعتبره مناسبًا المتعاملون من القطاع الخاص في سوق القطع. وبالتالي, فإن ما كنّا نقع عليه لجهة العرض والطلب, كان يجسّد حركات مقصودة أو متعمّدة بهدف تحقيق تدهور أو تحسّن مصطنعان لسعر صرف الليرة. وقد كانت إحدى خصائص سوق القطع خلال الثمانينات, أن مبالغ صغيرة, لا بل زهيدة, كانت تكفي لإشراع عملية رفع لسعر الدولار سبقت برمجتها. المواجهة مع المصارف و”التسوية” وقد أراد حاكم المصرف المركزي التصدّي لعملية رفع سعر الدولار هذه, ابتداء من العام 1986. ولجأ إلى تخفيض حجم السيولة المتوفرة لدى المصارف, والتي كان يمكن استخدامها لتغذية المضاربة. وتحقيقًا لهذه الغاية, عمد لإخضاع المصارف لزيادات في الاحتياطي الإلزامي الذي يتوجب عليها توفيره لدى المصرف المركزي, ولإكتتابات إجبارية في سندات الخزينة(36). ولقد نشأت في ضوء هذا الواقع مواجهة بين المصرف المركزي وبين المصارف التجارية, استمرت زهاء سنتين. وانتهت في آخر العام 1987, إثر “تسوية” حصلت بين الطرفين, تحت إشراف المجلس النيابي. وكان هدف هذه التسوية ظاهريًا, تخفيف حدة الإجراءات التي تتناول الإكتتابات الإجبارية في سندات الخزينة. لكن مغزاها الفعلي كان في مكان آخر. فهي عبّرت عن تخلي المصرف المركزي *وحاكمه بالتحديد* عن كل إدعاء لجهة تحديد سعر صرف العملة اللبنانية, وعن تخلّيه عن المحاولة في هذا الميدان. وسوف لن تتعدى تدخلاته, خلال الحقبة اللاحقة, أكثر من محاولة تخفيف حدة تقلبات سعر الدولار, من خلال عمليات الشراء والمبيع للعملات الصعبة التي كان يجريها. كذلك عبّر هذا الأمر عن تخلي المصرف المركزي عن محاولة تحديد “سعر صرف مناسب” لليرة اللبنانية. وهو تخلٍ كان في أي حال, متضمنًا في المقاربة ذات المنحى القانوني لمسألة سعر الصرف, التي كان يعتمدها حاكم المصرف المركزي. |
![]() |
![]() |
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ فراس السكري على المشاركة المفيدة: |
saeed (30-01-2012)
|
![]() |
#12 |
عضو أساسي
شكراً: 6,342
تم شكره 10,276 مرة في 3,461 مشاركة
|
![]() غياب تحديد اقتصادي لمستوى سعر الصرف ونجد في أساس موقف حاكم المصرف المركزي من سعر الصرف, إدانته لما يعتبره مضاربة غير مشروعة ضد الليرة, وقناعته بضرورة تأويل الأحكام القانونية التي تتناول عمل المصارف أو تعديلها, بحيث تتيح ممارسة رقابة على هذه المضاربة, وإخضاع أصحابها للملاحقة القانونية. وقد تقدم بصفته قانونيًا, بتأويل للقانون يعكس وجهة نظره هذه, وقدم لاحقًا مشروعًا للإصلاح المصرفي تضمّن معالجة لهذه المسألة (37). إلا أن مقاربة كهذه لموضوع سعر صرف العملة اللبنانية, لا تتضمن تبريرًا اقتصاديًا لإعتماد سعر صرف بعينه, او تعليلاً للفوائد التي تنجم عنه. أي أن ليس ثمة في هذه المقاربة ما يفسر أسباب اعتماد هذا السعر أو ذاك. وفي أي حال, لم يتقدم أحد, في أي وقت من أوقات الأزمة, بتعريف اقتصادي لسعر الصرف, أو بتحديد لـ”سعر الصرف المناسب”. علماً أن هذا السعر يعرّف في العادة, بانه ذلك الذي يتيح تطوير قدرة البلد المعني على الإنتاج والتصدير. ويتطلب احتسابه معرفة مفصّلة بأوضاع قطاعات الاقتصاد الوطني المختلفة, وبالانعكاسات التي يتركها عليها التعديل المقترح لسعر الصرف(38). ولم يكن المصرف المركزي يملك في الحقيقة أية فكرة عن هذا الموضوع, خصوصًا وأن حاكمه لم يطلب على امتداد السنوات الست التي شغل فيها هذا المنصب, دراسة اقتصادية واحدة حول سعر الصرف. كما بدا المصرف المركزي, في نهاية تلك السنوات الست, أكثر إدقاعًا لجهة احتوائه على أناس أكفياء, مما كان في بدايتها. وبغياب أية مقدرة لدى المصرف المركزي على تعيين سعر صرف معين وتبرير اعتماده, والدفاع عن سياسة متماسكة في هذا الميدان, فقد وجد نفسه مضطرًا للموافقة على سياسة في هذا المجال, يخرج أمر تحديدها عن إرادته بشكل كامل. وتعزّزت موافقته هذه, بالانعكاسات “الإيجابية” لتخفيض سعر صرف الليرة, ومنها على وجه الخصوص, الخفض المترتب عليها لحجم الدين العام, معبرًا عنه بالدولار. وبكلام آخر, فقد حلّت لدى حاكم المصرف المركزي في نهاية المواجهة التي قامت بينه وبين المصارف التجارية, “رؤية إيجابية” لسعر الصرف الذي جرى خفضه, وقامت مقام تطلّبه السابق على هذا المستوى. ولكي يبرر الحاكم موقفه الجديد, فقد اكتفى بإيراد إحالات مبهمة * لانها غير مسندة بأية دراسة علمية* الى مصالح الصناعيين التي يعوّل على سعر الصرف الجديد بأن يحققها. وقد تكفّل الضجيج الإعلامي الذي أثير آنذاك, حول ضرورة اعتماد سعر صرف “تنافسي” وحول فوائد هذا السعر بالتغلب على ممانعته وشكوكه. كما لعبت نصائح خبراء صندوق النقد الدولي دوراً أكيداً في تبرير خفض سعر صرف الليرة. ومارست هذه النصائح تأثيرها على نحو أفعل, عبر الإتصالات التي كان يجريها هؤلاء الخبراء مع ممثلي القطاع الخاص, ومنهم على وجه الخصوص, المصرفيون. أي وجدت هذه النصائح آذانًا صاغية اكثر لدى ممثلي القطاع الخاص, وأمّنت لهم حجة نظرية اعتمدوها في تعاطيهم مع مسألة سعر صرف الليرة. د. محددات سعر الصرف منذ العام 1987, أو النزاع بشأن توزيع الدخل (conflit distributif) كمحدّد لسعر الصرف يتيح العرض السابق لكيفية أداء سوق القطع في لبنان خلال النصف الثاني من الثمانينات الخلوص بنتيجة هي أن اتفاق “سبعة على الأقل من بين العشرة مصارف الأولى في لبنان”(39) في ما بينهم, هو ما كان يتيح تغيير وتعيين سعر صرف العملة اللبنانية. وقد عبر ذلك عن نوع من إشراف (régulation) خاص على الاقتصاد اللبناني على هذا المستوى. كما وأن سعر صرف العملة اللبنانية بدا في ضوء ذلك, ابعد ما يكون عن تجسيد آلية سوق تقليدية. أي انه بدا سعراً يتمتع بخصوصية تميّزه, ويعود أمر تحديده ليس إلى السلطات النقدية, وإنما إلى المتعاملين من القطاع الخاص في سوق القطع. كذلك عبّر تخفيض سعر صرف العملة اللبنانية الذي جرى منذ العام 1987 على الأقل, عن كونه “خفضاً مبالغاً فيه” (sur- dévaluation) لسعر صرف العملة اللبنانية(40). وبدت سياسة سعر الصرف هذه وكأنها تستمد تبريرها الرئيسي من الخفض للأجر الحقيقي الذي كانت تؤدي إليه. ولقد كانت المصارف, والقطاع الخاص بمجمله من خلالها, قد انخرطت في سياق الدولرة للإقتصاد, انطلاقاً من كونها ضحية للوضع السياسي القائم, وباعتبارها ضحية حكومة تقع تحت طائلة المسؤولية, بسبب الطريقة التي اعتمدتها في تمويل عجز المالية العامة. أما الدولة ذاتها, فكانت ضحية الميليشيات التي وضعت يدها على إيرادات الخزينة, ووقفت حائلاً امام إعتماد بدائل عن التمويل بواسطة الاستدانة. وقد عمد القطاع الخاص لإيجاد الوسائل التي تمكنه من أن يلقي على غيره الأعباء والخسائر التي يتحملها, أو أن يخفضها على الأقل. وقد اكّد ارتفاع سعر الدولار على امتداد الحقبة كلها, واقع كونه الوسيلة الفضلى التي اعتمدها القطاع الخاص لخفض المبالغ بالليرة اللبنانية, التي يتوجب عليه دفعها, ومنها الأجور على وجه الخصوص. وبات التأكيد على هذا الامر أكثر أهمية بالنسبة له, بمقدار ما ان الوضع الاستثنائي القائم كان مرشحاً لأن تطول مدته, ويتكشف عن سيرورة انكماش تراكمي للنشاط الاقتصادي. الأمر الذي كان يرتّب على كل منشأة بعينها, صعوبات إضافية في حمل عبء أكلافها والتزاماتها. ويتيح تحقيب الفترة التي تبعت العام 1983, تأكيد هذا الدور المنوط بسعر صرف العملة اللبنانية. ولقد أدى هروب الرساميل الذي نشأ ابتداء من العام 1983 إلى تدهور كبير في أسعار العقارات. وعوّل بعض المراقبين على هذا التدهور وعلى خفض سعر صرف العملة اللبنانية خلال عامي 1983 و1984, لتحفيز عودة للرساميل يكون الدافع إليها الرغبة بالاستفادة من التدهور في الأسعار الحاصل. إلا أن هذا الأمر ما كان له ان يتمّ, لأن العوامل التي بررت عملية الهروب السابقة بقيت قائمة, وأولها الإبقاء على تمويل الإنفاق العام بواسطة الاستدانة, كنتيجة للاستقواء الإضافي للميليشيات والإضعاف المرافق له للدولة. ويمكن من هذه الزاوية, اعتبار انهيار سعر صرف الليرة, المقابل الذي كان على اللبنانيين ان يؤدوه ثمناً لنفاذ ستراتيجيات القوى التي كانت وراء استمرار حالة الحرب والانقسام الداخلي القائمة آنذاك. وقد عبّرت المواجهة التي نشأت ابتداء من العام 1986 بين المصرف المركزي وبين المصارف التجارية, عن موقف هذه الاخيرة المعارض لسياسة المصرف المذكور. وقد انطوت هذه السياسة بنظرها على تناقض لا يمكن قبوله. فهي رمت لتأمين حاجات التمويل للخزينة العامة, وللتحكم بالسيولة التي تتوفر للقطاع المصرفي, من جهة أخرى. وقد اتيح بنهاية هذه المواجهة, للمتعاملين من القطاع الخاص في سوق القطع, التأكّد من أن لا خطر عليهم من العودة إلى ليرة لبنانية قد يتحسّن مجدداً سعر صرفها. وذلك لأن القرار بخفض أو تحسين هذا السعر بات يعود لهم, ولهم فقط. وبمقدار ما أن هذا الأمر بات مؤمنًا لهم, فإن قرار خفض سعر صرف الليرة بات ممكنًا أخذه بالاستناد إلى الاعتبارات التالية: إما استباقًا لزيادات في الأجور الحقيقية قد تنشأ بمناسبة التصحيحات التي تجري على الأجور الإسمية, أو لأنه تردّد بأن خبراء صندوق النقد الدولي يعتبرون خفض سعر صرف العملة شأنًا إيجابيًا, أو لأن الانكماش الإضافي للحركة الاقتصادية, لأسباب اقتصادية وغير اقتصادية * ومنها على سبيل المثال حالة الحرب الناشئة عامي 1989 و1990 * كان يفرض عليهم إجراء خفض إضافي على الاكلاف التي يتحملونها, خصوصاً تلك العائدة للأجور التي يتوجب عليهم دفعها, أي ضغط مستوى الأجر الحقيقي, على نحو إضافي. ولقد شهدت الحقبة الاولى التي تلت الخروج من الحرب, تركيزًا من قبل التجمعات المهنية لأرباب العمل على مسألة خفض كتلة الأجور المدفوعة, لأن أوضاع المؤسسات كانت تتطلب ذلك(41). وقد طالب هؤلاء بإلغاء بعض ما كان يعتبر مكتسبات للعاملين بالأجر. وحاولوا في تلك الفترة بالذات الامتناع عن دفع ما يرتبه عليهم المفعول الرجعي لتصحيح الأجور الخاص بالنصف الثاني من العام 1990. كما وإنهم طالبوا بإقامة فصل كامل بين القطاعين العام والخاص لجهة التصحيحات على الأجور التي ينبغي إجراؤها, وطالبوا بأن تتخلى الدولة عن دورها في التقرير للاقتصاد بأكمله على هذا المستوى, وبأن يسود التفاوض الحر على الأجور داخل القطاع الخاص(42). |
![]() |
![]() |
![]() |
#13 |
عضو أساسي
شكراً: 6,342
تم شكره 10,276 مرة في 3,461 مشاركة
|
![]() 1*4*3. تجربة العام 1992 لجهة خفض سعر صرف العملة اللبنانية وتعطي عملية خفض سعر صرف العملة اللبنانية, التي حصلت خلال العام 1992, دليلاً آخراً على العلاقة القائمة بين تطور سعر صرف العملة اللبنانية, وبين مستوى الأجر الحقيقي. وتظهر ان المبادرة الاولى لخفض سعر صرف الليرة اللبنانية التي تمّت آنذاك, كان الهدف منها خفض مستوى الأجر الحقيقي في لبنان(43). وقد بدأت عملية الخفض هذه في 20 شباط من العام 1992. وإرتفع من جرائها سعر الدولار, من 879 ل.ل. في ذلك التاريخ, إلى 2010 ل.ل. خلال شهر أيار والى 2825 ل.ل. خلال شهر أيلول. ثم تراجع بعد ذلك التاريخ, مقفلاً السنة, على 1838 ل.ل. وكان المصرف المركزي قد إتّبع في السنة الأولى لعودة السلم الأهلي, سياسة هدفت لتثبيت سعر صرف الليرة. واستطاع خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 1991, خفض سعر الدولار من 1110 ل.ل. في كانون الثاني من السنة ذاتها, الى 879 ل.ل., خلال شهر تشرين الثاني منها. أي أنه استطاع تحسين سعر صرف العملة اللبنانية, بنسبة 20,8% خلال العشرة أشهر الأولى من السنة. وقد أتاحت التحويلات من الخارج إنجاح هذا الأمر, ومكّنت المصرف المركزي من زيادة احتياطيه بالعملات الصعبة, بما يوازي 700 مليون دولار خلال الحقبة ذاتها. إلا أن العام 1991, شهد في الفصل الأخير منه, المصادقة على القانون 108, بتاريخ 7 تشرين الثاني, الذي قضى بزيادة رواتب العاملين في القطاع العام, بنسبة 120% من المستوى الذي كانت عليه. واستطاعت الحكومة تسديد المبالغ التي رتبتها هذه الزيادة, من دون أن يتأثر استقرار سعر صرف العملة بهذا الأمر. وتم ذلك في آخر العام 1991. وكان يجري في الوقت عينه تحضير مشروع موازنة العام 1992. وأظهرت أرقام هذا المشروع, أن ثمة ارتفاعًا كبيرًا في الانفاق العام, تسببت به المطاليب المتنوعة لأعضاء المجلس النيابي. واضطرت الحكومة, أمام اللّغط الذي أثاره هذا المشروع, إلى سحبه من التداول في آخر شهر كانون الثاني من العام 1992, بغية إعادة النظر فيه, وخفض أرقامه. وقد بدت التجمعات المهنية لأرباب العمل, أو الهيئات الاقتصادية, في مرحلة أولى, وكأنها غير معنية بزيادة الرواتب التي أقرتها الحكومة للعاملين في القطاع العام, أو بما أثارته طريقة أعداد الموازنة من ردود فعل. إلا أن الحقبة ذاتها شهدت اصراراً من قبل الاتحاد العمالي العام على إفادة العاملين في القطاع الخاص, من إجراءات مماثلة لتلك التي استفاد منها العاملون في القطاع العام. وقد طالب هذا الاخير بزيادة أجور هؤلاء العاملين, بنسبة 60 % منها. وقد رفضت الهيئات الاقتصادية هذا الأمر بحزم. وعبّرت عن ذلك في بيان وقّعه ممثلو أحد عشر هيئة اقتصادية, في بداية شهر شباط. وحذر البيان المذكور من “تحميل القطاع الخاص أعباء جديدة لا قدرة له على احتمالها, تحت ستار التوازن مع القطاع العام”(44). وكررت هذه الهيئات التحذير نفسه للمسؤولين الحكوميين بعد بضعة أيام. كما اعلنت أنها في حالة انعقاد دائم لمواجهة هذا الأمر(45). إلا أن مجلس الوزراء لم يقم وزناً لإصرار هذه الهيئات على موقفها, وإتخذ في جلسته التي عقدها مساء الأربعاء في 19 شباط, قرارًا بزيادة 60 % على الأجر في القطاع الخاص. ومثل قراره هذا خروجًا على تقليد كانت المجالس الوزارية تعمل به قبل الحرب, يقوم على الاتفاق بينها وبين ممثلي الهيئات الاقتصادية على نسبة التصحيح في الأجور التي ستعتمدها, قبل الاعلان عنها رسمياً. وفي خلال ذلك النهار, أي قبل ان يعقد مجلس الوزراء جلسته المسائية, أعلن المصرف المركزي توقفه عن التدخل في سوق القطع, بائعًا أو شاريًا, وذلك في بيان أصدره عند الظهر. وعبّر بذلك عن تخليه عن دوره في تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية. وجاء ذلك بعد تلقيه كمية كبيرة من الشيكات بالليرة, اراد أصحابها شراء مبالغ من الدولار بها. وقد إمتنع المصرف المركزي عن الاستجابة لهذه الطلبات. وخلال الأيام الثلاثة الأولى التي أعقبت توقف المصرف المركزي عن التدخل في سوق القطع, إمتنعت المصارف بدورها عن البيع والشراء للعملات الصعبة. أي أنها رفضت تحمل مسؤولية تحديد سعر بعينه للدولار, وتركت الصيارفة يعلنون عن هذا السعر. وقد حدد هؤلاء سعرًا للدولار يساوي ألف ليرة, في اليوم التالي لانكفاء المصرف المركزي عن التدخل في سوق القطع. وفي أول أيام الأسبوع التالي, افتتح المصرف المركزي السوق من جديد, بهذا السعر بالذات. وقد اضفى بذلك طابعًا رسميًا على عملية الخفض هذه لسعر صرف الليرة, والتي بلغت نسبة 13,7 % من سعر الأساس. ولم يتوقف سعر الدولار عن الارتفاع خلال الأسابيع والأشهر التالية. وحتى شهر نيسان من العام ذاته, كان قد حقق خفضًا لسعر صرف العملة اللبنانية بنسبة 100%. اذ بلغ سعر الدولار 1725 ل.ل. في نهاية ذلك الشهر. ويعتقد الكثيرون ان سعر صرف الليرة كان قد بات في ذلك التاريخ في عهدة بعض الاطراف, وانه كان يستخدم أداة ضغط من قبلهم, لإسقاط الحكومة والإتيان بغيرها(46). كما يعزو مراقبون, استمرار انهيار سعر صرف العملة اللبنانية, خلال حقبة حكومة الرئيس رشيد الصلح, التي شكلت بعد ذهاب حكومة الرئيس كرامي, الى استخدام هذا السعر أداة ضغط من قبل سياسيين وزعماء ميليشيات سابقين, بهدف منع حصول الانتخابات النيابية, التي جرت صيف ذلك العام(47). وقد حقّق هذا السعر أعلى مستوى له, هو 2825 ل.ل., خلال شهر أيلول من العام ذاته. ثم عاد فهبط إلى مستوى 1838 ل.ل. في نهاية العام. |
![]() |
![]() |
![]() |
#14 |
عضو أساسي
شكراً: 6,342
تم شكره 10,276 مرة في 3,461 مشاركة
|
![]() بعض نتائج حقبة 1984- *1992 تدني سعر صرف العملة والتضخم الكبير خلال الحقبة لقد سبقت الإشارة إلى أن تطور سعر الصرف في لبنان, بات منذ آخر العام 1984, المؤشر الوحيد الذي تتحدّد على أساسه الأسعار الداخلية. وقد بلغ معدل التضخم الوسطي لحقبة 1985*1992, 140% سنويًا, وارتفعت الأسعار خلالها أكثر من 11 ضعفًا. وقد انتقل سعر صرف الليرة من 6,8 ل.ل./د. في آخر العام 1984, إلى 18 ل.ل./د., في آخر العام 1985. ونتج عن ذلك, معدل تضخم سنوي, بلغ 69 %. إلا أن سنوات 1986*1988, هي التي سجلت أكبر انهيارات لسعر صرف العملة اللبنانية, وأعلى مستويات للتضخم المرافقة لها. وقد أقفل العام 1986 على سعر صرف يساوي 87 ل.ل./د. أما معدل التضخم, فبلغ خلال السنة ذاتها, 100%, مسجلاً معدلاً بثلاثة أرقام, للمرة الأولى في تاريخ لبنان, منذ الحرب العالمية الثانية. لكن العام 1987, هو الذي عرف أكبر انهيار لسعر صرف الليرة على امتداد سنوات التجربة كلها, إذ أقفل على سعر صرف يساوي 455 ل.ل./د. ونجم عن ذلك معدل تضخم يساوي 487%. أما العام 1988, فقد شهد هو الآخر, تراجعًا إضافيًا لسعر صرف الليرة. لكن هذا التراجع كان أقل حدّة من السنة السابقة. وأقفل في نهاية العام على سعر صرف لليرة يساوي 530 ل.ل./د. وترتب على ذلك معدل تضخم يساوي 154%. أما سنتا 1989 و1990, فلقد شهدتا استمرار تراجع سعر صرف الليرة. وقد أقفل العام 1990 على سعر صرف يساوي 842 ل.ل./د. وبلغ معدل التضخم الوسطي خلال هاتين السنتين, 70% سنويًا. أما العام 1991, فعرف هو الآخر تراجعًا إضافيًا لسعر صرف الليرة, حيث أقفلت السنة على سعر صرف يساوي 879 ل.ل./د., وتميزت بمعدل تضخم يساوي 51%. وقد شهد العام 1992, مجددًا, أكبر انهيار لسعر صرف العملة, بعد ذلك الذي حصل خلال العام 1987. وأقفلت السنة على سعر صرف لليرة يساوي 1838 ل.ل./د., في حين بلغ معدل التضخم السنوي 120%. الآثار السلبية و”الايجابية” لتدنّي سعر صرف الليرة ولقد كانت الأجور الأكثر تأثراً بإنهيار سعر صرف الليرة. وعلى سبيل المثال, كان الحد الأدنى للأجور يعادل 242 دولارًا عام 1983, وبات يعادل 19 دولارًا فقط بنهاية العام 1987. وفي بداية الفصل الاخير من ذلك العام, أقرت زيادة للأجور بنسبة 100 %, رفعت الحدّ الأدنى للاجور الى 8500 ل.ل. لكن العاملين بالأجر لم يتسلموا تلك الزيادة إلا في نهاية العام. وكان عليهم ان يتدبروا امورهم أثناء ذلك الفصل, بحدّ ادنى للاجور يساوي 4300 ل.ل., في وقت كان سعر صفيحة البنزين يساوي 1500 ل.ل., وكانت اسعار السلع تحدّد على اساس ان كل دولار يساوي 600 ل.ل.(48). واشار التقرير الذي صدر بنهاية اللقاء الذي عقده الوفد اللبناني في باريس مع خبراء صندوق النقد الدولي للعام 1990, إلى أن 15% فقط من الموظفين الحكوميين يذهبون إلى عملهم “بسبب صعوبات التنقل وضعف الحوافز”. وهي صيغة ملطّفة للقول بأن الأجر لم يكن يكفي لتغطية نفقات الانتقال إلى العمل(49). وقد بقي الحدّ الأدنى للأجور تحت سقف الماية دولار, طوال حقبة 1985*1990. كما جاءت حصة الرواتب والأجور, في المرتبة الثالثة بعد خدمة الدين العام وتمويل شراء المحروقات, في مجمل الإنفاق الحكومي لحقبة 1985*1990. أما الإنفاق العام, فلم يعد هو نفسه يتجاوز خلال أعوام 1986*1988, نسبة 17% من مستواه لعام 1982. وقد إنخفض الدين العام من اعلى مستوى بلغه, وهو 6,45 مليار دولار عام 1982, الى 2,23 مليار دولار في العام 1990, في حين انه زاد بالاسعار الإسمية بين هذين التاريخين, بمقدار 40 ضعفاً. كذلك تراجعت قيمة الواردات خلال العام 1987, إلى نصف ما كانت عليه خلال العام 1983. وبنتيجة هذه التطورات, استعاد ميزان المدفوعات ابتداء من العام 1985 فائضه المعهود. وقد بلغ هذا الفائض, 648 مليون دولار في العام 1988, وسجل ميزان المدفوعات فائضاً خلال أغلب سنوات هذه الحقبة. وتظهر المؤشرات التي سبق تعدادها, حالة الإنكماش الإقتصادي التي أدى اليها خفض سعر صرف العملة خلال الحقبة المذكورة. ويتبدى هذا الإنكماش على وجه الخصوص, في انخفاض القيمة الحقيقية للإنفاق العام, وانخفاض حجم الاستيراد خلال الحقبة المذكورة. ويظهر انخفاض حجم الانفاق العام, الفرص التي اضاعها لبنان, على صعيد اقامة وتحديث بناه التحتية, وعلى صعيد اعماره. كما يظهر انخفاض الاجر الفعلي, حالة الافقار الشديد للعاملين بالأجر التي أدى اليها هذا الخفض, والتي ترتب عليها انهيار شامل لمستوى أداء وانتاجية المؤسسات الوطنية, على اختلاف انواعها. وقد اصاب الافقار ايضاً, شريحة واسعة جداً من اللبنانيين, يمثلون فئة المدّخرين المتوسطين والصغار, الذين فاجأهم خفض سعر صرف العملة, وألغى ما راكموه من مدّخرات. واختفت بالتالي تلك الشريحة من اللبنانيين التي كانت تسمى بالطبقة الوسطى. أما آثاره “الايجابية”, فقد تمثلت في انخفاض قيمة الدين العام في نهاية العام 1992, الى ثلث ما كانت عليه في نهاية العام 1982, وفي استعادة ميزان المدفوعات فائضه المعهود, خلال اكثر سنوات الحقبة. أما ايجابياته لجهة حفز القدرة التصديرية للاقتصاد اللبناني فهي كانت غير ذات اهمية. والدليل على ذلك, ان قيمة الصادرات اللبنانية بقيت على امتداد سنوات الحقبة كلها, تحت سقف المليار دولار. ذلك ان الاقتصاد اللبناني كان قد فقد منذ بداية الحرب اللبنانية خاصيته كاقتصاد منتج (Economie de production), وتحوّل الى اقتصاد شبه *ريعي (reèrenti-Economie semi), “معتمد على التحويلات”. ولم يكن ممكناً ضمن شروط الحرب الداخلية القائمة, التعويل على خفض سعر صرف العملة كحافز للإستثمار. فإزالة العوائق امام هذا الاخير, كانت تتطلب اكثر بكثير مما كان يمكن ان يوفره هذا الاجراء. |
![]() |
![]() |
![]() |
#15 |
عضو أساسي
شكراً: 6,342
تم شكره 10,276 مرة في 3,461 مشاركة
|
![]() كيف انتهت تجربة انهيار سعرصرف العملة (والتضخم الكبير) التي ميّزت حقبة 1984- *1992, في لبنان اظهرت تجربة أميركا اللاتينية خلال الثمانينات, ارتباط حالات التضخم الكبير او المنفلت او المفرط(hyperinflation) بإنهيار سعر صرف العملة. واظهرت خلال التسعينات, نجاح عدد من دولها في الخروج من التضخم, من خلال تثبيت سعر صرف العملة. ولقد عكست حقبة التسعينات في لبنان تجربة خروج من التضخّم, من خلال تثبيت سعر صرف العملة. ويمكن بالتالي عرض هاتين التجربتين, والمقارنة بينهما, خصوصاً لجهة ما ترتب عليهما من نتائج. 2-*1. تجربة أميركا اللاتينية في ميدان خفض التضخم(désinflation) بواسطة سعر الصرف ولقد زادت الأسعار خلال عقد الثمانينات, بنسبة 150 ضعفًا في المكسيك, و100 ألف ضعف في البيرو, و400 ألف ضعف في البرازيل, و3 ملايين ضعف في الأرجنتين, الخ(50). المقاربات الأرثوذكسية وغير الأرثوذكسية في معالجة التضخم وجرّبت دول أميركا اللاتينية, على إمتداد سنوات الثمانينات, مقاربات أرثوذكسية وغير أرثوذكسية الطابع, للحدّ من التضخم لديها. ويمكن التذكير هنا, أن العلاقة السببية التي تتأسس عليها سياسات مكافحة التضخم الأرثوذكسية الطابع, هي: عجز الموازنة (ارتفاع حجم الكتلة النقدية) التضخم. وتبعًا لهذه المقاربة, فإن معدل التضخم يساوي معدل نمو الكتلة النقدية. الأمر الذي يعني ان مواجهة التضخّم تتطلّب اعتماد سياسات مالية ونقدية تقشفية وانكماشية الطابع. وإزاء فشل هذه السياسات في تحقيق الغاية المرجوّة منها, وأخذاً بالاعتبار لكلفتها الاجتماعية المرتفعة, حاولت بعض دول أميركا اللاتينية اعتماد مقاربة أخرى, غير أرثوذكسية الطابع لمواجهة التضخم. وقد مثّل الاقتصاديون المنتسبون لهذه المقاربة تياراً, كان له تاريخياً موقفاً مشكّكاً من فوائد التعويل بالكامل على قوى السوق, لاستعادة التوازن الاقتصادي وتحقيق النمو. وقد بلوروا مقاربة لمواجهة التضخم وللتصحيح الاقتصادي, تقوم على رفض اعتماد الانكماش الاقتصادي اساساً له. وعبرت خطتا(cruzado) في البرازيل, و(austral) في الأرجنتين عن هذه المقاربة. وانطوت هاتان الخطتان ايضاً على معالجة للتضخم, تقوم على تجميد(gel) الأجور والأسعار. وحاولتا بذلك كسر الحلقة المفرغة التي تربط بين تطور الأجور وتطور الأسعار. كما وانهما ارتكزتا على تحقيق التوافق بين الأفرقاء الاجتماعيين لانجاح عملية التجميد الشامل للأسعار. وتجدر الاشارة هنا, الى انه يمكن الوقوع في الدول الصناعية على تجارب ناجحة لضبط التضخم من خلال تجميد الأجور والأسعار. وقد شكلت فرنسا, طوال خمسين عامًا (1936- *1986), نموذجًا ناجحًا لضبط التضخم, بواسطة سياسة المداخيل والأسعار, أي بإقامة رقابة دائمة على تطورهما, وتجميدهما من وقت لآخر لفترة محدّدة, وليس بواسطة ادوات السياسة النقدية التقليدية(51). إلا أن المقاربات غير الأرثوذكسية لم تنجح إلا على المدى القصير في خفض مستوى التضخم في بلدان أميركا اللاتينية. وقد فشلت في نهاية الأمر, أولاً لعدم توفرها على حلول للضغط الخارجي الكبير, الذي مثّله استنزاف الدين الخارجي للمداخيل الوطنية بالعملات الصعبة وبغيرها. وثانيًا, لأنها طبقت في غياب ستراتيجية تنمية جديدة, تهدف لتطوير القدرة الإنتاجية الوطنية للبلدان التي أخذت بها. أي ان عملية تجميد الأسعار والمداخيل التي حصلت, لم تكن عنصراً من عناصر هذه الستراتيجية التنموية الجديدة, التي كان الأخذ بها يتطلّب إجراء تغيير في طبيعة الإدارة الحكومية, أي يتطلّب في نهاية المطاف تغيير طبيعة الدولة(52). |
![]() |
![]() |
![]() |
#16 |
عضو أساسي
شكراً: 6,342
تم شكره 10,276 مرة في 3,461 مشاركة
|
![]() من له مصلحة في خفض سعر صرف الليرة؟ ان ما ينبغي التأكيد عليه, هو ان خفض سعر صرف الليرة اللبنانية, يمكن ان يأتي نتيجة سياسة حكومية متعمّدة, كما وانه يمكن ان يفرض فرضاً على الكل, اذا نشأت ازمة, ترتبت عليها موجة هروب من الليرة اللبنانية. وطالما بقيت الدولة قادرة على الاستمرار بتمويل خدمة الدين العام, فان ازمة الهروب من الليرة هذه لن تنشأ. الدولة ذات مصلحة في خفض سعر صرف الليرة والطرف الاول الذي له مصلحة في خفض سعر صرف الليرة هو الدولة. ويمكن ان تعمد هذه الاخيرة لاستخدام خفض سعر صرف الليرة, كوسيلة لخفض كلفة القطاع العام. أي ان اعتماد سعر صرف مرن حالياً, لن يفيد الا في التخفيف عن كاهل الدولة. على عكس المصارف ولا مصلحة للمصارف بخفض سعر صرف الليرة. فهو يجعل, في حال حصوله, الديون المترتبة لها بذمة الدولة تفقد قيمتها. ويشير المراقبون الى ان المصارف الكبرى في بيروت, اكتتبت في سندات الخزينة بنسبة 50 % الى 60 % من اجمالي ودائعها, حتى العام 2000. وهي نسبة اعلى بكثير من الـ 20 % لعام 1983 التي سبقت الاشارة اليها. كما وان معظم ارباح المصارف, تتأتى من الاكتتابات في سندات الخزينة. ويستخدم القطاع المصرفي ككل, 43 % من اجمالي ودائعه, لتمويل الدين العام الصافي(68). تأثير محدود للضغوط الخارجية أيضاً, سبقت الاشارة, الى ان قوة الضغوط الخارجية اختلفت بين حقبتي الثمانينات والتسعينات, ان في اميركا اللاتينية او في لبنان. وهي ادت لحصول الازمة في الحقبة الاولى, ولمنع حصولها في الحقبة الثانية. وفي لبنان, كان حجم الدين العام, خلال العام 1984, اقل بكثير مما هو عليه الآن. لكن التزاحم للحصول على العملات الاجنبية اصطدم آنذاك, بندرة هذه العملات. وهي ندرة كان سببها في ذلك الحين, تراجع المداخيل البترولية وتراجع حجم التحويلات الى لبنان, وهروب الرساميل. أما حجم الدين العام حالياً, الذي يجعل من لبنان, اول دولة في العالم, من حيث نسبة الدين الى الناتج(69), فلم يرتب عليه انهياراً لسعر صرف العملة, كما في السابق. الامر الذي يؤكد ما يعرفه الخبراء في هذا الميدان, وهو ان ليس حجم الدين العام بالمطلق ما يطرح مشكلة, وانما ردات الفعل والممارسات التي يتسبب بها هذا الدين(70). المحاذير السياسية للخفض وللخفض ايضاً, محاذير سياسية كبيرة. إذ ان من شأنه افقاد النخبة السياسية مصداقيتها وشرعيتها السياسية. وما تزال تجربة حكومة الرئيس عمر كرامي ماثلة امام الكل, تشكل رادعاً لهم امام اعتماد هذا الخيار. ولم يكن الامر على هذا النحو خلال الثمانينات. وقد جرت عمليات التخفيض المتتابعة لسعر صرف الليرة خلالها, دون ان يتجرّأ احد على وضع قواعد اللعبة القائمة موضع التساؤل. وقد اعتبرت حرية القطع من المقدسات التي لا يمكن المساس بها. وادى ذلك الى خفض مبالغ فيه لسعر صرف العملة اللبنانية, كما سبقت الاشارة. وقد امكن تحقيق ذلك, بفعل انقسام المجتمع اللبناني, وخضوعه لسلطة الميليشيات المختلفة. الامر الذي كان يجعله غير قادر على ابداء الاعتراض على ما كان يتعرّض له من تدمير لمقومات عيشه. بل ان تجربة الثمانينات تظهر ان سعر صرف العملة اضحى في مرحلة ما من مراحل الازمة, أداة في متناول السياسيين والمسؤولين, لا يترددون في محاولة الاستفادة منها, للضغط على مناوئيهم السياسيين, دون ان يعتريهم الخوف من تعريض انفسهم للمساءلة, او تكبيدهم ثمن ذلك على يد الجمهور اللبناني. وكان آخر هذه التجارب, دفع سعر الدولار الى مستوى 2875 ل.ل., خلال العام 1992, كما سبقت الاشارة لذلك. أيضاً, ان ما جعل الطبقة السياسية تنفق بلا حساب بعد الحرب, هو انه تم قبلاً الغاء جزء كبير من الدين العام بواسطة خفض سعر صرف العملة اللبنانية, وانه بالرغم من كل ما حمله ذلك الخفض من مآس للمجتمع اللبناني, فان احداً لم يحاسب على الذي حصل. وقد خرج اللبنانيون من تلك التجربة, كما خرجوا من تجربة الحرب ككل, من دون ان يفقهوا سبباً لما اصابهم, ومن دون ان يستخلصوا دروس التجربة. وسيعبّر أي خفض لسعر صرف الليرة في حال حصوله, عن عجز المسؤولين الحكوميين عن توفير مداخيل اضافية للدولة, وعن تخليهم عن مسؤوليتهم على هذا الصعيد, وعن القائهم تبعات تزايد الدين العام على عاتق المجتمع كله. كما وانه سيكون دليلاً على ارادتهم تدفيع المجتمع اللبناني ثمناً باهظاً, لسوء ادارتهم الاقتصادية لحقبة ما بعد الحرب. والامر الاكيد, انه لا يمكن, او لا ينبغي السماح بان تتكرر التجارب السابقة التي قامت على اخضاع المجتمع اللبناني لتخفيضات متتالية لسعر صرف عملته, لا يفقه لها سبباً. لكن للابقاء على سعر الصرف الحالي كلفة إلا ان هذا لا يعني اغفال كلفة الابقاء على الوضع القائم. وتنعكس حالياً ضرورة تأمين خدمة الدين العام, توقفاً شبه كامل للادارة عن تمويل الانفاق التنموي. حتى ان المشاريع التي يسهم البنك الدولي بتمويلها, والتي لا تموّل الدولة سوى جزء منها, يجري ايقافها. كما وان اجراءات خفض النفقات وزيادة الايرادات الضريبية التي تعدّها وزارة المالية, تمثّل هي الاخرى, احد مظاهر الكلفة التي يرتبها الابقاء على الوضع القائم. تقابلها كلفة اكبر تترتب على خفض سعر صرف الليرة إلا ان الخفض يرتب فوضى وخسارة للبنانيين اكبر من تلك التي تنشأ عن عدم خفضه. واول النتائج التي ستترتّب عليه, ارتفاع كبير في الاسعار, ينجم عنه انخفاض بالمقدار ذاته للقدرة الشرائية للمداخيل بالليرة اللبنانية. وسوف يستدرج هذا الامر, تحرّكات لا تحصى لتصحيح الاجور, ولاعادة القدرة الشرائية المفقودة لهذه الاخيرة. وسيمثّل الانهيار الذي يلحق بالقدرة الشرائية للاجور, الأثر الاهم بدون شك, الذي سيترتب على عملية خفض سعر صرف الليرة اللبنانية. وسيشكل انهيار هذه القدرة صدمة للعاملين بالاجر, يتشابه وقعها عليهم مع ما سبق لهم ان خبروه خلال حقبة النصف الثاني من عقد الثمانينات الماضي. وسيضعف هذا الانهيار حوافزهم للعمل في لبنان على نحو اضافي, ويعزّز دوافعهم للهجرة الجماعية الى الخارج. واذا اخذنا بالاعتبار, التردي الاضافي لانتاجية العاملين في الداخل على اختلاف فئاتهم, الذي سيرتبه هذا الخفض, وزيادة الهجرة الى الخارج التي ستنجم عنه, فانه يبدو كما لو كان أداة بامتياز لاعطاء قوة اضافية للعوامل التي تعمّق التخلّف في لبنان, وتنتزع من هذا البلد مقومات تطوير نفسه وتحقيق نموه الاقتصادي. وقد بات معلوماً, من جهة اخرى, ان خفض سعرصرف الليرة يرتب زيادة في الاعباء التي تتحملها الدولة على صعيد خدمة الدين العام(71). |
![]() |
![]() |
![]() |
#17 |
عضو أساسي
شكراً: 6,342
تم شكره 10,276 مرة في 3,461 مشاركة
|
![]() خلاصة ان الامر الأهم الذي ينبغي تسجيله بخصوص تجربة لبنان السابقة في ميدان خفض سعر صرف العملة, هو ان هذا الخفض لم يكن له أي مردود, لجهة تعزيز القدرة الانتاجية للاقتصاد الوطني. وذلك لانه لم يستثمر كاحد عناصر مشروع نمو بديل, منفتح على السوق الدولية. ويرجع ذلك, لغياب هذا التصوّر في الاساس لدى المسؤولين, وغياب الادارة الحكومية التي تستطيع وضعه موضع التنفيذ. وان سياسة هادفة في ميدان سعر صرف الليرة, تتطلّب تحديد سعر صرف مناسب, يجري ربطه باهداف السياسة الصناعية, ويكون خاضعاً لمستلزماتها. مفهوم سعر الصرف المناسب (appropriate) وتقدم الأدبيات الاقتصادية أكثر من تعريف لما يسمى بسعر الصرف المناسب. والسعر الذي يهمنا في هذا الإطار, هو ذلك الذي يتيح تعزيز القدرة التنافسية للسلع التي ينتجها الاقتصاد الوطني, القابلة للتبادل الدولي(72). وينبغي بالتالي, أن يكون هذا السعر مرنًا, بحيث يمنع تحسن سعر صرف العملة تجاه بقية العملات, مع ما يرتبه ذلك من إعاقة للقدرة على التصدير. ويؤمن تعريف سعر صرف العملة الوطنية على هذا النحو, خدمة للاقتصاد الوطني أكبر من تلك التي تنجم عن الأخذ بسعر صرف مثبت لهذه العملة. ويكون إسهامه في النمو الاقتصادي إيجابيًا, شرط اقتران الأخذ به, بتطبيق سياسة اقتصادية تهدف لتعزيز القدرة الإنتاجية الوطنية المعدة للتصدير. وفي حال اعتماد سياسة كهذه, يعوّض النمو المتحقق, وزيادة معدل الاستخدام, وما إلى ذلك من تطورات إيجابية ناجمة عنها, زيولها السلبية المتمثلة بوجود حدّ من التضخم في الاقتصاد الوطني, يترتّب عليه تآكل للقدرة الشرائية للاجور. [COLOR="rgb(75, 0, 130)"]سياسة التحوّل الاقتصادي البديلة لكن شرط اعتماد سعر صرف مرن في لبنان, هو وجود سياسة تحوّل اقتصادي, يصار لتطبيقها, ويعوّل عليها لتحقيق مشروع التنمية الذي لم ينجح لبنان في تحقيقه خلال حقبة ما بعد الحرب. أي انه ينبغي بلورة هذه السياسة والشروع بتطبيقها قبل الحديث عن أي تغيير في سعر صرف العملة الوطنية. وفي حال تطبيق سياسة كهذه فقط, يمكن اعتماد سعر صرف مرن للعملة الوطنية. ويكتسب هذا الاخير تبريره إذذاك, من كونه مرتبطاً بهذه السياسة, ومسخّراً لإنجاحها. ويشكل تغيير الإدارة العامة واعتماد سياسة صناعية بنيوية الطابع, العنوانان الرئيسيان لسياسة التحوّل الاقتصادي البديلة هذه. ويتناول الشق الأول من هذه السياسة, وضع سياسة إدارية جديدة موضع التطبيق, تتيح إقامة إدارة حكومية كفوءة وفعالة, يجري تنسيب أفرادها على قاعدة الكفاية والاستحقاق فقط, وتكون مهمتها تحقيق مشروع التحول الاقتصادي الشامل, على أن تستوحي في مقاربتها لهذا الموضوع, النموذج الشمال*شرق آسيوي للدولة التنموية (كوريا الجنوبية, تايوان, اليابان). أما العنصر الرئيسي الآخر في سياسة التحوّل الاقتصادي هذه, فيتناول وضع سياسة صناعية جديدة, بنيوية الطابع, موضع التنفيذ. وينبغي أن يأخذ تعريف هذه السياسة بالاعتبار, التحوّلات التي طرأت منذ الستينات والسبعينات, في ميدان العلاقات الاقتصادية الدولية, والتي تفرض ضرورة تحقيق إنتاج تنافسي, ضمن إطار من الانفتاح الاقتصادي, ومن تحرير المبادلات مع الخارج. ويكون هدف هذه السياسة, بناء صناعة وطنية تمتلك ميزات تنافسية تجعلها قادرة على التصدير إلى الأسواق الدولية. ويتطلب تحقيق هذا الأمر, تدخلاً فعالاً وانتقائيًا من قبل الإدارة الحكومية على هذا المستوى. ويقوم هذا التدخل على تقديم حوافز وأشكال حماية ودعم متعددة ومتنوعة للمؤسسات التي ستنشأ, على أن تلتزم هذه المؤسسات بتنفيذ الخطط الحكومية الموضوعة, التي تهدف لبناء قدرة تنافسية دولية للاقتصاد الوطني.[/COLOR] |
![]() |
![]() |
3 أعضاء قالوا شكراً لـ فراس السكري على المشاركة المفيدة: |
![]() |
#18 |
عضو متابع
شكراً: 3,361
تم شكره 1,821 مرة في 473 مشاركة
|
![]() شكراَ استاذ فراس على هذه اللمحة التاريخية لليرة السورية و اللبنانية معلومات قيمة جداَ و لها قيمة تاريخية و عبر اقتصادية، و الله يحمينا من فريسة التضخم و انهيار الليرة . |
![]() |
![]() |
2 أعضاء قالوا شكراً لـ نضال العلي على المشاركة المفيدة: |
saeed (30-01-2012),
فراس السكري (28-01-2012)
|
![]() |
#19 |
مشرف
شكراً: 11,973
تم شكره 19,580 مرة في 6,034 مشاركة
|
![]() شكرا اخي فراس جهد كبير مبذول من قبلك لنقل كل هالمقالات والمواضيع لم يتسنى لي قراءتها كلها ولكنني ساعود اليها بالتاكيد لاقراءها موضوع موضوع وخيرا فعلت بتجزئتها لتسهيل القراءة |
![]() |
![]() |
2 أعضاء قالوا شكراً لـ غالب على المشاركة المفيدة: |
saeed (30-01-2012),
فراس السكري (28-01-2012)
|
![]() |
#20 |
عضو
شكراً: 19
تم شكره 35 مرة في 20 مشاركة
|
![]() ببساطة الامثلة المذكورة .أجبرت الدولة على تخفيض قيمة العملة .ولم تخفضها الدولة .ولكن الدرس الذي ممكن أن نتعلمه هو أن بحالة بدأت اية عملة بالهبوط لايتوقف هذا الهبوط الا بأنتهاء سبب الهبوط .وأيضا عندما تترك العملة تهبط فغالبا سيكون الهبوط كبير .وأمر آخر هو أن البنك المركزي لن يرجع سعر العملة الى ماكان عليه قبل الهبوط وأكبر مثال قريب منا هو لبنان والعراق وأحسن سيناريو هو أعتماد آخر سعر للدولار (بعد انتهاء سبب هبوط العملة الوطنية) |
![]() |
![]() |
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ بشار على المشاركة المفيدة: |
فراس السكري (28-01-2012)
|
![]() |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
تخفيض قيمة الليره السوريه من قبل البنك المركزي السوري يجيز للهيئه رفع القيمه السوقيه للاسهم | wael1970 | الاسهم السورية | 21 | 22-12-2011 02:20 PM |
معايير اعتماد قيمة العملة للدول ؟؟؟ | ابو حمادة | العملات العالمية forex | 12 | 07-12-2011 10:14 AM |
العمادي: بعد تخفيض الأيام نبحث تخفيض ساعات التداول في الجلسة الواحدة | the king | الاسهم السورية | 7 | 23-08-2011 12:23 PM |
تخفيض قيمة السهم إلى 100 ل.س بدلاً من 500 | saeed | الاسهم السورية | 4 | 05-12-2010 10:44 PM |
إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد | Sameh | المنتدى الإسلامي | 3 | 05-07-2009 02:09 PM |