القاتل الاقتصادي: قراصنة المال تبتلع دولاً

[Rihab]

ليس بالدبابة وحدها تستعمر الشعوب، فالقوى العالمية المستكبرة، والدول الغربية الساعية للسيطرة على العالم قادرة دوما على ابتكار وسائل وأدوات جديدة لاستعمار الشعوب وإخضاع البلدان ـ الضحية ـ لإرادتها.

ولعل من أخبث وسائل العولمة جعل الاقتصاد وهو انعكاس للحاجات المعيشية والإنمائية للمجتمعات أداة من أدوات السيطرة والهيمنة والسلاح الأمضى للعب بمصير الأمم .. خاصة وأن خيوط الاقتصاد العالمي بيد أمريكا والصهيونية والغرب الاستعماري وأبرزها بنوك الإقراض والتمويل الدولية العملاقة .

من هذه الساحة برزت في العقود الأخيرة جرائم "القاتل الاقتصادي" الذي يعد لضحاياه من البلدان خططا في غاية المكر والخبث نستجلي بعضا منها بعد التعرف على هوية هذا القاتل الاقتصادي :

حقيقته : قرصان دولي
سلاحه : المال والمشاريع الإنمائية في الدول الهدف
ساحته : الاقتصاد.. والمشاريع الكبرى .. والتنمية والتطوير !
هدفه : إخضاع الدول والمجتمعات التي تحتاج للبنى التحتية بدعم وتطوير مشروعاتها
التنموية. ومن ثم إيقاعها في العجز وإخضاعها بالتالي لإملاءات القوى التي تقف وراءه
أدواته : التسهيلات المالية الحكومية ، والدعم السياسي والمالي من الجهات العليا التي يعمل في خدمة أهدافها ..
أجندته : مرتبطة حكما بأهداف خارجية / صهيونية أمريكية /





ماذا عن آليات عمل القاتل الاقتصادي:
لم يعد المستعمر المحتل بصورة ذلك الجندي المدجج بسلاح متفوق والمثقل بالعتاد العسكري ـ التقني المتطور !!

لقد غدا رجلا أنيقا، لامع الاسم، يملك ثروات لا حصر لها أو هكذا يشيع بهي المظهر، حسن الابتسامة، لا يحمل إلا بضعة عقود وأوراق في حقيبة عصرية .. إنه رجل الأعمال القادم من البعيد .. منقذ الاقتصاد ومبدع المشاريع ..ومحقق المعجزات !! .. هكذا يبدو في الظاهر، لكنه باختصار قرصان دولي وقاتل اقتصادي يستغل حاجة البلد الضحية إلى بناء أو ترميم أو دعم البنية التحتية أو تطوير الشركات والمؤسسات بطموح استثنائي .

وحده ومن يقف وراءه من قوى استعمارية يعرف نهاية المطاف! السيطرة السياسية على قرار تلك الدولة التي فاض عليها بكرمه !! مستفيدا من مزاياه الاستثنائية في الحصول على المنح والقروض الهائلة الحجم . والدعم المالي الدولي .

ما أجمل الواجهة وما أخبث ما خفي وراءها .. يبدأ العمل .. عقود واستثمارات ومشاريع وشركات تدعمها حملات إعلانية تنفق عليها ملايين الدولارات. يلمس مواطنو هذه الدولة أو تلك على الأرض إنجازات فعلية لكنها لا ترقى إلى مستوى الأموال وحجم التسهيلات الممنوحة لهذا القاتل الاقتصادي
ويعمل هذا القرصان / مدعي الثروات الهائلة / ومن خلفه حكومته الاستعمارية وفق خطوات مدروسة تتلخص بما يلي :
1 ـ إقناع البلد المستهدف بضرورة بناء أو" تجديد بنيته التحتية ، مشاريع الماء والكهرباء والاتصالات والطرق والمرافىء وغيرها .. ويضع خططا لاطاقة للدولة بتمويلها" .
2 ـ إقناع البلد الضحية بالاستدانة من بنوك أمريكية أو ذات نفوذ أمريكي! أو صهيوني .
3 ـ الوصول بضحيته إلى العجز عن سداد الديون مما يرغمها على الارتباط بشروط وهيمنة الدول الاستعمارية الغنية.
4 ـ بعد دمج اقتصاد البلد بالسياسات الاستعمارية الكبرى تصبح الدولة أمام خيارين أحلاهما مر .. الخضوع الكامل للسيطرة والإملاءات .. أو تفجر الوضع الاقتصادي .. فالاجتماعي فالسياسي .
5 ـ خلق صراعات وتناقضات بين الدول الطامعة مما يجعل البلد الضحية فريسة بين وحشين .
6 ـ قدرة القاتل الاقتصادي على نشر الفساد والإفساد ثم إرغام الدولة على السكوت حيال هذه السلبيات وإلا لجأ إلى الحل الأخير .. إثارة القلاقل والمظاهرات والاغتيالات .. وربما الغزو كما حدث للعراق أو الانقلابات كما حدث في إندونيسيا إبان الأزمة .


يضاف إلى ذلك أن الأموال الطائلة المستدانة لم توظف كلها في عملية التنمية والتطوير بل يذهب قسم كبير منها في طريق الرشاوى والفساد والاختلاس لخلق المتاعب المستقبلية للدول المستهدفة .

كل هذه الخطوات لم تكن لتكتمل لولا أن القاتل الاقتصادي يجد من يساعده من أنصاف الأثرياء ومن رجال الأعمال الفاسدين الذين يبيعون أنفسهم للشيطان مقابل المال .

حين أفلست خلال أسابيع سبع دول غنية في جنوب شرق آسيا لم يكن وراء العصف ببورصاتها وأسواقها وعملاتها تكتلات اقتصادية استعمارية ضخمة بل قرصان واحد أمريكي صهيوني .. هو جورج سوروس الذي دمر بضربة واحدة اقتصاد سبع دول لا يستهان بها منها ماليزيا وأندونيسيا



ما الحل :
لابد أمام تلك التحديات من إيجاد حلول عملية تحصن البلد واقتصاده وتقطع الطريق على الخطط الشيطانية للقتلة الاقتصاديين الذين هم ليسوا بالضرورة آتين من خلف البحار، بل إن منهم من يرتدي العباءة العربية ويحمل الهوية العربية ويتكلم ويبتسم بلغتنا! ولكن محفظته الاستثمارية ليست بريئة أبدا .. ومنهم من يأتي مغتربا عاشقا لتراب وطنه ولكن .. له شريك آخر !! قرصان يقبع خلف البحار .

أمام هذه التحديات ينبغي تعميق الثقة برجال الأعمال الوطنيين من داخل البلد وبأصدقائهم المنزهين عن كل هذه الارتباطات المشبوهة .

وأن تتأسس المحافظ الاستثمارية وتبنى المشاريع التنموية على أساس المصلحة الوطنية العليا ، والمبادىء النضالية التي تشكل هوية البلد بدلا من الارتماء في أحضان أجندات مجهولة التبعية .

أن توضع الخطط الاستثمارية وتوظف الأموال وفق الرؤى الوطنية التي لا تحكمها الخدع الظاهرية والمظاهر البراقة بل المصالح الاستراتيجية ـ الوطنية للدولة، وإن تباطأت عمليات التنمية قليلا .

وهكذا تحولت حرب السلاح إلى حرب المال والأسواق .. وما يجري في العالم اليوم من أزمات الديون .. وتهديد العملات.. تفوق الصين اقتصاديا وماليا بعد أن راهن الكثير على فشل نظامها وكذلك الخطر المحيق بمنطقة اليورو، وإفلاس اليونان .. ومن خلفها دول جنوب أوروبا .. كلها مؤشرات إلى أن القاتل الاقتصادي الخفي ما يزال يعمل بأجندة جهنمية ليست منطقتنا العربية بمعزل عنها في كثير من البلدان .

وحدها الطاقات الوطنية والرساميل الوطنية والخطط الاستثمارية الوطنية كفيلة بتشكيل سور مناعي لا يستطيع تسلقه القرصان المسمى القاتل الاقتصادي .

المصدر: اريج درويش - عربي برس