لم يُشكّل القرار الذي اتّخذته الحكومة يوم الأول من أمس الخميس 22 / 9 / 2011 م أية ردود أفعال مفاجئة يمكن ملاحظتها في الشارع السوري، حيث جرى تلقّي ذلك ببرود وعدم اكتراثٍ واضحين، وكانت الحكومة قد أوقفت في ذلك القرار استيراد العديد من السلع والمواد الكمالية التي تزيد رسومها الجمركية عن 5% وكان أبرزها – حسبما هو مُعلن – استيراد السيارات السياحية.

والواقع فإنَّ حالة البرود وعدم الاكتراث التي تلقَّى بها الناس هذا القرار، عكست حجم التفهم الكبير والواعي عند الشعب بشكل عام لطبيعة الأحداث والعقوبات الاقتصادية الظالمة التي تتعرّض لها سورية، دون أن تستند إلى أي أساس موضوعي أو منطقي، فقوى الشر والبغي والعدوان يريدون من سورية أن تتخلّى عن سيادتها وحقوقها بأبسط الأسباب والسبل، ولأنها دولة ذات كرامة وسيادة تتشبث بحقوقها ولا تعرف تفكيراً ينحو باتجاه التنازل عن تلك الحقوق الوطنية والقومية، فأرادت تلك القوى الباغية والعدوانية أن تضغط وتضغط على سورية كي تجبرها على التنازل .. ولن تتنازل.

وعلى كل حال فقد أوضحت الحكومة السورية بعد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء عقدت يوم الخميس الفائت أنه في إطار اتخاذ الإجراءات الوقائية لحماية الاقتصاد الوطني وحماية المنتجات المحلية اعتمد مجلس الوزراء قراراً يقضي بتعليق استيراد بعض المواد التي يزيد رسمها الجمركي على خمسة بالمائة ولمدة مؤقتة وذلك باستثناء بعض السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن ولا تنتجها الصناعة المحلية.

وعقب الجلسة قال الدكتور محمد نضال الشعار وزير الاقتصاد والتجارة في تصريح للصحفيين : إن القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء اليوم حول تعليق استيراد المواد والبضائع والسلع التي يزيد رسمها الجمركي على 5 بالمائة وهي تشمل بمعظمها الكماليات والسيارات السياحية يهدف إلى الحفاظ على مخزون البلد من القطع الأجنبي وإعادة توزيع هذا المخزون بما يحقق استفادة أكبر في العملية الاقتصادية في سورية.

وأضاف الوزير: إن هذا القرار وقائي ومؤقت وسيسهم في تنشيط العملية الإنتاجية من خلال إعطاء الفرصة للمصانع لإنتاج السلع التي توقف استيرادها وبالتالي خلق فرص عمل جديدة أو إعادة تشغيل العمال في بعض المصانع التي توقفت عن العمل.



وماذا غير السيارات ..؟
من جهته قام موقع داماس بوست بمراجعة التعريفة الجمركية للوقوف على السلع التي يطالها هذا القرار فتبيّن بالفعل أنها سلع بسيطة وكمالية جداً ويمكننا جميعاً الاستغناء عنها وبكل سهولة، فبالنسبة للسيارات يمكننا القول بأن السوق السورية قد أُشبعت بالسيارات إلى حدّ كبير، حتى غدا معدّل امتلاك السيارة يصل إلى سيارة واحدة لكل أسرتين سوريتين، فقد أشارت آخر الإحصائيات لوزارة النقل إلى أنَّ عدد السيارات في سورية قد وصل إلى أكثر من ( 2,2 ) مليون سيارة، أي سيارة لكل عشرة أشخاص على أساس أن عدد السكان ( 23 ) مليون نسمة، في حين يصل وسطي عدد أفراد الأسرة في سورية إلى خمسة أشخاص.

وبكل الأحوال فقرار الحكومة لا يعني بأي حال من الأحوال أنَّ السُّبل قد تقطّعت اليوم بوجه من يريد أن يمتلك سيارة مجدداً، لأن هناك مخزون كبير من السيارات لدى الوكلاء أولاً، كما أن مصانع السيارات السورية الثلاثة ( شام في عدرا ، وسابا وحميشو في حسياء ) مستمرة في إنتاجها ولن تتوقف ثانياً، بل على العكس ربما يُشكّل هذا القرار حافزاً كبيراً عند بعض رجال الأعمال للاستثمار في مجال صناعة السيارات، ونحن نعرف أن هناك العديد منهم قد تقدّموا بالترخيص لإقامة مثل هذه المصانع، حيث جرى تشميلها بقانون تشجيع الاستثمار، غير أنَّ الإجراءات اللاحقة مُجمّدة من قبل المستثمرين أنفسهم وتفعيلها قد يكون مناسباً جداً في هذه الظروف.

أما بالنسبة للمواد والسلع الأخرى التي يطالها قرار رئاسة مجلس الوزراء في تعليق استيرادها، فقد بدت من خلال التعريفة الجمركية كمالية .. وكمالية جداً، ويمكننا القول بأنها ليست على بال أحد – على المستوى الشعبي – وحتى على المستوى التخصصي يمكن الاستعاضة عنها بسهولة دون إحداث أي خلل، فمن هذه المواد والسلع مثلاً : ( الحمير والبغال والنغال الحية ) وهي حيوانات يجري استيرادها للإنسال من عرق نقي، وكذلك ( الخنازير، والحيوانات المعدّة لحدائق الحيوانات " منها الذئاب والضباع والفهود " والحيتان والدلافين وخنازير البحر، وخرفان وأبقار البحر، والأفاعي والسلاحف، والطيور الجارحة والمفترسة، بالإضافة إلى طيور الكنار والنعام والببغاء ) وهذه الحيوانات الحية تتراوح رسومها الجمركية بين 20% إلى 50% ، ويلاحظ هنا بأن الحيوانات الضرورية والهامة والتي يمكن أن تشكّل أهمية عند الكثيرين كالأبقار والضأن والماعز وديوك الدجاج والبط والوز والدجاج الرومي ودجاج غينا والنحل، لم ينسحب عليها قرار التعليق، حيث بقي استيرادها ممكناً وبشكل طبيعي لأن رسومها الجمركية تتراوح بين 3% إلى 5% فقط.

وفي الوقت الذي يطال فيه القرار أصنافاً من التوابل قليلة الاستخدام كبذور الشمرا والكراوية والكزبرة واليانسون الصيني حيث تصل رسوم هذه المواد إلى 30% فإن التوابل الأكثر استخداماً والتي يكون شكل استيرادها يساهم بإحداث قيم مضافة، وتحتاج إلى استكمال تصنيعها محلياً ( سواء كان بالتحميص أو الطحن أو التعبئة ) فإن رسومها منخفضة بين 3% و5%.

ومن المفترض أن يطال قرار تعليق الاستيراد ( المرمر والرخام والإسمنت والحرير الصخري بالإضافة إلى العاج المصنوع وكاميرات التلفزيون والتصوير الرقمية وأجهزة الراديو والتلفزيونات ) حيث تتراوح الرسوم الجمركية لهذه المواد من 10% إلى 50%، ومن المواد والسلع التي يزيد رسمها الجمركي عن 5% نجد أن القائمة تتحدث عن ( أطر خشب للوحات والصور والمرايا والأبواب والملابن وتماثيل صغيرة وأصناف زينة من الخشب وتعاليق الثياب وأنواع من الحصر والبسط وورق الجدران المصقول جداً وبأشكال تزيينية وألبومات الصور، والبطاقات البريدية المطبوعة أو المصورة للتهاني والدعوات، والتقاويم والورق المكربن ) غير أن أصناف الورق الأخرى عدا بعض أنواع الرقاع والورق المقوى وكاتالوغات الدعاية والإعلان غير الضرورية فإن رسومها لا تتعدى 5% .

ويطال قرار تعليق الاستيراد أيضاً بعض أصناف الأحذية والمصنوعات الحجرية والإسمنتية والخزفية، وأحواض غسيل المجالي والمغاسل وأحواض الاستحمام ( البانيو ) وما شابه، وأواني وأدوات المائدة والمطبخ وبعض الزجاجيات والزجاج الملون والمرايا ومصنوعات الصياغة من الحلي الثمينة والحلي المقلدة، وألعاب الفيديو والبلياردو وورق اللعب، وهذه المواد تتراوح رسومها بين 10% إلى 50%.

أما بالنسبة لألعاب الأطفال فلم يطَلْها القرار لأن رسومها الجمركية 5% وأقل.

أخيراً نعتقد أن أي شعب في العالم بإمكانه الاستغناء عن مثل هذه المواد والسلع، ومع هذا فإن الكثير منها يُصنّع في سورية ويمكن أن يُصنّع، وهذا من شأنه بالفعل تحفيز الصناعة الوطنية والاعتماد على الذات، ولكن لا ننكر أن هناك بعض السلع والمواد الحيَّة التي لا يمكننا تصنيعها ولاسيما الخنازير والذئاب والحمير والبغال.. غير أننا لن نحتاج إلى ذلك .. وبالناقص .. والذي لدينا منها صار من الواضح أنه يكفينا ويزيد.