
عقلية المواطن الاستثمارية خارج حسابات البورصة
تسعى هيئة الأوراق والأسواق المالية مع إدارة السوق مشكورة إلى بذل كل الجهود لتوعية المستثمر ونشر الثقافة الاستثمارية في السوق المالي وفرض الكثير من القيود على التداول لتحجيم المضاربة والغرض من ذلك حماية صغار المساهمين قبل كبارهم مما يسمى فقاعات السوق ومن ثم انهيارات سعرية فإفلاسات أغلب المتضررين منها هم صغار المساهمين على الأرجح.
هذه القيود التي هي على الأرجح ردود أفعال عن تجارب الأسواق المالية المجاورة وما حدث فيها من انهيارات فعمد المسؤولون إلى توصيف أسباب الانهيارات ثم تحليل هذه الأسباب وصولاً إلى نتائج وقناعات ومن ثم قرارات وقائية استباقية.
ولكن تم إغفال نقطة مهمة عندما تم وضع هذه القيود المعروفة وهي العقلية
الاستثمارية والادخارية لدى
المواطن السوري أي ما مدى أو بمصطلح مهني أعمق ما سرعة تخلي
المواطن السوري عن الليرة السورية لاستثمارها في مشروع تجاري ما.
هل يغلب طابع المغامرة على
المواطن السوري في الاستثمار أم الحرص الشديد والسؤال عن التفاصيل من أكبرها إلى أصغرها عندما يرغب بشراء سهم في شركة مساهمة عامة، ما الميل الحدي للاستثمار لديه وما الميل الحدي للادخار؟
والسؤال الأهم هل نحن حريصون على من هو أشد حرصاً منا على أمواله؟! فغيرنا من الدول قد شهد طفرات نمو في أسواقها المالية نتيجة الطفرات الاقتصادية المبنية على ازدياد أسعار البترول ومشتقاته ولذلك فالثروات عندما تشكلت بسهولة ذهبت بسهولة ومن اجتهد منا بتجميع مدخراته لن يقذفها في المجهول إلا بعد الاستفسار والسؤال ومتابعة بيانات وأخبار استثماره، وعلى الرغم أنني من أنصار المبدأ الذي يقول إن الحماسة الشديدة مفيدة في جميع الأعمال التجارية إلا في الأسواق المالية لأنها تؤدي لهلاك الأموال إلا أنني أؤمن بالوقت نفسه أن الحماسة الشديدة توءم الحرص الشديد في سوق المال، فالأول يهلك المال والثاني يجمده فتتراجع قيمتها وتنخفض عوائدها.
ا
لشيء المضحك أننا بحرصنا الشديد تصبح توقعاتنا بالعوائد القليلة مثيرة للسعادة والتفاؤل على الرغم من إمكانية تلاشي هذه العوائد المنخفضة بسبب معدلات التضخم فينطبق علينا ما قاله أحد الساخرين للكاتب البريطاني ج. ك. تشيسترتون إنه من نعم الله الكبيرة على الإنسان عدم توقعه الحصول على أي شيء إذ لن يصيب الشخص الإحباط قط في يوم من الأيام فأجابه تشيسترتون إنها لنعمة كبيرة ينعم بها الله على من لا يتوقع الحصول على شيء لأنه سوف يتذوق حلاوة أي شيء مهما كان!
إذاً رؤيا القائمين على السوق لدينا تبحث عن المستثمر السلبي المحافظ الذي يبغي الحصول على الأمان من دون أن يقع بين مطرقة الخوف وسندان القلق، أي بصورة أخرى يبحث عن المستثمر الذي يهدف إلى الحفاظ على أصل الاستثمار مع عوائد مقبولة بالنسبة لهذا المستثمر تجعله قانعاً راضياً بمذاق هذا الربح.
وهنا وبهذه النقطة بالذات تلتقي المتناقضات وتتضارب المفاهيم فالذي يجذب أموال الناس إلى الشركات المساهمة العامة هو قابلية التسعير اليومي لصافي أصول الشركة ضمن سوق للتداول يتجاذبه العرض من جهة والطلب من جهة أخرى أي صافي أصول الشركة تتعرض قيمتها السوقية للتقلبات المستمرة بسبب طريقة التسعير التي يحددها سوق التداول وبعبارة أخرى فإن سوق الأسهم العادية يعتبر من الأوراق المالية الخطرة بسبب طبيعة نوعها ودخول عنصر المخاطر من حيث نسبة العوائد وفقدان جزء أو أصل الاستثمار عند إفلاس الشركة ولم يكن عبقري الاستثمار وارن بافيت نفسه لينصح أكبر المستثمرين مغامرة وجرأة بأن يحوز في محفظته المالية بأكثر من 75% أسهماً عادية والباقي سندات وأسهماً ممتازة وأن تتنوع الأسهم العادية بين القيادية بالنسبة الأكبر وأسهم النمو بالنسبة الأقل في قناعة منه أن الأسهم العادية مهما كان نوعها تندرج ضمن الاستثمارات المالية عالية المخاطر مقارنة بالسندات والأسهم الممتازة.
إذاً: الأسهم العادية بطبيعتها استثمار غير آمن، هذا الذي يفرض من الجهات الرسمية التوعية لمخاطرها بدلاً من خنقها بالقيود وخاصة عدم البيع باليوم نفسه وقيود دخول الأجانب فإن أي تأثيرات سلبية من التداول باليوم نفسه أو دخول الأجانب سيتم تخفيف آثاره للحد الأقصى بحدود تداول لا تتجاوز 2% من السعر المرجعي، أي إننا بتعبير آخر نغير من ماهية الأسهم العادية بهذه القيود وعليه أن ندفع بالمستثمرين المحافظين إلى الاستثمار المحافظ - أي السندات والأسهم الممتازة - بدلاً من تحويل الاستثمار المغامر - الأسهم العادية- إلى استثمار محافظ فيفقد بذلك طبيعته وميزاته.
وحسب القانون المالي المعروف فإن العوائد المالية المرتفعة تقابلها المخاطر المالية المرتفعة في سوق الأوراق المالية وسبب المخاطرة الكبيرة في الأسهم العادية قابليتها لتحقيق أرباح رأسمالية كبيرة جداً عندما يزداد حجم الطلب على العرض بعدة مرات لكن هذه المعادلة الذهبية تحول الأموال إلى رماد عندما يعكس طرفا المعادلة، وعلى الرغم من شعبية هذه المعادلة في جميع السلع التجارية إلا ما يسبغ هذه المعادلة خصوصيتها في سوق الأوراق المالية هو سرعة انعكاس طرفي المعادلة بالصورة التي لا يستطيع أغلب المستثمرين مجاراتها أو مواكبتها ما يؤدي إلى خسارة هؤلاء.
وهنا يتبادر على الفور سؤال وهو هل من سبيل إلى التحكم بطرفي المعادلة بالشكل الذي نمنع انعكاس طرفيها بالسرعة التي تؤدي إلى الخسارات الفادحة للمستثمرين؟ والجواب أننا يمكننا في بعض الحالات ولا يمكننا في حالات أخرى فالسوق كلما ازدادت كفاءة وعمقاً انخفض عدد الفقاعات السعرية وانخفضت حدتها أما سبل التحكم وتوقيتها فسوف نناقشها بمواد أخرى.
د. محمد وائل حبش
الوطن