متابع جيد
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 315
شكراً: 871
تم شكره 1,478 مرة في 747 مشاركة

كلمات مثل "أخي والطقطيقة " لها معان خاصة في حمص
حمص- تتحول كلمة أخي (بياء حمص المفتوحة) في حمص لتصبح كوداً سرياً بين الشباب، لا يكاد أحد من أولئك يبدأ حديثا مهما كان نوعه دون استخدام (أخي) في بدء الكلام وفي نهايته، وإن كان الأخ له قيمة عالية معنوية ونفسية في الحياة العامة فإن الأخ في حمص يصبح شقيقاً للروح فداءه روح الآخر وما يملك.
في سيارة أجرة (تاكسي) تدخل (حمص العدية)، كما يحب أبناؤها أن يكنوها، وعند حاجز الأمن الأول تواجه أسئلة قد تكون الوحيد الذي يستغربها أو يأخذها على محمل الجد، حيث يبدو الواقف عند الحاجز مرهقاً يقتله الملل من توجيه نفس الاسئلة لنفس الأشخاص تقريباً يومياً وربما لأكثر من مرة في اليوم الواحد، وإن كانت الأسئلة روتينية وتقليدية تتقلص الأجوبة في حدودها الدنيا (اسمك، لوين رايح، من وين جاي) وتبقى الأصول الحمصية الأسهل في المرور بطبيعة الحال.
ويبدو حاجز (الثوار) أكثر دقة وتزمتاً.. لحفظ الأمن (كما يهمس في أذنك سائق التاكسي الموثوق من قبل الشاب الواقف على الحاجز)، حيث يبين لك أن وجودك مع شخص موثوق ومعروف من قبلهم لا يعني أن لا يتم التعرف إلى هويتك بدقة.
ومن شارع إلى شارع لا تكاد تودع حاجزاً حتى تستقبل آخر، وقد تشعر بالراحة عند حاجز (الثوار) إذا ما كنت متعاطفاً مع الثورة والعكس بالعكس إن كنت ضدها.
اتصالات مكثفة تدور بين سائق التاكسي "الدليل" ومجموعة لن تعرف عنها شيئاً، وربما في أول الأمر لن تفهم الحديث الذي يدور، إذ انه وبعد بضعة أسئلة وتكرار مجموعة من الكلمات ستعرف أنه رسم خريطة للشوارع الآمنة التي ستوصلك إلى هدفك (المظاهرة).
"كيفك أخي، شو وينك انت، والله الطُقطيقة عنا شغالة"، صمت لبضع دقائق، "وشو أخبار الناس اللي بيعيطوا علينا.. إيوا.. مع السلامة أخي".
وبالطبع سيبدو بديهياً أن "الطقطيقة" تعني إطلاق الرصاص من قبل الأمن والشبيحة، ما يعني أن هذه المنطقة غير آمنة للمرور حالياً، وأما "الناس اللي بيعيطوا علينا" فهم أيضاً الشبيحة والأمن، وقد يضطر بعد اتصالاته تلك أن يطيل الطريق تفادياً للمرور بمنطقة خطرة أو محاولة تفادي أكبر عدد ممكن من الحواجز الأمنية.
وصولك للمظاهرة التي انتظرت أن تشارك فيها طويلاً، لا يعني نهاية المشوار، إنها البداية فقط، حيث لا مجال للمشاركة بالهتاف، إذ إن الدموع سرعان ما تعطب الصوت، سرعان ما توقف الحنجرة عن العمل، تتحرك وتتمايل بجسدك الملتحم مع الأجساد الأخرى لتدخل حالة من الدوران تتمنى أن لا تخرج منها، وكل هذا ولم يظهر عبدالباسط الساروت بعد، إذ انه لا يمكن لأحد تقريباً أن يعرف متى وأين سيصعد الساروت إلى ما يشبه (المصطبة بالتعبير العامي).
حتى من يقال عنهم بين الثوار (ع الأول) لن يعرفوا الخريطة الدقيقة لوجود الساروت وفدوى سليمان المحميين من قبل الحماصنة، وتعبير (ع الأول) تعني أنه من الشباب الذين يحملون مسؤولية في تأمين الناس وربما الإعلاميين والمظاهرات، وأنه على قدر كبير من الثقة من قبل جميع الثوار.
وقد يتوقع البعض أن يظهر الساروت أو فدوى في البياضة فيتفاجأ الجميع به في بابا عمرو، وتتحول الساحة إلى كتلة نار متأججة، الساروت يهتف والحرائر تزغرد والرجال تهتف(سطر محذوف لغايات الرقابة) سيقف في وجه أولئك الحاملين دمهم وقلوبهم على كف لم تعرف إلا البحث عن لقمة العيش، وعندما قررت أن تتعرف إلى الحرية لم تدع مجالاً للقمة العيش أن تقف عائقاً في وجه حريتها.
يوم واحد تقضيه في حمص، يوم واحد قد يجعلك (تستعصي) وتتخذ قراراً بعد العودة إلى زوجتك أو أولادك أو حتى أمك، يحذرونك بضرورة العودة باكراً قبل أن تبدأ "الطقطيقة"، ويدفعوك للعودة إلى ما تركت وراءك من مسؤوليات، وكأنهم قرروا أن يحملوا مسؤولية الحصول على حريتك وحريتهم على كاهلهم.
تتناثر الكلمات من بين شفتي الحمصي فتشعان ناراً ونوراً، رائع بغضبه وفرحه، كلماته تتصاعد كبركان ثائر، أو تتسلل خلسة كنسيم الصباح البارد، ويدعوك الكريم بكل لطف للغداء في بيته المحروم من المازوت والمشع بدفء دعوات أمه وأخته وزوجته.
__________________
تصبحون على وطن