مشرفة سابقا
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 4,541
شكراً: 1,660
تم شكره 1,353 مرة في 775 مشاركة

ماذا يعني "إفلاس" الولايات المتحدة؟
ماذا يعني "إفلاس" الولايات المتحدة؟
يتابع العالم باهتمام شديد أنباء الجدل السياسي بين الإدارة الديمقراطية والمعارضة الجمهورية في الولايات المتحدة بشأن الدين الفيدرالي.
وتحتاج إدارة الرئيس باراك أوباما وفقاً لموقع "بي بي سي" إلى رفع سقف الدين الحكومي فوق 14.3 تريليون دولار قبل الثاني من آب المقبل لتتمكن من الاقتراض لسد عجز الميزانية.
ويرفض الجمهوريون الموافقة على رفع سقف الدين ما لم تلتزم الحكومة بخفض الإنفاق بأكثر من تريليون دولار، ولا يريد أوباما الالتزام بخفض الإنفاق لأنه حسب قوله سيضر بالطبقة الوسطى والفقراء دون أدنى تأثر للأغنياء.
ومع اقتراب الموعد لا يبدو هناك حل في الأفق في قضية ربما تبدو للوهلة الأولى أمريكية بالأساس، فلماذا إذا اهتمام العالم بها إلى الحد التوتر؟
فبمجرد أن أعلنت مؤسسات التصنيف الائتماني الرئيسية في العالم قبل أيام أنها ستراجع التصنيف الائتماني للدين الأمريكي حتى أصيبت أسواق المال في العالم بالهلع.
صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية هي اكبر اقتصاد في العالم، ولكل اقتصادات العالم تعاملات معه بشكل أو بأخر وبالتالي هي متأثرة بحالته نمواً وتراجعاً.
لكن مشكلة المديونية الحكومية التي تربك اقتصادات أوروبا إذا وصلت إلى الولايات المتحدة فان تأثير ذلك على أسواق العالم والقطاع المالي العالمي كله، ومن ثم الاقتصاد العالمي، سيكون هائلا.
سوق السندات
خشية الأسواق من احتمال خفض التصنيف الائتماني الممتاز للولايات المتحدة مرده أن ذلك سيعني على الفور خسارة سوق السندات العالمي نحو 100 مليار دولار على الفور.
فسوق السندات الأمريكية يبلغ وحده أكثر من 10 تريليون دولار (أما الأربعة تريليونات الأخرى فهي مقابل تحوط داخلي)، وما يميزه عن غيره أن نصفه سندات يملكها أجانب.
وإذا عرفنا أن 4.5 تريليون دولار تقريباً هي سندات خزانة مملوكة لحكومات ومؤسسات غير أمريكية، يمكن فهم سبب الانزعاج العالمي من احتمال خفض التصنيف الائتماني لأمريكا.
وحسب احدث أرقام متاحة من وزارة الخزانة الأمريكية، فان اكبر دائن للولايات المتحدة الآن (بقدر ما يملك من سندات خزانة أمريكية) هي الصين بمبلغ 1.152 تريليون دولار بنهاية نيسان.
تليها اليابان بمبلغ 906.9 مليار دولار، ثم بريطانيا التي تملك ما قيمته 333 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية.
أما الدول المصدرة للنفط فتاتي في الترتيب الرابع لمالكي سندات الخزانة من غير الأمريكيين عند 221.5 مليار دولار.
ولا يقتصر الأمر على الاقتصادات الكبرى والصاعدة، بل إن بلداً مثل مصر لديه سندات خزانة أمريكية بقيمة 13.6 مليار دولار.
وفي الوقت الذي يبتعد فيه المستثمرون عن سندات الدين الأوروبية يزيد الإقبال على سوق السندات الأمريكي، على الرغم من كل الأرقام السلبية حول آفاق نمو الاقتصاد.
ففي السنوات القليلة الأخيرة تضاعف حجم الاقتراض اليومي الأمريكي من ملياري دولار إلى نحو 4 مليارات دولار.
التعثر
منذ عقود والعالم كله حريص على ألا تتراجع قيمة الدولار الأمريكي وألا يجد الأمريكيون مشكلة في الاقتراض لسد العجز.
لكن مع وصول الدين الأمريكي إلى نحو 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وعدم وضوح الرؤية بشأن التعافي الاقتصادي، ربما يقترب الوضع من نقطة عدم إمكانية استمراره هكذا.
فإلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل خفض تصنيفها الائتماني؟ وما هي احتمالات "الإفلاس"، بمعنى التخلف عن سداد الديون ـ أو لنقل التعثر؟
تتميز سوق السندات الأمريكية بأنها مقومة بعملتها، الدولار، ومن ثم قد لا تكون هناك خطورة كبيرة ـ أمريكيا ـ في خفض التصنيف الائتماني درجة أو أكثر.
ولتخسر الصين ودول النفط وبريطانيا واليابان وغيرها بضعة مليارات من الدولارات نتيجة انهيار قيمة ما تملكه من سندات.
أما الأمريكيون فيستفيدون في الواقع من خفض قيمة عملتهم، حتى لو أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات الفائدة فلن يكون مشكلة كبيرة لأنها لا تزال عند أدنى مستوياتها منذ سياسة التخفيف النقدي التي أعقبت الأزمة المالية العالمية.
لكن التعثر مشكلة أخرى، وستؤدي إلى تبعات أوسع نطاقاً ليس فقط على القطاع المالي العالمي فحسب بل على الاقتصاد العالمي لفترة ليست بالقصيرة.
فتخلف أمريكا عن سداد ديونها لن تجدي معه محاولات إنقاذ، كما حدث مع اليونان وايرلندا والبرتغال مثلا، ومن ثم سيكون الحل هو أن تشطب أمريكا قدراً كبيراً من ديونها وتخفض قيمة الدولار بشدة.
سيساعد ذلك على ضبط دفاتر الحكومة الأمريكية، وربما تستطيع الانطلاق اقتصاديا ببرامج إنفاق واستثمارات جديدة تنشط عجلة النمو.
لكن مقرضي أمريكا في أنحاء العالم سيتأثرون سلبا بشدة، ليس فقط بسبب خسارتهم من شطب ديون مستحقة لهم وإنما بسبب انهيار قيمة كثر من تعاملاتهم الدولية المقومة بالدولار.
لكن الأرجح أن العالم لن يتوقف عن إقراض أمريكا والاستثمار فيها، فاقتصادها رغم كل المشاكل لا يزال الأكبر والأكثر تنوعا وحيوية.