عضو متابع
تاريخ التسجيل: Dec 2009
الدولة: حلب
المشاركات: 378
شكراً: 108
تم شكره 154 مرة في 87 مشاركة

رد: الذهب والعملات الورقية
(فاسألوا أهل الذكر)
السلام عليكم
اتفق الفقهاء الأوائل على أن القرض يرد بمثله حيث كانت تلك القروض تعقد بأحد النقدين: الذهب أو الفضة، اللذين يتميزان بثبات قيمتيهما غالبا. أما رد القروض أو الديون بالنقد الورقي المعاصر فالفقهاء المعاصرون فيه على قولين:
القول الأول: أن القرض يرد بالمثل والعدد لا بالقيمة. وهو قول كثير من الفقهاء المعاصرين. واستدلوا بما يلي:
1.قياس النقود الورقية على النقدين الذهب والفضة وعاملهما المشترك هو (الثمنية) , فالنقود الورقية ثمن للأشياء في زمننا والذهب والفضة ثمن للأشياء فيما سبق ، فلا بد أن ترد القروض المعقودة بها بمثلها.
2.أن القيمة عندما تنقص إنما تنقص نقصا عاما على الناس جميعهم وليس على الدائن وحده، وكذلك الارتفاع.
القول الثاني : يُرد القرض بالمثل في الأحوال العامة، وبالقيمة في حالات استثنائية منها ما يلي:
1.إذا كان التغير كبيرا بما يدخله في الغبن الفاحش، فيرجع إلى القيمة. واستدلوا بما يلي:
أ-تخريج النقود الورقية في حالة الانخفاض الكبير على الفلوس باعتبار أن كل منهما قيمته اصطلاحية، وكل منهما معرض لتغير قيمته أو الكساد النهائي في حالة إلغاء الحكومة له، وبحجة أن هذه الثمنية ليست ملازمة لهما في كل حال فقد تزول عنهما فيأخذان أحكام العروض (السلع).
ب-كما استدلوا بالاستحسان: فالقياس الجلي يقتضي رد المثل في الفلوس، والقياس الخفي وهو الاستحسان يقتضي رد القيمة؛ لأن المصلحة تقتضي رد القيمة في تلك الحالة.
2.أن المدين إذا وفَّى بوعده وأدى القرض في موعده المحدد فلا يطالب إلا بالمثل، وأما إذا لم يوفِّ بوعده ولم يؤد الدين في وقته المحدد بل ماطل فيطالب بالقيمة. واستدل أصحاب هذا القول بحديث الشريد بن سويد الثقفي رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " لـَيْ الواجد يُحل عرضه وعقوبته".
(لـَيْ الواجد :مماطلة القادر –عرضه: بأن يذكر مطله وعدم وفائه والعرض هو موضع المدح أو الذم من الإنسان)شرح البخاري
وجه الدلالة أن مماطلة المدين الذي يجد ما يقضي به دينه، يحل عقوبته ومنها العقوبة المالية عند البعض ,وتحميله ما يترتب على مماطلته من خسارة الدائن وانخفاض قيمة العملة. (سفيان قال عقوبته حبسه)
وهذا القول الثاني فيه خطر كبير؛ لأنه يفتح الباب أمام الربا على مصراعيه، فإذا أقرض شخص شخصا ألف ريال، ثم حدث تضخم بمقدار 30% فإن هذا يعني أن تلك النقود قد انخفضت قيمتها الشرائية بهذا المقدار فيلزم المدين رد ألف ريال وثلاثمائة بدلا من الألف، فيكون ربا قرض؛ لأن النقود الورقية تأخذ حكم النقدين الذهب والفضة كما أفتت بذلك المجامع الفقهية في هذا العصر ومنها المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
إذن الراجح هو القول الأول وهو عدم تأثير انخفاض قيمة العملة في القرض أو الدين، وأن العبرة في الوفاء هو بالمثل لا بالقيمة
وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قرارا في دورته الخامسة عام 1409هـ مرجحا هذا القول فيما يلي نصه: "العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل وليس بالقيمة؛ لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها، بمستوى الأسعار".
وهذا الحكم بشأن أثر انخفاض قيمة العملة بسبب التضخم يمكن تطبيقه على أثر تخفيض الدولة لعملتها، وذلك لاستواء أثر الانخفاض لقيمة العملة الناتج عن التضخم مع أثر التخفيض الحكومي للعملة. أي سواء خُفضت العملة بقرار من الحكومة أم انخفضت قيمتها الشرائية بسبب التضخم أو لظروف استثنائية ، فإن الحكم الشرعي لهذا الأثر لا يختلف ؛ لأن النتيجة واحدة.
وأما كيف تعالج مشكلة أثر تغير العملة الفاحش في الديون والقروض فقد بيّن ذلك مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثانية عشرة عام 1421هـ حيث طرح الحلول التالية:
1.تأكيد العمل بالقرار السابق رقم 42 ( 4/5) ونصه " العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما، هي بالمثل وليس بالقيمة؛ لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة، أيا كان مصدرها، بمستوى الأسعار".
2.يمكن في حالة توقع التضخم ان نقوم بالتحوّط عند التعاقد، بإجراء الدين بغير العملة المتوقع هبوطها، وذلك بأن يعقد الدين بـما يلي:
أ ـ الذهب أو الفضة.
ب ـ سلعة مثلية.
ج ـ سلة من السلع المثلية.
د ـ عملة أخرى أكثر ثباتا.
هـ سلة عملات.
ويجب أن يكون بدل الدين في الصورة السابقة، بمثل ما وقع به الدين؛ لأنه لا يثبت في ذمة المقترض إلا ما قبضه فعلا.
وتختلف هذه الحالات عن الحالة الممنوعة التي يحدد فيها العاقدان الدين الآجل بعملة ما، مع اشتراط الوفاء بعملة أخرى (الربط بتلك العملة) أو بسلة عملات، وقد صدر في منع هذه الصورة قرار المجمع رقم 75 (6/8) رابعا. ( لا يجوز الدين بعملة والوفاء بعملة أخرى أو سلة عملات )
3.لا يجوز شرعا الاتفاق عند إبرام العقد على ربط الديون الآجلة بشيء مما يلي:
أ ـ الربط بعملة حسابية.
ب ـ الربط بمؤشر تكاليف المعيشة أو غيره من المؤشرات.
ج ـ الربط بالذهب والفضة.
د ـ الربط بسعر سلعة معينة. (الربط بسعر اللحم أو الزيت .....الخ)
هـ الربط بمعدل نمو الناتج القومي.
و ـ الربط بعملة أخرى.
ز ـ الربط بسعر الفائدة.
ح ـ الربط بمعدل أسعار سلة من السلع.
وذلك لما يترتب على هذا الربط من غرر كثير وجهالة فاحشة، بحيث لا يعرف كل طرف ما له وما عليه، فيختل شرط المعلومية المطلوب لصحة العقود. وإذا كانت هذه الأشياء المربوط بها، تنحو منحى التصاعد، فإنه يترتب على ذلك عدم التماثل بين ما في الذمة وما يطلب أداؤه، ومشروط في العقد فهو ربا.
4 -الربط القياسي للأجور والإيجارات:
أ-تأكيد العمل بقرار مجلس المجمع رقم 75 (6/8) الفقرة الأولى: بجواز الربط القياسي للأجور تبعا للتغير في مستوى الأسعار.
والمقصود هنا بالربط القياسي للأجور تعديل الأجور بصورة دورية تبعاً للتغير في مستوى الأسعار وفقاً لما تقدره جهة الخبرة والاختصاص على أنه إذا تراكمت الأجرة وصارت ديناً تطبق عليها أحكام الديون المبينة في قرار المجمع رقم 42(4/5).
ب-يجوز في الإيجارات الطويلة للأعيان، تحديد مقدار الأجرة عن الفترة الأولى، والاتفاق في عقد الإجارة على ربط أجرة الفترات اللاحقة بمؤشر معين، شريطة أن تصير الأجرة معلومة المقدار عند بدء كل فترة.
ويُلحظ على هذا القرار ما يلي:
1-أن المجمع قد أكد قراره السابق من أن القروض ترد بمثلها وليس بالقيمة. وأنه إذا كان التضخم النقدي مفرطا يلحق ضررا كبيرا بالدائن، و حدّ الكثير نقص " ثلث " القيمة التبادلية للنقود، فالواجب عندها رد القيمة , إلا في الودائع المصرفية؛ لأن مودعها يمكنه أخذها في أي وقت يشاء.
2-أن المجمع أجاز الربط في الأجور؛ لأنها ليست من القروض التي يجب أن ترد بمثلها، بل يجوز فيها تغيير الأجر بناء على التغير في العملة والأسعار عموما.
* المشرف على موقع الإسلام والاقتصاد
المصدر: الإسلام والاقتصاد
__________________
.
{ قالوا إنما البيع مثلُ الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب....}275-سورة البقرة
اللهم ارحمني إذا جاء أجلي
من المواضيع:
التعديل الأخير تم بواسطة طالب البركة ; 23-05-2011 الساعة 05:50 PM