عرض مشاركة واحدة
قديم 18-08-2009, 03:14 AM
  #1
Speculator
مراقب عام
 الصورة الرمزية Speculator
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 675
شكراً: 1
تم شكره 8 مرة في 7 مشاركة
Angry في سوريا التضخم حالة نفسية

مجـرد حـالـة نفسيـة أم حقيقــة تفتــت القــدرة الشـــرائيــة؟
التضخم ومتاهة الأرقام المتضاربة

وسيم الدهان- جريدة الاقتصادية
سوريا التضخم حالة نفسية

لا يكاد الحديث عن التضخم وغموض معدلاته في سورية ينتهي، فعلى الرغم من سعي الحكومة إلى طمأنة نفسها أولاً ثم الاقتصاديين والناس ثانياً بأن التضخم «تحت السيطرة» وبأن أسعار السلع «عاودت انخفاضها» إلى الحدود المعقولة، فإن نظرة سريعة ربما إلى الواقع تظهر إحساس الناس بأن التضخم هو سيد الأحكام الذي يتربع على أكتاف السوق آخذاً شكل ركود لا فكاك منه، حيث يتربص التضخم للناس بين السلع مرتفعة الثمن ليلتهم بما يسببه من «قلة بركة» جزءاً كبيراً من قيمة مدخرات الموظفين ورواتبهم المعيشية المسقوفة منذ سنوات.


منذ أيام، أعلن تقرير اقتصادي خاص بأوضاع المؤشرات الاقتصادية الكلية للدول العربية، وتداولته وسائل الإعلام، أن معدل التضخم في سورية ارتفع خلال عام 2008 إلى نحو 14.5 بالمئة، وفي المقابل استبق مصرف سورية المركزي هذا الإعلان بالقول إن معدل التضخم في سورية قد انخفض إلى 5.1 بالمئة فقط في الأشهر الخمسة الأولى من 2009 مقارنة مع الفترة نفسها من 2008. وفي حين يشكك اقتصاديون سوريون بدقة الأرقام الرسمية حول معدلات التضخم وينتقدون طرق حساباتها، مشيرين إلى أن معدلات التضخم في سورية تقارب الـ30 بالمئة للعام الحالي، يذهب فريق آخر إلى أن الاقتصاد السوري لا يعاني تضخماً وإنما يعاني الكساد والركود، إلى جانب هوة وسّعها الزمن بين الرواتب والأجور من جهة وأسعار السلع والخدمات من جهة أخرى.


تضخم واعٍ أو غير واعٍ
د. قدري جميل قال لـ«الاقتصادية»: لفهم الميكانيزمات والأسباب التي تؤدي إلى التضخم- الذي قد يحصل بشكل واع أو غير واعٍ - فإنه يجب البدء بتحديد ماهية التضخم، وبما أن التضخم يعني أن الكتلة النقدية في الاقتصاد أكبر من الكتلة السلعية، فيجب التساؤل عن السبب في ذلك: أي متى تصبح الكتلة النقدية أكبر من السلعية؟ وتابع مبيناً أن هناك عدة احتمالات محددة لهذا؛ فإما أن الكتلة السلعية ثابتة على حين تزداد الكتلة النقدية؛ وإما أن الكتلة النقدية ثابتة والكتلة السلعية تتناقص؛ وإما أن الكتلة النقدية تتطور بوتيرة أعلى من تطور الكتلة السلعية.. وقال د. جميل: إذا كان أي من الاحتمالات السابقة يجري بشكل عفوي فإن هذا يعني أنه ليس هناك تحكم في الكتلة السلعية ولا في الكتلة النقدية، لأنه بمجرد أن تكون هناك معلومات عن تضخم الكتلة النقدية فهذا يدفع إلى كبحها، ولكن في غياب هذه المعلومات الدالة على عدم توازن بين الكتلتين فإن الأمر يخرج عن السيطرة.


طريقتان للحساب
ورأى د. جميل أن المشكلة في سورية بالأساس هي في طريقة حساب الكتلة السلعية، فحساب المدرسة النقدية للكتلة السلعية يختلف تاريخياً عن حساب المدرسة المستندة إلى نظرية القيمة والعمل، فبرأي المدرسة النقدية: كل دخل هو كتلة سلعية، على حين مدرسة نظرية القيمة- العمل تقول: إن الكتلة السلعية تنتج فقط في قطاعات الإنتاج المادي حيث تنتج القيمة المضافة، ومن ثم فإن حدود الكتلة السلعية تكون واضحة وفق طريقة هذه المدرسة.. ولكي يتضح الفرق بين الطريقتين يمكن الرجوع إلى حساب الدخل الوطني، وهناك ثلاثة مستويات للتوزيع: - الأولي الذي يجري في قطاعات الإنتاج المادي وهو توزيع حقيقي بين الأجور والأرباح؛ - المشتق الذي يجري في القطاعات الخدمية؛ - الثانوي وهو الضرائب والرسوم والإنفاق أي الأمور التي تديرها الدولة وتتعلق بموازنتها. وأوضح د. جميل الفرق مميزاً بين طريقتين للحساب ففي المدرسة النقدية يتم جمع الدخول المتأتية عن هذه المستويات الثلاثة وهي طريقة تضخم الكتلة السلعية، على حين مدرسة نظرية القيمة- العمل تجمع فقط الدخول المتأتية عن التوزيع الأولي (أي ذي الإنتاج المادي/السلعي) وهذه الطريقة تؤدي إلى حساب دقيق للكتلة السلعية في السوق.


الحساب الخاطئ
وتابع د. جميل إنه وبناءً على استناد الاقتصادات الغربية للنظرية النقدية في حساب الدخل الوطني، يظهر في تلك الاقتصادات دائماً أن «التضخم قدر لا راد له»، وذلك عائد إلى أن طريقة الحساب نفسها تتضمن تضخيماً للكتلة السلعية، ومن الطبيعي أنه إذا كان إصدار النقد يستند بالأساس إلى كتلة سلعية محسوبة بشكل خاطئ، أن يكون حساب الكتلة النقدية خاطئاً في هذه الحالة، ومن ثم فإن المهمة الموضوعة في الغرب هي ليست إلغاء التضخم وإنما تخفيضه بشكل مستمر وكأن التضخم شر لا بد منه، على حين واقع الأمور والتجربة التاريخية الملموسة تثبت أنه بالإمكان حساب الكتلة السلعية بشكل دقيق استناداً إلى نظرية القيمة والعمل ومن ثم يمكن حينها إصدار كتلة نقدية متوازنة مع الكتلة السلعية بحيث يصبح التضخم «0» بالمئة.
وأشار د. جميل إلى أنه من الطبيعي أن تلجأ بعض الدول إلى التضخم المصطنع بشكل واعٍ عبر زيادة الكتلة النقدية، لأن زيادة الكتلة النقدية في ظل نمط معين من توزيع الثروة تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وارتفاع الأسعار يعني ارتفاع الأرباح، وهذا يعني إعادة توزيع الدخل الوطني. لذلك أصبح التضخم بشكل واعٍ (المصطنع) في القرن العشرين- وخاصة في النصف الثاني منه- أداةً أساسية لإعادة توزيع «الدخل» لمصلحة «الربح».


ارتفاع الأسعار لا يعتبر تضخماً
من جهته، أوضح د. عابد فضلية وجهة نظره لـ«الاقتصادية» مشيراً إلى أنه يمكن القول إن جميع الدول النامية لديها خصوصيات في المسائل الاقتصادية ومنها التضخم، فأحياناً يلتقي الكساد- الذي هو عكس التضخم- مع التضخم، ويجب عند تعريف التضخم وتحديد أسبابه التمييز بين التضخم العام الذي يشمل جميع القطاعات الاقتصادية ويعني وجود كتلة نقدية أكبر من الكتلة السلعية في الاقتصاد ما يؤدي إلى رفع الأسعار، وبين التضخم الفرعي الذي يصيب بعض القطاعات الاقتصادية فقط كما حدث في سورية منذ سنوات في قطاع العقارات، ومن جهة أخرى فإن ارتفاع الأسعار، سواء على المستوى العام أو على مستوى القطاعات، لا يعتبر تضخماً ما لم يكن هذا الارتفاع مستمراً، أي يجب أن تشهد الأسعار ارتفاعات متتالية ومتزايدة حتى يسمى ذلك التضخم، والتضخم ليس فقط الفرق بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية فأحياناً قد يكون التضخم نتيجة عوامل أخرى منها العوامل النفسية أو العوامل السياسية الخارجية التي تؤدي إلى انخفاض الثقة بالنقد الوطني- وهي حالة لم تحدث في سورية طبعاً- وانخفاض الثقة هذا يدفع الناس إلى شراء الحلي والذهب أو العملات الأجنبية.


التضخم ليس دائماً سيئاً
وعبر د. فضلية عن عدم اعتقاده بوجود تضخم عام في سورية، وتابع موضحاً: ولكن كان هناك تضخم فرعي/قطاعي وهذا صحيح، ويمكن القول إن التضخم في قطاع العقارات خلال الفترة الماضية كان نتيجة النشاط فالتضخم ليس دائماً سيئاً إذ هناك نسبة 2 إلى 3 بالمئة من التضخم تسمى التضخم المرغوب بمعنى أنه ينشط ويحفز على المزيد من الإنتاج ويعطي نوعاً من الدفع للعجلة الاقتصادية ولكن إذا زاد عن ذلك فلا يعود مرغوباً في الاقتصاد، فالتضخم في قطاع العقارات خلال الفترة الماضية كان أيضاً نتيجةً لأسباب مختلفة منها دخول رؤوس أموال أجنبية للاستثمار في تطوير القطاع العقاري والمشروعات السياحية الكبيرة.

وتابع د. فضلية مشيراً إلى أن أسعار المواد الغذائية شهدت كذلك ارتفاعات خلال الفترة السابقة ولكنه أعرب عن رأيه بأن هذا ليس تضخماً لأنه لم يكن هناك فرق بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية بسبب نقص المواد الغذائية، بل بسبب ارتفاع تكاليف إنتاج هذه المواد إلى جانب ارتفاع تكاليف النقل، ولكن طبعاً (حسب د. فضلية) هناك من يسمي ارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي حصل في سورية بالتضخم استناداً إلى انخفاض القدرة الشرائية بالمقارنة مع الأسعار، وعملياً فإن القدرة الشرائية لم تنخفض وإنما الأسعار هي من ارتفعت ولكن إذا ربطنا هذين الأمرين ببعضهما بعضاً فإن الدخل الحقيقي يقل نسبياً.


التضخم حالة نفسية
ويرى د. فضلية أن السبب الحقيقي وراء ارتفاع الأسعار لم يكن قلة السلع في السوق، أي ليست الكتلة النقدية أكبر من الكتلة السلعية، فالكتلة النقدية والكتلة السلعية حافظتا على مستوياتهما ولكن نتيجة ارتفاع تكاليف إنتاج السلع ارتفعت أسعارها ولذلك فإن ما حدث ليس تضخماً بالمعنى العملي، وما يجري اليوم في الاقتصاد السوري هو حالة من الكساد (في قطاع العقارات) والركود (في السوق) ما يؤدي إلى تخفيض الأسعار، ولكن من جهة تكاليف الحياة فإنها آخذة بالارتفاع بسبب ازدياد عروض الخدمات والسلع وبسبب محافظة الأسعار على ارتفاعها النسبي مقارنةً بالدخول والأجور الحقيقية التي تحافظ على مستواها منذ سنوات.

وأوضح د. فضلية أنه يمكن القول إن هناك تضخماً في الاقتصاد السوري ولكن بالمعنى الذي يصف انخفاض مستويات الدخل مقارنةً مع مستويات الأسعار التي ارتفعت، وهذا ما يطلق عليه تضخماً- لكن ليس بالمعنى العلمي وإنما بمعنى الحالة-، وكلام مصرف سورية المركزي الأخير عن معدل تضخم 5.1 بالمئة قد يكون قريباً من الإحساس بالواقع، فالتضخم هو أيضاً حالة نفسية، أما علمياً فلا تضخم وإنما وصف الحالة هو: «الجمل بليرة وما في ليرة».


تراجع سرعة دوران النقد
وبالعودة إلى د. قدري جميل فإنه يرى أن التضخم في سورية موجود منذ الاستقلال، ويوضح السبب في ذلك بأنه يعود إلى أن طريقة حساب الدخل الوطني بالأصل في حساباتنا القومية منذ الخمسينيات هي الطريقة المتبعة بالغرب، وهي طريقة خاطئة وتؤدي إلى خطأ في حساب الدخل بالمجمل، وعدا ذلك فإن التناسب بين الكتلة السلعية والكتلة النقدية تحدده في نهاية المطاف سرعة دوران النقد، وطرق حساب سرعة دوران النقد هي طرق بدائية جداً، ويمكن حسابها من خلال إرجاع الكتلة السلعية للكتلة النقدية الموجودة في الإحصائيات، وميل سرعة دوران النقد في سورية هو نحو الانخفاض وتقول الدراسات الاختصاصية إنه إذا كانت سرعة دوران النقد في السبعينيات نحو 2.3 (دورة) في السنة الواحدة فإنها أصبحت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين نحو 1.3 (دورة) في السنة، وتباطؤ سرعة دوران النقد يعني تباطؤ العملية الإنتاجية، أي تباطؤ عملية إعادة الإنتاج (المتضمنة: إنتاج؛ تبادل؛ استهلاك).

يتبع...

__________________
سيريا ستوكس
ملتقى المستثمرين في
البورصة السورية
Speculator غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس