مشرف
تاريخ التسجيل: Jun 2010
الدولة: دمشق
المشاركات: 6,194
شكراً: 23,193
تم شكره 22,349 مرة في 4,677 مشاركة

رد: وتريات
علي محمد أبو الحسن
" أرخِي "
لمسة لإحياء الأفعال المتكررة
الأربعاء 5 ربيع الآخر 1435هـ الموافق 5 فبراير 2014 م
تضحكني طريقتنا في الاسترخاء و تطلّب الرّاحة ، و أعجب من مفهوم [ الاستراحة ] في مجتمعاتنا ، و أشعر بثِقَل ضريبة غياب الرُّشد التّصوّري عن ما هو استرخاء على الحقيقة ؛ فما دمنا نسترخي و لا بد فلا مانع من تطوير وعينا حول أهمية [ الاسترخاء ] من خلال ما قاله أهل الاختصاص فيما يسمى بـ[ أبعاد ما وراء التطبيقات الجسمية ] و أرجو ألا يظنّ أنّ هذا نوع من ممارسة التعقيد ، و إنما هو رغبة في إضافة [ اللمسة ] لأفعالنا المتكرّرة يومياً .
كتيب بحجم الكف في أقل من 70 صفحة بعنوان [ الاسترخاء ضد جحيم الركض اليومي - وعياً بأنفسنا ] للباحث وأخصائي العلاج بالاسترخاء منذ 25 سنة ، والعضو الفاعل بجمعيات تكوين وعلاج الاسترخاء الحيوي والروحي حول العالم جان - دمنيك لارمي ، حيث يشرح لنا آفاقاً جوهرية لممارسة الاسترخاء ، إضافة إلى تأصيل مجموعة من القناعات المحورية لمستويات الممارسة ، فيتحدث مثلا عن كيف تكون حواسنا الخمس في كامل الوعي ، يقول صـ 35 : ” الوعي الذي نُوليه إلى أشياء الحياة ولجسمنا عن طريق حواسنا يُتيح لنا أن نعيش بأكثر تمامية كل لحظة ” .
و يُجلِّي لنا لارمي كيف يُساهم الإسترخاء في أن نمتلك نظرة جديدة عن أنفسنا والأشياء من حولنا ؟ فيقول صـ 37 :” يبدأ هذا بترك العالم المُحيط يدخل فينا كما لو كنا حديثي العهد في كل ثانية ، لنترك الأشياء على مختلف أنواعها والكائنات تصلنا دون أحكام مسبقة مع بهجة الاكتشاف ، ومع تعجب الطفل والغبطة والإنبهار ” .
و يلفتنا إلى ملحظ دقيق ، فيقول صـ 40 : ” عُوا بما حولكم ولا تهتموا بالإسترخاء ، وليس المهم التمرين بل الحالة الذهنية ، يعني وعينا بأنفسنا ووعينا بالعالم من حولنا ” و يسترسل فيشرح 12 نصيحة محورية للنجاح في كل أنواع الإسترخاء ومستوياته .
و في صـ 64 يُؤكِّد على أهمية عُمق تجربة الاسترخاء ، فيقول : ” هنا نتعلم الإنتقال من الانتباه إلى التعلم وهو فن يُسمى [ الحوسسة ] ويعني الاقتراب اللامتناهي بالوعي ، وكيف نستخدم أجسامنا للرسو ، وتسهيل الحوار الباطني مع ذاتنا أثناء ذلك ، ليُمكننا الإهتداء إلى أجوبة شخصية عن تساؤلاتنا الوجودية في الحياة ” .
إذا .. الدعوة للاسترخاء من هذا المنظور تعني التمكن من خفض التوتّر ، و الذي يعني عَوْدَةَ منظومة ما إلى حالة توازن ، و ذلك من خلال التأثيرات النافعة للإستراحة على تسيير أفكارنا و ردود أفعالنا العاطفية أو الإنفعالية ، وأن قيمة الاسترخاء تكمن في تنظيم توتّرنا السـوي الجـسمي و العــاطفي و النفساني ، و الذي يساعدنا على تحديد موضعنا في الحياة ، بالارتباط مع جسمنا و الجزء الروحي من كياننا.
هذا الكتاب ما هو إلا كما وصفه الخبراء [ وثيقة ] لثورة روحية الاسترخاء ، التي تؤكد أن الجسد مظهر من مظاهر الروح في جثمانية ، و أن الجسد كما قال الأديب جبران " قيثارة النفس " .
و عليه فليس كُلُّ استرخاء استرخاء !! و ما يؤكّد ذلك أننا لا نزال تحت وطأة اشتداد العيش داخل القبضة المحمومة المنهكة لجحيم الركض اليومي ، و كم هو تحدٍّ كبير إرخاء هذه القبضة ، لنستردّ تدفّقنا و استرسالنا الطبيعي و كأننا نتناغم مع إيقاع الوجود من حولنا ، و هذا ما أسمّيه [ استعادة الهَرْمَنَة ] هَرْمَنَة التناغمية و الاتّساق و كأننا نسيم صباح و نفحة عبير و سحابة ظلال و انسياب قطرة و ندى وردة و سقسقة عصفور و حفيف ورقة شجرة ، في صورة وادعةٍ من خلقٍ كلما وقفت له استنطقك تسبيحاً .