عرض مشاركة واحدة
قديم 10-11-2012, 10:13 PM
  #2
Romeo
عضو متابع
 الصورة الرمزية Romeo
 
تاريخ التسجيل: May 2012
الدولة: سوريا
المشاركات: 484
شكراً: 137
تم شكره 480 مرة في 251 مشاركة
افتراضي رد: دراسة مهمة جداً وشيقة وهي الدولار وقصة ثلاثة عقود من السياسة

الجزء الأول: فترة الرئيس رونالد ريغان: فلسفة جانب العرض أخرجت الاقتصاد من الركود ولكن ارتفاع الدين تسبب في تسجيل أبطأ معدلات النمو


هو الرئيس الأربعون للولايات المتحدة الأمريكية تولى ريجان الرئاسة في أوائل عام 1981، وقبلها كان الحاكم رقم 33 على ولاية كاليفورنيا من عام 1967 إلى عام 1975، كان يعمل بمجال التمثيل قبل أن يدخل المجال السياسي الذي بدأه في بداية الخمسينيات، عند وفاته كان مصاب بالزهايمر، ويعتبر أحد أكبر رؤساء أمريكا عمرا حيث بلغ عمره عند وفاته 93 سنة و 119 يوما، بالإضافة إلى أنه كان الأكبر حين تم انتخابه مقتربا من السبعين عاما.
ومن المعروف عن رونالد ريغان أن توجهه السياسي في بداية حياته كان ديمقراطيا، وكان من المعجبين بالرئيس فرانلكين روزفلت لكن ولاء ريجان السياسي قد تحول مع نهاية الأربعينات في اتجاه الحزب الجمهوري، ورغم أنه كان مسجلا في قوائم عضوية الحزب الديمقراطي، إلا أنه صوت بسبب عدائه للشيوعية لصالح الرئيس الجمهوري أيزنهاور في انتخابات عامي 1952 و 1956 كما صوت بعد ذلك لصالح المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون في انتخابات 1960 التي فاز بها المرشح الديمقراطي جون كيندي.
وأثناء تلك الفترة أعلن ريجان تحوله رسميا إلى عضوية الحزب الجمهوري، قائلا إنه لم يترك الحزب الديمقراطي بل إن الحزب هو الذي تركه، ثم شهد عام 1964 بداية النشاط السياسي الحقيقي لرونالد ريجان عندما التحق بحملة المرشح المحافظ لانتخابات الرئاسة باري غولدواتر وقد أعرب ريجان في تلك الحملة عن عقيدته السياسية المحافظة عندما ذكر في أحدى الخطب أن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة كانوا على يقين من أن أي حكومة لا تستطيع السيطرة على الاقتصاد بدون السيطرة على الشعب.
ولد رونالد ريجان في السادس من فبراير من عام 1911 في مدينة تامبكو بولاية إلينوي، حيث كان الإبن الثاني والأخير لأب يعمل بائعا متجولا للأحذية وأم نصحها الأطباء بعدم الإنجاب بعد طفلها الثاني لضعف حالتها الصحية، قضى ريجان الصغير طفولة متواضعة خاصة وأن والده كان مدمنا للخمور، في الوقت الذي سعت والدته إلى إعادة الأمور إلى نصابها في الأسرة فحرصت على اصطحاب طفليها إلى الحفلات والمسرحيات وغير ذلك مما جعلها صاحبة التأثير الأكبر في ابنها الأصغر الذي أظهر نبوغا مبكرا وذاكرة حديدية.
وقد التحق ريجان الشاب بكلية للفنون الجميلة ولكنه لم يكن طالبا مميزا في ذلك الوقت بقدر ما كان لاعب كرة قدم بارعا حتى تخرج عام 1932، وبعد ذلك عمل ريجان معلقا رياضيا في إحدى الإذاعات في ولاية أيوا وصارت له شهرة واسعة في هذا المجال، حيث أتاح له هذا العمل استعراض مهاراته الخطابية، وذلك قبل أن تجذبه أضواء هوليوود عام 1937 خلال تغطيته لأحد تدريبات البيسبول في لوس أنجلوس ليترك العمل الإذاعي.
جاء ريجان في المرتبة الثانية في استطلاع أجرته مؤسسة Gallup في فبراير الماضي طلبت من المشاركين تسمية أعظم رؤساء الولايات المتحدة، بعد أبراهام لنكن الرئيس الأمريكي خلال الحرب الأهلية والمعروف بلقب "محرر العبيد"، كما جاء ترتيب ريجان الخامس في استطلاع أجرته شبكة ABC الإخبارية عام 2000 حول نفس السؤال.
وفي عام 2005 طلبت قناة ديسكفري من الأمريكيين التصويت حول أعظم الأمريكيين، وكانت النتيجة أن حصل ريجان على هذا اللقب، وقد سمي ريجان كأعظم رئيس أمريكي منذ الحرب العالمية الثانية في استطلاع أجري عام 2006.
وقد سعى الجمهوريون إلى الضغط لتخليد اسم ريجان بوسائل شتى، ففي عام 1998 وقع الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون على قانون يطلق بمقتضاه اسم الرئيس رونالد ريجان على مطار واشنطن الوطني، وبعد مرور ثلاث سنوات على هذا التاريخ تم إطلاق اسم ريجان على حاملة الطائرات التابعة لسلاح البحرية الأمريكية USS Ronald Reagan، وفي 9 فبراير من عام 2005 طبعت صورة ريجان على طابع بريد.
الوظائف التي شغلها قبل تولي الرئاسة
  • معلق رياضي بالإذاعة من عام 1932- 1937
  • ممثل من عام 1937 إلى عام 1965
  • رئيس نقابة الممثلين في الفترة من عام 1947 إلى 1952، والفترة من 1959 حتى 1960
  • محافظ كاليفورنيا من عام 1967 إلى 1975
  • مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة عام 1980
أهم الأحداث الاقتصادية في عهد رونالد ريجان
لقد بلغت معدلات التضخم مستويات عالية في أواخر السبعينات من القرن الماضي، وبدا على النظام الذي استمر في الاعتماد على الدولار كعملة عالمية قد أصبح جاهزا للانفجار والتحول إلى نظام من العملات المتحاربة، ومن هنا بدأ يبرز ترتيب مالي جديد، وكثيرا ما يشير الاقتصاديون إلى هذا الترتيب الجديد باسم "اتفاقية بريتون وودز الثانية"، وقد واجهت إدارة الرئيس ريجان عند استلامها للسلطة مشاكل عديدة في الاقتصاد الأمريكي أهمها:
  • الارتفاع الكبير والمستمر في معدلات التضخم من أقل من 2% في الستينات إلى 12.5% خلال الانكماش التضخمي في 1974- 1975، ورغم أن هذا المعدل انخفض إلى 4.8% عام 1976 إلا أنه عاد للارتفاع مجددا حتى وصل إلى 12.4% عام 1980.
  • تراجع النمو الاقتصادي الأمريكي، حيث كان أداء الاقتصاد الامريكي في عقد السبعينات من أسوأ العقود حيث بلغ متوسط معدل النمو 1.5% فقط.
  • انخفاض معدلات الادخار والاستثمار، حيث أدى انخفاض معدلات الادخار لدى الأفراد إلى خفض معدلات الاستثمار ومن ثم انخفاض معدل النمو الاقتصادي.
  • شهدت الفترة من 1974 إلى 1980 بتقلبات حادة في أسعار الفائدة فقد ارتفعت أسعار الفائدة قصيرة الأجل بشكل حاد سنة 1974 لتصل إلى 12% ثم انخفضت إلى 6% بعد أقل من 12 شهر، وفي عام 1980 ارتفعت أسعار الفائدة مرة أخرى إلى ما بين 15- 17% ثم عادت إلى الانخفاض بشكل حاد إلى ما يقرب من 8% ثم عاودت إلى الارتفاع مرة ثانية الى 18% في نهاية العام.
  • العجز الكبير والمستمر في الموازنة العامة، حيث ارتفع عجز الموازنة من 0.2% من الناتج المحلي الاجمالي خلال الستينات إلى 2.4% خلال الفترة 1975- 1981.
سعى الرئيس ريغان خلال سنوات الفترة الأولى من رئاسته أن يطبق سياسات تعكس ما يعرف عنه من تفاؤل وثقة، كما طبق سياسة اقتصادية أطلق عليها مصطلح Reaganomics والتي خفضت من اعتماد المواطنين على اقتصاد الدولة، لكنها أدت إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، حيث أنه أول من طبق سياسة جانب العرض ، كما ساهم في نشر الفكرة الرئيسية لهذه المدرسة والتي تقول إن تخفيض الضرائب على المستثمرين ورجال الأعمال سيعطيهم الحافز للادخار والاستثمار وبالتالي تشجيع الزيادة في الانتاج مما يؤدي إلى رفع مستويات الدخول والتوظيف ويعم الرخاء كل الاقتصاد الأمريكي، أي أن تخفيض الضرائب هو السلاح السحري لهذه المدرسة، ولذلك ارتبط اسم مدرسة جانب العرض باسم الرئيس ريجان.
ومن جانب آخر أيضا فقد أجرت الحكومة تقليصا شديدا في النفقات المبدئية على الخدمات العامة والاستثمارات خارج قطاع الرعاية الصحية والرواتب التقاعدية، وتضررت بصورة بالغة برامج المخصصات التي يقررها الكونجرس خارج نطاق الأمن، مثل التعليم والطاقة والبيئة والطرق والتدريب والعلوم وغيرها، على الرغم من توجيه ما بين 5% إلى 6% من الدخل القومي إلى هذه المجالات في أواخر السبعينيات، لكن ريجان خفض النسبة من 2 إلى 3%.
وفي ظل إدارة ريجان شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تشريعات راديكالية تم سنها في العامين 1981و 1986، وذلك تمشيا مع فلسفة إقتصاديات جانب العرض التي يتبناها ريجان، حيث تم خفض الضرائب المفروضة على الأفراد والأعمال بقدر كبير وقد وعد مؤيدو هذه التخفيضات بأنها سوف تطلق ما يكفي من النشاط الإقتصادي بحيث أن عوائد الحكومة لن تهبط وقد خفض الحد الأعلى لمعدل الضريبة الحدية على الأفراد مجددا من 50 إلى 28% بموجب قانون الإصلاح الضريبي للعام 1986 واتخذ هذا التشريع أيضا خطوات واسعة رئيسية في مجال تحسين العدالة الأفقية للنظام الضريبي فاغلقت الثغرات، وفرضت ضرائب على مختلف مصادر الدخل على أسس أكثر عدالة.
وفي عام 1981 أتاح رونالد ريجان المجال إلى ميلتون فريدمان المستشار الاقتصادي في البيت الأبيض، لتجريب سياساته الاقتصادية، حيث قام برفع نسبة الفائدة في البنوك الأميركية على الودائع خلال ست سنوات من عهد ريجان، وهو ما أدى إلى دخول 656 بليون دولار إلى خزائن البنوك الأميركية أتت من الخارج، الأمر الذي ساهم في إنهاء حالة الانكماش الاقتصادي والتضخم، التي كان الكينزيون يرون أن سببهما كان ارتفاع أسعار النفط بعد عام1973، بالإضافة إلى تزامن قيام ريجان بإلغاء الكثير من إجراءات الضمان الاجتماعي والصحي والكثير من النفقات الحكومية في المجالات الاجتماعية.
المأزق الكبير ومحاولة إيجاد الحل
إن المأزق الذي وصل إليه الاقتصاد الأمريكي في عهد ريجان، كان يبدو حلقة خبيثة يتبادل فيها مرضان خطيران التأثير، أولا العجز التجاري المتفاقم من جهة، والركود من جهة ثانية، وقد بدا واضحا أنه لا يوجد حل لهاتان المعضلتان إلا بتدخل خارجي، وذلك من خلال اللجوء إلى الابتزاز السياسي، أو أي نوع من أنواع الضغط المفيد.
وكانت هذه المشكلة الكبيرة تكمن في أنه إذا حاولت (الإدارة الأمريكية) تخفيض العجز التجاري، من خلال خفض عجز الموازنة، فإنها سوف تقوم بخنق النمو الاقتصادي، وفي الجانب الآخر إذا ما حاولت دعم الاقتصاد من خلال زيادة العجز، فسيكون عليها عندئذ إبقاء معدلات الفائدة مرتفعة لكي تتمكن من بيع كمية كافية من سندات دين الخزينة، وهو الأمر الذي يخنق النمو أيضا.
ولفهم حقيقة ما جرى لابد من التذكير بأن الابتزاز السياسي لوحده لا يمكن أن يكون مثمرا مع دول ذات اقتصاديات ضخمة في حجم اليابان أو ألمانيا، ولكن بالنسبة لليابان كان هناك مصلحة قوية في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي.
ودون أن يكون هناك اتفاق رسمي مكتوب بين أمريكا واليابان، فقد كانت تلك الظاهرة حجر الزاوية في الاقتصاد العالمي الجديد، وقد تبنت دول أسيوية ناشئة في طليعتها الصين، نسخة من الاستراتيجية اليابانية للنمو الذي تقوده الصادرات في منتصف العقد التاسع من القرن الماضي، بعد أن دمرت الأزمات المالية تلك القارة، حيث قامت اليابان وعددا من الدول الأسيوية بتخفيض سعر صرف عملاتها مقابل الدولار من أجل المحافظة على ارتفاع الصادرات، وهو ما أدى إلى تحقيق هذه الدول فوائض تجارية كبيرة مع الولايات المتحدة، وبدلا من استبدال دولاراتها بعملاتها المحلية، أو استثمارها داخل بلادها، أعادت تدويرها كما فعل اليابانيون، بشراء سندات دين الخزينة الأميركية وغيرها من الأصول ذات القيمة المحددة بالدولار.
كما أن تكدس البترودولارات في بلدان الخليج وخاصة السعودية دون آفاق واضحة في استثمارات محلية مجدية، له دورا كبيرا في إحداث تدفقا كبيرا من رؤوس الأموال إلى الاقتصاد الأمريكي، إلى حد جعل الاقتصاديين يجزمون بأن المستفيد الأكبر مما أطلق عليه حرب النفط في السبعينات هو الاقتصاد الأمريكي، الأمر الذي أدى إلى إنقاذ الاقتصاد الأمريكي من الانهيار في الثمانينات، وأجل بروز الأزمة لعقودا أخرى بعد أن اشتدت المواجهة مع المعسكر الشرقي حتى الإجهاز عليه في بداية التسعينات.
حيث أن الاستثمار في سندات دين الخزينة والأوراق المالية الأميركية، المقترن بمشتريات مماثلة من جانب السعوديين وغيرهم من منتجي النفط، الذين كان عليهم الاحتفاظ بدولاراتهم النفطية في مكان ما، أدى إلى تحرير الولايات المتحدة من مأزقها الاقتصادي، فبفضل المشتريات اليابانية لم تعد الولايات المتحدة مضطرة إلى إبقاء معدلات الفائدة مرتفعة من أجل جذب المشترين لسندات دين الخزينة، كما لم تكن مضطرة إلى رفع معدلات الضرائب بغية تخفيض قيمة العجز.
في الحقيقة إن طريقة الإنتاج اليابانية التي تميزت بالجودة العالمية للمنتجات وبالاقتصاد في نفقات الأيدي العاملة ونفقات الإنتاج، شكلت حافزا قويا جدا لرونالد ريجان لإحداث تغييرات عميقة في البنية الاقتصادية الأمريكية، وكان الهدف هو تحسين الأداء الاقتصادي للشركات الأمريكية لتتمكن من منافسة الاقتصاد الياباني، والعودة لموقع الصدارة في الاقتصاد العالمي، وتميزت سياسة ريجان في تلك الفترة بطابع عنيف جدا بكل ما يتعلق بالعلاقات بين أصحاب الشركات والعمال، وكبح جماح النقابات العمالية، كما غير قوانين الضمان الاجتماعي وكانت النتيجة انفلات ملايين العمال الأمريكان من دائرة الإنتاج وفقدانهم الحقوق الاجتماعية .
ولمجاراة المنتجات الرخيصة التي تصدرها اليابان إلى الأسواق العالمية، اعتمدت أمريكا على تصدير مصانعها إلى خارج البلاد بحثا عن الأيدي العاملة الرخيصة في كل أنحاء العالم، معتمدة في ذلك على القاعدة الأساسية القديمة التي تقول إن سر الأرباح ليس في التكنولوجيا المتقدمة، بل في القيمة الزائدة التي يمكن انتزاعها من العامل، وهي القاعدة التي اكتشفها ماركس قبل 150 عاما بفعل التوجهات الاقتصادية الجديدة، وتكونت القرية العالمية التي حلت محل السوق القومية أو المحلية قبل الوصول إلى هذه المرحلة اعتبرت الدولة القومية في أوروبا سوقا محلية مغلقة لتداول البضائع والعمل، وكان من أهم مميزاتها أنها ضمت مجالا حرا لبيع المنتجات المحلية، وذلك من خلال إتباع سياسة جمركية دفاعية تحمي الصناعة المحلية من منافسة المنتجات الأجنبية الرخيصة .
إن الخطوات الجذرية التي بادر إليها نظام ريجان في منافسته الاقتصادية الشديدة مع اليابان، أدت إلى تغييرات تدريجية وعميقة في الاقتصاد الأمريكي والعالمي أيضا وتمكنت أمريكا من إعادة تفوقها في العالم معتمدة على أمرين أساسيين، الأول: الثورة التكنولوجية الجديدة التي توفر وسائل النقل والاتصالات الحديثة والثاني: استغلال الأيدي العاملة الرخيصة.
وعلى مدى ثماني سنوات 1981- 1989 هي مدة حكم ريجان انخفضت معدلات البطالة والتضخم إلى أقل معدل لهما منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتعش الاقتصاد القومي، وازدهر التصنيع والتصدير، كما عمل ريجان على كسر شوكة الاتحاد السوفيتي وذلك عن طريق بناء ترسانة عسكرية ضخمة، تعتمد على أحدث التقنية المتوفرة في ذلك الحين، ولا قبل لدول المعسكر الشرقي مجتمعة على مواجهتها، ومن منطلق الثقة في النفس مد ريجان يده بالسلام إلى الاتحاد السوفيتي الذي سرعان ما استجاب فعقدت المعاهدات للحد من سباق التسلح، ومع نهاية عهد ريجان برزت الولايات المتحدة الأمريكية من جديد بحسبانها دولة عملاقة قائدة للمعسكر الغربي.
أهم الأحداث السياسية في عهد رونالد ريجان
تعتبر الحرب الباردة هي الحدث الأهم في فترة رئاسة ريجان، فقد بدأ رئاسته بتصعيد المواجهة مع الاتحاد السوفيتي بإحياء برامج تسلح كانت إدارة كارتر قد ألغتها، ووصل سباق التسلح بين القوتين مداه حتى أراد ريجان أن ينقله إلى الفضاء من خلال برنامج التسلح حرب النجوم ، ووصف ريجان في خطاب في البرلمان البريطاني خصمه الشيوعي في عام 1982 بأنه " إمبراطورية الشر".
كان ريجان مصرا على إلحاق الهزيمة ولو المعنوية للاتحاد السوفيتي مصورا الصراع على أنه صراعا بين قوى الخير وقوى الشر، وقد تحقق له أكثر مما أراد بالتصدع الاقتصادي والسياسي والضعف الذي مر به الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه، وهدم سور برلين عام 1990 وانهيار الاتحاد السوفيتي بعد ذلك بعام، وإن كان ذلك بعد مغادرة ريغان للبيت الأبيض.
وقد لعب النيوكونز الذين كانوا من الحزب الديمقراطي ثم انضموا إلى الحزب الجمهوري، دورا سياسيا مهما، حاثين إدارة ريجان على استعمال الشدة مع الاتحاد السوفياتي من أجل إسقاط النظام الشيوعي هناك، وفي خطابه الشهير أمام مجلس العموم البريطاني عام 1982 وصف ريجان الإتحاد السوفياتي بأنه (إمبراطورية الشر) التي على الولايات المتحدة وحلفائها باعتبارها إمبراطورية الخير أن تهزمها، وهو ما انعكس على شكل سياسة أمريكية جذرية حول العالم وفي الفضاء، من أوروبا الشرقية إلى الشرق الأقصى والكوريتين مرورا بالشرق الأوسط، وشمال أفريقيا (أفغانستان، الحرب العراقية - الإيرانية، لبنان، ليبيا) وانتهاء بأميركا اللاتينية (نيكاراغوا) ليزيد هذا من حجم الإنفاق العسكري (35%)، بهدف ما سماه الحرب على (الإرهاب الدولي).
فضيحة إيران كونترا
بينما ظل ريجان يناشد الدول الأخرى عدم بيع أسلحة لإيران فوجئ العالم كله بتكشف أنباء عن موافقة ريجان عام 1985 على بيع أسلحة أمريكية في الخفاء لإيران خلال الحرب العراقية الإيرانية مقابل الإفراج عن بعض الأسرى الأمريكيين وقد تفجرت الفضيحة عندما كشفت الصفقة بين الولايات المتحدة وإيران وكشف توظييف أرباحها لمساندة ثوار الكونترا في نيكاراجوا وأنكر في البداية أن هذه الصفقة كانت بغرض مبادلة الأسرى بالأسلحة وإنما كانت بغرض محاولة بناء علاقات جديدة مع التيار المعتدل داخل النظام الإيراني، وبعد تحقيق مستفيض انتهت اللجنة المكلفة بإجراء التحقيق إلى إدانة الحكومة في عقد صفقات مع إيران في الخفاء، بدون اطلاع الكونجرس عليها، وفي آخر مؤتمر صحفي لـ ريجان في ديسمبر 1988 أكد ريجان أنه لكي يتم إطلاق سراح باقي الأسرى والرهائن المحتجزين في لبنان ينبغي على الولايات المتحدة أن تتفاوض مرة ثانية مع إيران، وبهذه الصفقة فقد ريجان جزءا كبيرا من هيبته ومصداقيته أمام الشعب الأمريكي.
اتفاقية التجارة الأمريكية مع كندا عام 1988
نصت هذه الاتفاقية على وجود تجارة حرة بين أمريكا وكندا وإلغاء الجمارك على السلع والخدمات تدريجيا إلى أن تلغى كلية في عام 1999 وقد حققت هذه الاتفاقية انتصارا كبيرا للتجارة الأمريكية وفتح الأسواق الكندية أمامها، وقد وقع الاتفاق كل من الرئيس ريجان ورئيس الوزراء الكندري براين مالروني.
لقد أحدثت ثورة ريغان أضرارا اقتصادية أكبر على النطاق العالمي من خلال تغيير سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على سبيل المثال، وهكذا بدأت حقبة التعديلات الهيكلية، وهي مجموعة السياسات الاقتصادية التي ساءت سمعتها على مستوى العالم لدرجة أن المؤسستين الاقتصاديتين العالميتين الأهم لم تعودا تستخدمان هذا المصطلح، لقد أصبح عقد الثمانينات بمثابة العقد المفقود لأمريكا اللاتينية، وهي المنطقة الأكثر تأثرا بسياسات أمريكا الاقتصادية الخارجية، وفي الواقع تراجع الدخل الفردي طوال فترة ريجان وهو حدث نادر تاريخيا، ولم تصل المنطقة إلى مستوى النمو الاقتصادي الذي كانت عليه قبل الثمانينات.
من جهة أخرى، كانت سياسات ريغان في المجال الاقتصادي مغايرة للسياق العام في البلاد لدى توليه منصبه، فقد تعهد الرجل خلال حملته الانتخابية بتقليص الضرائب وزيادة الإنفاق العسكري وإعادة الاتزان إلى الميزانية، وقد تمكن ريجان من الوفاء بالتعهدين الأولين على حساب الثالث، فبينما مرت البلاد بفترة انتعاش بعد حالة الركود التي سادت خلال عامي 1981 و 1982، أدت الميزانيات العسكرية التي تم وضعها خلال فترة حكم ريجان إلى حدوث عجز قياسي في الميزانية وإلى زيادة الدين العام بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبا، وعلى الرغم من أن الميزانية التي صدق عليها ريجان وقدمها للكونجرس لم تكن متوازنة في الأساس، ولكن هذا العجز لم يبد بهذا السوء بالنسبة للكثيرين الذين نظروا للأمر من زاوية أخرى فيما بعد، وكان من بينهم المحلل (ديفيد فروم) ذو الاتجاه المحافظ، والذي وصف هذه المشكلات الاقتصادية باعتبارها ثمنا رخيصا تكبدته الولايات المتحدة لإنهاء الحرب الباردة.
الخلاصة
من أهم الإنجازات التي حققتها حكومة ريجان هو الحد من التضخم، وخلق وظائف جديدة وكان الإصلاح الاقتصادي الذي بدأه ريجان في نوفمبر قد أتى بثماره على نحو مذهل لم تشهد الولايات المتحدة مثيلا له منذ الحرب العالمية الثانية، إذ ارتفعت أسعار الأسهم في البورصة حتى سجلت أعلى معدلاتها في أغسطس عام 1987 فزاد عمل ريجان على تخفيض ضرائب الدخل، وخصوصا على محدودي الدخل، إلا أن بناء ترسانة الأسلحة إنذاك تطلبت مالا كثيرا، الأمر الذي نتج عنه عجزا كبيرا في الميزانية لم يحدث من قبل، وفي عهد ريجان تعدى الدين القومي حاجز التريليون دولار في أكتوبر عام 1981 لأول مرة في التاريخ، وفي عام 1982 زاد العجز السنوي مائة مليار دولار أخرى.
تبنى ريجان سياسة التمويل الجانبي للاقتصاد فعلم أن تخفيض الضرائب سيؤدي إلى زيادة المدخرات الشخصية وحجم الاستثمارات وبالتالي إلى تحقيق تقوية الاقتصاد، وتحسين الإنتاج، وخلق فرص أكبر للعمل مع توفير عائد مناسب، وبذلك نجح ريجان في الوصول إلى صيغة قرارات ساعدت في تحقيق الرخاء، والحد من التضخم، فانخفض معدل التضخم الذي كان قد وصل إلى 13% كما زادت معدلات الإفلاس وإغلاق المزارع، إلا أنه مع التحسن الاقتصادي، انخفض معدل البطالة إلى 5.3%، وبذلك يكون خلال فترة ريجان، قد تم توفير 20 مليون فرصة عمل، لدرجة أن عدد الذين تم توظيفهم عند انتهاء فترة رئاسته حوالي 118 مليون أمريكي، وهي أعلى نسبة في تاريخ الولايات المتحدة، ولكن معدلات الأجور لم تشهد ارتفاعا خلال عقد الثمانيات بالكامل.
ولكن العجز في الميزانية ارتفع إلى معدلات قياسية وتضاعف الدين القومي بالنسبة إلى الاقتصاد قبل أن يتمكن خلفاء ريحان من وضعه تحت السيطرة، لقد خرج الاقتصاد الأمريكي من كساد 1982 ولكن الثمانينات سجلت أبطأ معدلات النمو من أي عقد آخر طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لقد أعيد توزيع الدخل على الأثرياء كما لم يحدث من قبل، بل إن معظم الدخل القومي كان يذهب الى 1 أو 2 في المئة فقط من ذوي أعلى الدخول·
وفي أعقاب انتهاء فترة الحرب الباردة هبط معدل الإنفاق العسكري بشكل سريع مما جعل من اليسير على من تولوا رئاسة أمريكا بعد ريجان النجاح في إعادة التوازن إلى الميزانية، التي شهدت فائضا في النصف الثاني من الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السابق بيل كلينتون.
وعن الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة ريجان فقد شهد ارتفاعا كبيرا خصوصا في عام 1983 ليتجاوز حاجة 8%، ولكنه النمو قد شهد تراجعا من عام 1985 إلى 1989 متراوحا بين معدل 3 إلى 4%.
وبالنسبة لأداء الحساب الجاري فقد شهد عجزا كبيرا بنهاية فترة ولاية رونالد ريجال حيث وصل العجز في عام 1988 إلى أدنى مستوى له إلى 40 مليار.
أما عن معدلات البطالة فقد شهدت انخفاضا كبيرا مقارنة بعام 1983 والتي بلغت 11% تقريبا لتصل في عام 1989 إلى 5.6%.
أسواق المال الأمريكية شهدت أداء قياسيا خلال فترة رونالد ريجال حيث بدأت مكاسبها من عام 1982 لتصل إلى أعلى مستوى لها في عام 1988 فوق حاجز 2500 نقطة.
رسم بياني يوضح أداء مؤشر الدولار خلال الفترة الثانية من ولاية ريغان
__________________
معاً نبني نهضة بلادنا

التعديل الأخير تم بواسطة Romeo ; 10-11-2012 الساعة 10:24 PM
Romeo غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
3 أعضاء قالوا شكراً لـ Romeo على المشاركة المفيدة:
باسل غ (10-11-2012), economic opinion (13-11-2012), رندة (10-11-2012)