عضو أساسي
تاريخ التسجيل: Jan 2011
المشاركات: 4,237
شكراً: 6,342
تم شكره 10,276 مرة في 3,461 مشاركة

رد: تاريخ النفط والغاز في سوريا
إن إنتاج سورية من النفط كما هو معلوم ازداد من 368 ألف برميل/يومياً في العام 2009 ليصل إلى 380 ألف برميل/يومياً في عام 2010. يكرر نصفها ويخصص النصف الآخر (بواقع 148 ألف برميل) للتصدير, يذهب 96% منها إلى دول الاتحاد الأوروبي خاصة إيطاليا، هولندا، فرنسا وبنسبة أقل إسبانيا، ألمانيا ودول أخرى كتركيا. أي أن 96% من صادراتنا من النفط تذهب إلى 7 دول تسيطر ثلاث منها على 70% من صادراتنا.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي فإن النفط يحتل ما نسبته 25% من إجمالي إيرادات سورية. خصوصية النفط السوري إن من أهم الأسباب التي أجبرتنا على استمرار تصدير النفط إلى أوروبا وعدم الاتجاه شرقاً لتصديره، هو نوعية النفط السوري ومتطلبات تكريره، إضافة إلى مسألة نقله. وللتوضيح، فإن النفط بشكل عام تقاس جودته بمعيارين أساسيين ألا وهما نسبة الكثافة النوعية API المتناسب طردياً مع السعر، فكلما زادت النسبة زاد سعر النفط، ويكون بحدوده الطبيعية مابين 20-40.
ومن تكون نسبة كثافته فوق 31.1 o يعتبر خفيفاً ويكون مناسباً لوقود الطائرات والبنزين، أما النفط المتوسط الكثافة فيكون مابين 22.3 o – 30.2 o، بينما النفط الثقيل والمناسب لبعض الصناعات كالإسفلت وزيوت التدفئة فنسبة كثافته أقل من 21.5 o. أما المعيار الثاني فهو نسبة الكبريت (وهنا يوصف النفط بالحلو أو الحامض) ويعتبر النفط حامضاً إذا احتوى على نسبة كبريت أكثر من 0.5 %. وبمقارنة بسيطة مع خام غرب تكساس الذي يحوي على (39.6 API ، 0.25% كبريت) نجد أن الخام السويدي السوري "الثقيل نسبياً" يحوي على (24.1 API ، 3.5% كبريت) ما يفرض طاقات كبيرة لتكريره.
وهذه الحقيقة هي الأبرز في ملف العقوبات حيث أن دول الاتحاد الأوروبي وأميركا وسورية هي من بين الدول التي تواجدت لديها نوعيات المصافي لتكرير النفط السوري المتوسط والذي لا يمكن استيعابه كلياً في الوقت الراهن من قبل المصافي الموجودة على الأراضي السورية. عاملا الوقت والجذب الاستثماري كانت سورية خلال سنوات مضت تدفع نحو 18 ألف دولار يومياً لناقلة افرامكس التي تحمل 600 ألف برميل لبلدان الاتحاد الأوروبي، وفق رويترز. وقد ارتفعت هذه التكلفة بنسبة 25% بعد بدء الاضطرابات في سورية. وقد كان من المتوقع أن ترتفع إلى 500% بعد قرار منع الصادرات النفطية السورية الأخير. ناهيك عن قلق شركات النقل تلك من العقوبات التي قد تلحق بها من جراء نقل النفط السوري إلى وجهات أخرى حتى ولو لم تكن إلى الاتحاد الأوروبي.
كل تلك التكاليف بإمكاننا تصورها من ناحية قصر المسافة من ميناء طرطوس أو بانياس إلى الموانئ الإيطالية، فيمكن بذلك تخيل الفرق في التكلفة إذا كانت وجهة تصديرنا إلى أميركا الجنوبية أو شرق آسيا عبر قناة السويس مثلاً. وبفرض أننا قادرين على حل مشكلة النقل، يبقى مسألة إيجاد طاقات تكريرية لهذا النوع من النفط الثقيل نسبياً والحامض, والدول المرشحة لذلك تحتاج لوقت ولعامل جذب استثماري لتعديل مصافيها لاستقبال النفط السوري, ومثالها الهند والصين. فالصين قامت سابقاً بتجربة تحديث مصافي التكرير لديها لتكرير النفط الفنزويلي الثقيل جداً (11 API)، كما أنها تعاملت مع النفط الإيراني سوروش نوروش (18.1 API، 3.35% كبريت) وهذا يعتبر محفزاً لها لشراء النفط السوري وتعديل مصافيها على أساسه. كما أن الهند التي تعد خامس أضخم طاقة تكريرية على مستوى العالم من المتوقع أن تلجاً لشراء هذا الخام لكن المشكلة تكمن في سياسة الهند الخارجية التي تعمل على عدم زج نفسها في أماكن توتر.
كل ذلك على اعتبار أن السعر المقرر لبيع النفط الخام السوري سيؤخذ في خيارات الدولتين، أي أن يقدم بأسعار أرخص من الأسعار التصديرية المعترف بها عالمياً. القرار وتأثيره في مشهد الأسعار العالمي هناك عدة عوامل بالغة الأهمية من حيث تأثيرها في سعر النفط عالمياً ارتفاعاً أو هبوطاً وهي: كمية المعروض من النفط، تكاليف نقله إلى المستهلك، سعر الدولار وتوقعات المضاربين بتوجه خط سعره البياني مستقبلاً. ونظراً للتقلبات الشديدة في سعر الدولار في الآونة الأخيرة وللأزمة الراهنة في أوروبا والأحداث الأخيرة في العالم العربي والتي لم تعطي المضاربين خطاً واحداً لما ستؤول إليه الأسعار في المرحلة المقبلة، فإننا سنعول في تحليلنا على العاملين الأول والثاني من منطلق أننا نحن من فرضت عليه عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بشأن صادرات النفط السوري. فمن المنطقي القول بأن كمية المعروض من الإنتاج العالمي قد خفت، خصوصاً في الفترة الفاصلة بين قرار العقوبات وبين إيجاد منافذ توزيع أخرى لهذا النفط غير الاتحاد الأوروبي.
بالرغم من أن إنتاج سورية من النفط يعتبر ضئيلاً وهو ما يقارب 0.5% من حجم الإنتاج العالمي، لكن تبقى سورية أكبر منتجي النفط في منطقة شرق المتوسط والذي يضم الأردن ولبنان وفلسطين كما أن إنتاجها يفوق العديد من الدول كتايلاند وفيتنام واليابان وبعض البلدان الأوروبية وأمريكا الجنوبية وجنوب إفريقيا مما يضعها في المرتبة 32 في العالم من حيث إنتاج النفط (بحسب مؤسسة إدارة معلومات الطاقة الأمريكية). وقرار الحظر النفطي المفروض على سورية سيكون كافياً لمزيد من تقييد خيارات العرض لشركات التكرير الأوروبية وخاصة المتواجدة منها على حوض بحر الأبيض المتوسط. والأهم من ذلك، هو موقع سورية الاستراتيجي من حيث الأمن الإقليمي وطرق العبور لهذه المنتجات النفطية إلى الاتحاد الأوروبي.
ناهيك عن النوعية الجيدة للنفط السوري المخصص للتصدير والتي يستعمل الثقيل منه في أوروبا للبناء وصيانة الطرقات. والعامل الثاني المهم في عملية حساب سعر النفط هو تكاليف نقله من المنطقة المصدرة عبر أنابيب وشبكات ناهيك عن الشروط التي تفرض، والتي تكون غالباً قاسية، على شبكات العبور والترانزيت للوصول إلى البلد المستوردة. فسعر النفط في أماكن الإنتاج أقل من نصف سعره النهائي الذي يدفعه المستهلك. وسورية تلعب دوراً مهماً في هذه العملية إذ أن موقعها الجغرافي الفاصل بين آسيا وأوروبا يعتبر استراتيجياً من حيث الأمن الإقليمي وطرق العبور للمنتجات النفطية. غير ذلك فهي تمتلك شبكة أنابيب نقل متطورة.
هذا كله من حيث تحليلنا للتأثيرات الغير مباشرة أما التأثيرات المباشرة على أسعار السوق العالمية والتي تظهر معدل الخسائر الكبيرة فتكون في السوق الضيقة tight market والتي تميزها الكثير من الصفقات المتداولة لتحقيق المكاسب السريعة والذي أدى قرار الحظر فيها إلى ارتفاع ملحوظ لسعر خام برنت القياسي الأوروبي إلى 115$ الأمر الذي لم يعطي فرصة للمستثمرين للشفاء من خسارتهم السابقة بعيد أزمة ليبيا. وأخيراً فنحن هنا لا نفترض أن النفط السوري سيقلب معادلات النفط العالمية أو أنه سيؤثر بشكل مباشر على السوق والسعر العالميين بنسب عالية, لكننا نجزم بأن السياسة المتبعة حاليا من الدول العظمى ستؤثر على توازن العرض والطلب وستخلق فجوات في عدة أماكن من العالم مما سيؤثر على الأمان العالمي المنشود بالنسبة لمصادر الطاقة وهو الأهم.
__________________
• للرجل العظيم قلبان : قلب يتألم و قلب يتأمل .
التعديل الأخير تم بواسطة فراس السكري ; 31-01-2012 الساعة 11:49 PM