عرض مشاركة واحدة
قديم 03-06-2010, 05:04 PM
  #2
البلخي
عضوية مميزة
 الصورة الرمزية البلخي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
الدولة: سوريا
المشاركات: 1,943
شكراً: 929
تم شكره 2,346 مرة في 829 مشاركة
افتراضي الربا والفائدة المصرفية دعوة لمواصلة الاجتهاد 2

المضاربة والمرابحة


يقدم الذين يعترضون على شرعية الفائدة نظام المضاربة والمرابحة كبديل إسلامي للفائدة على القروض الإنتاجية. إذا ما تأملنا في أحكام هذا النظام نجد أن الفرق الأساسي بينه وبين نظام الفائدة المتعامل به في البنوك المعاصرة هو أن مردود استعمال رأس المال يحسب كجزء من الأرباح الناتجة من التجارة وذلك لأن صاحب المال يدخل كشريك مع رب العمل في التجارة بينما في النظام المصرفي المعاصر يأخذ نسبة محدودة من رأس المال بغض النظر عن مبلغ الأرباح التي يمكن أن تتحقق لرب العمل من تجارته. ولكننا أوضحنا فيما سبق أن هذا الفرق صحيح في الشكل وليس في الجوهر لأن مردود المال سواء حُسب على أساس الفائدة المحددة أو كجزء من الأرباح فهو يعتمد في النهاية على مستوى الأرباح, فارتفاع مستوى الأرباح في التجارة يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة في البنوك وكذلك إلى ارتفاع نصيب رأس المال من الأرباح في نظام المضاربة.

ولكن لو سلمنا جدلاً بأن المضاربة والمرابحة تختلف اختلافاً جوهرياً عن النظام المصرفي المعاصر فهل يمكن لهما أن تحلا محله? يرتكز نظام المضاربة في المعاملات المصرفية على قاعدة أساسية وهي أن علاقة المودعين والبنك وعلاقة البنك وأصحاب المشروعات الإنتاجية مبنية على أساس المشاركة وتوزيع الربح بين المشتركين على أسس متفق عليها مسبقاً. وبالتالي فإن هذه القاعدة تفترض أن جميع الذين يودعون أموالهم في البنوك التجارية يقومون بذلك بقصد الربح في كل الأحوال. ولكن الواقع هو غير ذلك, إذ إن معظم ودائع البنوك التجارية هي ودائع تحت الطلب لأغراض تسديد العمليات التجارية الجارية ولا يدفع عليها فائدة تذكر لأن لأصحابها الحق في سحبها في أي وقت يرغب, وبالتالي لا يستطيع البنك أن يشارك بتلك الأموال في مشروعات تجارية قد تحتاج إلى مدة طويلة حتى تأتي بربح. وهكذا لا يمكن لنظام المضاربة أن يوفر احتياجات الاقتصاد المعاصر في خدمة الحسابات الجارية والتعامل بالشيكات بدلاً من البنكنوت (النقود) والقروض القصيرة المدى التي عادة لا تتجاوز مدتها ستة أشهر.

أما الجزء الثاني من الودائع التي تتمثل في ودائع التوفير وودائع لأجل فهو في حد ذاته لا يكفي لتمويل احتياجات الاقتصاد في مجال القروض الإنمائية, إذ إن غالبية أصحاب هذه الودائع غير راغبين ولا مستعدين للمشاركة في التجارة لأن لديهم بعض الأموال التي وفروها ويرغبون في الاحتفاظ بها في حالة قريبة من السيولة حتى إذا ما احتاجوا إليها يمكن استردادها من البنك بسرعة. وإذا عرفنا أن أصحاب المال والشركات المساهمة لا يودعون أموالهم عادة إلا لآجال قصيرة (أسبوع إلى ثلاثة أشهر) يتبين لنا أن البنوك التجارية عادة لا تقدم على قروض طويلة المدى بحماس لأن الأموال التي تتعامل بها هي إما تحت الطلب أو مودعة لآجال قصيرة.

التمويل والقروض

أما المشروعات الإنتاجية التي تساهم في تنمية إنتاج السلع والخدمات عن طريق تمويل مشروعات إنمائية فهي تحتاج إلى قروض طويلة الأجل وبفوائد منخفضة نسبياً أو عن طريق المساهمة في رأس المال والمشاركة في الربح, ولهذا الغرض توجد في النظام المصرفي المعاصر بنوك وصناديق ومؤسسات تمويل متخصصة (مثل المؤسسات المتخصصة بالتسليف الصناعي والزراعي والعقاري) إما أن تكون حكومية كما هو الحال في بلادنا أو مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص أو خاصة تتمتع بمساعدات معينة من الحكومة. إن بنوك وصناديق الاستثمار هذه تشترك مع رب العمل في المشروعات الإنتاجية عن طريق شراء وامتلاك نسبة معينة من أسهم الشركة المالكة للمشروع. وبهذا يمكن القول بأنه يتوافر في النظام المصرفي المعاصر سبل عدة لتمويل المشروعات الإنتاجية بطريقة تراعي العدالة وتخضع للرقابة من قبل الدولة. وفي حالة بنوك الاستثمار يشارك صاحب المال مع رب العمل في منح القروض الإنتاجية وبالتالي هناك مجال واسع أمام رب العمل لاختيار أفضل السبل لتمويل مشروعاته إما عن طريق الاقتراض أو المشاركة. أما في نظام المضاربة فلا يوجد مجال للاختيار بالنسبة لرب العمل ولا بالنسبة لصاحب المال. فهم مرغمون على الدخول في المشاركة المباشرة.

كما أن نظام المضاربة لا يتضمن تحديد الحصة التي يمكن لصاحب المال أن يطلبها من رب العمل عند الدخول في المشاركة الأمر الذي يحول دون مراعاة العدالة التي ينشدها الإسلام. فالأمر فوق هذا الظلم متروك لما يتفق عليه صاحب المال ورب العمل. مما قد يمكن صاحب المال من استغلال رب العمل كلما يكون رب العمل في حاجة إلى المال. فمثلاً قد يطلب صاحب المال أن يتحصل على ثلاثة أرباع الربح وقد يضطر رب العمل أن يقبل ذلك لأنه محتاج. كما أنه في حالة عدم تحقيق أرباح من المشاركة يبقى رأس المال لصاحبه بينما رب العمل لا يحصل على شيء مقابل جهده ربما لمدة عام أو أكثر. فهل هذا لا يمثل استغلال صاحب المال لرب العمل?.. إن هذا الوضع في رأينا أسوأ من النظام المصرفي المعاصر الذي يحدد نصيب صاحب المال مقدماً على أساس القانون والمنافسة الحرة والرقابة العامة من قبل البنوك المركزية التابعة للدولة. أرجو أن يجد القارئ في هذا المقال ما يحفزه على الحوار والاجتهاد في واقع الفرق بين الربا المحرم نصاً والفائدة المصرفية المعاصرة المستجدة بما لها من خصائص وأدوار حميدة وما عليها من مآخذ تعمل البنوك المركزية والدولة على الحد منها ومراقبة آثارها السلبية.

منقول عن موقع في اي بي
__________________
*قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون*
صدق الله العظيم
البلخي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس