المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجهر بتكبير العيد في أيام التشريق* ‬


فراس السكري
05-11-2011, 08:00 PM
بقلم:‬ د. ‬سعد الدين هلالي - أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر


العيد مشتق من العود،* ‬وهو الرجوع والمعاودة،* وسمي بذلك لأنه يتكرر وينتظره الناس بعاداتهم المستحبة*. ‬

والعيد في اصطلاح الفقهاء يطلق علي يومي الفطر والأضحي من كل عام،* ‬فقد أخرج أحمد والنسائي بإسناد صحيح عن أنس بن مالك،* ‬قال*: ‬كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما،* ‬فلما قدم النبي* - ‬صلي الله عليه وسلم* - ‬المدينة،* ‬قال*: "‬كان لكم يومان تلعبون فيهما،* ‬وقد أبدلكم الله خيراً* ‬منهما يوم الفطر ويوم الأضحي*".

‬وأما أيام التشريق فهي الأيام الثلاثة التالية ليوم الأضحي،* ‬وسميت بذلك لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها،* ‬أي تقدد في الشمس،* ‬

وقد أجمع الفقهاء علي أن التكبير من* ‬شعائر العيد وأيام التشريق في الجملة،*

‬ولكنهم اختلفوا في صفة تلك الشعيرة فذهب جمهور الفقهاء إلي أنه سنة مؤكدة،* ‬لأن ثبوته جاء علي سبيل الخبر أو الفعل،* ‬وليس علي سبيل الأمر الجازم*.
‬وذهب الحنفية في الصحيح عندهم إلي أنه سنة في العيدين وواجب عقب الصلوات الخمس في أيام التشريق لأنها المعدودات التي أمر الله الحاج بالذكر فيها*. ‬والواجب عند الحنفية أعلي من السنة ودون الفرض،* ‬وإنما لم يكن فرضاً* ‬لاختلاف العلماء في تحديد تلك الأيام فقد قال ابن عباس إنها أربعة يوم النحر وثلاثة بعده،*
‬وقال الإمام علي إنها ثلاثة يوم النحر ويومان بعده،* ‬فلأجل الخلاف نزل الحكم من الفرض إلي الواجب*.

‬وذهب الإمام أبو حنيفة إلي عدم ثبوت شعيرة التكبير في أيام التشريق لاختصاص تلك الشعيرة بيوم العيد*.

‬وذهب الظاهرية إلي أن التكبير واجب ولو مرة واحدة في ليلة عيد الفطر أو يومه،* ‬لظاهر الأمر به في قوله تعالي*:" ‬ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علي ما هداكم*" »‬البقرة*: ‬185*« ‬وهذا في مناسبة الفطر*. ‬أما التكبير في عيد الأضحي فسنة كما ذهب الجمهور،* ‬لأن الأمر به جاء بالإشارة وعلي سبيل التخيير في التعجيل،* ‬كما قال تعالي*: "‬واذكروا* ‬الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه*" »‬البقرة*: ‬203*«‬،* ‬يقول ابن رشد*: "‬فهذا الخطاب وإن كان المقصود به أولاً* ‬أهل الحج
فإن الجمهور رأي أنه يعم أهل الحج وغيرهم،* ‬وتلقي ذلك بالعمل،* ‬وإن كانوا اختلفوا في التوقيت في ذلك*". ‬

وقد أجمع الفقهاء علي استحباب الجهر بالتكبير في طريق مصلي العيد في الجملة،* ‬لإعلاء الشعيرة واتباعاً* ‬للسلف كابن عمر وغيره،* ‬ولما أخرجه البيهقي بسند ضعيف عن ابن مسعود أن النبي* - ‬صلي الله عليه وسلم* - ‬كان يخرج في العيدين رافعاً* ‬صوته بالتهليل والتكبير،* ‬ويأخذ طريق الحدادين حتي يأتي المصلي*. ‬وكان مع النبي* - ‬صلي الله عليه وسلم* - ‬الفضل بين عباس وعبد الله بن عباس وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة وأيمن ابن أم أيمن*. ‬وذهب الإمام أبوحنيفة خلافاً* ‬لصاحبيه والجمهور إلي كراهة الجهر بالتكبير في طريق مصلي عيد الفطر دون عيد الأضحي،* ‬لما روي عن ابن عباس أنه حمله قائده يوم الفطر فسمع الناس يكبرون،* ‬فقال لقائده*: ‬أكبر الإمام؟ قال*: ‬لا*. ‬قال*: ‬أفجن الناس؟ قال الإمام الكاساني*: ‬فلو كان الجهر بالتكبير سنة لم يكن لهذا الإنكار معني ولأن الأصل في الأذكار هو الإخفاء إلا فيما ورد التخصيص فيه،* ‬وقد ورد الجهر بالتكبير في عيد الأضحي فبقي الأمر في عيد الفطر علي الأصل بعدم الجهر*. ‬

أما الجهر بالتكبير في مصلي العيد وعقب الصلوات المكتوبة يوم العيد وأيام التشريق فلا يستحب عند جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة إلا أن يحتاج إلي الجهر للتعليم،* ‬وقد عد أئمة المالكية الجهر بالتكبير في يوم العيد بدعة كما حكاه النفراوي في الفواكه الدواني،* ‬لعموم قوله تعالي*: "‬ادعوا ربكم تضرعا وخفية*" »‬الأعراف*: ‬55*« ‬أي سراًً* ‬في النفس تذللاً* ‬واستكانة ليبعد عن الرياء،* ‬ولأنه أقرب إلي الإخلاص،* ‬وبذلك أثني الله تعالي علي نبيه زكريا في قوله سبحانه*: "‬إذ نادي ربه نداء خفيا*" »‬مريم*: ‬3*«..

‬وذهب بعض الفقهاء من المالكية والحنابلة إلي استحباب الجهر بالتكبير عقب الصلوات المكتوبة يوم العيد وأيام التشريق،* ‬لما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال*: "‬كنت أعرف انقضاء صلاة النبي* - ‬صلي الله عليه وسلم* - ‬بالتكبير*". ‬وقد أجاب الإمام الشافعي عن هذا الحديث ونحوه بأن النبي* - ‬صلي الله عليه وسلم* - ‬جهر ليعلم الصحابة صفة الذكر لا إنه كان دائماً*.