المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أفخاخ الحكومة


رندة
09-10-2011, 02:46 PM
أفخاخ الحكومة
الكاتب: حمود المحمود | تاريخ المقال: 2011-10-08


قصة حدثت معنا في مجلة الاقتصادي قبل عام تقريباً وتعلمنا منها الكثير من الدروس، لدرجة أنني بت أرويها لطلاب الإعلام الذين يتدربون في مجلتنا منذ ذلك الحين، بحيث تكون هذه القصة هي التي أفتتح بها كلمتي في بداية الدورة التدريبية في كل مرة، وأجد اليوم أنّه من المناسب أن أشارك عموم القراء والمهتمين بهذه الحكاية والعبرة التي استخلصناها منها:

في تلك الفترة نشرت معظم مواقع الإنترنت السورية خبر زيارة أحد المسؤولين السوريين لليابان، وذكرت جميعها عن مصدر لم تذكر اسمه، أنّ حجم التبادل التجاري بين سورية واليابان هو الرقم الفلاني، ونشرنا على موقع الاقتصادي الإلكتروني هذا الخبر مع هذا الرقم للتبادل التجاري.


ولأنّ موقع الاقتصادي مربوط بنشر آلي على موقعي تويتر وفيسبوك للتواصل الاجتماعي، فقد انتشر هذا الخبر على نطاق واسع، لدرجة أنّ تعليقاً ورد على موقع تويتر والتقطه أحد الزملاء في مجلة الاقتصادي من أحد القراء السوريين.


علّق هذا القارئ على الخبر بما مفاده، أن موقع الاقتصادي نشر خبراً عن التبادل التجاري بين اليابان وسورية، يتضمن رقماً غير صحيح عن حجم هذا التبادل، وذكر الرجل الرقم الحقيقي ولم ينشره هكذا دون توثيق، بل وضع رابطاً لموقع وزارة الشؤون الخارجية اليابانية تذكر فيه هذا الرقم الصحيح بالضبط، وهو رقم مختلف تماماً عن الرقم الذي نشرناه نحن وكل المواقع السورية التي تناولت الخبر.


وبعد أن دخلنا الموقع الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية اليابانية وجدنا الرقم فعلاً، فيما لم تقدّم المصادر الرسمية السورية أي رقم واضح سوى هذا الرقم المتداول عبر الصحافة، فصحّحنا الرقم المذكور في الخبر إلى الرقم المنشور على الموقع الرسمي الياباني، لكننا تعلّمنا من هذه القصة دروساً مختلفة عن ما نتعمله في العادة كصحفيين عن أهمية الدقة والتوثيق وغيرها.


لقد تعلّمنا شيئاً جديداً، وهو ألا نستهين بعد اليوم بعقول القراء والناس عموماً، فهذا القرن الواحد والعشرون، لم يعد فيه القارئ مجرّد متلقٍ يصدق ببساطة ما تنقله له الصحافة ووسائل الإعلام، بل هو عصر أصبح فيه القارئ في حالات كثيرة أكثر فهماً وأخبر من كثير من الصحفيين، وأكثر قدرة على الولوج إلى مصادر البحث الإلكترونية وباللغات الأجنبية، التي ربما لا يدركها بعض الصحفيين الذين ربما يتقن أحدهم بالكاد لغته الأم فقط.

***


والعبرة ليست هنا فقط وليست متعلقة بالصحفيين، وهذا ما أريد أن أشرك به قراءنا المهتمين، فالعبرة برأيي تستدعي من الحكومات وليس من الإعلام فقط، أن يدركوا أنّ الزمن اختلف وأنّ عليهم أن يفهموا أنّهم لايقودون مجموعة من الرعية كما يقال، يمكن أن ينطلي عليها القانون أو القرار، في الوقت الذي تكون هذه الحكومة أو تلك قد لغّمته من الداخل بحيث تفرغه من مضمونه على أمل أن تخدع الناس به.


اليوم هو زمن احترام عقول الآخرين وعدم الاستهانة بهم، وهو اليوم الذي علينا أن ندرك فيه أن كثيراً وكثيراً جداً من الناس أصبحوا أكثر ثقافة وفهماً وخبرة من كثير من المسؤولين، تماماً كما قلنا بخصوص الصحفيين، والذين كانوا يعتقدون حتى سنوات قليلة مضت أنّهم يمارسون حرفة "توجيه" الرأي العام كما تنص على ذلك النظرية السوفيتية المرحومة، والتي أصبح يتندر عليها حتى الروس أنفسهم هذه الأيام.


***

وعندما تدرك الحكومة أنّها ستصدر قانوناً لشعب لم يعد بالإمكان خداعه، فعليها أن تعد للألف قبل أن تصدر قانوناً يتضمن فخّاً يؤدي لإفراغه من محتواه كما اعتدنا من قبل.


ففي سنوات ليست بعيدة، كانت الحكومة ترفع مباشرة أسعار السلع والمحروقات على سبيل المثال مع كل زيادة في الراتب، وتريد رغم ذلك أن تقنع الناس بأنّ ماحصل لاعلاقة له بزيادة الرواتب، كما وصل الحد ببعض مسؤولي الحكومة أن يجعلوا الناس يشككون في عقولهم، عندما ينفون وجود أزمات يعايشها الناس يومياً كالخبز والمازوت والعقارات وغيرها، ويقولون بلا وجل "لا يوجد أزمة".
كما أنّ هذه الأفخاخ قد تكون مباشرة، ولاتعوّل سوى على استغباء الناس، وكلنا يذكر من هذه القوانين والقرارات الكثير.


ولكن الأخطر أن تستمر هذه الظاهرة حتى الآن، فعندما وجدت الحكومات المتعاقبة ومنها الحكومة الحالية، أنّ الناس بدؤوا يلحوّن على ضرورة مشاركة الحكومة في صياغة القوانين والقرارات، قالوا لهم حسناً تعالوا وشاركوا، لكن المفاجأة كانت بعد صدور هذه القرارات على غير ما تم الاتفاق عليه وعلى غير ما ظهرت به على موقع التشاركية الحكومي.


***


وعندما تقرؤون حوارنا الخاص مع رئيس لجنة الإصلاح الإداري سام دلة، وهو يكشف لنا أنه قدّم للحكومة أسساً لتأسيس مكتب لصياغة القوانين وتقييم مخاطرها ودراسة أثرها قبل صدورها.


نأمل ألا تكون هذه المقترحات والأسس في طريقها إلى التفخيخ، وأن تعيد الحكومة النظر في سياستها تجاه مفهومها للناس الذين تحكمهم، وأن تكون الشفافية والصراحة، والصراحة وحدها هي الأساس للتعامل مع الناس.


وقد قرأت مؤخراً عن سبب ارتفاع مستوى الرفاهية في الدول الاسكندنافية فكان الجواب الوحيد لسبب هذه الرفاهية، هو تقرير منظمة الشفافية الدولية والذي يضع هذه الدول في مقدمة دول العالم بمستوى "الشفافية".


كما قرأت مؤخراً الكتاب الذي ألّفه الإعلامي الأميركي الشهير على قناة سي إن إن لاري كينج، فكشف في الكتاب أنه يعزو سبب نجاحه إلى كلمة واحدة هي "الصراحة".


منشورة في العدد 125 من مجلة الاقتصادي

Salam L
09-10-2011, 10:27 PM
بظن اذا صار تغيير بالحكومة متل ماسمعنا في بعض الوزراء رح يطيروا ....