العربي
10-09-2011, 04:38 AM
ماذا يحدث حولنا في العالم؟
http://www.alraimedia.com/Alrai/Resources/ArticlesPictures/2011/09/10/300_main.jpg (http://www.alraimedia.com/Alrai/Resources/ArticlesPictures/2011/09/10/300.jpg)
| بقلم : إبراهيم شكري دبدوب* |
تبدو الأزمة المالية العالمية الجديدة قريبة منا اليوم أكثر من أي وقت مضى، بل إنها تبدو أشد حدة من سابقتها في عام 2008 حين سقوط ليمان برازرز. كافة المؤشرات من الولايات المتحدة الأميركية ودول اليورو والمملكة المتحدة إلى اليابان تشير إلى اننا نتجه نحو ركود جديد. في الأمس، كنا نظن أن بعض المؤسسات المالية العالمية هي «أكبر من أن تنهار». لكن اليوم، تبدو حكومات الاقتصادات المتقدمة «أكبر من أن يتم انقاذها.
في الولايات المتحدة الأميركية، تثير البيانات الاقتصادية قلقا متزايدا فصلا بعد آخر، من بيانات النمو الاقتصادي إلى الاستهلاك والسكن وحتى سوق العمل. وفي أوروبا، الركود حاضر أصلا في خمس دول، ثلاث منها (اليونان والبرتغال وإيرلندا) فقدت القدرة على الاستدانة، وتبدو إيطاليا وإسبانيا في الطريق للحاق بها. والأسوأ أن اقتصاد هاتين الدولتين يبدو «أكبر من أن ينهار» و«أكبر من أن ينقذ» في الوقت نفسه. المشهد لا يختلف في المملكة المتحدة واليابان اللتين تشهدان فصولا متتالية من الركود الاقتصادي.
ما يزيد من حدة الأزمة الحالية عن سابقتها، أننا فقدنا الخيارات، وبات العالم مثقلاً بسياسات مالية ونقدية انكماشية. فالولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول اليورو مجبرة على عكس سياساتها التوسعية السابقة التي حاولت من خلالها مجابهة الأزمة المالية الأخيرة. اليوم، ليس باستطاعة هذه الدول إطلاق برامج التحفيز الكمي التي اعتمدتها في السابق. وفيما تدخلت حكومات هذه الدول لإنقاذ بنوكها قبل ثلاثة أعوام، يبدو أن البعض يراهن على أن تقوم البنوك اليوم بإنقاذ الحكومات، إذا أمكن! إلا أن الحكومات والبنوك هي في واقع الحال في خندق واحد، إذ أن مخاطر الديون السيادية تتحول إلى مخاطر نظامية في القطاع المصرفي بسبب انكشاف البنوك على الدين الحكومي، إن حاضرا أو مستقبلا.
لكن فقدان فاعلية السياستين النقدية والمالية حاليا يلقي الضوء على أزمة بنيوية تتخطى التخبطات القصيرة الأجل، وحلها لن يكون سهلا أو سريعا. لقد أثقلت المديونية الضخمة كاهل القطاع الخاص في السابق، واليوم تغرق الديون السيادية الحكومات. ما حصل أمس أننا استبدلنا دينا خاصا بدين عام، وقد فاقم ذلك من الأزمة ولم يحلها كما كان يؤمل. الدول المتقدمة مدعوة اليوم إلى اتخاذ القرارات الصعبة وإلى تبني سياسات تتجاوز الأجندة الانتخابية. الحل يبقى بتخفيض حجم الدين، وهذا يتطلب سنوات طويلة.
لا شك أن دول اليورو المأزومة حاليا ستعيد جدولة ديونها وديون بنوكها. أولا في اليونان والبرتغال ثم أيرلندا. لكن في حال فقدت إيطاليا وإسبانيا قدرتها على الولوج إلى أسواق الدين، كما يرجح، فإن المديونية ستتضاعف بنحو ثلاث مرات، ما من شأنه أن يقضي على أي محاولة لجدولة الديون. على أي حال، فإن كافة المقاربات لأزمة أوروبا تبدو عقيمة، والخيار المطروح حاليا بأن يتحمل الاتحاد الأوروبي ديون دوله الأعضاء سيكون أشبه بكرة ثلج تتضخم: إذ بعدما حملت ديون القطاع الخاص على الميزانيات الحكومية، يقترح البعض اليوم أن يتحمل الاتحاد الأوروبي الديون الحكومية. هذا الخيار قد لا يجدي نفعا، ولا يمكن مواصلة تبديد المزيد من الأموال كجرعات من المهدئات.
أمام أوروبا اليوم خياران، إما التفكك أو الوحدة المالية: بالنسبة للخيار الأول، لا تحتاج دول مثل اليونان والبرتغال أكثر من ثلاث إلى خمس سنوات لتعيد النظر بعضويتها في الاتحاد الأوروبي. أما الخيار الثاني، فلن يتحقق ما لم تتخل الدول الأضعف ماليا في الاتحاد الأوروبي عن سيادتها المالية- وبطبيعة الحال سيادتها السياسية إلى حد ما- إلى الدول الأقوى ماليا مثل المانيا وفرنسا وحتى المؤسسات الأوروبية. وأعتقد أن أوروبا تسير في هذا الاتجاه، وهو، من وجهة نظر سياسية، قد يبلغ حدا يترحمون فيه على الخيار الأول.
الصورة إذاً تبدو قاتمة، وليس للدول المتقدمة فحسب، وإنما للصين والهند والأسواق الناشئة التي عليها ربما أن تتحضر لمرحلة من تباطؤ النمو، بعدما كان ينظر إليها كمنقذ. فالصين أيضا تقف أمام لحظة تحول، وصناع القرار فيها سيضطرون إلى بناء طلب محلي والاعتماد عليه أكثر، وهذا من شأنه أن يضع العديد من الضغوط على الاقتصاد الصيني.
العالم يشهد تغيرات جذرية في البنية الاقتصادية وصناعة القرار على المستويين الاقتصادي والسياسي. وفي وقت ينتظر العالم الدول المتقدمة لإيجاد الحلول، يبدو أن الجميع قد تخلى عن دوره.
وبرأيي، فإن أنظار العالم يجب أن تتجه نحو الصين، فهي لم تقم بعد بما يكفي لاحتلال موقعها على خريطة التوازنات الاقتصادية العالمية. وعلى الاقتصادات الناشئة أن تحتل حيزها على الساحة الاقتصادية العالمية، وإلا فمصيرها دوما الذوبان في دوامة الأزمة الحالية والأزمات المستقبلية، آملين ألا تصبح هي نفسها مشروع أزمة مقبلة.
أما بالنسبة لدول الخليج، فأعود لأكرر أن الدول الخليجية غنية بفوائضها واحتياطاتها المالية والنفطية وليست مدينة للمصارف الأجنبية. ولذلك، تظل منطقة الخليج العربي هي أكثر الدول أماناً وبعداً عن تأثيرات الأزمة.
* الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني عضو مجلس إدارة معهد التمويل الدولي (IIF) ومجموعة بريتون وودز العالمية بواشنطن
http://www.alraimedia.com/Alrai/Resources/ArticlesPictures/2011/09/10/P06-10-09-11_smaller.jpg (http://www.alraimedia.com/Alrai/Resources/ArticlesPictures/2011/09/10/P06-10-09-11.jpg)
http://www.alraimedia.com/Alrai/Resources/ArticlesPictures/2011/09/10/300_main.jpg (http://www.alraimedia.com/Alrai/Resources/ArticlesPictures/2011/09/10/300.jpg)
| بقلم : إبراهيم شكري دبدوب* |
تبدو الأزمة المالية العالمية الجديدة قريبة منا اليوم أكثر من أي وقت مضى، بل إنها تبدو أشد حدة من سابقتها في عام 2008 حين سقوط ليمان برازرز. كافة المؤشرات من الولايات المتحدة الأميركية ودول اليورو والمملكة المتحدة إلى اليابان تشير إلى اننا نتجه نحو ركود جديد. في الأمس، كنا نظن أن بعض المؤسسات المالية العالمية هي «أكبر من أن تنهار». لكن اليوم، تبدو حكومات الاقتصادات المتقدمة «أكبر من أن يتم انقاذها.
في الولايات المتحدة الأميركية، تثير البيانات الاقتصادية قلقا متزايدا فصلا بعد آخر، من بيانات النمو الاقتصادي إلى الاستهلاك والسكن وحتى سوق العمل. وفي أوروبا، الركود حاضر أصلا في خمس دول، ثلاث منها (اليونان والبرتغال وإيرلندا) فقدت القدرة على الاستدانة، وتبدو إيطاليا وإسبانيا في الطريق للحاق بها. والأسوأ أن اقتصاد هاتين الدولتين يبدو «أكبر من أن ينهار» و«أكبر من أن ينقذ» في الوقت نفسه. المشهد لا يختلف في المملكة المتحدة واليابان اللتين تشهدان فصولا متتالية من الركود الاقتصادي.
ما يزيد من حدة الأزمة الحالية عن سابقتها، أننا فقدنا الخيارات، وبات العالم مثقلاً بسياسات مالية ونقدية انكماشية. فالولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول اليورو مجبرة على عكس سياساتها التوسعية السابقة التي حاولت من خلالها مجابهة الأزمة المالية الأخيرة. اليوم، ليس باستطاعة هذه الدول إطلاق برامج التحفيز الكمي التي اعتمدتها في السابق. وفيما تدخلت حكومات هذه الدول لإنقاذ بنوكها قبل ثلاثة أعوام، يبدو أن البعض يراهن على أن تقوم البنوك اليوم بإنقاذ الحكومات، إذا أمكن! إلا أن الحكومات والبنوك هي في واقع الحال في خندق واحد، إذ أن مخاطر الديون السيادية تتحول إلى مخاطر نظامية في القطاع المصرفي بسبب انكشاف البنوك على الدين الحكومي، إن حاضرا أو مستقبلا.
لكن فقدان فاعلية السياستين النقدية والمالية حاليا يلقي الضوء على أزمة بنيوية تتخطى التخبطات القصيرة الأجل، وحلها لن يكون سهلا أو سريعا. لقد أثقلت المديونية الضخمة كاهل القطاع الخاص في السابق، واليوم تغرق الديون السيادية الحكومات. ما حصل أمس أننا استبدلنا دينا خاصا بدين عام، وقد فاقم ذلك من الأزمة ولم يحلها كما كان يؤمل. الدول المتقدمة مدعوة اليوم إلى اتخاذ القرارات الصعبة وإلى تبني سياسات تتجاوز الأجندة الانتخابية. الحل يبقى بتخفيض حجم الدين، وهذا يتطلب سنوات طويلة.
لا شك أن دول اليورو المأزومة حاليا ستعيد جدولة ديونها وديون بنوكها. أولا في اليونان والبرتغال ثم أيرلندا. لكن في حال فقدت إيطاليا وإسبانيا قدرتها على الولوج إلى أسواق الدين، كما يرجح، فإن المديونية ستتضاعف بنحو ثلاث مرات، ما من شأنه أن يقضي على أي محاولة لجدولة الديون. على أي حال، فإن كافة المقاربات لأزمة أوروبا تبدو عقيمة، والخيار المطروح حاليا بأن يتحمل الاتحاد الأوروبي ديون دوله الأعضاء سيكون أشبه بكرة ثلج تتضخم: إذ بعدما حملت ديون القطاع الخاص على الميزانيات الحكومية، يقترح البعض اليوم أن يتحمل الاتحاد الأوروبي الديون الحكومية. هذا الخيار قد لا يجدي نفعا، ولا يمكن مواصلة تبديد المزيد من الأموال كجرعات من المهدئات.
أمام أوروبا اليوم خياران، إما التفكك أو الوحدة المالية: بالنسبة للخيار الأول، لا تحتاج دول مثل اليونان والبرتغال أكثر من ثلاث إلى خمس سنوات لتعيد النظر بعضويتها في الاتحاد الأوروبي. أما الخيار الثاني، فلن يتحقق ما لم تتخل الدول الأضعف ماليا في الاتحاد الأوروبي عن سيادتها المالية- وبطبيعة الحال سيادتها السياسية إلى حد ما- إلى الدول الأقوى ماليا مثل المانيا وفرنسا وحتى المؤسسات الأوروبية. وأعتقد أن أوروبا تسير في هذا الاتجاه، وهو، من وجهة نظر سياسية، قد يبلغ حدا يترحمون فيه على الخيار الأول.
الصورة إذاً تبدو قاتمة، وليس للدول المتقدمة فحسب، وإنما للصين والهند والأسواق الناشئة التي عليها ربما أن تتحضر لمرحلة من تباطؤ النمو، بعدما كان ينظر إليها كمنقذ. فالصين أيضا تقف أمام لحظة تحول، وصناع القرار فيها سيضطرون إلى بناء طلب محلي والاعتماد عليه أكثر، وهذا من شأنه أن يضع العديد من الضغوط على الاقتصاد الصيني.
العالم يشهد تغيرات جذرية في البنية الاقتصادية وصناعة القرار على المستويين الاقتصادي والسياسي. وفي وقت ينتظر العالم الدول المتقدمة لإيجاد الحلول، يبدو أن الجميع قد تخلى عن دوره.
وبرأيي، فإن أنظار العالم يجب أن تتجه نحو الصين، فهي لم تقم بعد بما يكفي لاحتلال موقعها على خريطة التوازنات الاقتصادية العالمية. وعلى الاقتصادات الناشئة أن تحتل حيزها على الساحة الاقتصادية العالمية، وإلا فمصيرها دوما الذوبان في دوامة الأزمة الحالية والأزمات المستقبلية، آملين ألا تصبح هي نفسها مشروع أزمة مقبلة.
أما بالنسبة لدول الخليج، فأعود لأكرر أن الدول الخليجية غنية بفوائضها واحتياطاتها المالية والنفطية وليست مدينة للمصارف الأجنبية. ولذلك، تظل منطقة الخليج العربي هي أكثر الدول أماناً وبعداً عن تأثيرات الأزمة.
* الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني عضو مجلس إدارة معهد التمويل الدولي (IIF) ومجموعة بريتون وودز العالمية بواشنطن
http://www.alraimedia.com/Alrai/Resources/ArticlesPictures/2011/09/10/P06-10-09-11_smaller.jpg (http://www.alraimedia.com/Alrai/Resources/ArticlesPictures/2011/09/10/P06-10-09-11.jpg)