وائل77
04-09-2011, 12:48 PM
مجلة أبيض وأسود
منذ بدء حركة الاحتجاجات في سوريا بدأت تتشكل معها قناعة لدى القائمين على إدارة الدولة بضرورة الإسراع بإطلاق حركة إصلاح واسعة النطاق تشمل جميع القطاعات من أجل تحقيق المطالب المحقة للشعب السوري والانتقال بسوريا إلى بر الأمان والرد على الادعاءات التي تشكك بقدرة السلطة وتقول بأنه هل تستطيع أن تقدم أية إصلاحات حقيقية على أرض الواقع.
وبالعودة إلى عجلة الإصلاح التي بدأت بالدوران وإصدار حزمة من المراسيم والتشريعات والقوانين والقرارات الكفيلة بنقل سوريا إلى مصاف الدول الديمقراطية المتطورة نجد أنه:
بدأت تلك الإصلاحات بإلغاء العمل بقانون الطوارئ الذي طالما أرّق السوريين وجوده، وزيادة الرواتب من أجل تحسين معيشة المواطن، وتخفيض سعر المازوت الذي كان محل شكوى كل المواطنين، ومعالجة مشكلة الإحصاء الاستثنائي (1962) ومنح الجنسية للأكراد بالإضافة إلى إصدار العفو العام عن السجناء والمعتقلين، ومحاولة استيعاب الشباب العاطلين عن العمل في الجهات الحكومية في إطار المشروع الذي أطلقته الحكومة والهادف لتوفير فرص عمل للخريجين الشباب.
كل هذه القرارات والمراسيم دخلت حيز التنفيذ الفوري، وكان من المفترض أن تكون تأثيراتها مباشرة على حياة المواطن إلا أن الظروف الأمنية والأزمة التي تعيشها سوريا حالت دون شعور البعض من الناس بأثر تلك القرارات.
ولم يتوقف الإصلاح عند هذا الحد بل طال الحياة السياسية بقرارات ومراسيم شكلت نقاط تحول في مسيرة سوريا السياسية والتاريخية كقانوني الأحزاب والانتخابات بالإضافة إلى قانون الإعلام المرتقب. كما لم يغفل الإصلاح الجوانب الإدارية كإصلاح الإدارة العامة وتشكيل لجان لمكافحة الفساد وتطوير القضاء بالإضافة إلى قانون الإدارة المحلية الذي صدر قبل أيام، ولن تتوقف عجلة الإصلاحات إلى أن تصبح سوريا دولة عصرية ديمقراطية، ولن تظهر تأثيرات هذه القوانين إلا بعد فترة من العمل بها، ولن يقطف السوريون ثمارها الفاعلة إلا بعد نضوجها على الأرض وهي تحتاج إلى بعض الوقت.
هذه الحزمة من الإصلاحات قد تكون كافية لإيجاد حلول للمشكلات المطروحة غير أن هناك ثمة مشكلات لم يتم التطرق إليها على المستوى الوطني والاستراتيجي مثل الإسكان وبشكل يجعلها في سلم أولويات الحكومة فانصرفت عنها لصالح ما وجدته أكثر إلحاحاً من وجهة نظرها.
مشكلة السكن من الأولويات:
إذا ما تناولنا مشكلة السكن في سوريا التي نالت نصيبها من الإهمال والتدهور لعقود طويلة بسبب سياسات خاطئة سابقة، الأمر الذي أثر بشكل كبير على تفاقم أزمة السكن والتي تحولت مع الوقت إلى ظاهرة اجتماعية ملازمة لحياة الفرد السوري، وانعكس على مستواه المعيشي بعد ارتفاع بدل الإيجار فضلاً عن غلاء العقارات التي أصبح المواطن العادي يواجه صعوبة كبيرة في مواجهتها بسبب الأساليب غير المنظمة والعشوائية التي كانت إحدى السمات الأساسية للفترة السابقة. مما اضطر أصحاب الدخل المحدود إلى السكن بشكل مؤقت في تلك المناطق الأمر الذي ساهم في انتشار ظاهرة السكن العشوائي في المدن الكبرى، وخاصة بعد أن ارتفعت أسعار العقارات بنسبة (300 %) في مطلع العام (2003)، نجد أن أهم الأسباب التي أدَّت إلى وصول الأزمة إلى هذا المستوى هو غياب التخطيط التنموي وعدم أخذ التوسع العمراني والسكاني بعين الاعتبار، حيث أدى غياب التخطيط الإقليمي الشامل إلى ظهور حالات من عدم التوازن الاقتصادي والاجتماعي والعمراني، وولَّد مشكلات وأزمات مستعصية.
العشوائيات مشكلة المشكلات:
إن ما أدى إلى انتشار وتمدد السكن العشوائي أو ما يعرف بمناطق المخالفات هوعدة أسباب اجتماعية متمثلة بالتزايد السكاني، واقتصادية متمثلة بالهجرة الداخلية وتجارة المخالفات والتفاوت الكبير بين المدينة والريف ونقص الخدمات في الأرياف وقلة فرص العمل، إضافة إلى قصور المخططات التنظيمية عن استيعاب التوسع السكاني، والحاجة الدائمة إلى بناء المزيد من المساكن، وعدم توافر الأراضي الصالحة للبناء ضمن المخططات التنظيمية، وغياب التخطيط الإقليمي الشامل في سوريا، معظمها نقاط تتحمل مسؤوليتها الحكومات المتعاقبة.
مما جعل من السكن العشوائي واحداً من أهم المشكلات التي تواجه الحكومة السورية التي مضى عليها سنوات طويلة دون حل، هذا إضافة إلى إهمال التجمعات السكانية المخالفة حيث بلغ عددها الآن أكثر من (1.2) مليون مسكن عشوائي تحتاج إلى (1200) مليار ليرة لمعالجتها في حين رصدت الحكومة في خطتها الخمسية الحادية عشرة مبلغ عشرة مليارات وخمسمائة مليون ليرة سوريّة فقط لدعم تمويل خطط الارتقاء ومعالجة (20 %) من مناطق المخالفات خلال سنوات الخطة الخمسية الحالية.
أرقام وإحصاءات:
تشير التقارير والدراسات لوجود أكثر من (115) منطقة مخالفات في كل من محافظات دمشق - ريف دمشق - حلب - وحمص وأن محافظة دمشق وحدها تحتوي على (20) منطقة سكن عشوائي ويشكل القاطنون فيها نحو (30-40 %) من عدد السكان، وتعاني معظم هذه المناطق تدني نوعية الخدمات الأساسية، والبنى التحتية والشروط الصحية والبيئية السليمة، ويقدر عدد المحتاجين إلى سكن في سوريا بـ(1.5) مليون شخص على الأقل، في حين أن الزيادات السنوية في عدد المساكن لا تتجاوز (10 %) من الحاجة، في وقت يزداد تأمين المسكن في سوريا صعوبة مع ارتفاع أسعار العقارات بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
ويقدر الاحتياج الإسكاني في الخطة الخمسية الحادية عشرة بـ(880) ألف وحدة سكنية، كما تقدر مساحة الأراضي المعدة للبناء اللازمة لتنفيذ الاحتياج الإسكاني المستقبلي بـ(11420) هكتار.
وحسب الخطة الخمسية الحادية عشرة يتم تنفيذ الاحتياجات الإسكانية اللازمة من قبل القطاع العام بنسبة (10 %)، والقطاع التعاوني بنسبة (12 %)، والقطاع الخاص بنسبة (78 %).
وفي ظل هذه الأرقام كان لابد من حلول بالرغم من الجهود التي بذلتها الدولة ممثلة بالمؤسسة العامة للإسكان بإيجاد حلول عبر توفير السكن الشبابي بأسعار معقولة وبتمويل طويل الأجل. ولعل محاولة الحكومة في تقديم هذا الحل لم تفلح في الحيلولة دون تواصل ارتفاع أسعار العقارات لأن تدخل الدولة جاء من طرف العرض فقط أي عبر توفير المزيد من المساكن بأسعار تقارب التكلفة الاقتصادية، دون أن تقارب مستوى الطلب المتزايد.
هل الحل في الجمعيات؟
على ما يبدو كان أحد الحلول المطروحة على الساحة هو السماح للجمعيات السكنية التي تتبع للاتحاد التعاوني السكني بشراء عقارات من ميزانياتها وبناء ضواحٍ سكنية إضافة إلى مشاريع السكن الشبابي والادخار التي تتبع للمؤسسة العامة للإسكان، ولكن هل هذه الجهات قادرة على تغطية الطلب المتزايد على المسكن؟. بالطبع الجواب سيكون: لا، لطالما الجمعيات نفسها تعاني من مشكلات منذ زمن، ولم تتمكن من إيجاد حلول لها حتى الآن، إن حل قضية المسكن في سوريا من وجهة نظر الاتحاد العام للتعاون السكني، تتلخص في توفير الأراضي المناسبة للبناء وغير الصالحة للزراعة وكل ما يحتاجه الموضوع يتعلق بإعداد مخططات للأراضي التي من المفترض أن تنشأ المساكن عليها وتأمين القروض طويلة الأجل، وأن تسمح الدولة للجمعيات بشراء الأراضي من أصحابها على أن تكون قريبة من المخططات التنظيمية وتسريع عملية إدخالها ضمن المخططات التنظيمية، وإذا ما تم ذلك ستتمكن الجمعيات من بناء ضواحٍ.
إذا المشكلة هي أن هناك جمعيات تعاونية مضى عليها أكثر من (25) عاماً دون تسلمها الأراضي اللازمة، وهي عليها أن تباشر عملها وفق القانون الجديد خلال مدة أقصاها (3) سنوات، والسؤال هنا كيف ستباشر دون أن تتسلم الأرض من الدولة، وفي حال رغبت هذه الجمعيات بشراء الأراضي من القطاع الخاص عليها أن تبحث عنها داخل المخطط التنظيمي، والأراضي الواقعة داخل المخططات التنظيمية غالية الثمن، وبالتالي سيرتفع ثمن المسكن عن السعر المناسب لذوي الدخل المحدود.
استطاعت الجمعيات من خلال الاتحاد العام للتعاون السكني الذي يضم ثلاثة آلاف جمعية تأمين (190) ألف مسكن وما زال آلاف المنتسبين ينتظرون مباشرة جمعياتهم بالبناء، فيما تنتظر جمعيات أخرى تأمين الأراضي حيث يزداد تضخم الأقساط التي يتوجب عليها دفعها للمصرف العقاري ما أدى لحالات خلل في بنى الجمعيات وفساد كثيرة في مجالس إدارات الجمعيات وفقدان ثقة المواطنين بالتعاون السكني.
القوانين من أسباب تفاقم المشكلة:
وعلى الرغم من كثرة القوانين الناظمة لعملية السكن وكثرة تعديلاتها إلا أنها كانت تشكل أحد الأسباب الرئيسية في تفاقم مشكلة السكن خلال السنوات الماضية ولم تفلح التعديلات على هذه القوانين في زيادة العرض من المساكن والتخفيف من حدة الأزمة.
قانون منع الاتجار بالأراضي رقم (3) تاريخ 25/2/1976:
بموجب هذا القانون يمتنع على من يشتري أرضاً تقع ضمن حدود أي مخطط تنظيمي عام أو ضمن مناطق الاصطياف، بيعها، لا كلياً ولا جزئياً، إلا بعد بنائها، ويقع باطلاً بصورة مطلقة كل تصرف يجري خلافاً لهذا القانون.
وفي التطبيق العملي تبين أن هذا القانون لم يساهم في خفض أسعار الأراضي المعدة للبناء، بل على العكس من ذلك تماماً، حيث جمدت أوضاع الكثير من المساحات، وابتدأت محاولات التهرب من أحكام القانون بطرق مختلفة.
قانون إعمار العرصات رقم (14) تاريخ 23/3/1974 المعدل بالقانون رقم (59) تاريخ 15/7/1979:
بموجب هذا القانون يجوز للمرخص لهم بالبناء التعاقد على تمليك الأقسام التي ستبنى قبل المباشرة بإشادة البناء فعلاً أو قبل إنجازه، على أن يسلموا الأقسام المتعاقد عليها للمشترين جاهزة للسكن أو للاستعمال فيما أعدت له، ثم عدل النص بالاكتفاء بجاهزية نسبة معينة من البناء. وعلى أن يتم تسجيل كل ذلك في سجل مؤقت أحدث لهذه الغاية في كل وحدة إدارية.
وفرض القانون على العرصات التي لم يستحصل مالكوها تراخيص البناء رسم سنوي قدره (10 %) من قيمة العرصة. ويحق للجهة الإدارية أن تقرر بيع العرصات على حساب أصحابها إذا مرت أربع سنوات على الإعلان عن اتصالها بالمرافق العامة، ولم يستحصل مالكها على رخص بناء بشأنها. على أنه يحق للجهة الإدارية أن تقرر بيع العرصات حكماً إذا انقضت خمس سنوات دون الحصول على الترخيص ببنائها أو دون إتمام البناء.
هذا القانون وأن تضمن جانباً إيجابياً بإحداث السجل المؤقت، وجواز بيع أقسام من العقار قبل إشادته، لكنه تضمن جوانب سلبية بأن مشتري تلك الأقسام يتعذر عليه بيع حقوقه قبل إنجاز البناء أو نسبة منه. وبفرض رسم سنوي عال على العرصة غير المبنية. وكذلك بجواز بيعها ضمن شروط معينة إذا مضت مدة من (4-5) سنوات دون ترخيصها أو بنائها. يضاف إلى هذا ما جاء في القانون من استثناء العرصات التي تملكها الجهات العامة أو القطاع العام من أحكامه، بما يعني حصره ضمن دائرة العرصات التي يملكها القطاع الخاص. وعلى العموم فإن هذا القانون لم يؤد إلى خفض أسعار الأراضي المعدة للبناء.
والتباطؤ بتطبيق هذا القانون والمعدل بالقانون (82) لعام (2010) وترك المقاسم المعدة للبناء من دون بناء كنوع من الاستثمار طويل الأمد.
حلول سريعة نسبياً:
حل مشكلة السكن وتخفيض أسعار الأراضي والعقارات والمساكن الجاهزة، وتأمين السكن المناسب لذوي الدخل المحدود والحد من مناطق السكن العشوائي، ويمكن أن يتم ذلك من خلال بعض الخطوات الإجرائية السريعة مثل:
ضرورة تبسيط إجراءات القروض السكنية وإعفاء الجمعيات من الفوائد والغرامات المترتبة عليها وتأمين الأراضي اللازمة للجمعيات من أملاك الدولة العامة والخاصة سواءً عن طريق الوحدات الإدارية أو وزارة الزراعة وتمثيل الاتحاد التعاوني السكني في جميع اللجان الإقليمية لإعداد المخططات التنظيمية للوحدات الإدارية وإعادة النظر في أجور الدراسات الهندسية، مع التركيز مبدئياً على الأراضي المتاحة من أملاك الدولة المناسبة للبناء كمرحلة أولى في محافظات ويفضل أن تكون من الأراضي الواقعة وراء مناطق السكن العشوائي لإنشاء تجمعات عمرانية جديدة، ووضع مخططات هيكلية لهذه التجمعات المقترحة تضمن الاعتبارات التخطيطية والبيئية والاجتماعية ووضع الدراسات التنفيذية للبنى التحتية ووضع برنامج تمويل ودراسة اقتصادية وتقدير تكاليف المقاسم المعدة للبناء ودعوة شركات التطوير العقاري وشركات الإنشاءات الوطنية لتقديم عروض بناء المساكن.
بنوك للتمويل:
إنشاء صندوق للسكن الوطني مخصص لسكان العشوائيات بشكل رئيسي يتم تمويله من المصارف التابعة لوزارة المالية والبنوك الخاصة الراغبة بالمساهمة ببرنامج تمويل البنى التحتية والمقاسم ووضع برنامج تنظيمي لتوزيع المقاسم اللازمة للجمعيات وإنجاز عملية تبادل للأراضي في حال امتلاك بعض الجمعيات أراض خارج المنطقة المستهدفة والتي لا يمكن منحها الترخيص لإشادة الأبنية السكنية.
وإنجاز البنى التحتية المطلوبة من خلال التعاقد المباشر مع إحدى الشركات الإنشائية العامة الفعالة وربط التجمعات الجديدة مع تجمعات عمرانية قائمة حالياً ومجاورة لها يتم تدعيمها بالكوادر والإمكانيات اللازمة لتنتقل إدارة التجمع العمراني إليها تلقائياً بعد الانتهاء من تنفيذ البنى التحتية التي ستبقى على مسؤولية خزينة الدولة كالكهرباء والماء والهاتف والطرق.
وتقديم قروض للعائلات التي ستنتقل من العشوائيات إلى السكن البديل لمدة (25) سنة بضمان المنزل الجديد نفسه، بالإضافة إلى تحفيز شاغلي العشوائيات من خلال تسليم كل عائلة محل تجاري في أسفل المباني المكونة مثلاً من ثمانية طوابق تضم ثلاث شقق كل منها وإذا افترضنا أن كلفة المتر المربع للبناء الشعبي الاقتصادي (10) ألاف ليرة مع وجود ثلاثة نماذج من الشقق (90) متراً (120م/140م) فإذا كانت تكلفة الشقة (90) متراً (900) ألف ليرة يتم تقسيطها على (25) سنة يكون القسط الشهري (3) ألاف ليرة كون الحد الأدنى للأجور في سوريا (10) ألاف ليرة ليكون بذلك القسط (30 %) من دخل الأسرة التي يعمل فيها على الأقل شخص واحد وبالتالي يدفع (30 %) من دخله كإيجار افتراضي وهو مساو للمعدل العالمي لذلك.
منذ بدء حركة الاحتجاجات في سوريا بدأت تتشكل معها قناعة لدى القائمين على إدارة الدولة بضرورة الإسراع بإطلاق حركة إصلاح واسعة النطاق تشمل جميع القطاعات من أجل تحقيق المطالب المحقة للشعب السوري والانتقال بسوريا إلى بر الأمان والرد على الادعاءات التي تشكك بقدرة السلطة وتقول بأنه هل تستطيع أن تقدم أية إصلاحات حقيقية على أرض الواقع.
وبالعودة إلى عجلة الإصلاح التي بدأت بالدوران وإصدار حزمة من المراسيم والتشريعات والقوانين والقرارات الكفيلة بنقل سوريا إلى مصاف الدول الديمقراطية المتطورة نجد أنه:
بدأت تلك الإصلاحات بإلغاء العمل بقانون الطوارئ الذي طالما أرّق السوريين وجوده، وزيادة الرواتب من أجل تحسين معيشة المواطن، وتخفيض سعر المازوت الذي كان محل شكوى كل المواطنين، ومعالجة مشكلة الإحصاء الاستثنائي (1962) ومنح الجنسية للأكراد بالإضافة إلى إصدار العفو العام عن السجناء والمعتقلين، ومحاولة استيعاب الشباب العاطلين عن العمل في الجهات الحكومية في إطار المشروع الذي أطلقته الحكومة والهادف لتوفير فرص عمل للخريجين الشباب.
كل هذه القرارات والمراسيم دخلت حيز التنفيذ الفوري، وكان من المفترض أن تكون تأثيراتها مباشرة على حياة المواطن إلا أن الظروف الأمنية والأزمة التي تعيشها سوريا حالت دون شعور البعض من الناس بأثر تلك القرارات.
ولم يتوقف الإصلاح عند هذا الحد بل طال الحياة السياسية بقرارات ومراسيم شكلت نقاط تحول في مسيرة سوريا السياسية والتاريخية كقانوني الأحزاب والانتخابات بالإضافة إلى قانون الإعلام المرتقب. كما لم يغفل الإصلاح الجوانب الإدارية كإصلاح الإدارة العامة وتشكيل لجان لمكافحة الفساد وتطوير القضاء بالإضافة إلى قانون الإدارة المحلية الذي صدر قبل أيام، ولن تتوقف عجلة الإصلاحات إلى أن تصبح سوريا دولة عصرية ديمقراطية، ولن تظهر تأثيرات هذه القوانين إلا بعد فترة من العمل بها، ولن يقطف السوريون ثمارها الفاعلة إلا بعد نضوجها على الأرض وهي تحتاج إلى بعض الوقت.
هذه الحزمة من الإصلاحات قد تكون كافية لإيجاد حلول للمشكلات المطروحة غير أن هناك ثمة مشكلات لم يتم التطرق إليها على المستوى الوطني والاستراتيجي مثل الإسكان وبشكل يجعلها في سلم أولويات الحكومة فانصرفت عنها لصالح ما وجدته أكثر إلحاحاً من وجهة نظرها.
مشكلة السكن من الأولويات:
إذا ما تناولنا مشكلة السكن في سوريا التي نالت نصيبها من الإهمال والتدهور لعقود طويلة بسبب سياسات خاطئة سابقة، الأمر الذي أثر بشكل كبير على تفاقم أزمة السكن والتي تحولت مع الوقت إلى ظاهرة اجتماعية ملازمة لحياة الفرد السوري، وانعكس على مستواه المعيشي بعد ارتفاع بدل الإيجار فضلاً عن غلاء العقارات التي أصبح المواطن العادي يواجه صعوبة كبيرة في مواجهتها بسبب الأساليب غير المنظمة والعشوائية التي كانت إحدى السمات الأساسية للفترة السابقة. مما اضطر أصحاب الدخل المحدود إلى السكن بشكل مؤقت في تلك المناطق الأمر الذي ساهم في انتشار ظاهرة السكن العشوائي في المدن الكبرى، وخاصة بعد أن ارتفعت أسعار العقارات بنسبة (300 %) في مطلع العام (2003)، نجد أن أهم الأسباب التي أدَّت إلى وصول الأزمة إلى هذا المستوى هو غياب التخطيط التنموي وعدم أخذ التوسع العمراني والسكاني بعين الاعتبار، حيث أدى غياب التخطيط الإقليمي الشامل إلى ظهور حالات من عدم التوازن الاقتصادي والاجتماعي والعمراني، وولَّد مشكلات وأزمات مستعصية.
العشوائيات مشكلة المشكلات:
إن ما أدى إلى انتشار وتمدد السكن العشوائي أو ما يعرف بمناطق المخالفات هوعدة أسباب اجتماعية متمثلة بالتزايد السكاني، واقتصادية متمثلة بالهجرة الداخلية وتجارة المخالفات والتفاوت الكبير بين المدينة والريف ونقص الخدمات في الأرياف وقلة فرص العمل، إضافة إلى قصور المخططات التنظيمية عن استيعاب التوسع السكاني، والحاجة الدائمة إلى بناء المزيد من المساكن، وعدم توافر الأراضي الصالحة للبناء ضمن المخططات التنظيمية، وغياب التخطيط الإقليمي الشامل في سوريا، معظمها نقاط تتحمل مسؤوليتها الحكومات المتعاقبة.
مما جعل من السكن العشوائي واحداً من أهم المشكلات التي تواجه الحكومة السورية التي مضى عليها سنوات طويلة دون حل، هذا إضافة إلى إهمال التجمعات السكانية المخالفة حيث بلغ عددها الآن أكثر من (1.2) مليون مسكن عشوائي تحتاج إلى (1200) مليار ليرة لمعالجتها في حين رصدت الحكومة في خطتها الخمسية الحادية عشرة مبلغ عشرة مليارات وخمسمائة مليون ليرة سوريّة فقط لدعم تمويل خطط الارتقاء ومعالجة (20 %) من مناطق المخالفات خلال سنوات الخطة الخمسية الحالية.
أرقام وإحصاءات:
تشير التقارير والدراسات لوجود أكثر من (115) منطقة مخالفات في كل من محافظات دمشق - ريف دمشق - حلب - وحمص وأن محافظة دمشق وحدها تحتوي على (20) منطقة سكن عشوائي ويشكل القاطنون فيها نحو (30-40 %) من عدد السكان، وتعاني معظم هذه المناطق تدني نوعية الخدمات الأساسية، والبنى التحتية والشروط الصحية والبيئية السليمة، ويقدر عدد المحتاجين إلى سكن في سوريا بـ(1.5) مليون شخص على الأقل، في حين أن الزيادات السنوية في عدد المساكن لا تتجاوز (10 %) من الحاجة، في وقت يزداد تأمين المسكن في سوريا صعوبة مع ارتفاع أسعار العقارات بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
ويقدر الاحتياج الإسكاني في الخطة الخمسية الحادية عشرة بـ(880) ألف وحدة سكنية، كما تقدر مساحة الأراضي المعدة للبناء اللازمة لتنفيذ الاحتياج الإسكاني المستقبلي بـ(11420) هكتار.
وحسب الخطة الخمسية الحادية عشرة يتم تنفيذ الاحتياجات الإسكانية اللازمة من قبل القطاع العام بنسبة (10 %)، والقطاع التعاوني بنسبة (12 %)، والقطاع الخاص بنسبة (78 %).
وفي ظل هذه الأرقام كان لابد من حلول بالرغم من الجهود التي بذلتها الدولة ممثلة بالمؤسسة العامة للإسكان بإيجاد حلول عبر توفير السكن الشبابي بأسعار معقولة وبتمويل طويل الأجل. ولعل محاولة الحكومة في تقديم هذا الحل لم تفلح في الحيلولة دون تواصل ارتفاع أسعار العقارات لأن تدخل الدولة جاء من طرف العرض فقط أي عبر توفير المزيد من المساكن بأسعار تقارب التكلفة الاقتصادية، دون أن تقارب مستوى الطلب المتزايد.
هل الحل في الجمعيات؟
على ما يبدو كان أحد الحلول المطروحة على الساحة هو السماح للجمعيات السكنية التي تتبع للاتحاد التعاوني السكني بشراء عقارات من ميزانياتها وبناء ضواحٍ سكنية إضافة إلى مشاريع السكن الشبابي والادخار التي تتبع للمؤسسة العامة للإسكان، ولكن هل هذه الجهات قادرة على تغطية الطلب المتزايد على المسكن؟. بالطبع الجواب سيكون: لا، لطالما الجمعيات نفسها تعاني من مشكلات منذ زمن، ولم تتمكن من إيجاد حلول لها حتى الآن، إن حل قضية المسكن في سوريا من وجهة نظر الاتحاد العام للتعاون السكني، تتلخص في توفير الأراضي المناسبة للبناء وغير الصالحة للزراعة وكل ما يحتاجه الموضوع يتعلق بإعداد مخططات للأراضي التي من المفترض أن تنشأ المساكن عليها وتأمين القروض طويلة الأجل، وأن تسمح الدولة للجمعيات بشراء الأراضي من أصحابها على أن تكون قريبة من المخططات التنظيمية وتسريع عملية إدخالها ضمن المخططات التنظيمية، وإذا ما تم ذلك ستتمكن الجمعيات من بناء ضواحٍ.
إذا المشكلة هي أن هناك جمعيات تعاونية مضى عليها أكثر من (25) عاماً دون تسلمها الأراضي اللازمة، وهي عليها أن تباشر عملها وفق القانون الجديد خلال مدة أقصاها (3) سنوات، والسؤال هنا كيف ستباشر دون أن تتسلم الأرض من الدولة، وفي حال رغبت هذه الجمعيات بشراء الأراضي من القطاع الخاص عليها أن تبحث عنها داخل المخطط التنظيمي، والأراضي الواقعة داخل المخططات التنظيمية غالية الثمن، وبالتالي سيرتفع ثمن المسكن عن السعر المناسب لذوي الدخل المحدود.
استطاعت الجمعيات من خلال الاتحاد العام للتعاون السكني الذي يضم ثلاثة آلاف جمعية تأمين (190) ألف مسكن وما زال آلاف المنتسبين ينتظرون مباشرة جمعياتهم بالبناء، فيما تنتظر جمعيات أخرى تأمين الأراضي حيث يزداد تضخم الأقساط التي يتوجب عليها دفعها للمصرف العقاري ما أدى لحالات خلل في بنى الجمعيات وفساد كثيرة في مجالس إدارات الجمعيات وفقدان ثقة المواطنين بالتعاون السكني.
القوانين من أسباب تفاقم المشكلة:
وعلى الرغم من كثرة القوانين الناظمة لعملية السكن وكثرة تعديلاتها إلا أنها كانت تشكل أحد الأسباب الرئيسية في تفاقم مشكلة السكن خلال السنوات الماضية ولم تفلح التعديلات على هذه القوانين في زيادة العرض من المساكن والتخفيف من حدة الأزمة.
قانون منع الاتجار بالأراضي رقم (3) تاريخ 25/2/1976:
بموجب هذا القانون يمتنع على من يشتري أرضاً تقع ضمن حدود أي مخطط تنظيمي عام أو ضمن مناطق الاصطياف، بيعها، لا كلياً ولا جزئياً، إلا بعد بنائها، ويقع باطلاً بصورة مطلقة كل تصرف يجري خلافاً لهذا القانون.
وفي التطبيق العملي تبين أن هذا القانون لم يساهم في خفض أسعار الأراضي المعدة للبناء، بل على العكس من ذلك تماماً، حيث جمدت أوضاع الكثير من المساحات، وابتدأت محاولات التهرب من أحكام القانون بطرق مختلفة.
قانون إعمار العرصات رقم (14) تاريخ 23/3/1974 المعدل بالقانون رقم (59) تاريخ 15/7/1979:
بموجب هذا القانون يجوز للمرخص لهم بالبناء التعاقد على تمليك الأقسام التي ستبنى قبل المباشرة بإشادة البناء فعلاً أو قبل إنجازه، على أن يسلموا الأقسام المتعاقد عليها للمشترين جاهزة للسكن أو للاستعمال فيما أعدت له، ثم عدل النص بالاكتفاء بجاهزية نسبة معينة من البناء. وعلى أن يتم تسجيل كل ذلك في سجل مؤقت أحدث لهذه الغاية في كل وحدة إدارية.
وفرض القانون على العرصات التي لم يستحصل مالكوها تراخيص البناء رسم سنوي قدره (10 %) من قيمة العرصة. ويحق للجهة الإدارية أن تقرر بيع العرصات على حساب أصحابها إذا مرت أربع سنوات على الإعلان عن اتصالها بالمرافق العامة، ولم يستحصل مالكها على رخص بناء بشأنها. على أنه يحق للجهة الإدارية أن تقرر بيع العرصات حكماً إذا انقضت خمس سنوات دون الحصول على الترخيص ببنائها أو دون إتمام البناء.
هذا القانون وأن تضمن جانباً إيجابياً بإحداث السجل المؤقت، وجواز بيع أقسام من العقار قبل إشادته، لكنه تضمن جوانب سلبية بأن مشتري تلك الأقسام يتعذر عليه بيع حقوقه قبل إنجاز البناء أو نسبة منه. وبفرض رسم سنوي عال على العرصة غير المبنية. وكذلك بجواز بيعها ضمن شروط معينة إذا مضت مدة من (4-5) سنوات دون ترخيصها أو بنائها. يضاف إلى هذا ما جاء في القانون من استثناء العرصات التي تملكها الجهات العامة أو القطاع العام من أحكامه، بما يعني حصره ضمن دائرة العرصات التي يملكها القطاع الخاص. وعلى العموم فإن هذا القانون لم يؤد إلى خفض أسعار الأراضي المعدة للبناء.
والتباطؤ بتطبيق هذا القانون والمعدل بالقانون (82) لعام (2010) وترك المقاسم المعدة للبناء من دون بناء كنوع من الاستثمار طويل الأمد.
حلول سريعة نسبياً:
حل مشكلة السكن وتخفيض أسعار الأراضي والعقارات والمساكن الجاهزة، وتأمين السكن المناسب لذوي الدخل المحدود والحد من مناطق السكن العشوائي، ويمكن أن يتم ذلك من خلال بعض الخطوات الإجرائية السريعة مثل:
ضرورة تبسيط إجراءات القروض السكنية وإعفاء الجمعيات من الفوائد والغرامات المترتبة عليها وتأمين الأراضي اللازمة للجمعيات من أملاك الدولة العامة والخاصة سواءً عن طريق الوحدات الإدارية أو وزارة الزراعة وتمثيل الاتحاد التعاوني السكني في جميع اللجان الإقليمية لإعداد المخططات التنظيمية للوحدات الإدارية وإعادة النظر في أجور الدراسات الهندسية، مع التركيز مبدئياً على الأراضي المتاحة من أملاك الدولة المناسبة للبناء كمرحلة أولى في محافظات ويفضل أن تكون من الأراضي الواقعة وراء مناطق السكن العشوائي لإنشاء تجمعات عمرانية جديدة، ووضع مخططات هيكلية لهذه التجمعات المقترحة تضمن الاعتبارات التخطيطية والبيئية والاجتماعية ووضع الدراسات التنفيذية للبنى التحتية ووضع برنامج تمويل ودراسة اقتصادية وتقدير تكاليف المقاسم المعدة للبناء ودعوة شركات التطوير العقاري وشركات الإنشاءات الوطنية لتقديم عروض بناء المساكن.
بنوك للتمويل:
إنشاء صندوق للسكن الوطني مخصص لسكان العشوائيات بشكل رئيسي يتم تمويله من المصارف التابعة لوزارة المالية والبنوك الخاصة الراغبة بالمساهمة ببرنامج تمويل البنى التحتية والمقاسم ووضع برنامج تنظيمي لتوزيع المقاسم اللازمة للجمعيات وإنجاز عملية تبادل للأراضي في حال امتلاك بعض الجمعيات أراض خارج المنطقة المستهدفة والتي لا يمكن منحها الترخيص لإشادة الأبنية السكنية.
وإنجاز البنى التحتية المطلوبة من خلال التعاقد المباشر مع إحدى الشركات الإنشائية العامة الفعالة وربط التجمعات الجديدة مع تجمعات عمرانية قائمة حالياً ومجاورة لها يتم تدعيمها بالكوادر والإمكانيات اللازمة لتنتقل إدارة التجمع العمراني إليها تلقائياً بعد الانتهاء من تنفيذ البنى التحتية التي ستبقى على مسؤولية خزينة الدولة كالكهرباء والماء والهاتف والطرق.
وتقديم قروض للعائلات التي ستنتقل من العشوائيات إلى السكن البديل لمدة (25) سنة بضمان المنزل الجديد نفسه، بالإضافة إلى تحفيز شاغلي العشوائيات من خلال تسليم كل عائلة محل تجاري في أسفل المباني المكونة مثلاً من ثمانية طوابق تضم ثلاث شقق كل منها وإذا افترضنا أن كلفة المتر المربع للبناء الشعبي الاقتصادي (10) ألاف ليرة مع وجود ثلاثة نماذج من الشقق (90) متراً (120م/140م) فإذا كانت تكلفة الشقة (90) متراً (900) ألف ليرة يتم تقسيطها على (25) سنة يكون القسط الشهري (3) ألاف ليرة كون الحد الأدنى للأجور في سوريا (10) ألاف ليرة ليكون بذلك القسط (30 %) من دخل الأسرة التي يعمل فيها على الأقل شخص واحد وبالتالي يدفع (30 %) من دخله كإيجار افتراضي وهو مساو للمعدل العالمي لذلك.