Rihab
30-04-2011, 09:24 PM
إحجام مريب عن الظهور في مواجهة أزمة.. واستعداد لمطالبة الحكومة بالتعويض!!
يبدو الخذلان مصطلحاً بغيضاً، وتجلياته أكثر بغضاً عندما تفرض نفسها على الأرض، خصوصاً بالنسبة لشعوب ومؤسسات كشعبنا ومؤسساتنا، نحن المسكونون دوماً بثقافة النخوة و(الفزعة) ونفحات الغيرة والتآلف وغير ذلك من المعاني التي نحتفظ لها في ذاكرتنا بألف عنوان وعنوان.
وعادة ما تملي خصالنا المتوارثة، إسقاط اعتبارات المصلحة أمام معانٍ إنسانية، لأننا ذوو نزعات نصفها بالراقية، تعوِّم ما هو إنساني أخلاقي، على ما هو مادي، بل أكثر من ذلك يغدو الغرق والشغف بالاعتبار الأخير تهمة، تحاسب عليها أعرافنا الاجتماعية، ونؤكد أننا محكومون حتى في أدائنا الاقتصادي، بذات الأعراف والقوانين والأخلاقيات الاجتماعية، أي ما نقوله عن ثقافتنا الاجتماعية صالح للإسقاط على كامل مساحاتنا الاقتصادية، وهذه حقيقة هي ما خلّف لنا بعض الإشكالات على المستوى الاقتصادي، لجهة الحؤول دون تمكننا من مأسسة كامل اقتصادنا، وبقاء سمة العائلي الأهلي مستحكمة بنا، لكن غيرتنا ولهفتنا الاجتماعية التي عكسناها في مضمارنا الاقتصادي وأساءت إليه بشكلٍ أو بآخر، لم تنفعنا حيث أردنا لها أن تنفعنا، في مواقف نادرة، استثنائية لا تتكرر إلا قليلاً وفي حالات توصف بالطارئة.
ولمن لم يستنتج ما نرمي إليه بعد من حديثنا ومقدمتنا هذه، سنكون أكثر وضوحاً، ونقول: لشد ما كانت صدمتنا كمجتمع من مشاعر الخذلان التي تلفنا جميعاً هذه الأيام، بسبب ما أبداه أو الأصح ما لم يبده قطاع أعمالنا ومتمولونا من حراك لاحتواء ما نحن فيه حالياً، والموصوف بالأزمة التي تعصف ببلدنا جراء الأحداث التي جرت والاضطرابات التي عطّلت حراك البلد جزئياً وبنسب بدت غير قليلة في بعض القطاعات، ولا نطلب كما لم ننتظر، مبادرات سياسية من رجال الأعمال، ولا حمل السلاح واتخاذ موقف أمني عسكري، بل ما كنا ننتظره هو التحرك لحماية الاقتصاد، والسعي لتحييد المقدرات الاقتصادية ما أمكن عن طريق التجاذبات والمواقف وكذلك العنف الجاري في مواقع متفرقة من بلدنا، والذي تلقاه الآخر على أنه مدعاة لتجميد كل أشكال التواصل الاقتصادي والشراكة على مختلف خطوط ومسارات التعاون.
فعلى مستوى ما، وبمعنى ما لا يحمي الاقتصاد إلا أهله ومن يدافع عنه هم الأكثر تبصراً ودرايةً بأبعاد الأثر الذي سيتبقى جراء حالات الارتباك والتوتر الأمني، لأن الحالة الأمنية يمكن أن تعود إلى الاستقرار بمجرد زوال الخطر في الميدان، لكن التعافي الاقتصادي سيتأخر، والخسارة ستكون كبيرة.
هذا ما يعرفه رجال اقتصادنا جيداً، ونعرف وعلى يقين بأنهم يعرفون، لذا بدا مريباً صمتهم وانسحابهم من المشهد العام، وإحجامهم عن الظهور الإعلامي ربما على طريقة (فخار يكسر بعضه).
إحجام وانطواء
إن أجواء التوتر، وبؤر الارتباك الأمني وحتى السياسي، هي العدو التقليدي للتنمية، والعدو اللدود للاقتصاد، وفي هكذا حالات -عدو مواجهة- يفترض أن يُصار إلى حالة فرز للصفوف وصياغة خطة مواجهة ولو بشكل عفوي، يكون الصف الأول والخط الأمامي فيها، رجال الأعمال والمتمولين وأصحاب رأس المال، خصوصاً أن المواجهة هنا ليست من النوع العسكري، فلهذا النوع من الحروب رجالاته وأدواته، لكنها مواجهة في حرب موصوفة بالحرب الناعمة قوامها الإعلام ورأس المال، والدعاية والدعاية المضادة، المهم أن يجري تركيز الحراك باتجاه حماية الاقتصاد وعلى الأغلب، رجال الأعمال هم الأكثر قدرة على إيصال التطمينات المطلوبة إلى الخارج عبر قنواتهم التقليدية، فعندما يتحدث رجل أعمال عبر وسيلة إعلام محلية أو غير محلية، يبث التطمينات إلى من ينتظر سماع رأيه في الخارج، وسيكون مصدَّقاً أكثر من مجرد مذيع أخبار، أو ضيف سياسي اللكنه والمصطلحات، خصوصاً وأن لرجل الأعمال شركاء في الخارج وزبائن، ونظراء ينتظرون منه هو بالذات الخبر اليقين، لكن ذلك لم يحدث ولم نسمع عن رجل أعمال (تبرع) بالكلمة والموقف أو أية محاولة من أي نوع لحماية اقتصاده الذي يحتضن مصالحه، وهنا أقل المطلوب أن يهب للدفاع عن ممتلكاته الشخصية وأمواله وأعماله، لكن ذلك لم يحصل ما أجج حالة الشعور بالريبة لدى المتابعين والمراقبين لصمت رجال أعمالنا ونأيهم عن الواجهة لجوئهم إلى مخابئٍ تحتاج إلى (فيالق مباحث لإيجادها والاهتداء إليها..!!؟).
أعذار أقبح من ذنوب
وإن كنا موضوعيين قد يكون علينا التماس الأعذار لرجال أعمالنا، بعيداً عن الاتهامات فعلى أغلب الظن هم غير معتادين على التعاطي مع هكذا حالات طارئة (فغرقوا بشبر ماء) كما أن رجال أعمالنا ليسوا فلاسفة اقتصاد ولا عميقي التفكير، كي يعكسوا عمقهم وبعد أفقهم على شكل رؤية نافذة تبصرهم بالخسائر التي تحيق بهم إن لم يتحركوا للدفاع عن اقتصادهم وعزله عن الحالة الأمنية الطارئة. كما أن خيالات بعضهم التي أطلق العنان لها، أخذتهم أو على الأقل أخذت بعضهم بعيداً في التفكير واعتقد أن البلد منهارة لا محالة، بالتالي لا مجال للاستدراك، ولا جدوى من المحاولة، أي خيم اليأس على بعضهم وبصراحة أكثر، لقد حزم بعض رجال أعمالنا أمتعتة وشد الرحال خارج البلاد لاعتبارات سوداء جالت في خيالاته وذهنه، الذي سحبت الأحداث ما بقي من حكمة فيه!!.
جهل أو تجاهل
بعد أن تهدأ العاصفة ونرجو ألا تتأخر، وغالباً لن تتأخر لتسكن وتهدأ وتعود الأمور إلى نصابها الطبيعي، بعد أن تهدأ سيلمس رجال أعمالنا على رؤوسهم، وسيستشعرون ما حل باقتصادهم، وسيكتشفون أن عودة الأمن والاستقرار الأمني، لا تعني عودة الانتعاش إلى الاقتصاد، لأن ما خرَّبته الاضطرابات، على الصعيد المادي المحسوس (الأصول الثابتة) وعلى الصعيد المعنوي (السمعة والائتمان) لا يقبل الترميم بسرعة، ولا يسمح بإسقاط شرط الزمن من الاعتبارات، وهذا يعني خسائر كبيرة تتراجع وتنحسر مستوياتها... نعم.. لكن بشكل شديد البطء، لأن الاقتصاد يقوم على الثقة والثقة تقوم على الاستقرار، وعندما تنحسر مساحات الثقة بانحسار حالة الاستقرار، لن تعود الثقة والوثوقية بعودة الاستقرار.. فالمسألة تحتاج إلى زمن.. هي حقائق ومسلمات لا داعي للخوض فيها.. لكن السؤال لماذا لم يدرك رجال أعمالنا هكذا حقائق، أو لم تجاهلوها؟؟.
لم يكن مطلوباً من رجال الأعمال لدينا، لا إن كانوا في مواقع قيادية في وسطهم ولا إن كانوا صناعيين أو تجار أن يعلنوا حمل السلاح أو تأييد جهة ضد جهة أخرى.
بل كان مطلوباً من رجال الأعمال في قطاع السياحة مثلاً أن يواظبوا على الظهور في وسائل الإعلام، وعبر وسائل الاتصال الأخرى، للبقاء على تواصل مع الخارج، لتطمين المجموعات السياحية أن ما يجري في البلاد هو ليس إلا حالة عابرة، ولو اضطروا لشراء ساعات بث تلفزيوني محلي أو خارجي، للحديث عن سورية والسياحة والاستقرار وتأكيد آنية ما يجري، ليضمنوا بقاء التدفقات السياحية، أو على الأقل ليضمنوا أن يكون تأجيل قدوم المجموعات هو البديل لإلغاء الحجوزات وإلغاء السفر، وتغيير الوجهة إلى بلدان أخرى، لكن هذا لم يحصل وهاهي سياحتنا تتأذى وتصاب بجمود خلال ما تبقى من هذا العام وحتى ربما للعام القادم فيما يخص السائح الأوروبي الذي نصحته سفاراته ليس بمجرد بتأجيل القدوم إلى سورية، بل بمغادرتها وهذا أخطر ما كان في الموضوع!!.
وعلى مستوى التجارة كان يفترض برئيس اتحاد غرف التجارة أن يتواصل مع الإعلام لتطمين الشارع وبالتالي حماية مصالح التجار، وتوجيه المتاجر بعدم الاستجابة لدعوات الإغلاق والإضراب، لكنه لم يفعل واعتكف رافضاً التعاطي مع وسائل الإعلام.
كما كان المفترض منه أن يطمئن الأسواق الخارجية التي هي مقصد بضائعنا كي لا يؤجلوا عقودهم مع شركاتنا، وكي لا يغيروا وجهتهم في رحلة بحثهم عن مصادر لتأمين احتياجاتهم السلعية لكننا لم نسمع عن مبادرة من هذا القبيل؟!.
استثمار الأزمة
أغرب ما في مجمل الموضوع أن بعض رجال أعمالنا وبالتحديد في المضمار التجاري بادروا الآن بمجرد ظهور ملامح هدوء واستقرار أمني، بادروا إلى الاستباق وقطع الطريق على زوبعة لوم وعتب ستجري بحقهم، وكانوا شديدي الجرأة –نكرر- شديدي الجرأة جداً، لدرجة أنهم يستعدون لإعداد مذكرة وقذفها باتجاه رئاسة مجلس الوزراء، يطلبون فيها من الحكومة ضخ السيولة لتحريك الأسواق وإنعاشها، لأنها بدت راكدة على خلفية الأحداث!!.
تجارنا بارعون في المطالب، بارعون في إدراك ما يجب على الآخر فعله، لكنهم جاهلون فيما عليهم هم فعله، يتجاهلون ما كان عليهم فعله، ويتنكرون لاقتصاد وسوق كان مصدر ثروتهم.
وها هم يطالبون الحكومة أو يستعدون لمطالبتها بإجراء ترميمات لصدع كان يجب ألا يسمحوا هم بحدوثه، وكان بمقدورهم درئه فيما لو تحركوا لكنهم أحجموا وصمتوا وكان صمتهم مريباً.
تجارنا يتحضرون لرحلة ابتزاز جديدة للحكومة، واستثمار للحدث، فهم سيطالبون الحكومة بضخ السيولة في السوق، وسيطالبونها بتقديم إعفاءات وتسهيلات لتعويض ما خسروه بسبب الاضطرابات، وسيحجمون عن تسديد التزاماتهم الضريبية وسيزعمون أنهم خاسرون، وسيكونون أكثر جرأة في تزوير الدفاتر والحسابات بذريعة الأزمة، وها هم قد بدؤوا الإعداد لرحلة (نق) بدأت ويعلم الله متى ستنتهي.
أكثر من ذلك -وهذا مؤشر خطير على الطريقة التي يفكر بها تجارنا- لقد أحجم تجارنا عن تسديد التزاماتهم المالية بين بعضهم البعض، وأجلوا الفواتير، والحجة.. لا توجد سيولة حالياً، كما طلبوا تجميد عقود التعامل والاستجرار من السوق المحلية، أي أثروا على الصناعة وبالتالي على كامل منظومة الاقتصاد المحلي.
لا توجد سيولة.. لا توجد سيولة، هي الأسطوانة المسيطرة حالياً في وسطنا التجاري والخوف أشد الخوف أن يكون فعلاً لا يوجد سيولة.. ليس بسبب الانكماش بل لأسباب أخرى، نرجو ألا يكون في مقدمتها (تهريب) المال وإخراجه خارج البلاد.. وإلا أين سيولتهم؟، بما أن الاضطرابات من شأنها تجميد دورات رأس المال، وليس التهام الأموال من جيوب أصحابها.. نرجو أن تكون الأحاديث التي تتهم بعض تجارنا بإخراج أموالهم خارج البلاد.. هي شائعات وليس إلا..
شام لايف
يبدو الخذلان مصطلحاً بغيضاً، وتجلياته أكثر بغضاً عندما تفرض نفسها على الأرض، خصوصاً بالنسبة لشعوب ومؤسسات كشعبنا ومؤسساتنا، نحن المسكونون دوماً بثقافة النخوة و(الفزعة) ونفحات الغيرة والتآلف وغير ذلك من المعاني التي نحتفظ لها في ذاكرتنا بألف عنوان وعنوان.
وعادة ما تملي خصالنا المتوارثة، إسقاط اعتبارات المصلحة أمام معانٍ إنسانية، لأننا ذوو نزعات نصفها بالراقية، تعوِّم ما هو إنساني أخلاقي، على ما هو مادي، بل أكثر من ذلك يغدو الغرق والشغف بالاعتبار الأخير تهمة، تحاسب عليها أعرافنا الاجتماعية، ونؤكد أننا محكومون حتى في أدائنا الاقتصادي، بذات الأعراف والقوانين والأخلاقيات الاجتماعية، أي ما نقوله عن ثقافتنا الاجتماعية صالح للإسقاط على كامل مساحاتنا الاقتصادية، وهذه حقيقة هي ما خلّف لنا بعض الإشكالات على المستوى الاقتصادي، لجهة الحؤول دون تمكننا من مأسسة كامل اقتصادنا، وبقاء سمة العائلي الأهلي مستحكمة بنا، لكن غيرتنا ولهفتنا الاجتماعية التي عكسناها في مضمارنا الاقتصادي وأساءت إليه بشكلٍ أو بآخر، لم تنفعنا حيث أردنا لها أن تنفعنا، في مواقف نادرة، استثنائية لا تتكرر إلا قليلاً وفي حالات توصف بالطارئة.
ولمن لم يستنتج ما نرمي إليه بعد من حديثنا ومقدمتنا هذه، سنكون أكثر وضوحاً، ونقول: لشد ما كانت صدمتنا كمجتمع من مشاعر الخذلان التي تلفنا جميعاً هذه الأيام، بسبب ما أبداه أو الأصح ما لم يبده قطاع أعمالنا ومتمولونا من حراك لاحتواء ما نحن فيه حالياً، والموصوف بالأزمة التي تعصف ببلدنا جراء الأحداث التي جرت والاضطرابات التي عطّلت حراك البلد جزئياً وبنسب بدت غير قليلة في بعض القطاعات، ولا نطلب كما لم ننتظر، مبادرات سياسية من رجال الأعمال، ولا حمل السلاح واتخاذ موقف أمني عسكري، بل ما كنا ننتظره هو التحرك لحماية الاقتصاد، والسعي لتحييد المقدرات الاقتصادية ما أمكن عن طريق التجاذبات والمواقف وكذلك العنف الجاري في مواقع متفرقة من بلدنا، والذي تلقاه الآخر على أنه مدعاة لتجميد كل أشكال التواصل الاقتصادي والشراكة على مختلف خطوط ومسارات التعاون.
فعلى مستوى ما، وبمعنى ما لا يحمي الاقتصاد إلا أهله ومن يدافع عنه هم الأكثر تبصراً ودرايةً بأبعاد الأثر الذي سيتبقى جراء حالات الارتباك والتوتر الأمني، لأن الحالة الأمنية يمكن أن تعود إلى الاستقرار بمجرد زوال الخطر في الميدان، لكن التعافي الاقتصادي سيتأخر، والخسارة ستكون كبيرة.
هذا ما يعرفه رجال اقتصادنا جيداً، ونعرف وعلى يقين بأنهم يعرفون، لذا بدا مريباً صمتهم وانسحابهم من المشهد العام، وإحجامهم عن الظهور الإعلامي ربما على طريقة (فخار يكسر بعضه).
إحجام وانطواء
إن أجواء التوتر، وبؤر الارتباك الأمني وحتى السياسي، هي العدو التقليدي للتنمية، والعدو اللدود للاقتصاد، وفي هكذا حالات -عدو مواجهة- يفترض أن يُصار إلى حالة فرز للصفوف وصياغة خطة مواجهة ولو بشكل عفوي، يكون الصف الأول والخط الأمامي فيها، رجال الأعمال والمتمولين وأصحاب رأس المال، خصوصاً أن المواجهة هنا ليست من النوع العسكري، فلهذا النوع من الحروب رجالاته وأدواته، لكنها مواجهة في حرب موصوفة بالحرب الناعمة قوامها الإعلام ورأس المال، والدعاية والدعاية المضادة، المهم أن يجري تركيز الحراك باتجاه حماية الاقتصاد وعلى الأغلب، رجال الأعمال هم الأكثر قدرة على إيصال التطمينات المطلوبة إلى الخارج عبر قنواتهم التقليدية، فعندما يتحدث رجل أعمال عبر وسيلة إعلام محلية أو غير محلية، يبث التطمينات إلى من ينتظر سماع رأيه في الخارج، وسيكون مصدَّقاً أكثر من مجرد مذيع أخبار، أو ضيف سياسي اللكنه والمصطلحات، خصوصاً وأن لرجل الأعمال شركاء في الخارج وزبائن، ونظراء ينتظرون منه هو بالذات الخبر اليقين، لكن ذلك لم يحدث ولم نسمع عن رجل أعمال (تبرع) بالكلمة والموقف أو أية محاولة من أي نوع لحماية اقتصاده الذي يحتضن مصالحه، وهنا أقل المطلوب أن يهب للدفاع عن ممتلكاته الشخصية وأمواله وأعماله، لكن ذلك لم يحصل ما أجج حالة الشعور بالريبة لدى المتابعين والمراقبين لصمت رجال أعمالنا ونأيهم عن الواجهة لجوئهم إلى مخابئٍ تحتاج إلى (فيالق مباحث لإيجادها والاهتداء إليها..!!؟).
أعذار أقبح من ذنوب
وإن كنا موضوعيين قد يكون علينا التماس الأعذار لرجال أعمالنا، بعيداً عن الاتهامات فعلى أغلب الظن هم غير معتادين على التعاطي مع هكذا حالات طارئة (فغرقوا بشبر ماء) كما أن رجال أعمالنا ليسوا فلاسفة اقتصاد ولا عميقي التفكير، كي يعكسوا عمقهم وبعد أفقهم على شكل رؤية نافذة تبصرهم بالخسائر التي تحيق بهم إن لم يتحركوا للدفاع عن اقتصادهم وعزله عن الحالة الأمنية الطارئة. كما أن خيالات بعضهم التي أطلق العنان لها، أخذتهم أو على الأقل أخذت بعضهم بعيداً في التفكير واعتقد أن البلد منهارة لا محالة، بالتالي لا مجال للاستدراك، ولا جدوى من المحاولة، أي خيم اليأس على بعضهم وبصراحة أكثر، لقد حزم بعض رجال أعمالنا أمتعتة وشد الرحال خارج البلاد لاعتبارات سوداء جالت في خيالاته وذهنه، الذي سحبت الأحداث ما بقي من حكمة فيه!!.
جهل أو تجاهل
بعد أن تهدأ العاصفة ونرجو ألا تتأخر، وغالباً لن تتأخر لتسكن وتهدأ وتعود الأمور إلى نصابها الطبيعي، بعد أن تهدأ سيلمس رجال أعمالنا على رؤوسهم، وسيستشعرون ما حل باقتصادهم، وسيكتشفون أن عودة الأمن والاستقرار الأمني، لا تعني عودة الانتعاش إلى الاقتصاد، لأن ما خرَّبته الاضطرابات، على الصعيد المادي المحسوس (الأصول الثابتة) وعلى الصعيد المعنوي (السمعة والائتمان) لا يقبل الترميم بسرعة، ولا يسمح بإسقاط شرط الزمن من الاعتبارات، وهذا يعني خسائر كبيرة تتراجع وتنحسر مستوياتها... نعم.. لكن بشكل شديد البطء، لأن الاقتصاد يقوم على الثقة والثقة تقوم على الاستقرار، وعندما تنحسر مساحات الثقة بانحسار حالة الاستقرار، لن تعود الثقة والوثوقية بعودة الاستقرار.. فالمسألة تحتاج إلى زمن.. هي حقائق ومسلمات لا داعي للخوض فيها.. لكن السؤال لماذا لم يدرك رجال أعمالنا هكذا حقائق، أو لم تجاهلوها؟؟.
لم يكن مطلوباً من رجال الأعمال لدينا، لا إن كانوا في مواقع قيادية في وسطهم ولا إن كانوا صناعيين أو تجار أن يعلنوا حمل السلاح أو تأييد جهة ضد جهة أخرى.
بل كان مطلوباً من رجال الأعمال في قطاع السياحة مثلاً أن يواظبوا على الظهور في وسائل الإعلام، وعبر وسائل الاتصال الأخرى، للبقاء على تواصل مع الخارج، لتطمين المجموعات السياحية أن ما يجري في البلاد هو ليس إلا حالة عابرة، ولو اضطروا لشراء ساعات بث تلفزيوني محلي أو خارجي، للحديث عن سورية والسياحة والاستقرار وتأكيد آنية ما يجري، ليضمنوا بقاء التدفقات السياحية، أو على الأقل ليضمنوا أن يكون تأجيل قدوم المجموعات هو البديل لإلغاء الحجوزات وإلغاء السفر، وتغيير الوجهة إلى بلدان أخرى، لكن هذا لم يحصل وهاهي سياحتنا تتأذى وتصاب بجمود خلال ما تبقى من هذا العام وحتى ربما للعام القادم فيما يخص السائح الأوروبي الذي نصحته سفاراته ليس بمجرد بتأجيل القدوم إلى سورية، بل بمغادرتها وهذا أخطر ما كان في الموضوع!!.
وعلى مستوى التجارة كان يفترض برئيس اتحاد غرف التجارة أن يتواصل مع الإعلام لتطمين الشارع وبالتالي حماية مصالح التجار، وتوجيه المتاجر بعدم الاستجابة لدعوات الإغلاق والإضراب، لكنه لم يفعل واعتكف رافضاً التعاطي مع وسائل الإعلام.
كما كان المفترض منه أن يطمئن الأسواق الخارجية التي هي مقصد بضائعنا كي لا يؤجلوا عقودهم مع شركاتنا، وكي لا يغيروا وجهتهم في رحلة بحثهم عن مصادر لتأمين احتياجاتهم السلعية لكننا لم نسمع عن مبادرة من هذا القبيل؟!.
استثمار الأزمة
أغرب ما في مجمل الموضوع أن بعض رجال أعمالنا وبالتحديد في المضمار التجاري بادروا الآن بمجرد ظهور ملامح هدوء واستقرار أمني، بادروا إلى الاستباق وقطع الطريق على زوبعة لوم وعتب ستجري بحقهم، وكانوا شديدي الجرأة –نكرر- شديدي الجرأة جداً، لدرجة أنهم يستعدون لإعداد مذكرة وقذفها باتجاه رئاسة مجلس الوزراء، يطلبون فيها من الحكومة ضخ السيولة لتحريك الأسواق وإنعاشها، لأنها بدت راكدة على خلفية الأحداث!!.
تجارنا بارعون في المطالب، بارعون في إدراك ما يجب على الآخر فعله، لكنهم جاهلون فيما عليهم هم فعله، يتجاهلون ما كان عليهم فعله، ويتنكرون لاقتصاد وسوق كان مصدر ثروتهم.
وها هم يطالبون الحكومة أو يستعدون لمطالبتها بإجراء ترميمات لصدع كان يجب ألا يسمحوا هم بحدوثه، وكان بمقدورهم درئه فيما لو تحركوا لكنهم أحجموا وصمتوا وكان صمتهم مريباً.
تجارنا يتحضرون لرحلة ابتزاز جديدة للحكومة، واستثمار للحدث، فهم سيطالبون الحكومة بضخ السيولة في السوق، وسيطالبونها بتقديم إعفاءات وتسهيلات لتعويض ما خسروه بسبب الاضطرابات، وسيحجمون عن تسديد التزاماتهم الضريبية وسيزعمون أنهم خاسرون، وسيكونون أكثر جرأة في تزوير الدفاتر والحسابات بذريعة الأزمة، وها هم قد بدؤوا الإعداد لرحلة (نق) بدأت ويعلم الله متى ستنتهي.
أكثر من ذلك -وهذا مؤشر خطير على الطريقة التي يفكر بها تجارنا- لقد أحجم تجارنا عن تسديد التزاماتهم المالية بين بعضهم البعض، وأجلوا الفواتير، والحجة.. لا توجد سيولة حالياً، كما طلبوا تجميد عقود التعامل والاستجرار من السوق المحلية، أي أثروا على الصناعة وبالتالي على كامل منظومة الاقتصاد المحلي.
لا توجد سيولة.. لا توجد سيولة، هي الأسطوانة المسيطرة حالياً في وسطنا التجاري والخوف أشد الخوف أن يكون فعلاً لا يوجد سيولة.. ليس بسبب الانكماش بل لأسباب أخرى، نرجو ألا يكون في مقدمتها (تهريب) المال وإخراجه خارج البلاد.. وإلا أين سيولتهم؟، بما أن الاضطرابات من شأنها تجميد دورات رأس المال، وليس التهام الأموال من جيوب أصحابها.. نرجو أن تكون الأحاديث التي تتهم بعض تجارنا بإخراج أموالهم خارج البلاد.. هي شائعات وليس إلا..
شام لايف