غسان
13-02-2011, 11:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين.
أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، نسألك علم الخائفين منك، وخوف العالمين بك.
وبعد:
فعنوان الدروس ( نظرات في آيات)
الآية رقم 58 من سورة التوبة :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]
هذه الآية تتحدث عن الزكاة، ورب العالمين فصّل في مصارف الزكاة ما لم يفصّله في شيء آخر، لمن ندفع الزكاة؟ موجود في هذه الآية ثمانية أصناف سماهم الله بأسمائهم، ذلك لأن الناس إذا اطمأنوا إلى المكان الذي تذهب إليه أموالهم فإنهم سيدفعون هذه الأموال طيبة بها نفوسهم بل يدفعون أكثر، لكنهم إذا شكوا في الأماكن التي تذهب إليها أموالهم ستجدهم يتهربون بأي طريقة من الطرق، لأجل هذا فصّل الله في مصارف الزكاة أكثر مما فصل عن غيره من الآيات ومن الأحاديث.
وصرف الزكاة أهم بكثير من أخذ الزكاة ، إلى أين تدفع؟
الآن الله عز وجل قال :
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ } هذه {إِنَّمَا} تفيد الحصر، فالزكاة لا تدفع إلا هذه الأصناف التي أذكرها لكم ولا يجوز دفع الزكاة إلا لهؤلاء الثمانية الذين سيرد حديثهم في الآية.
ثم قال الله تعالى:
{الصَّدَقَاتُ} سمى الله الزكاة صدقة ، لأنه دليل على صدق دافعها في إيمانه، الصلاة حسنة ولكن الحقيقة أنه سهل، والصوم حسنة ومع صعوبته ولكن يستطيع أن يصوم، ولكن حقيقة الزكاة صعب جداً منذ زمان يقولون ( المال أخُ الروح) يقال : خذ روحه ولا تأخذ ماله، صعب جداً أن أعمل طوال السنة بمائة أو مائتين ثم يجب أن أدفع اثنان ونصف 2.5 وأعطيها للفقراء والمساكين و.. الذين سيرد أسمائهم .
لذلك قالوا : بأن الزكاة دليل على صدق المؤمن.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أبايعك على شعائر الإسلام، إلا على أمرين : الزكاة والجهاد، أما الزكاة فإني رجل بخيل.
أبايعك على جميع شعائر الدين إلا الزكاة .
وإلا الجهاد فإني رجل جبان.
ماذا تريد غير هذا أنا مستعد أصوم وأصلي ، ولكن الزكاة والجهاد .
قال : فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ، وقال له : (( يا بشير)) اسمه بشير ((يا بشير لا جهاد ولا صدقة فبمَ إذن تدخل الجنة ؟)). [أحمد والحاكم]
فسميت الزكاة صدقة لأنها دليل على صدق فاعلها أو مؤديها، لذلك لو كان أحدنا رأى من نفسه شحاً أو قبضاً أو بخلاً عن دفع الزكاة أو محاولة للتهرب ، أن يقول هل أستطيع أن لا أدفع سنة أو أؤجلها؟ رأيت في نفسك توقان إلى الهروب من الزكاة، هذا إشارة إلى أن الإيمان عندك درجة حرارته منخفضة جداً، تحتاج إلى معالجة حتى يعود إيمانك إلى صدقه.
لذلك سماها الله تعالى الصدقة. وهذه النظرة الثانية.
والنظرة الثالثة : في تفصيل لمن ندفع زكاة أموالنا.
أولاً: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الفقير هو الذي لا يملك شيئاً، أو يملك أقل من نصف حاجته، يحتاج إلى عشرة آلاف كل شهر يأتيه خمسة أو أربعة أو ثلاثة ، هذا اسمه فقير، سمي فقيراً نسبة لفقار الظهر، لأن فقره أقعده أرضاً.
ألا تسمعون : أن فلان صارت له مشكلة قصمت ظهره كسرت ظهره هي لا تكون قد كسرت ظهره ولكن مشكلة كبيرة أقعدته أرضاً، وهذا الفقير لشدة حاجه إلى المال كأن فقار ظهره قد كُسر.
ثانياً: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}
المسكين: هو من يملك أكثر من نصف حاجته، لكن لا تُسد حاجته، يحتاج عشرة ويأتيه ثمانية أو سبعة أو تسعة، هذا مسكين، سمّي مسكيناً لسكونه، ما تراه إلا جالساً ساكناً يحسب هل سيكفيه .
ثالثاً: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}
العاملين عليها: هم موظفوا الجمعيات الخيرية الذين تفرض لهم الجمعيات مرتبات تساوي مرتبات أقرانهم في وظائف الدولة أو في الوظائف العامة أو الخاصة، يجوز أن تأتي للجمعية الخيرية في السنة عشرة مليون أو عشرين مليون عندها معاشات للموظفين ستمائة ألف، قد يسأل سائل : هل يجوز أن يعطوا ستمائة ألف من أموال الزكاة معاشات لموظفيهم ، نقول: نعم. لأن الله عز وجل قال : {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} لأن نظام الزكاة ليس أمراً بأن يعطي أحدهم مائة ألف وانتهى الأمر ، لا ، الزكاة في فتن نقدية كبيرة، قلت لكم مرة : هناك رجل كويتي حسبت له زكاة ماله، كانت زكاة ماله سبع وثلاثون مليار ليرة سورة ، زكاة فقط، هذا لو أردت أوزعه على الناس أريد حوالي مائتين شخص حتى يوزعوها على الناس. طيب هؤلاء المائتين يجب أن يتفرغوا عندهم دوام من الثامنة صباحاً حتى الرابعة عصراً عندهم تفرغ يحتاج إلى معاش، هل يجوز أن نأخذ من هذه المليارات ونعطيه معاشاً، الجواب نعم، إدارة الجمعية هي التي تعطيه معاشاً يساوي معاش أقرانه في المجتمع.
ولا يدخل تحته أن يعطي مثلاً أحدهم لجاره بما أنه ذاهب إلى الجمعية أن يعطيه خمسين ألفاً من زكاة ماله حتى يوصلها عنه إلى الجمعية ، وهو في الطريق قال في نفسه: أنا من العاملين عليها، سآخذ عشر بالمائة من الخمسين ألف، هذا إذا أخذهم فإنما أخذ ناراً وأكل مالاً حراماً.
العاملين عليها يجب أن يكون موظفاً في الجمعية الخيرية ، أو أن يكون موظفاً في وزارة الزكاة ، في بعض البلاد هناك وزارة للزكاة، والآن في العالم الإسلامي يرتب لاجتماع صندوق عالمي، الآن تجتمع الدول الإسلامية والعربية من جملتها سينشؤوا صندوق زكاة عالمي ، هذا سيكون فيه الكثير من الموظفين، فيُصرف لهم من الزكاة؟ الجواب : نعم.
رابعاً:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}
المؤلفة قلوبهم: أناس غير مسلمين ، نحن نطمع في إسلامهم ولعلنا نقدم لهم شيئاً من المال، رجل على غير الإسلام، وهو في ديانته معطى كل شيء، عنده بيت وسيارة ومزرعة و... وإذا أسلم سيأخذون منه كل هذه الأمور، فهل يجوز إذا أسلم أن نشتري له بيت وسيارة من مال الزكاة ؟ الجواب نعم.
لكن من هم هؤلاء المؤلفة قلوبهم؟
نحن بحاجة إلى علماء الأمة وأمراء الأمة هم الذين يقرروا من هم ، أن يكون هناك أشخاص له وزنه، هناك أحياناً شخص إذا أسلم له وزن إذا أسلم سيسلم معه عشرة آلاف شخص.
خامساً:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ} في عتق الرقاب
سادسا: {وَالْغَارِمِينَ}
الغارم: هو المديون، كل من اقترض ديناً في أمر مباحٍ وكان محتاجاً لهذا الدين، وهو يحاول سداده فلا يستطيع، هذا يجوز أن نعطيه من زكاة مالنا.
يعني مثلاً: شاب عندما تزوج اشترى بيتاً احتاج إلى أن يستدين أربعمائة ألف ليرة سورية، وهو يعمل ولا يتكاسل ويجمّع حتى جمّع عنده ستمائة ألف ولكن البيت سعره مليون ليرة، وهو الآن يجتهد ويعمل ويجمع حتى يسدّ دينه هذا، ولكن الأمر صعبٌ عليه.
فيجوز له أن أقضي له دينه الأربعمائة ألف من أموال الزكاة.
طيب إذا كان هذا أجيرٌ عندي هل يجوز أن أعطيه؟ نعم يجوز، بل الأحسن والأفضل، لأن الأقربون أولى بالمعروف ، هذا أقرب إليك، الأقربون ليس فقط عائلتك، الذي يعمل معك ويدوام عندك كل يوم ثمان ساعات هذا أقرب إليك من فقير أو مسكين يراجع الجمعية الخيرية، جارك من الأقربون لأنه قريب عليك.
لو أعطيت أجيري وسددت له دينه ، هذا لا يعني أن أخصمه من معاشه، هذا من مال الزكاة فهو هدية له.
هل من الضروري أن أخبره بأن هذا مال زكاة؟ لا ، ممكن أن تقول له هذه هدية.
سابعاً: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}
في سبيل الله: يعني المجاهدون في سبيل الله، المجاهدون في سبيل الله في غزة في فلسطين يجوز أن نرسل لهم من أموال الزكاة.
ثامناً:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ}
ابن السبيل: رجل انقطع عندنا في بلدنا وكان من بلد آخر، ولا يمكن إيصاله إلا بدفع شيء من المال ، فإذا أعطيته من مال الزكاة ، يجوز أن تعطيه، أحياناً طالب علم في هذا البلد يريد أن يرجع إلى بلده لا يستطيع، ليس معه شيء، كرت الطيارة سعره خمس وعشرون ألف ليرة سورية وليس معه فهل يجوز أن أعطيه كرت الطائرة من مال الزكاة ؟ الجواب : نعم.
هذه النظرة الثالثة أن الله عز وجل حدد مصارف الزكاة .
وقد ختم الله الآية بـ: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} يعني هذه الزكاة ليست طواعية ، بل فريضة من الله عزوجل ، الآن كلنا صلينا العصر، هل يوجد أحد بينكم يتوقع أن يأتي الآن شيخ أو رجل صالح أو رجل يقف على باب الجامع ويقول لكل واحد منا يخرج من الجامع: جزاك الله خيراً ، شكراً لك، أنت رائع لأنك صليت في المسجد؟ هل يتوقع أحدٌ هذا؟ لا أحد يتوقع هذا لأن هذه فريضة من الله، والزكاة أيضاً هكذا فريضة من الله، لا يجب أن تنتظر أن يقول أحدهم الله يوفقك وجزاك الله خيراً إن دفعت الزكاة، لا ، هذه فريضة من الله، الآن كلنا صائمون، لا أحد يتصل بنا ويشكرنا لأننا صمت، لا أحد يبعث لي رسالة على الجواب : ( شكراً جزيلاً على صيامك) لأن هذه فريضة، والزكاة نفس الشيء ، فريضة من الله.
ختم الله الآية فقال: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} الحكيم : الذي يضع الأمور في مواضعها، فالله عز وجل عندما خصص مصارف الزكاة بهذه المصارف الثمانية فرب العالمين حكيم.
سأختم هذا الدرس بـ: لمن لا تُدفع لهم الزكاة :
الثمانية الماضية يجب أن تدفع لهم الزكاة.
وهناك خمسة لا يصح أن تدفع لهم الزكاة:
أولهم: الكافر
ثانيهم: لمن تجب عليك نفقته، كل من وجبت عليك نفقته لا يجوز لك أن تدفع له الزكاة، ابنك الذي في بيتك تجيب عليك نفقته، لو أعطيته الزكاة كأنك أعطيت الزكاة لنفسك، خففت على نفسك، فكل من وجبت عليك نفقته لا تجوز أن تدفع لهم الزكاة.
ثالثهم: آل البيت .
رابعهم: الغنيُّ ، الغني لا يجوز أن تعطيهم زكاة، أن يكون هناك غنيان كل واحد يعطي زكاة ماله للآخر، لا يجوز هذا.
خامسهم: القوي المتكسب قوي وعنده عمل وراتبه جيد هذا لا يعطى زكاة.
إذا مر على محلاتنا وعلى مكاتبنا وعلى باب المسجد رأينا شخصاً واقفاً شب شديد عتيد ويقول: ممكن أن تتصدق عليّ ، ممكن أن تعطيني من زكاة مالك، ولا فرنك تعطيه ، اذهب واشتغل، يقول: لا يوجد عمل، بعضكم هو حدثني أنه جاء إليه شابٌّ يطلب مالاً، قال له: اذهب واعمل، قال: لا يوجد عمل، فقال له: تعال معي وأنا آخذك إلى عمل، وأخذه من المحل إلى ورشة وقال له: اجلس هنا واعمل، جلس ساعتين ثم هرب، لا يريد أن يعمل ، يريد أن يسأل الناس ولا يعمل هكذا أسهل.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ ماء وجوهنا .
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ مَسْأَلَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُدُوشًا أَوْ خُمُوشًا أَوْ كُدُوحًا فِي وَجْهِهِ)).[ابن ماجة]
إذا رأيتم يوم القيمة شخصاً وجهه فيه خدوش وينزل منه الدم اعلموا أنه كان في الدنيا يسأل الناس وعنده ما يكفيه.
هذه هي أيها الإخوة الآية 58 من سورة التوبة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الدكتور محمد خير الشعال
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين.
أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، نسألك علم الخائفين منك، وخوف العالمين بك.
وبعد:
فعنوان الدروس ( نظرات في آيات)
الآية رقم 58 من سورة التوبة :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]
هذه الآية تتحدث عن الزكاة، ورب العالمين فصّل في مصارف الزكاة ما لم يفصّله في شيء آخر، لمن ندفع الزكاة؟ موجود في هذه الآية ثمانية أصناف سماهم الله بأسمائهم، ذلك لأن الناس إذا اطمأنوا إلى المكان الذي تذهب إليه أموالهم فإنهم سيدفعون هذه الأموال طيبة بها نفوسهم بل يدفعون أكثر، لكنهم إذا شكوا في الأماكن التي تذهب إليها أموالهم ستجدهم يتهربون بأي طريقة من الطرق، لأجل هذا فصّل الله في مصارف الزكاة أكثر مما فصل عن غيره من الآيات ومن الأحاديث.
وصرف الزكاة أهم بكثير من أخذ الزكاة ، إلى أين تدفع؟
الآن الله عز وجل قال :
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ } هذه {إِنَّمَا} تفيد الحصر، فالزكاة لا تدفع إلا هذه الأصناف التي أذكرها لكم ولا يجوز دفع الزكاة إلا لهؤلاء الثمانية الذين سيرد حديثهم في الآية.
ثم قال الله تعالى:
{الصَّدَقَاتُ} سمى الله الزكاة صدقة ، لأنه دليل على صدق دافعها في إيمانه، الصلاة حسنة ولكن الحقيقة أنه سهل، والصوم حسنة ومع صعوبته ولكن يستطيع أن يصوم، ولكن حقيقة الزكاة صعب جداً منذ زمان يقولون ( المال أخُ الروح) يقال : خذ روحه ولا تأخذ ماله، صعب جداً أن أعمل طوال السنة بمائة أو مائتين ثم يجب أن أدفع اثنان ونصف 2.5 وأعطيها للفقراء والمساكين و.. الذين سيرد أسمائهم .
لذلك قالوا : بأن الزكاة دليل على صدق المؤمن.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أبايعك على شعائر الإسلام، إلا على أمرين : الزكاة والجهاد، أما الزكاة فإني رجل بخيل.
أبايعك على جميع شعائر الدين إلا الزكاة .
وإلا الجهاد فإني رجل جبان.
ماذا تريد غير هذا أنا مستعد أصوم وأصلي ، ولكن الزكاة والجهاد .
قال : فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ، وقال له : (( يا بشير)) اسمه بشير ((يا بشير لا جهاد ولا صدقة فبمَ إذن تدخل الجنة ؟)). [أحمد والحاكم]
فسميت الزكاة صدقة لأنها دليل على صدق فاعلها أو مؤديها، لذلك لو كان أحدنا رأى من نفسه شحاً أو قبضاً أو بخلاً عن دفع الزكاة أو محاولة للتهرب ، أن يقول هل أستطيع أن لا أدفع سنة أو أؤجلها؟ رأيت في نفسك توقان إلى الهروب من الزكاة، هذا إشارة إلى أن الإيمان عندك درجة حرارته منخفضة جداً، تحتاج إلى معالجة حتى يعود إيمانك إلى صدقه.
لذلك سماها الله تعالى الصدقة. وهذه النظرة الثانية.
والنظرة الثالثة : في تفصيل لمن ندفع زكاة أموالنا.
أولاً: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} الفقير هو الذي لا يملك شيئاً، أو يملك أقل من نصف حاجته، يحتاج إلى عشرة آلاف كل شهر يأتيه خمسة أو أربعة أو ثلاثة ، هذا اسمه فقير، سمي فقيراً نسبة لفقار الظهر، لأن فقره أقعده أرضاً.
ألا تسمعون : أن فلان صارت له مشكلة قصمت ظهره كسرت ظهره هي لا تكون قد كسرت ظهره ولكن مشكلة كبيرة أقعدته أرضاً، وهذا الفقير لشدة حاجه إلى المال كأن فقار ظهره قد كُسر.
ثانياً: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}
المسكين: هو من يملك أكثر من نصف حاجته، لكن لا تُسد حاجته، يحتاج عشرة ويأتيه ثمانية أو سبعة أو تسعة، هذا مسكين، سمّي مسكيناً لسكونه، ما تراه إلا جالساً ساكناً يحسب هل سيكفيه .
ثالثاً: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}
العاملين عليها: هم موظفوا الجمعيات الخيرية الذين تفرض لهم الجمعيات مرتبات تساوي مرتبات أقرانهم في وظائف الدولة أو في الوظائف العامة أو الخاصة، يجوز أن تأتي للجمعية الخيرية في السنة عشرة مليون أو عشرين مليون عندها معاشات للموظفين ستمائة ألف، قد يسأل سائل : هل يجوز أن يعطوا ستمائة ألف من أموال الزكاة معاشات لموظفيهم ، نقول: نعم. لأن الله عز وجل قال : {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} لأن نظام الزكاة ليس أمراً بأن يعطي أحدهم مائة ألف وانتهى الأمر ، لا ، الزكاة في فتن نقدية كبيرة، قلت لكم مرة : هناك رجل كويتي حسبت له زكاة ماله، كانت زكاة ماله سبع وثلاثون مليار ليرة سورة ، زكاة فقط، هذا لو أردت أوزعه على الناس أريد حوالي مائتين شخص حتى يوزعوها على الناس. طيب هؤلاء المائتين يجب أن يتفرغوا عندهم دوام من الثامنة صباحاً حتى الرابعة عصراً عندهم تفرغ يحتاج إلى معاش، هل يجوز أن نأخذ من هذه المليارات ونعطيه معاشاً، الجواب نعم، إدارة الجمعية هي التي تعطيه معاشاً يساوي معاش أقرانه في المجتمع.
ولا يدخل تحته أن يعطي مثلاً أحدهم لجاره بما أنه ذاهب إلى الجمعية أن يعطيه خمسين ألفاً من زكاة ماله حتى يوصلها عنه إلى الجمعية ، وهو في الطريق قال في نفسه: أنا من العاملين عليها، سآخذ عشر بالمائة من الخمسين ألف، هذا إذا أخذهم فإنما أخذ ناراً وأكل مالاً حراماً.
العاملين عليها يجب أن يكون موظفاً في الجمعية الخيرية ، أو أن يكون موظفاً في وزارة الزكاة ، في بعض البلاد هناك وزارة للزكاة، والآن في العالم الإسلامي يرتب لاجتماع صندوق عالمي، الآن تجتمع الدول الإسلامية والعربية من جملتها سينشؤوا صندوق زكاة عالمي ، هذا سيكون فيه الكثير من الموظفين، فيُصرف لهم من الزكاة؟ الجواب : نعم.
رابعاً:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}
المؤلفة قلوبهم: أناس غير مسلمين ، نحن نطمع في إسلامهم ولعلنا نقدم لهم شيئاً من المال، رجل على غير الإسلام، وهو في ديانته معطى كل شيء، عنده بيت وسيارة ومزرعة و... وإذا أسلم سيأخذون منه كل هذه الأمور، فهل يجوز إذا أسلم أن نشتري له بيت وسيارة من مال الزكاة ؟ الجواب نعم.
لكن من هم هؤلاء المؤلفة قلوبهم؟
نحن بحاجة إلى علماء الأمة وأمراء الأمة هم الذين يقرروا من هم ، أن يكون هناك أشخاص له وزنه، هناك أحياناً شخص إذا أسلم له وزن إذا أسلم سيسلم معه عشرة آلاف شخص.
خامساً:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ} في عتق الرقاب
سادسا: {وَالْغَارِمِينَ}
الغارم: هو المديون، كل من اقترض ديناً في أمر مباحٍ وكان محتاجاً لهذا الدين، وهو يحاول سداده فلا يستطيع، هذا يجوز أن نعطيه من زكاة مالنا.
يعني مثلاً: شاب عندما تزوج اشترى بيتاً احتاج إلى أن يستدين أربعمائة ألف ليرة سورية، وهو يعمل ولا يتكاسل ويجمّع حتى جمّع عنده ستمائة ألف ولكن البيت سعره مليون ليرة، وهو الآن يجتهد ويعمل ويجمع حتى يسدّ دينه هذا، ولكن الأمر صعبٌ عليه.
فيجوز له أن أقضي له دينه الأربعمائة ألف من أموال الزكاة.
طيب إذا كان هذا أجيرٌ عندي هل يجوز أن أعطيه؟ نعم يجوز، بل الأحسن والأفضل، لأن الأقربون أولى بالمعروف ، هذا أقرب إليك، الأقربون ليس فقط عائلتك، الذي يعمل معك ويدوام عندك كل يوم ثمان ساعات هذا أقرب إليك من فقير أو مسكين يراجع الجمعية الخيرية، جارك من الأقربون لأنه قريب عليك.
لو أعطيت أجيري وسددت له دينه ، هذا لا يعني أن أخصمه من معاشه، هذا من مال الزكاة فهو هدية له.
هل من الضروري أن أخبره بأن هذا مال زكاة؟ لا ، ممكن أن تقول له هذه هدية.
سابعاً: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ}
في سبيل الله: يعني المجاهدون في سبيل الله، المجاهدون في سبيل الله في غزة في فلسطين يجوز أن نرسل لهم من أموال الزكاة.
ثامناً:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ}
ابن السبيل: رجل انقطع عندنا في بلدنا وكان من بلد آخر، ولا يمكن إيصاله إلا بدفع شيء من المال ، فإذا أعطيته من مال الزكاة ، يجوز أن تعطيه، أحياناً طالب علم في هذا البلد يريد أن يرجع إلى بلده لا يستطيع، ليس معه شيء، كرت الطيارة سعره خمس وعشرون ألف ليرة سورية وليس معه فهل يجوز أن أعطيه كرت الطائرة من مال الزكاة ؟ الجواب : نعم.
هذه النظرة الثالثة أن الله عز وجل حدد مصارف الزكاة .
وقد ختم الله الآية بـ: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} يعني هذه الزكاة ليست طواعية ، بل فريضة من الله عزوجل ، الآن كلنا صلينا العصر، هل يوجد أحد بينكم يتوقع أن يأتي الآن شيخ أو رجل صالح أو رجل يقف على باب الجامع ويقول لكل واحد منا يخرج من الجامع: جزاك الله خيراً ، شكراً لك، أنت رائع لأنك صليت في المسجد؟ هل يتوقع أحدٌ هذا؟ لا أحد يتوقع هذا لأن هذه فريضة من الله، والزكاة أيضاً هكذا فريضة من الله، لا يجب أن تنتظر أن يقول أحدهم الله يوفقك وجزاك الله خيراً إن دفعت الزكاة، لا ، هذه فريضة من الله، الآن كلنا صائمون، لا أحد يتصل بنا ويشكرنا لأننا صمت، لا أحد يبعث لي رسالة على الجواب : ( شكراً جزيلاً على صيامك) لأن هذه فريضة، والزكاة نفس الشيء ، فريضة من الله.
ختم الله الآية فقال: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} الحكيم : الذي يضع الأمور في مواضعها، فالله عز وجل عندما خصص مصارف الزكاة بهذه المصارف الثمانية فرب العالمين حكيم.
سأختم هذا الدرس بـ: لمن لا تُدفع لهم الزكاة :
الثمانية الماضية يجب أن تدفع لهم الزكاة.
وهناك خمسة لا يصح أن تدفع لهم الزكاة:
أولهم: الكافر
ثانيهم: لمن تجب عليك نفقته، كل من وجبت عليك نفقته لا يجوز لك أن تدفع له الزكاة، ابنك الذي في بيتك تجيب عليك نفقته، لو أعطيته الزكاة كأنك أعطيت الزكاة لنفسك، خففت على نفسك، فكل من وجبت عليك نفقته لا تجوز أن تدفع لهم الزكاة.
ثالثهم: آل البيت .
رابعهم: الغنيُّ ، الغني لا يجوز أن تعطيهم زكاة، أن يكون هناك غنيان كل واحد يعطي زكاة ماله للآخر، لا يجوز هذا.
خامسهم: القوي المتكسب قوي وعنده عمل وراتبه جيد هذا لا يعطى زكاة.
إذا مر على محلاتنا وعلى مكاتبنا وعلى باب المسجد رأينا شخصاً واقفاً شب شديد عتيد ويقول: ممكن أن تتصدق عليّ ، ممكن أن تعطيني من زكاة مالك، ولا فرنك تعطيه ، اذهب واشتغل، يقول: لا يوجد عمل، بعضكم هو حدثني أنه جاء إليه شابٌّ يطلب مالاً، قال له: اذهب واعمل، قال: لا يوجد عمل، فقال له: تعال معي وأنا آخذك إلى عمل، وأخذه من المحل إلى ورشة وقال له: اجلس هنا واعمل، جلس ساعتين ثم هرب، لا يريد أن يعمل ، يريد أن يسأل الناس ولا يعمل هكذا أسهل.
نسأل الله عز وجل أن يحفظ ماء وجوهنا .
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَتْ مَسْأَلَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُدُوشًا أَوْ خُمُوشًا أَوْ كُدُوحًا فِي وَجْهِهِ)).[ابن ماجة]
إذا رأيتم يوم القيمة شخصاً وجهه فيه خدوش وينزل منه الدم اعلموا أنه كان في الدنيا يسأل الناس وعنده ما يكفيه.
هذه هي أيها الإخوة الآية 58 من سورة التوبة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الدكتور محمد خير الشعال