غسان
30-11-2010, 09:21 PM
وجـــع دمـــاغ
http://t.farok.6.googlepages.com/T385.jpg
يتقدم بالجنود.. يراوغ بالحصان.. يندفع بالطابية.. يناور بالوزير.. يكتسح صفوف الجنود السود.. يبعثرهم بلا رحمة.. يسحقهم سحقا.. ثم يهدف إلى القلب عارفا غايته.. رمز مملكة الشر: الملك الأسود يقف فاقد الحيلة لا يملك وزيره حيلة ولا تدبيرا
يتصبب عرقا.. ينتظر مصيرا محتوما
*******
تستيقظ من نومك فتدخل مطحنة الحياة بلا تمهيد.. أصوات عالية في بيتك.. هرج ومرج في الطريق.. تراهن نفسك أنك لن تصادف وجها واحدا سعيدا.. تكسب رهانك كل مرة وأنت تتمنى أن تخسره
الكل نافد الصبر دون سبب واضح.. تصل عملك فتصادف أنماطا عجيبة من البشر طيلة الوقت.. تتساءل عن سر حيويتهم الفائقة؟ هذه الاستماتة في سبيل بلوغ مرادهم؟ تلك الحماسة المدهشة؟
*******
يقتحمك أحدهم.. يريد شيئا لا يفصح عنه.. يراوغك.. يكلمك بحماس.. يغرق وجهك بلعابه.. تبرق عيناه.. يبتسم.. يتجهم.. يقطب جبينه.. يزر عينيه.. يعتصرك.. يحدجك بنظرات فاحصة.. ينظر في عينيك مباشرة.. يقرأ أفكارك.. يتحسس نقاط ضعفك.. يتسلل من ثغراتك.. يزنك بعينيه.. يقتحم المضنون به.. يستبيحك
وتحاول أن تهدئ حماسه لتحقق له ما يريد ويتركك في شأنك.. لكنه لا يصارحك أبدا.. تكتشف أن تلك الحماسة هي أسلوب حياته.. تعبيره الخاص عن ابتهاجه لأنه وجد نفسه حيا سالما في الصباح
*******
وبصرف النظر عن السقف المنخفض لاهتمامات الناس -وأنت منهم- صعب أن تفهم نفسك. تعمل ما لا توده من أجل ما لا تريده.. لكنك واقع تحت ضغط مجتمع لا يعترف بفرديتك وحقك في الاختيار.. لذلك هو يضعك تحت ضغط معين.. تقطع نفس الطريق.. تذهب إلى أماكن لا تريدها وتفعل ما لا يروق لك من أجل أشياء تكتشف بعدها أنك كنت أسعد بدونها.. ولكن الهوس حولك لا يتركك لحظة بغير ضجيج.. يحاصرونك بالصور الملونة.. الكثير منها.. يفرضون نمطا لا يناسبك.. أسلوب حياة لا تريده.. ينتزعونك.. بقسوة.. من الأرض والسماء
تذكر متى نظرت للنجوم بإمعان؟ وماذا لو اختفى القمر من السماء بمعجزة، هل ستلاحظ ذلك؟ وفوق رأسك أسراب كبيرة العدد من العصافير تمارس حياتها ولا شأن لها بك
*******
أجدادك كانوا على اتصال مباشر بالطبيعة ولكننا فصمنا أنفسنا عنها بالخرسانة والأعمال المكتبية.. وحتما يتسبب الانفصام في اغترابك عن كون معاد.. توجد علاقة طردية واضحة بين الحضارة والبساطة.. وكلما أمعن الناس في التكلف قل نصيبهم من التحضر.. يسهل قبول البساطة لو تذكرنا أننا كائنات فانية مصيرها إلى التحلل والالتحاق بالأرض
وما أقوله ليس جديدا.. عرفه الكثيرون بالفطرة.. خلع احد الزعماء سترته الأنيقة وركن طائرته وقاد سيارته بنفسه إلى ميت أبو الكوم مرتديا الجلباب البلدي مبتعدا عن أرذال القاهرة كما سماهم....
وعرفه أصدقائي حينما أدركوا أن التليفون المحمول نقمة أكثر منه نعمة.. عقرب كامن في جيب سروالك لا تدري متى يلدغك؟
أدركوا أيضا أن أغلب ما لهثوا وراءه لم يكونوا يريدونه من الأصل لولا أن الإعلام أقنعهم أن حياتهم لن تستقيم بدونه
وعرفته أنا حينما تركت سيارتي تماما لأعيد اكتشاف ساقين يحملانني إلى الأماكن القريبة وسيارات أجره تحملني إلى الأماكن البعيدة بدون دوشة ميكانيكي وكهربائي وعسكري مرور بشارب مخيف يسارع إلى عقوبتك مسارعة ولي السوء في مال اليتيم
*******
وعرفت ذلك حينما طلقت التليفزيون ثلاثا وعدت إلى راديو الأجداد الجميل يكرس العزلة ويطلق العنان لخيالك.. عائدا إلى أحضان الطبيعة الأم كطفل أحمق أغوته الصور الملونة ليكتشف بنفسه بعدها أن الأخضر ملك الألوان
ولمسه "تشيكوف" في قصته عن رجل كرس حياته ليصبح صاحب مزرعة للكروم.. جاع وراوغ.. سرق وحرم أبناءه ليمتلك مزرعة لعينة بعنبها المر وكان بوسع الأحمق شراء ما يروقه من أفخر أنواع العنب دون هذا العذاب
*******
واكتشف ذلك أيضا الملك الأبيض الذي راح بعد انتهاء المعركة يرمق صفوف الجنود المبعثرة.. والحصان المنكب.. والوزير الميت.. والملك الأسود المخلوع.. لم يستطع وقتها أن يمنع نفسه من التساؤل
هل يستحق أي نجاح -مهما كان- أن يدفع من أجله كل هذا الثمن الباهظ؟
*******
-د.أيمـن الجنـدي
http://t.farok.6.googlepages.com/T385.jpg
يتقدم بالجنود.. يراوغ بالحصان.. يندفع بالطابية.. يناور بالوزير.. يكتسح صفوف الجنود السود.. يبعثرهم بلا رحمة.. يسحقهم سحقا.. ثم يهدف إلى القلب عارفا غايته.. رمز مملكة الشر: الملك الأسود يقف فاقد الحيلة لا يملك وزيره حيلة ولا تدبيرا
يتصبب عرقا.. ينتظر مصيرا محتوما
*******
تستيقظ من نومك فتدخل مطحنة الحياة بلا تمهيد.. أصوات عالية في بيتك.. هرج ومرج في الطريق.. تراهن نفسك أنك لن تصادف وجها واحدا سعيدا.. تكسب رهانك كل مرة وأنت تتمنى أن تخسره
الكل نافد الصبر دون سبب واضح.. تصل عملك فتصادف أنماطا عجيبة من البشر طيلة الوقت.. تتساءل عن سر حيويتهم الفائقة؟ هذه الاستماتة في سبيل بلوغ مرادهم؟ تلك الحماسة المدهشة؟
*******
يقتحمك أحدهم.. يريد شيئا لا يفصح عنه.. يراوغك.. يكلمك بحماس.. يغرق وجهك بلعابه.. تبرق عيناه.. يبتسم.. يتجهم.. يقطب جبينه.. يزر عينيه.. يعتصرك.. يحدجك بنظرات فاحصة.. ينظر في عينيك مباشرة.. يقرأ أفكارك.. يتحسس نقاط ضعفك.. يتسلل من ثغراتك.. يزنك بعينيه.. يقتحم المضنون به.. يستبيحك
وتحاول أن تهدئ حماسه لتحقق له ما يريد ويتركك في شأنك.. لكنه لا يصارحك أبدا.. تكتشف أن تلك الحماسة هي أسلوب حياته.. تعبيره الخاص عن ابتهاجه لأنه وجد نفسه حيا سالما في الصباح
*******
وبصرف النظر عن السقف المنخفض لاهتمامات الناس -وأنت منهم- صعب أن تفهم نفسك. تعمل ما لا توده من أجل ما لا تريده.. لكنك واقع تحت ضغط مجتمع لا يعترف بفرديتك وحقك في الاختيار.. لذلك هو يضعك تحت ضغط معين.. تقطع نفس الطريق.. تذهب إلى أماكن لا تريدها وتفعل ما لا يروق لك من أجل أشياء تكتشف بعدها أنك كنت أسعد بدونها.. ولكن الهوس حولك لا يتركك لحظة بغير ضجيج.. يحاصرونك بالصور الملونة.. الكثير منها.. يفرضون نمطا لا يناسبك.. أسلوب حياة لا تريده.. ينتزعونك.. بقسوة.. من الأرض والسماء
تذكر متى نظرت للنجوم بإمعان؟ وماذا لو اختفى القمر من السماء بمعجزة، هل ستلاحظ ذلك؟ وفوق رأسك أسراب كبيرة العدد من العصافير تمارس حياتها ولا شأن لها بك
*******
أجدادك كانوا على اتصال مباشر بالطبيعة ولكننا فصمنا أنفسنا عنها بالخرسانة والأعمال المكتبية.. وحتما يتسبب الانفصام في اغترابك عن كون معاد.. توجد علاقة طردية واضحة بين الحضارة والبساطة.. وكلما أمعن الناس في التكلف قل نصيبهم من التحضر.. يسهل قبول البساطة لو تذكرنا أننا كائنات فانية مصيرها إلى التحلل والالتحاق بالأرض
وما أقوله ليس جديدا.. عرفه الكثيرون بالفطرة.. خلع احد الزعماء سترته الأنيقة وركن طائرته وقاد سيارته بنفسه إلى ميت أبو الكوم مرتديا الجلباب البلدي مبتعدا عن أرذال القاهرة كما سماهم....
وعرفه أصدقائي حينما أدركوا أن التليفون المحمول نقمة أكثر منه نعمة.. عقرب كامن في جيب سروالك لا تدري متى يلدغك؟
أدركوا أيضا أن أغلب ما لهثوا وراءه لم يكونوا يريدونه من الأصل لولا أن الإعلام أقنعهم أن حياتهم لن تستقيم بدونه
وعرفته أنا حينما تركت سيارتي تماما لأعيد اكتشاف ساقين يحملانني إلى الأماكن القريبة وسيارات أجره تحملني إلى الأماكن البعيدة بدون دوشة ميكانيكي وكهربائي وعسكري مرور بشارب مخيف يسارع إلى عقوبتك مسارعة ولي السوء في مال اليتيم
*******
وعرفت ذلك حينما طلقت التليفزيون ثلاثا وعدت إلى راديو الأجداد الجميل يكرس العزلة ويطلق العنان لخيالك.. عائدا إلى أحضان الطبيعة الأم كطفل أحمق أغوته الصور الملونة ليكتشف بنفسه بعدها أن الأخضر ملك الألوان
ولمسه "تشيكوف" في قصته عن رجل كرس حياته ليصبح صاحب مزرعة للكروم.. جاع وراوغ.. سرق وحرم أبناءه ليمتلك مزرعة لعينة بعنبها المر وكان بوسع الأحمق شراء ما يروقه من أفخر أنواع العنب دون هذا العذاب
*******
واكتشف ذلك أيضا الملك الأبيض الذي راح بعد انتهاء المعركة يرمق صفوف الجنود المبعثرة.. والحصان المنكب.. والوزير الميت.. والملك الأسود المخلوع.. لم يستطع وقتها أن يمنع نفسه من التساؤل
هل يستحق أي نجاح -مهما كان- أن يدفع من أجله كل هذا الثمن الباهظ؟
*******
-د.أيمـن الجنـدي