غسان
30-11-2010, 03:00 PM
الحذاء الضيّق
تأليف عزيـــز نيسن
انتعلوا حذاء ضيقاً عند ذهابكم لطلب يد فتاة. البسوا حذاء ضيقاً بعض النمر عندما ستلتقون للمرة الأولى بمن سيصبح حماكم في المستقبل.
تستطيعون الزواج من الفتاة التي تريدون عندما ترتدون حذاء ضيقاً. حتى لو رفضت تلك الفتاة فإن والديها سيجبرانها على ذلك و هذا مجرب لا محال.
لقد تعلمت تلك الحقيقة قبل سنوات طويلة.
عشق " سيرمت " فتاة حتى الجنون. و بسبب هذا العشق أهمل جميع أشغاله و أعماله. جميع أصدقائه كانوا يشفقون عليه و على حالته حتى أنني قلت له ذات مرة:
- أتحبك الفتاة أيضاً ؟
-- و أي حب !!..
- إذن تزوجا.
-- و كيف أتزوج يا أخي فأنا وحيد هنا في استنبول . أمي و أبي في ( أرضروم ) و لا أحد لي هنا. و من سيطلب الفتاة من أمها ؟.
- ياهوه..! تلك الأزمان ولت، اذهب مباشرة إلى والدها و قل له " توافقت و اتفقت مع ابنتكم لذلك أرجوكم أن تمدوا لي يد المساعدة للزواج بها ".
-- و أنا من أجل ذلك سأتزوج. والد الفتاة غني، و بغير هذه الوسيلة لا أستطيع ضمان حياتي. هيا لنذهب، والدا الفتاة في البيت اليوم.
- لا أستطيع يا عزيزي سرمت.
-- ياهوه..! إنها خدمة أخوية. و بفضلها ستنقذ حياتي.
وافقت لأنه كان على وشك البكاء. حذائي الذي انتعله مهترئ، أضحى مثل تمساح فاغر فمه، أيعقل أن نذهب إلى بيت الفتاة بهذا الحذاء. و لا نقود لدي لشراء حذاء جديد. طلبت سلفة من معلمي على الرغم من معرفتي ببخله و أنه يعتبر من أبخل من في ( ببيالي ). قال لي يومها:
- هاه، تذكرت، عليك عشر ليرات هل سددتها ؟
أما مديرنا الإداري فهو رجل طيب، أنقذني و أعطاني خمس عشرة ليرة على أن يحسم المبلغ من راتبي. اتجهنا أنا و سرمت مباشرة إلى سوق الأحذية المحلية، هناك تباع أرخص الأحذية.
تعتبر الأحذية ذات المقاسات دون السبعة و الثلاثين، أحذية ولادية و تباع بأربع عشرة ليرة و سبعين قرشاً، و ما فوق وحتى الستة وأربعين أحذية رجالية أغلى بعشر ليرات، مقاس قدمي ثمانية وثلاثين.
إن هذه المفارقة تعتبر من أكثرها ظلماً في هذه الحياة. أيعقل أن أدفع عشر ليرات زيادة بسبب نمرة واحدة ؟!. عدا عن ذلك من غير المعقول أن يكون سعر الحذاء ثمانية و ثلاثين بسعر الستة و أربعين. لم استطع شرح هذه المظلمة للبائع بأي شكل من الأشكال لذلك اتجهنا إلى المدير، أظهر تفهمه إلا أنه قال:
- ماذا نفعل إذا كانت الأنظمة السارية هكذا ؟
لم أستطع ضبط نفسي لذلك رحت ألقي كلمة قائلاً:
-- سحقاً لجميع أنواع الظلم في العالم.
- اصمت و إلا فتحنا محضراً بذلك.
جمعنا و لملمنا كل ما لدينا أنا و سرمت إلا أن ذاك لم يكف لشراء حذاء مقاسه ثمانية و ثلاثين.
قال لي سرمت:
-- خذ سبعة و ثلاثين.
- ضيق لا يناسب قدمي.
-- تنتعله من أجل خاطري.
- ياهوه..! أي خاطر و ماطر في الأحذية و الأقدام ؟
قلت بيني و بين نفسي ماذا أفعل ؟. من أجل خاطر الصداقة اشتريت الحذاء. أبرزت النوايا الحسنة لانتعال الحذاء، حقيقة حاول البائعان كثيراً مساعدتي، مسكين، سرمت، حبات العرق تنساب من جبينه، و أخيراً نجحا و ربطا رباط الحذاء و قالا:
- هيا قم.
قالا لي ذلك لأني كنت ملقى على الأرض. نهضت بعدما حملاني من تحت إبطي ، و حال نهوضي صرخت:
- أغيثوني.
أتمنى أن لا يحرم الله قدماً من حريتها، فحرية القدم لا تشبه حرية الصحافة و لا حرية الوجدان.
قال البائع:
- سيتوسع الحذاء عندما تسير عليه قليلاً.
أي مسير, فأنا لا أستطيع الحراك. خرجنا إلى الشارع و أنا أشعر أن شرايين مخي تنتفض لدرجة أن حبات العرق أخذت تنساب من أسفل ظهري، في هذه اللحظات قال لي سرمت:
-- هل حضرت قصصك الساخرة التي سترويها لوالد الفتاة ؟.
ركبنا القطار.
- رجاء يا سرمت أزل هذه البلاء من قدمي.
-- لا تخلعه سيتوسع بعد قليل.
على ما يبدو أنه لن يتوسع ، و بسبب الألم قلت له:
- سأخلعها وعندما ننزل من الترمواي انتعلها ثانية.
و أي حال وصلت إليها حتى أشفق على الركاب والمراقب و الجابي، لذلك هبوا جميعاً لمساعدتي في خلعها، حاولوا كثيراً إلا أنهم فشلوا. أحد الركاب قال:
- لنقصهما و ننقذه.
قلت له:
- لا !!.
كيف سيقصه و بألف يا ويلاه جمعنا ثمنه، لا سيما أن في أعماقي أملاً بتوسع الحذاء و انتعاله براحة.
نزلنا من الترمواي و أنا أصرخ متألماً، أتأوه و أتأخأخ و لم أدر كيف مشينا.
في الطريق سألني سرمت:
-- هل حفظت القصص الساخرة التي سترويها، رجاء قل له ما تشاء و أضحكه، لأنه عندما يضحك سيلين و سيزوجني ابنته. رجاء أرو له نكات جحا و لا تنس قصصاً أخرى.
عندما وصلنا إلى البيت لم أعرف كيف ألقيت بنفسي على الديوان و غطيت وجهي بيدي.
سألنا والد الفتاة:
- ما سبب زيارتكما ؟
راح سرمت يستغيث بنظرات حتى كاد أن يبكي. أما أنا فلم أستطع التفوه بحرف واحد. كنت أتصبب عرق الموت، و وجهي محمراً كالشوندر. و كل قطعة من جسدي تلتهب من الحمى.
لاحظ سرمت أن لا أمل مني بالمساعدة، لذلك انفكت عقدة لسانه و راح يثرثر و يروي الحكايات، بينما كنت أتصبب عرقاً.
سألتني والدة الفتاة:
- لم لا تتحدث ؟
أجابها سرمت:
-- إنه خجول جداً يا سيدي.
يداي بين فخذي، و أنا أتقلب من الألم، أثناء ذلك أحضرت محبوبة سرمت القهوة. من ينظر في وجه الفتاة يهرب إلى آخر الدنيا، جازاك الله يا سرمت أمن أجل هذه الفتاة كل هذا.
في النهاية نجح سرمت في رواية كل ما حفظ من قصص ساخرة كذلك نجح في إضحاك الرجل و زوجته حتى " طقت خواصرهما ".
وجهي متغضن من الألم، وفي عيني أشعر بشرارة تشبه البرق. أخيراً عرض سرمت رغبته في الزواج من ابنتهم. أجابه والدها:
- لنفكر بالأمر.
بينما قالت والدتها:
- خيراً إن شاء الله، إنها القسمة و النصيب.
بعد ذلك سألني هل أنت أعزب ؟
عندها أجبتها مطأطئاً رأسي:
- نعم.
كانت الكلمة الوحيدة التي تفوهت بها.
بعد خروجنا من عندهم تركني سرمت غاضبا بعدما أنبني قائلاً:
-- أي صديق أنت ؟. يا خسارة.
هكذا بقيت وحيداً وسط الزقاق، جلست على الرصيف، كنت سأمشي حافياً لو استطعت خلع حذائي. لكنه التصق بقدمي. فلم ينخلع و كأنه أصبح جزءاً من جسدي.
لا أدري كيف وصلت إلى مركز الجريدة. و ألقيت بنفسي على أريكتي متمدداً:
- أنقذوني يا أصدقاء!.
حاولوا كثيراً دون جدوى:
- قطعوه، قطعوه.
كل واحد منهم حمل سكيناً أو مشرطاً أو موس حلاقة.
اقترح أحد الأصدقاء قائلاً:
- هذا اختصاص، لا بد من عمل جراحي.
لقد التصق الحذاء بقدمي لدرجة أنهم قطعوه، ومع ذلك لم ينخلع، وأخيراً نجحوا بعدما قطعوه إرباً إرباً. وبذلك استطاعت قدميّ معانقة حريتهما. وأنتم تعرفون معنى ذلك.
ثلاثة أيام لم أستطع المشي بتاتاً. و كل ما حدث تم بعد ذلك.
سابقاً كنت أنتعل ثمانية و ثلاثين لكن بعد ذلك، حتى الأربعين بات ضيقاً على قدمي، فقد كبرت قدماي بعدما عانقتا حريتهما، ألسنا هكذا نحن بني البشر عندما نتحرر من أي احتجاز و مهما طال أمده نتضخم و لا نستطيع الدخول من باب البيت.
بعد أربعة أيام قدم إلي والد الفتاة التي طلبها سرمت، و بعدما تحدثنا بموضوعات شتى قال لي:
- قررنا، أنا و زوجتي، تزويجك ابنتنا.
ذهلت مما سمعت:
-- لم ؟ لم أفهم…
- لأننا أعجبنا بك كثيراً، لم نصادف طوال حياتنا شاباً خجولاً مثلك، لم نر شاباً ذا تربية عالية مثلك، يوم أتيت إلينا كنت تقطر عرقاً من شدة الخجل و وجهك مبقع حمرة، لم تتفوه بتاتاً و كنت مطأطئ الرأس، شرف لأي عائلة دخول صهر مؤدب إليها.
-- و ماذا عن صديقي.. ماذا سيحل به؟.
- أرجوك اتركه، فهو ثرثار أحمق، و قليل الحياء. تصرف بشكل غير عقلاني، حسب ظنه أنه كان يروي قصصاً و نكات . لا فتاة عندي كي أزوجه.
و هكذا أخذ الرجل يزورني كل يومين أو ثلاثة أيام ليتحدث ممتدحاً حيائي و تربيتي:
- لم أر شاباً ذا تربية عالية، و أخلاق.. وجهك مبقع حياء.. لا تعرف أين تضع يدك..
-- يا سيدي أنا لا أفكر بالزواج الآن.
- فكر بالأمر.. سآتي ثانية و نتحدث في الموضوع.
و ظل الرجل يزورني كل يومين أو ثلاثة أيام ليتحدث ممتدحاً حيائي و تربيتي..
و ذات يوم لم أستطع ضبط أعصابي، أخرجت من درج طاولتي قطع حذائي ذي السبعة و الثلاثين ملفوفة بجريدة و ألقيت بها أمامه و صرخت به:
ها هي الأخلاق و التربية و الخجل, خذه و زوجه ابنتك !.
تذكروا عندما تنوون الذهاب لطلب يد فتاة أن تنتعلوا حذاء ضيقاً.
تأليف عزيـــز نيسن
انتعلوا حذاء ضيقاً عند ذهابكم لطلب يد فتاة. البسوا حذاء ضيقاً بعض النمر عندما ستلتقون للمرة الأولى بمن سيصبح حماكم في المستقبل.
تستطيعون الزواج من الفتاة التي تريدون عندما ترتدون حذاء ضيقاً. حتى لو رفضت تلك الفتاة فإن والديها سيجبرانها على ذلك و هذا مجرب لا محال.
لقد تعلمت تلك الحقيقة قبل سنوات طويلة.
عشق " سيرمت " فتاة حتى الجنون. و بسبب هذا العشق أهمل جميع أشغاله و أعماله. جميع أصدقائه كانوا يشفقون عليه و على حالته حتى أنني قلت له ذات مرة:
- أتحبك الفتاة أيضاً ؟
-- و أي حب !!..
- إذن تزوجا.
-- و كيف أتزوج يا أخي فأنا وحيد هنا في استنبول . أمي و أبي في ( أرضروم ) و لا أحد لي هنا. و من سيطلب الفتاة من أمها ؟.
- ياهوه..! تلك الأزمان ولت، اذهب مباشرة إلى والدها و قل له " توافقت و اتفقت مع ابنتكم لذلك أرجوكم أن تمدوا لي يد المساعدة للزواج بها ".
-- و أنا من أجل ذلك سأتزوج. والد الفتاة غني، و بغير هذه الوسيلة لا أستطيع ضمان حياتي. هيا لنذهب، والدا الفتاة في البيت اليوم.
- لا أستطيع يا عزيزي سرمت.
-- ياهوه..! إنها خدمة أخوية. و بفضلها ستنقذ حياتي.
وافقت لأنه كان على وشك البكاء. حذائي الذي انتعله مهترئ، أضحى مثل تمساح فاغر فمه، أيعقل أن نذهب إلى بيت الفتاة بهذا الحذاء. و لا نقود لدي لشراء حذاء جديد. طلبت سلفة من معلمي على الرغم من معرفتي ببخله و أنه يعتبر من أبخل من في ( ببيالي ). قال لي يومها:
- هاه، تذكرت، عليك عشر ليرات هل سددتها ؟
أما مديرنا الإداري فهو رجل طيب، أنقذني و أعطاني خمس عشرة ليرة على أن يحسم المبلغ من راتبي. اتجهنا أنا و سرمت مباشرة إلى سوق الأحذية المحلية، هناك تباع أرخص الأحذية.
تعتبر الأحذية ذات المقاسات دون السبعة و الثلاثين، أحذية ولادية و تباع بأربع عشرة ليرة و سبعين قرشاً، و ما فوق وحتى الستة وأربعين أحذية رجالية أغلى بعشر ليرات، مقاس قدمي ثمانية وثلاثين.
إن هذه المفارقة تعتبر من أكثرها ظلماً في هذه الحياة. أيعقل أن أدفع عشر ليرات زيادة بسبب نمرة واحدة ؟!. عدا عن ذلك من غير المعقول أن يكون سعر الحذاء ثمانية و ثلاثين بسعر الستة و أربعين. لم استطع شرح هذه المظلمة للبائع بأي شكل من الأشكال لذلك اتجهنا إلى المدير، أظهر تفهمه إلا أنه قال:
- ماذا نفعل إذا كانت الأنظمة السارية هكذا ؟
لم أستطع ضبط نفسي لذلك رحت ألقي كلمة قائلاً:
-- سحقاً لجميع أنواع الظلم في العالم.
- اصمت و إلا فتحنا محضراً بذلك.
جمعنا و لملمنا كل ما لدينا أنا و سرمت إلا أن ذاك لم يكف لشراء حذاء مقاسه ثمانية و ثلاثين.
قال لي سرمت:
-- خذ سبعة و ثلاثين.
- ضيق لا يناسب قدمي.
-- تنتعله من أجل خاطري.
- ياهوه..! أي خاطر و ماطر في الأحذية و الأقدام ؟
قلت بيني و بين نفسي ماذا أفعل ؟. من أجل خاطر الصداقة اشتريت الحذاء. أبرزت النوايا الحسنة لانتعال الحذاء، حقيقة حاول البائعان كثيراً مساعدتي، مسكين، سرمت، حبات العرق تنساب من جبينه، و أخيراً نجحا و ربطا رباط الحذاء و قالا:
- هيا قم.
قالا لي ذلك لأني كنت ملقى على الأرض. نهضت بعدما حملاني من تحت إبطي ، و حال نهوضي صرخت:
- أغيثوني.
أتمنى أن لا يحرم الله قدماً من حريتها، فحرية القدم لا تشبه حرية الصحافة و لا حرية الوجدان.
قال البائع:
- سيتوسع الحذاء عندما تسير عليه قليلاً.
أي مسير, فأنا لا أستطيع الحراك. خرجنا إلى الشارع و أنا أشعر أن شرايين مخي تنتفض لدرجة أن حبات العرق أخذت تنساب من أسفل ظهري، في هذه اللحظات قال لي سرمت:
-- هل حضرت قصصك الساخرة التي سترويها لوالد الفتاة ؟.
ركبنا القطار.
- رجاء يا سرمت أزل هذه البلاء من قدمي.
-- لا تخلعه سيتوسع بعد قليل.
على ما يبدو أنه لن يتوسع ، و بسبب الألم قلت له:
- سأخلعها وعندما ننزل من الترمواي انتعلها ثانية.
و أي حال وصلت إليها حتى أشفق على الركاب والمراقب و الجابي، لذلك هبوا جميعاً لمساعدتي في خلعها، حاولوا كثيراً إلا أنهم فشلوا. أحد الركاب قال:
- لنقصهما و ننقذه.
قلت له:
- لا !!.
كيف سيقصه و بألف يا ويلاه جمعنا ثمنه، لا سيما أن في أعماقي أملاً بتوسع الحذاء و انتعاله براحة.
نزلنا من الترمواي و أنا أصرخ متألماً، أتأوه و أتأخأخ و لم أدر كيف مشينا.
في الطريق سألني سرمت:
-- هل حفظت القصص الساخرة التي سترويها، رجاء قل له ما تشاء و أضحكه، لأنه عندما يضحك سيلين و سيزوجني ابنته. رجاء أرو له نكات جحا و لا تنس قصصاً أخرى.
عندما وصلنا إلى البيت لم أعرف كيف ألقيت بنفسي على الديوان و غطيت وجهي بيدي.
سألنا والد الفتاة:
- ما سبب زيارتكما ؟
راح سرمت يستغيث بنظرات حتى كاد أن يبكي. أما أنا فلم أستطع التفوه بحرف واحد. كنت أتصبب عرق الموت، و وجهي محمراً كالشوندر. و كل قطعة من جسدي تلتهب من الحمى.
لاحظ سرمت أن لا أمل مني بالمساعدة، لذلك انفكت عقدة لسانه و راح يثرثر و يروي الحكايات، بينما كنت أتصبب عرقاً.
سألتني والدة الفتاة:
- لم لا تتحدث ؟
أجابها سرمت:
-- إنه خجول جداً يا سيدي.
يداي بين فخذي، و أنا أتقلب من الألم، أثناء ذلك أحضرت محبوبة سرمت القهوة. من ينظر في وجه الفتاة يهرب إلى آخر الدنيا، جازاك الله يا سرمت أمن أجل هذه الفتاة كل هذا.
في النهاية نجح سرمت في رواية كل ما حفظ من قصص ساخرة كذلك نجح في إضحاك الرجل و زوجته حتى " طقت خواصرهما ".
وجهي متغضن من الألم، وفي عيني أشعر بشرارة تشبه البرق. أخيراً عرض سرمت رغبته في الزواج من ابنتهم. أجابه والدها:
- لنفكر بالأمر.
بينما قالت والدتها:
- خيراً إن شاء الله، إنها القسمة و النصيب.
بعد ذلك سألني هل أنت أعزب ؟
عندها أجبتها مطأطئاً رأسي:
- نعم.
كانت الكلمة الوحيدة التي تفوهت بها.
بعد خروجنا من عندهم تركني سرمت غاضبا بعدما أنبني قائلاً:
-- أي صديق أنت ؟. يا خسارة.
هكذا بقيت وحيداً وسط الزقاق، جلست على الرصيف، كنت سأمشي حافياً لو استطعت خلع حذائي. لكنه التصق بقدمي. فلم ينخلع و كأنه أصبح جزءاً من جسدي.
لا أدري كيف وصلت إلى مركز الجريدة. و ألقيت بنفسي على أريكتي متمدداً:
- أنقذوني يا أصدقاء!.
حاولوا كثيراً دون جدوى:
- قطعوه، قطعوه.
كل واحد منهم حمل سكيناً أو مشرطاً أو موس حلاقة.
اقترح أحد الأصدقاء قائلاً:
- هذا اختصاص، لا بد من عمل جراحي.
لقد التصق الحذاء بقدمي لدرجة أنهم قطعوه، ومع ذلك لم ينخلع، وأخيراً نجحوا بعدما قطعوه إرباً إرباً. وبذلك استطاعت قدميّ معانقة حريتهما. وأنتم تعرفون معنى ذلك.
ثلاثة أيام لم أستطع المشي بتاتاً. و كل ما حدث تم بعد ذلك.
سابقاً كنت أنتعل ثمانية و ثلاثين لكن بعد ذلك، حتى الأربعين بات ضيقاً على قدمي، فقد كبرت قدماي بعدما عانقتا حريتهما، ألسنا هكذا نحن بني البشر عندما نتحرر من أي احتجاز و مهما طال أمده نتضخم و لا نستطيع الدخول من باب البيت.
بعد أربعة أيام قدم إلي والد الفتاة التي طلبها سرمت، و بعدما تحدثنا بموضوعات شتى قال لي:
- قررنا، أنا و زوجتي، تزويجك ابنتنا.
ذهلت مما سمعت:
-- لم ؟ لم أفهم…
- لأننا أعجبنا بك كثيراً، لم نصادف طوال حياتنا شاباً خجولاً مثلك، لم نر شاباً ذا تربية عالية مثلك، يوم أتيت إلينا كنت تقطر عرقاً من شدة الخجل و وجهك مبقع حمرة، لم تتفوه بتاتاً و كنت مطأطئ الرأس، شرف لأي عائلة دخول صهر مؤدب إليها.
-- و ماذا عن صديقي.. ماذا سيحل به؟.
- أرجوك اتركه، فهو ثرثار أحمق، و قليل الحياء. تصرف بشكل غير عقلاني، حسب ظنه أنه كان يروي قصصاً و نكات . لا فتاة عندي كي أزوجه.
و هكذا أخذ الرجل يزورني كل يومين أو ثلاثة أيام ليتحدث ممتدحاً حيائي و تربيتي:
- لم أر شاباً ذا تربية عالية، و أخلاق.. وجهك مبقع حياء.. لا تعرف أين تضع يدك..
-- يا سيدي أنا لا أفكر بالزواج الآن.
- فكر بالأمر.. سآتي ثانية و نتحدث في الموضوع.
و ظل الرجل يزورني كل يومين أو ثلاثة أيام ليتحدث ممتدحاً حيائي و تربيتي..
و ذات يوم لم أستطع ضبط أعصابي، أخرجت من درج طاولتي قطع حذائي ذي السبعة و الثلاثين ملفوفة بجريدة و ألقيت بها أمامه و صرخت به:
ها هي الأخلاق و التربية و الخجل, خذه و زوجه ابنتك !.
تذكروا عندما تنوون الذهاب لطلب يد فتاة أن تنتعلوا حذاء ضيقاً.