غسان
11-10-2010, 08:13 AM
شهر العسل المر كتبها المحامي هائل اليوسفي
حين عقد سعيد قرانه على الآنسة المهذبة نوال لم يكن يخطر في بال احد أن سعيدا لن يكون سعيدا ولن يكون له نصيب من معنى اسمه في هذا الزواج خلافا لما جاء في الأثر لكل اسم من مسماه نصيب فكل منهما له طباع تختلف عن الأخر وخلفية اجتماعية مغايرة وثقافية نقيضة وقد طغت على سطح العلاقة الزوجية كل هذه المتناقضات خلال الأيام الأولى للزواج لا بل ومنذ صبيحة العرس
الحكاية من أولها
حين تعرف سعيد على نوال الصبية الجميلة ذات القوام الناهض واستطاع أن يستدرجها إلى منزله في وقت خلا من كل ساكنيه ودخل بها وهتك عذريتها لم يكن يدري أنها لم تبلغ الثامنة عشر من عمرها واعتقد سعيد أن الأمر سيمر بسلام لولا أن نوال اطلعت أمها وأمها بدورها تحدثت مع والدها وهذا بدوره راح لتوكيل المحامي والحكاية صارت قضية لان نوال قاصر والقاصر يحميه القانون وما فعله سعيد كان جناية .
استدعت إدارة المباحث الجنائية سعيد لاستجوابه واضطر أمام إفادة نوال ودموعها وتوسلاتها إلى الاعتراف بكل التفاصيل
ومن ثم جاءته النصيحة الذهبية أن لا مجال للخلاص من هذه الورطة إلا أن يعقد على نوال لان الزواج في مثل هذه الحالات يجب الجريمة ويوقف الملاحقات لغايات إنسانية أرادها المشرع لا مجال لذكرها الآن أمام هذا العرض السخي لم يكن لدى أهل نوال مانع من الزواج ولو أنهم كانوا يتمنون لو تم في غير هذه الظروف ولكنهم يريدون ضمانات حقيقية لاستمرار هذا الزواج الذي جاء تحت وطأة ضغظ هذا الظرف القانوني لذلك طلبوا من سعيد أن يسجل لنوال الدار التي يسكنها إذا كان صادقا في عاطفته نحوها ورغبته فيها كما قال وزعم أمام المباحث
اضطر سعيد أن يخضع لهذا الطلب وفي خلال 24 ساعة كانت الدار مسجلة بالسجل العقاري باسم نوال وأطلق سراح سعيد ليصبح زوجا غير سعيد لنوال أمام الله والناس وكذلك أمام القانون
الأدوار المقلوبة
مر يوم اثنان عشرة وجد سعيد نفسه قد فرط بثمن اكبر بكثير مما يساويه الزواج من نوال وهي الفتاة المفرطة وبدأت تلمع عنده مشاعر وأحاسيس خفية أن نوال لم تكن الطريدة وانه لم يكن الصياد بدأ يسأل نفسه كم كان غبيا وكم كان ثمن هذا الغباء فاحشا
بدأ سعيد حياته الزوجيه وبدأت تدور في رأسه شتى الحلول وكان كلما وصل إلى حل يمحصه ويدقق فيه يجد انه ليس حلا بل مصيبة
ذات ليلة وفيما كان يتابع احد المسلسلات البوليسية من فضائية أجنبية قفز من مقعده الوثير وصرخ بأعلى صوته على طريقة ارخميدس وجدتها وجدتها لقد وجد أخيرا الحل المنشود
فاتح زوجته في انه يرغب في السفر إلى شاطئ البحر لتمضية أسبوع من الزمان عسى ولعل يجد هناك الراحة والاسترخاء مما يعانيه من توتر وتشنج وسألها أن كانت ترغب في صحبته سيما وأنهما لم يقوما بشهر العسل كما يفعل كل الأزواج
ودون تردد وافقت نوال على الفكرة وأبدت حماسا منقطع النظير ووجدت في هذا العرض تباشير صفحة جديدة في علاقتها مع سعيد لا سيما وان نوال تحب البحر والسباحة
إجازة بحرية
اختار سعيد شاليه فاخرة على الشاطى مزودة بكافة وسائل الراحة بما في ذلك الحمام الأنيق وفيه المغطس البانيو الجميل علما أن حمامات الشاليهات على البحر قلما تحوي ضمنها بانيو فكل ما يحتاجه المصطاف نزيل لشاليه الدوش الساخن لا أكثر ولا اقل.
في اليوم التالي عرض سعيد على زوجته نوال بأن يقوما بنزهة بحرية على ظهر زورق صغير يستأجرانه ويطوفان به على الحوافي القريبة من الشاطئ ووجدت نوال أن الفكرة مناسبة وإلا ما معنى أن يكونا على شاطئ البحر وطابت لهما النزهة في اليوم الأول فعرض على صاحب اللانش أن يستأجرانه لمدة ثلاثة أيام أخرى والدفع سلفا
أصبح اللانش في حيازة سعيد وجعل له مربطا لا يبعد عن الشاليه سوى أمتار قليلة
أمضى سعيد جزءا من ليلته تلك أمام التلفزيون متظاهرا انه يتابع برامجه من محطة إلى أخرى ولكن في الحقيقة كان يتابع في مخيلته برنامجا آخر أكثر حيوية وإثارة وعلة حين غرة استأذن زوجته لدخول الحمام ليمضي وقتا سعيد في البانيو عل المياه الساخنة تمنحه متعة الاسترخاء تمهيدا للنوم الهانئ العميق.
فما كان منها إلا أن أبدت استعدادها للاستحمام في البانيو الساخن لا بل أرادت أن تدخل الحمام هي أولا أليست القاعدة الاجتماعية تقول السيدات أولا دخلت نوال الحمام وغطست في البانيو.
الزوجة تغرق تغرق تغرق
في الصباح الباكر كان سعيد يجدف زورقه وتجلس قبالته على الطرف الأخر من الزورق زوجته نوال وبدت عليه علامات الإجهاد واخذ الموج يقذف بالزورق شيئا فشيئا بعيدا عن الشاطئ استدرك سعيد وبدأ صراخه يعلو طالبا النجدة ويده تلوح يمنه ويسرة ولم يكن البحر خاليا من الناس فالكثير من زوارق النزهة تمخر الشاطئ القريب فما كان من هؤلاء الناس إلا أن بدءوا يهرعون إليه منهم سباحة ومنهم تجديفا ولكن القدر كان أسرع فانقلب الزورق بمن فيه وسقط سعيد وسقطت نوال في مياه البحر لكن مروءة سعيد فرضت عليه وبطريقة سينمائية مثيرة أن يحاول إنقاذ نوال زوجته الغالية إنما بلا فائدة لأن مشيئة الله قضت أن تموت نوال غرقا.
أكد الطبيب الشرعي ا ن الوفاة تمت بسبب الغرق وان نول غرقت قضاء وقدرا في مياه البحر وقرر قاضي النيابة تسليم جثتها إلى زوجها ليحملها معه عائدا إلى دمشق .
في دمشق كان وقع الخبر كالصاعقة على رأس أهل نوال وهي العروس التي لم تكمل الثامنة عشرة فاستقبلوا الخبر بشكوك بالغة تصل إلى حد عدم التصديق أن نوال لا تعرف السباحة.
من قال هذا الكلام نوال لم تنقطع في كل صيف عن التردد إلى مسابح لا بل أكثر من ذلك كانت نوال تمضي أيام العطلات المدرسية في بيت خالتها في اللاذقية تصحبهم إلى المسابح البحر ابنه خالتها ليلى والجميع يشهد على ذلك.
إذن حكاية الغرق سخيفة وغير مقنعة وتحتاج إلى كثير من السذاجة لتصديقها والقبول بها
إذن ما العمل وتقرير الطبيب يقول بان الوفاة تمت بسبب الغرق
هل نستجيب للظنون السيئة ولا سند لهذه الظنون في الأدلة والوقائع آو أن نخضع ونقبل بما جاء به الزوج المفجوع سعيد من المزاعم التي أيدها تقرير الطبيب الشرعي على نحو لا يدع مجالا للريبة والشك.
حين اتصل والد نوال بي هاتفيا وبطلب من زوجته واخبرني عن الفاجعة التي حلت بهم ليسألني عما يجب أن يفعلوا كنت اسمع عويل وبكاء والدة نوال وهي تقف إلى جانبه وشعرت أنها خطفت السماعة من يده وبدأت تصرخ على نحو هستيري قتلها يا أستاذ.
تجاوزت عبارات العزاء وبدأت استوضح عن تفاصيل ما جرى ولم اطل الحديث فاتجهت مباشرة إلى منزلهم وكانت نصيحتي الوحيدة والمباشرة أن يبقوا جثة نوال في براد المشفى قبل الحصول على إذن الدفن ووعدتهم أن الحق بهم فورا .
هنالك التقيت الزوج سعيد الذي تورمت عيناه من كثرة البكاء وبح صوته من شدة العويل وانفردت به جانبا ليحدثني بهدوء وبعيدا عن الآخرين عما جرى وكيف جرى بعد أن أفهمته أنني صديق العائلة وان الموضوع أثار فضولي كأي إنسان أخر.
بدأ سعيد يسرد لي كل التفاصيل التي وردت أيضا في هذا المقال وعندما انتهى طلب مني أن كنت احمل منديلا ورقيا ليمسح به دموعه فأعطيته وأنا أحدق بتفاصيل وجهه ولساني كاد ينطق ويخاطبه أنت تكذب يا سعيد ولكن كيف لي أن اثبت الكذب.
هل يكفي أن تكون نوال تعرف السباحة
فالكثير ممن غرقوا في البحر كانوا يعرفون السباحة ثم هل يكفي أن يكون زواجه من نوال إفلاتا وفرارا من حكم القضاء فالكثير تزوجوا على هذا النحو وعاشوا حياة عادية بل سعيدة وأنجبوا الصبيان والبنات .
كان سعيد متمترسا وراء تقرير الطبيب الشرعي الذي أكد أن الوفاة تمت غرقا وكان واثقا أن ما من احد يستطيع أن يوجه إليه إصبع الشبهة حتى أن الكثير من الأصدقاء والمعارف بدأوا يلومون والدة نوال على ما فرطت به تجاه صهرها من اتهامات وسباب بل راحوا يعزونها على فاجعتها التي أفقدتها صوابها فلم تعد تعي ما تقول.
كولومبو لا يخسر قضية
حين دخلت مكتب المحامي العام وعرفته بنفسي نظر إلي باستغراب ثم استدرك ورحب بي ببرود وقال نعم تريد أن تكتب مسلسلا بوليسيا في بلدتنا
أجبته وأنا ابتسم لقد كتبته وانتهيت يا سيادة المحامي العام
إذن عما تبحث يا كولومبو
عن الخاتمة لهذا المسلسل وهنا اتسعت ابتسامتي أكثر وأخرجت من محفظتي استدعاء كنت قد كتبته سلفا وضمنته كل الملاحظات والظنون التي تحيط بالقضية وطلبت بالنتيجة تشكيل لجنة ثلاثة أطباء شرعيين من ذوي الاختصاص التقرير الثلاثي
كان واضحا دقيقا لا لبس فيه ولا غموض قرأت صورة التقرير بفرح شديد واتجهت إلى مكتب المحامي العام الذي بادرني ودون أن ينتظر حتى سماع التحية والسلام لقد أحكمت طوق حبل المشنقة حول رقبته يا أستاذ .
هذه هي الخاتمة التي كنت ابحث عنها لقد أكد التقرير الطبي أن الوفاة تمت بفعل الاختناق الناجم عن الغرق ولكن ليس في مياه البحر ونما في مياه المغطس البانيو الذي استحمت فيه به المغدورة نوال ، ولقد وجد الأطباء بقايا أثار الصابون في حويصلات الرئتين ولم يجدوا أيه أثار لمياه البحر المالحة لان من خاصية الموت التيبس السريع للجثة الذي يستحيل معه بعدها دخول قطرة ماء واحدة إلى حويصلات الرئة وبالتالي يتضح ثبوت وفاة نوال قبل أن ينقلها سعيد جثة هامدة إلى الزورق الرابص على الشاطئ أمام الشاليه والقيام بتمثيلية الغرق في مياه البحر.
أخيرا اعترف سعيد بفعلته في كافة مراحل التحقيق.
وأمام محكمة الجنايات في اللاذقية قام سعيد بسرد الأحداث وبدقة شديدة لأنه لم يعد ينفعه أي إنكار أو مراوغة وبعد عدد من الجلسات بما فيها جلسة استدعاء الأطباء الشرعيين لسماع أقوالهم.
أصدرت المحكمة قرارها القاضي باعتبار الجرم الذي ارتكبه سعيد جناية القتل العمد الذي سبقه إصرار وتصميم وحكمت عليه بالإعدام.
وبتاريخ لاحق استيقظ نزلاء السجن في اللاذقية ليجدوا في ساحة السجن منصة الإعدام وقد تدلت منها جثة سعيد.
حين عقد سعيد قرانه على الآنسة المهذبة نوال لم يكن يخطر في بال احد أن سعيدا لن يكون سعيدا ولن يكون له نصيب من معنى اسمه في هذا الزواج خلافا لما جاء في الأثر لكل اسم من مسماه نصيب فكل منهما له طباع تختلف عن الأخر وخلفية اجتماعية مغايرة وثقافية نقيضة وقد طغت على سطح العلاقة الزوجية كل هذه المتناقضات خلال الأيام الأولى للزواج لا بل ومنذ صبيحة العرس
الحكاية من أولها
حين تعرف سعيد على نوال الصبية الجميلة ذات القوام الناهض واستطاع أن يستدرجها إلى منزله في وقت خلا من كل ساكنيه ودخل بها وهتك عذريتها لم يكن يدري أنها لم تبلغ الثامنة عشر من عمرها واعتقد سعيد أن الأمر سيمر بسلام لولا أن نوال اطلعت أمها وأمها بدورها تحدثت مع والدها وهذا بدوره راح لتوكيل المحامي والحكاية صارت قضية لان نوال قاصر والقاصر يحميه القانون وما فعله سعيد كان جناية .
استدعت إدارة المباحث الجنائية سعيد لاستجوابه واضطر أمام إفادة نوال ودموعها وتوسلاتها إلى الاعتراف بكل التفاصيل
ومن ثم جاءته النصيحة الذهبية أن لا مجال للخلاص من هذه الورطة إلا أن يعقد على نوال لان الزواج في مثل هذه الحالات يجب الجريمة ويوقف الملاحقات لغايات إنسانية أرادها المشرع لا مجال لذكرها الآن أمام هذا العرض السخي لم يكن لدى أهل نوال مانع من الزواج ولو أنهم كانوا يتمنون لو تم في غير هذه الظروف ولكنهم يريدون ضمانات حقيقية لاستمرار هذا الزواج الذي جاء تحت وطأة ضغظ هذا الظرف القانوني لذلك طلبوا من سعيد أن يسجل لنوال الدار التي يسكنها إذا كان صادقا في عاطفته نحوها ورغبته فيها كما قال وزعم أمام المباحث
اضطر سعيد أن يخضع لهذا الطلب وفي خلال 24 ساعة كانت الدار مسجلة بالسجل العقاري باسم نوال وأطلق سراح سعيد ليصبح زوجا غير سعيد لنوال أمام الله والناس وكذلك أمام القانون
الأدوار المقلوبة
مر يوم اثنان عشرة وجد سعيد نفسه قد فرط بثمن اكبر بكثير مما يساويه الزواج من نوال وهي الفتاة المفرطة وبدأت تلمع عنده مشاعر وأحاسيس خفية أن نوال لم تكن الطريدة وانه لم يكن الصياد بدأ يسأل نفسه كم كان غبيا وكم كان ثمن هذا الغباء فاحشا
بدأ سعيد حياته الزوجيه وبدأت تدور في رأسه شتى الحلول وكان كلما وصل إلى حل يمحصه ويدقق فيه يجد انه ليس حلا بل مصيبة
ذات ليلة وفيما كان يتابع احد المسلسلات البوليسية من فضائية أجنبية قفز من مقعده الوثير وصرخ بأعلى صوته على طريقة ارخميدس وجدتها وجدتها لقد وجد أخيرا الحل المنشود
فاتح زوجته في انه يرغب في السفر إلى شاطئ البحر لتمضية أسبوع من الزمان عسى ولعل يجد هناك الراحة والاسترخاء مما يعانيه من توتر وتشنج وسألها أن كانت ترغب في صحبته سيما وأنهما لم يقوما بشهر العسل كما يفعل كل الأزواج
ودون تردد وافقت نوال على الفكرة وأبدت حماسا منقطع النظير ووجدت في هذا العرض تباشير صفحة جديدة في علاقتها مع سعيد لا سيما وان نوال تحب البحر والسباحة
إجازة بحرية
اختار سعيد شاليه فاخرة على الشاطى مزودة بكافة وسائل الراحة بما في ذلك الحمام الأنيق وفيه المغطس البانيو الجميل علما أن حمامات الشاليهات على البحر قلما تحوي ضمنها بانيو فكل ما يحتاجه المصطاف نزيل لشاليه الدوش الساخن لا أكثر ولا اقل.
في اليوم التالي عرض سعيد على زوجته نوال بأن يقوما بنزهة بحرية على ظهر زورق صغير يستأجرانه ويطوفان به على الحوافي القريبة من الشاطئ ووجدت نوال أن الفكرة مناسبة وإلا ما معنى أن يكونا على شاطئ البحر وطابت لهما النزهة في اليوم الأول فعرض على صاحب اللانش أن يستأجرانه لمدة ثلاثة أيام أخرى والدفع سلفا
أصبح اللانش في حيازة سعيد وجعل له مربطا لا يبعد عن الشاليه سوى أمتار قليلة
أمضى سعيد جزءا من ليلته تلك أمام التلفزيون متظاهرا انه يتابع برامجه من محطة إلى أخرى ولكن في الحقيقة كان يتابع في مخيلته برنامجا آخر أكثر حيوية وإثارة وعلة حين غرة استأذن زوجته لدخول الحمام ليمضي وقتا سعيد في البانيو عل المياه الساخنة تمنحه متعة الاسترخاء تمهيدا للنوم الهانئ العميق.
فما كان منها إلا أن أبدت استعدادها للاستحمام في البانيو الساخن لا بل أرادت أن تدخل الحمام هي أولا أليست القاعدة الاجتماعية تقول السيدات أولا دخلت نوال الحمام وغطست في البانيو.
الزوجة تغرق تغرق تغرق
في الصباح الباكر كان سعيد يجدف زورقه وتجلس قبالته على الطرف الأخر من الزورق زوجته نوال وبدت عليه علامات الإجهاد واخذ الموج يقذف بالزورق شيئا فشيئا بعيدا عن الشاطئ استدرك سعيد وبدأ صراخه يعلو طالبا النجدة ويده تلوح يمنه ويسرة ولم يكن البحر خاليا من الناس فالكثير من زوارق النزهة تمخر الشاطئ القريب فما كان من هؤلاء الناس إلا أن بدءوا يهرعون إليه منهم سباحة ومنهم تجديفا ولكن القدر كان أسرع فانقلب الزورق بمن فيه وسقط سعيد وسقطت نوال في مياه البحر لكن مروءة سعيد فرضت عليه وبطريقة سينمائية مثيرة أن يحاول إنقاذ نوال زوجته الغالية إنما بلا فائدة لأن مشيئة الله قضت أن تموت نوال غرقا.
أكد الطبيب الشرعي ا ن الوفاة تمت بسبب الغرق وان نول غرقت قضاء وقدرا في مياه البحر وقرر قاضي النيابة تسليم جثتها إلى زوجها ليحملها معه عائدا إلى دمشق .
في دمشق كان وقع الخبر كالصاعقة على رأس أهل نوال وهي العروس التي لم تكمل الثامنة عشرة فاستقبلوا الخبر بشكوك بالغة تصل إلى حد عدم التصديق أن نوال لا تعرف السباحة.
من قال هذا الكلام نوال لم تنقطع في كل صيف عن التردد إلى مسابح لا بل أكثر من ذلك كانت نوال تمضي أيام العطلات المدرسية في بيت خالتها في اللاذقية تصحبهم إلى المسابح البحر ابنه خالتها ليلى والجميع يشهد على ذلك.
إذن حكاية الغرق سخيفة وغير مقنعة وتحتاج إلى كثير من السذاجة لتصديقها والقبول بها
إذن ما العمل وتقرير الطبيب يقول بان الوفاة تمت بسبب الغرق
هل نستجيب للظنون السيئة ولا سند لهذه الظنون في الأدلة والوقائع آو أن نخضع ونقبل بما جاء به الزوج المفجوع سعيد من المزاعم التي أيدها تقرير الطبيب الشرعي على نحو لا يدع مجالا للريبة والشك.
حين اتصل والد نوال بي هاتفيا وبطلب من زوجته واخبرني عن الفاجعة التي حلت بهم ليسألني عما يجب أن يفعلوا كنت اسمع عويل وبكاء والدة نوال وهي تقف إلى جانبه وشعرت أنها خطفت السماعة من يده وبدأت تصرخ على نحو هستيري قتلها يا أستاذ.
تجاوزت عبارات العزاء وبدأت استوضح عن تفاصيل ما جرى ولم اطل الحديث فاتجهت مباشرة إلى منزلهم وكانت نصيحتي الوحيدة والمباشرة أن يبقوا جثة نوال في براد المشفى قبل الحصول على إذن الدفن ووعدتهم أن الحق بهم فورا .
هنالك التقيت الزوج سعيد الذي تورمت عيناه من كثرة البكاء وبح صوته من شدة العويل وانفردت به جانبا ليحدثني بهدوء وبعيدا عن الآخرين عما جرى وكيف جرى بعد أن أفهمته أنني صديق العائلة وان الموضوع أثار فضولي كأي إنسان أخر.
بدأ سعيد يسرد لي كل التفاصيل التي وردت أيضا في هذا المقال وعندما انتهى طلب مني أن كنت احمل منديلا ورقيا ليمسح به دموعه فأعطيته وأنا أحدق بتفاصيل وجهه ولساني كاد ينطق ويخاطبه أنت تكذب يا سعيد ولكن كيف لي أن اثبت الكذب.
هل يكفي أن تكون نوال تعرف السباحة
فالكثير ممن غرقوا في البحر كانوا يعرفون السباحة ثم هل يكفي أن يكون زواجه من نوال إفلاتا وفرارا من حكم القضاء فالكثير تزوجوا على هذا النحو وعاشوا حياة عادية بل سعيدة وأنجبوا الصبيان والبنات .
كان سعيد متمترسا وراء تقرير الطبيب الشرعي الذي أكد أن الوفاة تمت غرقا وكان واثقا أن ما من احد يستطيع أن يوجه إليه إصبع الشبهة حتى أن الكثير من الأصدقاء والمعارف بدأوا يلومون والدة نوال على ما فرطت به تجاه صهرها من اتهامات وسباب بل راحوا يعزونها على فاجعتها التي أفقدتها صوابها فلم تعد تعي ما تقول.
كولومبو لا يخسر قضية
حين دخلت مكتب المحامي العام وعرفته بنفسي نظر إلي باستغراب ثم استدرك ورحب بي ببرود وقال نعم تريد أن تكتب مسلسلا بوليسيا في بلدتنا
أجبته وأنا ابتسم لقد كتبته وانتهيت يا سيادة المحامي العام
إذن عما تبحث يا كولومبو
عن الخاتمة لهذا المسلسل وهنا اتسعت ابتسامتي أكثر وأخرجت من محفظتي استدعاء كنت قد كتبته سلفا وضمنته كل الملاحظات والظنون التي تحيط بالقضية وطلبت بالنتيجة تشكيل لجنة ثلاثة أطباء شرعيين من ذوي الاختصاص التقرير الثلاثي
كان واضحا دقيقا لا لبس فيه ولا غموض قرأت صورة التقرير بفرح شديد واتجهت إلى مكتب المحامي العام الذي بادرني ودون أن ينتظر حتى سماع التحية والسلام لقد أحكمت طوق حبل المشنقة حول رقبته يا أستاذ .
هذه هي الخاتمة التي كنت ابحث عنها لقد أكد التقرير الطبي أن الوفاة تمت بفعل الاختناق الناجم عن الغرق ولكن ليس في مياه البحر ونما في مياه المغطس البانيو الذي استحمت فيه به المغدورة نوال ، ولقد وجد الأطباء بقايا أثار الصابون في حويصلات الرئتين ولم يجدوا أيه أثار لمياه البحر المالحة لان من خاصية الموت التيبس السريع للجثة الذي يستحيل معه بعدها دخول قطرة ماء واحدة إلى حويصلات الرئة وبالتالي يتضح ثبوت وفاة نوال قبل أن ينقلها سعيد جثة هامدة إلى الزورق الرابص على الشاطئ أمام الشاليه والقيام بتمثيلية الغرق في مياه البحر.
أخيرا اعترف سعيد بفعلته في كافة مراحل التحقيق.
وأمام محكمة الجنايات في اللاذقية قام سعيد بسرد الأحداث وبدقة شديدة لأنه لم يعد ينفعه أي إنكار أو مراوغة وبعد عدد من الجلسات بما فيها جلسة استدعاء الأطباء الشرعيين لسماع أقوالهم.
أصدرت المحكمة قرارها القاضي باعتبار الجرم الذي ارتكبه سعيد جناية القتل العمد الذي سبقه إصرار وتصميم وحكمت عليه بالإعدام.
وبتاريخ لاحق استيقظ نزلاء السجن في اللاذقية ليجدوا في ساحة السجن منصة الإعدام وقد تدلت منها جثة سعيد.