رندة
11-02-2013, 04:24 PM
رسالة مفتوحة الى الموت
تأليف الكاتب التركي عزيز نيسن
لا تأتِ مصحوباً بالصخب ، فأنا لا أريد أن يسمع أحد بمجيئك لزيارتي . يكفي أن نعرف نحن الاثنين ، أنا و أنت ، بذلك . ليست هناك حاجة لأن تستنفر الآخرين بحدث قدومك . تعال بشكل يليق بي ، بسلوك ينسجم مع كياني وتاريخي . تعال بهدوءٍ وصمتٍ ، تعال بما ينسجم مع نمط حياتي التي دامت أعواماً طويلة دونما ضجيج !
فأنت حين تأتي من أجلي أنا ، أنت آتٍ لتأخذني لا لتقضَّ مضاجع الآخرين .
لقد تحمَّلتُ كل ما عانيت ضاحكاً و لم يعلم به سواي . أحزاني خبَّأتها لنفسي . أمَّا أفراحي فكنتُ أتقاسمها و الآخرين . كم أتمنًّى أن تكون نهايتي أيضاً على تلك الصورة ! أنا أعرف أنَّك قويٌّ . رأسي الذي لم ينحنِ لأحدٍ قد ينحني لك أنتَ ، عشت حياتي مرفوع الرأس ، ناصع الجبين . فعانقني واقفاً . مرفوع الرأس حين تأتي لتأخذني . و إذا كنت قد أخفقتُ في إنجاز جميع المشاريع التي خطَّطتُ لها خلال الفترة التي أمهلتني فيها فإنَّ الذنب في ذلك لا يقع على أحد سواي ، أنا المذنب الوحيد ... هذه العقوبة تكفيني ، إنها أثقل العقوبات لدى الذين يحسون بمرارتها .
حياتي كلها أمضيتها و أنا في صراعٍ معك ندَّاً لندٍّ . كثيرة هي المرَّات التي تلقَّيتُ فيها الهزيمة .
روحي ، وهي أقدسُ ما عندي ، أريد أن أعطيها برجولةٍ ، بوقارٍ ، واقفاً ، مرفوع الرأس ، بصورةٍ تليق بي ، إنَّني لا أريد أن أستسلم ...... أريد أن أقدِّم روحي لك كما لو كنت أقدِّم لك هديَّة تذكارية .
و مقابل هذا إذا أخذتني بعد أن تتسلَّم قلمي الذي كان سيفاً على الدَّوام بيديك الاثنتين بكلِّ إجلالٍ لتضعه فوق رأسكَ بإكبارٍ ، فكن مفعماً بالاحترام أمام الروح النقية الشفافة التي دأبت كل حياتها على زيادة نقائها و شفافيتها ، مثلما أن ممتلئ احتراماً لك . لم يسمعني أحدٌ و أنا أتأفَّف فلا تجعلني أتأفَّف منك .
تعال في واحدة من لحظاتي العادية الآن حين يكون القلم بيدي و الآلة الكاتبة أمامي . و الأوراق بجانبي . لا أريد أن تأتيني و أنا بطلٌ ، لا ، و لا و أنا غائبٌ عن الوعي . تعال ليلاً ، و إذا شئت تعال نهاراً . تعال في الصيف . أو في الشتاء ، إنَّ بابي و قلبي مفتوحان لك ! يكفي ألَّا تجعلني أستصغر نفسي ، يكفي ألَّا تضطرَّني إلى طلب الماء من أحدٍ ، ألَّا تضطرَّني إلى طلب المساعدة ... ألم نتصارع معاً برجولةٍ ؟ ألستُ جديراً بأن أطالبك بكل هذا ؟ إذا كنتَ مصرَّاً على جعلي أتأفَّف ، فعلى الأقلِّ أرجوك أن تجعلني أفعلُ ذلك بيني و بينك فلا يسمعُ تأفُّفي أحدٌ غيرُنا.
كلانا مناضلٌ ثبت في وجه غريمه ، كلانا كافح الآخر كلَّ هذه السنين دونَ توقُّفِ .
ولعلِّي أشير هنا إلى أنَّ نضالي كان أعظمَ و أكبرَ من نضالكَ أنتَ ، ذلك لأنَّك كنت واثقاً من البداية من أنَّ النصر في النهاية سيكونُ ، مهما حصل ، إلى جانبك . في حين كنتُ أنا أعلم علمَ اليقين بأنَّ الهزيمة في نهاية المطافِ ستكونُ من نصيبي .
أريد أن أكون جديراً بالموت مثلما كنت جديراً بالحياة ، لقد عملتُ و ناضلت كي أكون جديراً بالحياة فكنتُ جديراً بها . بقي الآن أن أكون جديراً بالموت .
اعترف لي بهذا الحقِّ ! إنِّني بذلت كلَّ ما استطعتُ من جهدٍ لأضيفَ ألواناً أخرى من الجمال إلى هذا العالم المفعم بآياتٍ لا حصر لها من الجمال ، هل يحقُّ لنا أن نلغي وجود جزيرة جميلةٍ لا حدَّ لها لأنها أصغر من أن نراها واضحةً في الأطالس ؟ إنَّ مساهمتي موجودة ، وإن كانت صغيرةً و متواضعةً لا تظهرُ على صفحاتِ الأطالس .
تسألني : ماذا فعلتَ ؟
فإليك جوابي :
سيميائيو العصور الوسطى عجزوا عن قَلْبِ الحجر إلى ذهبٍ . أمَّا أنا فسيميائي نجح في قَلْبِ دموعه إلى ضحكاتِ قدَّمها للعالم .
أيُّها الموتُ : تعال باحترام ، فأنا في انتظارك !
السِّيمياء : السحر و حاصله إحداث خيالاتٍ وهميةٍ لا وجود لها في الحسِّ ، والسيميائيون : من مارسوا السيمياء ، و أكثر ما اهتمُّوا به تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب .
تأليف الكاتب التركي عزيز نيسن
لا تأتِ مصحوباً بالصخب ، فأنا لا أريد أن يسمع أحد بمجيئك لزيارتي . يكفي أن نعرف نحن الاثنين ، أنا و أنت ، بذلك . ليست هناك حاجة لأن تستنفر الآخرين بحدث قدومك . تعال بشكل يليق بي ، بسلوك ينسجم مع كياني وتاريخي . تعال بهدوءٍ وصمتٍ ، تعال بما ينسجم مع نمط حياتي التي دامت أعواماً طويلة دونما ضجيج !
فأنت حين تأتي من أجلي أنا ، أنت آتٍ لتأخذني لا لتقضَّ مضاجع الآخرين .
لقد تحمَّلتُ كل ما عانيت ضاحكاً و لم يعلم به سواي . أحزاني خبَّأتها لنفسي . أمَّا أفراحي فكنتُ أتقاسمها و الآخرين . كم أتمنًّى أن تكون نهايتي أيضاً على تلك الصورة ! أنا أعرف أنَّك قويٌّ . رأسي الذي لم ينحنِ لأحدٍ قد ينحني لك أنتَ ، عشت حياتي مرفوع الرأس ، ناصع الجبين . فعانقني واقفاً . مرفوع الرأس حين تأتي لتأخذني . و إذا كنت قد أخفقتُ في إنجاز جميع المشاريع التي خطَّطتُ لها خلال الفترة التي أمهلتني فيها فإنَّ الذنب في ذلك لا يقع على أحد سواي ، أنا المذنب الوحيد ... هذه العقوبة تكفيني ، إنها أثقل العقوبات لدى الذين يحسون بمرارتها .
حياتي كلها أمضيتها و أنا في صراعٍ معك ندَّاً لندٍّ . كثيرة هي المرَّات التي تلقَّيتُ فيها الهزيمة .
روحي ، وهي أقدسُ ما عندي ، أريد أن أعطيها برجولةٍ ، بوقارٍ ، واقفاً ، مرفوع الرأس ، بصورةٍ تليق بي ، إنَّني لا أريد أن أستسلم ...... أريد أن أقدِّم روحي لك كما لو كنت أقدِّم لك هديَّة تذكارية .
و مقابل هذا إذا أخذتني بعد أن تتسلَّم قلمي الذي كان سيفاً على الدَّوام بيديك الاثنتين بكلِّ إجلالٍ لتضعه فوق رأسكَ بإكبارٍ ، فكن مفعماً بالاحترام أمام الروح النقية الشفافة التي دأبت كل حياتها على زيادة نقائها و شفافيتها ، مثلما أن ممتلئ احتراماً لك . لم يسمعني أحدٌ و أنا أتأفَّف فلا تجعلني أتأفَّف منك .
تعال في واحدة من لحظاتي العادية الآن حين يكون القلم بيدي و الآلة الكاتبة أمامي . و الأوراق بجانبي . لا أريد أن تأتيني و أنا بطلٌ ، لا ، و لا و أنا غائبٌ عن الوعي . تعال ليلاً ، و إذا شئت تعال نهاراً . تعال في الصيف . أو في الشتاء ، إنَّ بابي و قلبي مفتوحان لك ! يكفي ألَّا تجعلني أستصغر نفسي ، يكفي ألَّا تضطرَّني إلى طلب الماء من أحدٍ ، ألَّا تضطرَّني إلى طلب المساعدة ... ألم نتصارع معاً برجولةٍ ؟ ألستُ جديراً بأن أطالبك بكل هذا ؟ إذا كنتَ مصرَّاً على جعلي أتأفَّف ، فعلى الأقلِّ أرجوك أن تجعلني أفعلُ ذلك بيني و بينك فلا يسمعُ تأفُّفي أحدٌ غيرُنا.
كلانا مناضلٌ ثبت في وجه غريمه ، كلانا كافح الآخر كلَّ هذه السنين دونَ توقُّفِ .
ولعلِّي أشير هنا إلى أنَّ نضالي كان أعظمَ و أكبرَ من نضالكَ أنتَ ، ذلك لأنَّك كنت واثقاً من البداية من أنَّ النصر في النهاية سيكونُ ، مهما حصل ، إلى جانبك . في حين كنتُ أنا أعلم علمَ اليقين بأنَّ الهزيمة في نهاية المطافِ ستكونُ من نصيبي .
أريد أن أكون جديراً بالموت مثلما كنت جديراً بالحياة ، لقد عملتُ و ناضلت كي أكون جديراً بالحياة فكنتُ جديراً بها . بقي الآن أن أكون جديراً بالموت .
اعترف لي بهذا الحقِّ ! إنِّني بذلت كلَّ ما استطعتُ من جهدٍ لأضيفَ ألواناً أخرى من الجمال إلى هذا العالم المفعم بآياتٍ لا حصر لها من الجمال ، هل يحقُّ لنا أن نلغي وجود جزيرة جميلةٍ لا حدَّ لها لأنها أصغر من أن نراها واضحةً في الأطالس ؟ إنَّ مساهمتي موجودة ، وإن كانت صغيرةً و متواضعةً لا تظهرُ على صفحاتِ الأطالس .
تسألني : ماذا فعلتَ ؟
فإليك جوابي :
سيميائيو العصور الوسطى عجزوا عن قَلْبِ الحجر إلى ذهبٍ . أمَّا أنا فسيميائي نجح في قَلْبِ دموعه إلى ضحكاتِ قدَّمها للعالم .
أيُّها الموتُ : تعال باحترام ، فأنا في انتظارك !
السِّيمياء : السحر و حاصله إحداث خيالاتٍ وهميةٍ لا وجود لها في الحسِّ ، والسيميائيون : من مارسوا السيمياء ، و أكثر ما اهتمُّوا به تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب .