ابراهيم طاهر
28-06-2012, 10:01 AM
الخلية الحية المبرمجة
منقول عن احد المراكز العلمية العالمية
«ما هي الحياة؟»، هو السؤال الأساس الذي يبني عليه البشر إحساسهم بالضعف والجهل والضعة في عالم تسكنه الكثير من الأسئلة والقليل من الإجابات. هو السؤال الذي حاولت الأديان الإجابة عنه بأجوبة روحية علها تقدم بعض الاطمئنان للإنسان. لكنه أيضاً السؤال الذي يرى العلماء أنه أساس كل عملهم وبحثهم في مختلفة مجالات العلم من دون أن يصلوا إلى إجابة حتى الآن. ومع ذلك فقد شكل وضع خريطة الجينوم البشري بداية القراءة في كتاب الحياة بالنسبة للكثيرين منهم، وإن كانت قد سبقته الكثير من المراحل الأولية التي شكلت مفاتيح متفرقة لفهم تطور الحياة من دون كشف أصلها.
نهاية الأسبوع الماضي أعلنت مجموعة من العلماء الأميركيين أنهم تمكنوا من تصنيع أول جينوم اصطناعي لبكتيريا كمرحلة أولى يتبعها البحث عن السبيل «لبث الحياة» في هذا الجينوم وجعله قادراً على العيش. عمل قد يبدو للبعض إنجازاً فيما يثير القلق في أنفس آخرين. فهل وصلت العجرفة بالإنسان لأن يحاول أن يتسلى بلعبة الخلق؟ أم أن ما قام به هؤلاء العلماء هو التطور الطبيعي لعملهم ومعارفهم وبحثهم المضني عن أصل الحياة ومعناها أو عن حلول لمشاكلها؟
تزخر الثقافة الشعبية الأدبية والسينمائية بقصص العلماء الذين حاولوا أن يتلاعبوا بالكائنات الحية فكان أن أنتجوا وحوشاً كحال الدكتور فرانكشتاين في قصة ماري شيللي أو أفلام الخيال العلمي والباحثين الذين يتلاعبون بالجينات فينتجون خطأ فيروسات قاتلة تهدد البشرية. ولعل هذه الأخيرة هي التي تتبادر اليوم إلى الأذهان مع إعلان فريق البروفسور هاميلتون سميث في «معهد فانتر للأبحاث» عن تمكنهم من تصنيع أول نسخة كاملة لجينوم بكتيريا اصطناعي أي مصنوع بالكامل بيد البشر. والبكتيريا هي «ميكوبلاسما جينيتاليوم» (Mycoplasma genitalium) إحدى أصغر البكتيريا المعروفة لجهة حجم الجينوم الذي يكونها (582970 قاعدة من الأحماض الأمينية)، والتي تعيش عادة في الجهاز التناسلي البشري.
ويشكل هذا الإنجاز إحدى الخطوات الأولى على طريق علم الأحياء التصنيعي (Synthetic biology) وهو أحد الفروع العلمية الذي يدمج بين الهندسة الوراثية والكيمياء الإحيائية بحيث يصل إلى تصميم وتصنيع منظومات حية مبرمجة للعمل بطريقة معينة أو لهدف محدد، قد لا يقوم بها أي كائن حي آخر. ويهدف هذا العلم إلى زيادة المعرفة حول الحياة من خلال بنائها بدلاً من تفكيكها، وتطوير الهندسة الوراثية وجعلها قادرة على تركيب عناصر أو أنظمة معقدة، وتوسيع حدود الحياة والآلات حتى يتشابكا للوصول إلى تشكيل أنظمة حية قابلة للبرمجة بحسب حاجة الإنسان أو حتى تشكيل آلات حية يمكنها العمل داخل الخلايا.
وهو علم ليس بالقديم إذ يعود فقط إلى بدايات التسعينيات من القرن الماضي وبداياته كانت بتمكن فريق ألماني من تشكيل حمض نووي (DNA) يحتوي على قاعدتين اصطناعيتين إلى جانب القواعد الأربع الطبيعية. إذ يحتوي الحمض النووي على أربع أنواع من القواعد (أ، س، غ، ث أي أدنين وسيتوزين وغوانين وثيمين) تشكل الحروف التي تكون الجينات الموجودة فيه. ومنذ ذلك الحين تم اختراع أنواع مختلفة أخرى من القواعد، لكن من دون أن يتمكن أحد من تشكيل جينات يمكنها أن تترجم بروتينات داخل الخلية الحية. كما تمكن فريقان مستقلان من الباحثين في العام 2000 من تشكيل جهازين (من أجزاء معينة من الدنا) يعملان كآلتين داخل بكتيريا «إي كولي» أحدهما يجعل البكتيريا تومض بشكل محدد كما تفعل اللمبات الصغيرة التي تزين شجرة الميلاد، في حين أن الثاني كان عبارة عن مفتاح مشكل من موروثتين تتداخلان في عمل بعضهما بعضاً ما يسمح بتشكيل ذاكرة بدائية.
ويأمل الباحثون من أن يتمكنوا في يوم من الأيام من برمجة الخلايا كما تتم برمجة برامج الكومبيوتر تبعاً لحاجة المستخدم. بمعنى آخر إذا ما أراد أحدهم أن يحصل على بكتيريا تستطيع أن تتحرك باتجاه معين لمسافة محددة ثم تغير اتجاهها يمكن للباحثين أن يتناولوا العناصر محددة معدة مسبقاً وجاهزة تحت الطلب ويدخلوها في البكتيريا فيحصلون على ما يريدون وكأنها قطع غيار يتم تركيبها مع بعض لتشكل آلات.
الحياة في أنبوب اختبار؟
لكن ما حقيقة ما أعلنه، الأسبوع الماضي، الباحثون في معهد فانتر للأبحاث؟وماذا فعلوا بالضبط؟ وما هي التأثيرات المرجوة من هذا العمل؟ بل هل من انعكاسات حقيقية على حياة البشر نتيجة ما فعلوه؟
تجدر الإشارة في البداية إلى أن «معهد فانتر للأبحاث» يديره الباحث الأميركي المشهور غريغ فانتر والذي كانت له اليد الطولى في وضع خريطة الجينوم البشري بل ومسابقة المشروع الدولي للجينوم في الانتهاء من العمل. وهو أيضاً صاحب أول جينوم لشخص يتم وضع خريطته الكاملة، العام الماضي. ويأتي الإعلان عن التمكن من تصنيع كامل الجينوم لبكتيريا «ميكوبلاسما جينيتاليوم» في مختبراته ليتوج سنوات من البحث حول هذه البكتيريا بالذات بدأت بوضع الخريطة الكاملة للجينوم الخاص بها ثم انتقل فانتر إلى استخدامها في محاولة تحديد أصغر مخزون وراثي قابل للحياة بذاته.
فالمخزون الوراثي لأي خلية أو الدنا يحتوي على جينات، لكنه يحتوي بغالبيته على ما يعتبره الباحثون حتى الآن «قمامة»، وهي أجزاء من الحمض النووي يعتقدون أن لا معنى لها ولا فائدة. وبالتالي كان هدف فانتر دائماً التوصل إلى وضع الجينوم الأساسي أي تحديد أصغر قدر من الجينات التي تجعل الخلية قابلة للحياة.
وقد تمكن الفريق البحثي بقيادة دانيال غيبسون، من مضاعفة أجزاء من الدنا الصناعي داخل خلايا بكتيريا ثم زرع الأجزاء المرغوب بها داخل خلية خميرة قامت بجمعها وتشبيكها بعضها ببعض بحسب الترتيب الصحيح لجينات «ميكوبلاسما جينيتاليوم»، بحيث تم الحصول على جينوم البكتيريا كاملاً. وأطلق عليه اسم «ميكوبلاسما JCVI-1.0 تيمناً باسم مركز الأبحاث (the J Craig Venter Institute). ويأمل الباحثون أن يتمكنوا باستخدام التقنية نفسها التي طوروها في إنتاج أي جينوم آخر.
وبالرغم من الإنجاز الذي حققه الفريق فإنه اعتمد على جينوم موجود أصلاً كمثال ولم يخترع جينوم جديداً، أي أنه استعمل الدنا المصنع من أجل تكوين جينوم معروف سابقاً هو جينوم البكتيريا، لكنه لم يتمكن أيضاً بعد من جعله حياً. لكن فانتر وعد بأن يحقق ذلك خلال هذا العام. ويأمل الباحثون أن يتمكنوا من ذلك بإدخال الجينوم الاصطناعي في قوقعة فارغة أو خلية غير حية ليروا إن كان بإمكانهم أن يبدعوا كائناً حياً مصنوعاً من قبل الإنسان وقابلاً للتكاثر.
ويفرق هاميلتون سميث، مدير المركز وأحد الحاصلين على جائزة نوبل في العام 1978 (لاكتشافه الآلية التي يتم فيها قص الدنا إلى أجزاء باستخدام مواد كيميائية تسمى أنزيمات الحصر)، بين ما يسمى الحياة الاصطناعية والحياة التصنيعية التي يقوم بها «ففي الحياة التصنيعية هناك إعادة تصميم للكروموزومات الموجودة في الخلية ونحن لا نخلق نظام حياة اصطناعية جديداً».
آمال ومخاوف التطبيقات المستقبلية
لكن العلماء يأملون بأن يتمكنوا من اختراع جينومات جديدة تماماً ولا شبيه لها في الحياة الطبيعية أو كما يسميها البعض «خلايا روبوت»!
ويشكل قطاع الطاقة أحد القطاعات التي يتوقع أن يستهدفها علم الأحياء التصنيعي على أمل التمكن من تصميم بكتيريا قادرة على إنتاج وقود عضوي غير ملوث، يمكنه أن يستبدل الوقود المستخدم حالياً. كما يأمل أن يصبح بالإمكان تصميم بكتيريا تستطيع استهلاك الغازات الدفيئة والتخلص منها أو حتى نباتات تستهلك كميات أكبر بكثير من ثاني أكسيد الكاربون من أجل إبطاء عملية الاحتباس الحراري. والبعض يرى فيها وسيلة من أجل التخلص من النفايات السامة.
لكن أبعد من ذلك يذهب بعض العلماء إلى توقع التوصل إلى تشكيل جينوم بشري اصطناعي بحلول العام 2014 بالنظر إلى سرعة التطورات في هذا المجال. هذا الأمر يبعث المخاوف لدى الكثيرين يضاف إليه الخوف، مما يمكن أن تؤول إليه أي حياة جديدة يتم تصنيعها وآليات عملها وتأثيرها على غيرها من الكائنات الحية، وعلى البيئة، ما يمكن تشبيهه بالخوف من تأثير البذور المعدلة وراثياً على الطبيعة، وعلى الأنواع المختلفة الموجودة فيها.
هذا وينتشر خوف أيضاً بين بعض العلماء حول إمكانية أن تقع هذه التكنولوجيا في أيدي من يسيئون استغلالها، بحيث لا تكون فقط وسيلة لإنتاج بكتيريا أو أنظمة حية مفيدة، ولكن يمكن استعمالها في إنتاج أنظمة خطرة، يمكنها أن تصيب الكائنات الحية الأخرى ومنها الإنسان بعدوى وتمرضه.
وقد أصدر خبراء من معهد فانتر نفسه ومن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا تقريراً حول الأذى المحتمل من هذه التكنولوجيا تحت عنوان «من الخطأ البيولوجي إلى الرعب البيولوجي».
لكن هذا القلق الأخلاقي لم يترجم بعد بتحرك لوضع أسس أخلاقية للعمل أكان على مستوى الدول المعنية بهذه الأبحاث أو على مستوى العالم ككل. وقد يكون ذلك ناتج عن بقاء التطبيقات حتى الآن في مراحلها الأولى داخل جدران المختبرات وعدم وصولها إلى مرحلة الإنتاج والتسويق التجاري. فخارج المختبرات العالم غير مستعد بعد لاستقبال علم الأحياء التصنيعي وربما قليلون سمعوا حتى الآن بهذا العلم
لا اله الا الله لم يعطي للانسان الا قليل جدا" من العلم والعلم سلطان الكون ___
بقلم ابراهيم طاهر
منقول عن احد المراكز العلمية العالمية
«ما هي الحياة؟»، هو السؤال الأساس الذي يبني عليه البشر إحساسهم بالضعف والجهل والضعة في عالم تسكنه الكثير من الأسئلة والقليل من الإجابات. هو السؤال الذي حاولت الأديان الإجابة عنه بأجوبة روحية علها تقدم بعض الاطمئنان للإنسان. لكنه أيضاً السؤال الذي يرى العلماء أنه أساس كل عملهم وبحثهم في مختلفة مجالات العلم من دون أن يصلوا إلى إجابة حتى الآن. ومع ذلك فقد شكل وضع خريطة الجينوم البشري بداية القراءة في كتاب الحياة بالنسبة للكثيرين منهم، وإن كانت قد سبقته الكثير من المراحل الأولية التي شكلت مفاتيح متفرقة لفهم تطور الحياة من دون كشف أصلها.
نهاية الأسبوع الماضي أعلنت مجموعة من العلماء الأميركيين أنهم تمكنوا من تصنيع أول جينوم اصطناعي لبكتيريا كمرحلة أولى يتبعها البحث عن السبيل «لبث الحياة» في هذا الجينوم وجعله قادراً على العيش. عمل قد يبدو للبعض إنجازاً فيما يثير القلق في أنفس آخرين. فهل وصلت العجرفة بالإنسان لأن يحاول أن يتسلى بلعبة الخلق؟ أم أن ما قام به هؤلاء العلماء هو التطور الطبيعي لعملهم ومعارفهم وبحثهم المضني عن أصل الحياة ومعناها أو عن حلول لمشاكلها؟
تزخر الثقافة الشعبية الأدبية والسينمائية بقصص العلماء الذين حاولوا أن يتلاعبوا بالكائنات الحية فكان أن أنتجوا وحوشاً كحال الدكتور فرانكشتاين في قصة ماري شيللي أو أفلام الخيال العلمي والباحثين الذين يتلاعبون بالجينات فينتجون خطأ فيروسات قاتلة تهدد البشرية. ولعل هذه الأخيرة هي التي تتبادر اليوم إلى الأذهان مع إعلان فريق البروفسور هاميلتون سميث في «معهد فانتر للأبحاث» عن تمكنهم من تصنيع أول نسخة كاملة لجينوم بكتيريا اصطناعي أي مصنوع بالكامل بيد البشر. والبكتيريا هي «ميكوبلاسما جينيتاليوم» (Mycoplasma genitalium) إحدى أصغر البكتيريا المعروفة لجهة حجم الجينوم الذي يكونها (582970 قاعدة من الأحماض الأمينية)، والتي تعيش عادة في الجهاز التناسلي البشري.
ويشكل هذا الإنجاز إحدى الخطوات الأولى على طريق علم الأحياء التصنيعي (Synthetic biology) وهو أحد الفروع العلمية الذي يدمج بين الهندسة الوراثية والكيمياء الإحيائية بحيث يصل إلى تصميم وتصنيع منظومات حية مبرمجة للعمل بطريقة معينة أو لهدف محدد، قد لا يقوم بها أي كائن حي آخر. ويهدف هذا العلم إلى زيادة المعرفة حول الحياة من خلال بنائها بدلاً من تفكيكها، وتطوير الهندسة الوراثية وجعلها قادرة على تركيب عناصر أو أنظمة معقدة، وتوسيع حدود الحياة والآلات حتى يتشابكا للوصول إلى تشكيل أنظمة حية قابلة للبرمجة بحسب حاجة الإنسان أو حتى تشكيل آلات حية يمكنها العمل داخل الخلايا.
وهو علم ليس بالقديم إذ يعود فقط إلى بدايات التسعينيات من القرن الماضي وبداياته كانت بتمكن فريق ألماني من تشكيل حمض نووي (DNA) يحتوي على قاعدتين اصطناعيتين إلى جانب القواعد الأربع الطبيعية. إذ يحتوي الحمض النووي على أربع أنواع من القواعد (أ، س، غ، ث أي أدنين وسيتوزين وغوانين وثيمين) تشكل الحروف التي تكون الجينات الموجودة فيه. ومنذ ذلك الحين تم اختراع أنواع مختلفة أخرى من القواعد، لكن من دون أن يتمكن أحد من تشكيل جينات يمكنها أن تترجم بروتينات داخل الخلية الحية. كما تمكن فريقان مستقلان من الباحثين في العام 2000 من تشكيل جهازين (من أجزاء معينة من الدنا) يعملان كآلتين داخل بكتيريا «إي كولي» أحدهما يجعل البكتيريا تومض بشكل محدد كما تفعل اللمبات الصغيرة التي تزين شجرة الميلاد، في حين أن الثاني كان عبارة عن مفتاح مشكل من موروثتين تتداخلان في عمل بعضهما بعضاً ما يسمح بتشكيل ذاكرة بدائية.
ويأمل الباحثون من أن يتمكنوا في يوم من الأيام من برمجة الخلايا كما تتم برمجة برامج الكومبيوتر تبعاً لحاجة المستخدم. بمعنى آخر إذا ما أراد أحدهم أن يحصل على بكتيريا تستطيع أن تتحرك باتجاه معين لمسافة محددة ثم تغير اتجاهها يمكن للباحثين أن يتناولوا العناصر محددة معدة مسبقاً وجاهزة تحت الطلب ويدخلوها في البكتيريا فيحصلون على ما يريدون وكأنها قطع غيار يتم تركيبها مع بعض لتشكل آلات.
الحياة في أنبوب اختبار؟
لكن ما حقيقة ما أعلنه، الأسبوع الماضي، الباحثون في معهد فانتر للأبحاث؟وماذا فعلوا بالضبط؟ وما هي التأثيرات المرجوة من هذا العمل؟ بل هل من انعكاسات حقيقية على حياة البشر نتيجة ما فعلوه؟
تجدر الإشارة في البداية إلى أن «معهد فانتر للأبحاث» يديره الباحث الأميركي المشهور غريغ فانتر والذي كانت له اليد الطولى في وضع خريطة الجينوم البشري بل ومسابقة المشروع الدولي للجينوم في الانتهاء من العمل. وهو أيضاً صاحب أول جينوم لشخص يتم وضع خريطته الكاملة، العام الماضي. ويأتي الإعلان عن التمكن من تصنيع كامل الجينوم لبكتيريا «ميكوبلاسما جينيتاليوم» في مختبراته ليتوج سنوات من البحث حول هذه البكتيريا بالذات بدأت بوضع الخريطة الكاملة للجينوم الخاص بها ثم انتقل فانتر إلى استخدامها في محاولة تحديد أصغر مخزون وراثي قابل للحياة بذاته.
فالمخزون الوراثي لأي خلية أو الدنا يحتوي على جينات، لكنه يحتوي بغالبيته على ما يعتبره الباحثون حتى الآن «قمامة»، وهي أجزاء من الحمض النووي يعتقدون أن لا معنى لها ولا فائدة. وبالتالي كان هدف فانتر دائماً التوصل إلى وضع الجينوم الأساسي أي تحديد أصغر قدر من الجينات التي تجعل الخلية قابلة للحياة.
وقد تمكن الفريق البحثي بقيادة دانيال غيبسون، من مضاعفة أجزاء من الدنا الصناعي داخل خلايا بكتيريا ثم زرع الأجزاء المرغوب بها داخل خلية خميرة قامت بجمعها وتشبيكها بعضها ببعض بحسب الترتيب الصحيح لجينات «ميكوبلاسما جينيتاليوم»، بحيث تم الحصول على جينوم البكتيريا كاملاً. وأطلق عليه اسم «ميكوبلاسما JCVI-1.0 تيمناً باسم مركز الأبحاث (the J Craig Venter Institute). ويأمل الباحثون أن يتمكنوا باستخدام التقنية نفسها التي طوروها في إنتاج أي جينوم آخر.
وبالرغم من الإنجاز الذي حققه الفريق فإنه اعتمد على جينوم موجود أصلاً كمثال ولم يخترع جينوم جديداً، أي أنه استعمل الدنا المصنع من أجل تكوين جينوم معروف سابقاً هو جينوم البكتيريا، لكنه لم يتمكن أيضاً بعد من جعله حياً. لكن فانتر وعد بأن يحقق ذلك خلال هذا العام. ويأمل الباحثون أن يتمكنوا من ذلك بإدخال الجينوم الاصطناعي في قوقعة فارغة أو خلية غير حية ليروا إن كان بإمكانهم أن يبدعوا كائناً حياً مصنوعاً من قبل الإنسان وقابلاً للتكاثر.
ويفرق هاميلتون سميث، مدير المركز وأحد الحاصلين على جائزة نوبل في العام 1978 (لاكتشافه الآلية التي يتم فيها قص الدنا إلى أجزاء باستخدام مواد كيميائية تسمى أنزيمات الحصر)، بين ما يسمى الحياة الاصطناعية والحياة التصنيعية التي يقوم بها «ففي الحياة التصنيعية هناك إعادة تصميم للكروموزومات الموجودة في الخلية ونحن لا نخلق نظام حياة اصطناعية جديداً».
آمال ومخاوف التطبيقات المستقبلية
لكن العلماء يأملون بأن يتمكنوا من اختراع جينومات جديدة تماماً ولا شبيه لها في الحياة الطبيعية أو كما يسميها البعض «خلايا روبوت»!
ويشكل قطاع الطاقة أحد القطاعات التي يتوقع أن يستهدفها علم الأحياء التصنيعي على أمل التمكن من تصميم بكتيريا قادرة على إنتاج وقود عضوي غير ملوث، يمكنه أن يستبدل الوقود المستخدم حالياً. كما يأمل أن يصبح بالإمكان تصميم بكتيريا تستطيع استهلاك الغازات الدفيئة والتخلص منها أو حتى نباتات تستهلك كميات أكبر بكثير من ثاني أكسيد الكاربون من أجل إبطاء عملية الاحتباس الحراري. والبعض يرى فيها وسيلة من أجل التخلص من النفايات السامة.
لكن أبعد من ذلك يذهب بعض العلماء إلى توقع التوصل إلى تشكيل جينوم بشري اصطناعي بحلول العام 2014 بالنظر إلى سرعة التطورات في هذا المجال. هذا الأمر يبعث المخاوف لدى الكثيرين يضاف إليه الخوف، مما يمكن أن تؤول إليه أي حياة جديدة يتم تصنيعها وآليات عملها وتأثيرها على غيرها من الكائنات الحية، وعلى البيئة، ما يمكن تشبيهه بالخوف من تأثير البذور المعدلة وراثياً على الطبيعة، وعلى الأنواع المختلفة الموجودة فيها.
هذا وينتشر خوف أيضاً بين بعض العلماء حول إمكانية أن تقع هذه التكنولوجيا في أيدي من يسيئون استغلالها، بحيث لا تكون فقط وسيلة لإنتاج بكتيريا أو أنظمة حية مفيدة، ولكن يمكن استعمالها في إنتاج أنظمة خطرة، يمكنها أن تصيب الكائنات الحية الأخرى ومنها الإنسان بعدوى وتمرضه.
وقد أصدر خبراء من معهد فانتر نفسه ومن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا تقريراً حول الأذى المحتمل من هذه التكنولوجيا تحت عنوان «من الخطأ البيولوجي إلى الرعب البيولوجي».
لكن هذا القلق الأخلاقي لم يترجم بعد بتحرك لوضع أسس أخلاقية للعمل أكان على مستوى الدول المعنية بهذه الأبحاث أو على مستوى العالم ككل. وقد يكون ذلك ناتج عن بقاء التطبيقات حتى الآن في مراحلها الأولى داخل جدران المختبرات وعدم وصولها إلى مرحلة الإنتاج والتسويق التجاري. فخارج المختبرات العالم غير مستعد بعد لاستقبال علم الأحياء التصنيعي وربما قليلون سمعوا حتى الآن بهذا العلم
لا اله الا الله لم يعطي للانسان الا قليل جدا" من العلم والعلم سلطان الكون ___
بقلم ابراهيم طاهر