المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الولايات المتحدة تواجه تحديات مستعصية وغير مسبوقة في التوظيف..مقالة مفيدة


Hisham AA
26-12-2011, 01:57 AM
في الأسبوع الماضي، ذهب باراك أوباما إلى أوساواتومي في ولاية كنساس، للبدء بمرحلة أكثر شعبوية ضمن محاولة إعادة انتخابه. وأعلن الرئيس الأمريكي الذي اختار المكان ذاته الذي استخدمه تيدي روزفلت عام 1910 للدعوة إلى البدء بحقبة تقدمية جديدة: ''إنها لحظة اتصال أو انفصال بالنسبة إلى الطبقة الوسطى. وأعتقد شخصيا أن هذه البلاد تنجح حينما يحصل الجميع على فرصة عادلة''.
من شأن القول: إنه يجب على الجميع أن يحصل على ''فرصة عادلة'' أن يجعل السياسة منطقية- وتحديدا في وقت ينافس فيه عدم المساواة في الدخول في الولايات المتحدة نظيره في ''العصر المذهب'' لمارك توين (كتاب شارك فيه تأليفه توين، ويشير إلى النمو الاقتصادي السريع والرفاه والزيادة في الأجور وارتفاع الناتج القومي الإجمالي في الفترة التي أعقبت الحرب الأهلية في الولايات المتحدة). ولكن ربما أن أوباما بالغ للغاية في الإشارة إلى أن الطبقة الوسطى الأمريكية تواجه لحظة ''اتصال أو انفصال'' فريدة. وفي واقع الأمر، أصبحت قوة العمل قطبية خلال القسم الأعظم من الجيل السابق، في اتجاه تسارع بحدة منذ عام 2000.
اعتادت أمريكا أن تكون استثنائية. ففي فترة ما بعد الحرب، حافظت على معدل بطالة أدنى من الأوروبيين، ومعدل أعلى من تغيير الوظائف، الأمر الذي مكّنها من الحصول على المزيد من المنافع القليلة، وكان ''الحصول على عمل معقول خلال اليوم، مقابل أجر عادل''، أمرا في متناول معظم السكان. ومنح هذا أمريكا طبقة وسطى مزدهرة كانت حتى فترة قريبة المحرك الأهم للطلب العالمي.
لم يعد الأمر كذلك. ففي يومنا هذا، بطريقة لافتة للنظر إلى حد ما، يعتبر معدل البطالة الأمريكي أعلى من مثيله في قسم كبير من أوروبا. وكما أن المستهلك الأمريكي متورط في ديون شخصية عالية. وفي الوقت الذي تتعمق فيه أزمة الوظائف، تزداد القطبية السياسية الأمريكية كذلك الأمر. وتعتبر مزاعم ''حرب الطبقات'' سمة أساسية للجدل الدائر في واشنطن. وعلى النقيض من ستينيات القرن الماضي التي كانت تهيمن عليها الاحتجاجات من أجل السلام والحقوق المدنية، فإن معارك اليوم اقتصادية تماما. ومع ذلك، ثمة إشارات قليلة إلى أن صانعي السياسة، أو الاقتصاديين، أقرب إلى إيجاد الحلول.
لا يبدو أن أي شيء كان أوباما قادرا على إنجازه منذ عام 2008- بما في ذلك إبعاد حدوث كساد عظيم ثانٍ، والدفع قدما باتجاه الإصلاح الشامل لنظام الرعاية الصحية- أسهم في حل تلك التحديات الهيكلية الأساسية. وفي واقع الأمر، ثمة إشارات إلى أن المشكلة تزداد تعقيدا. وحسب كلمات ديفيد أوتور، اقتصادي العمالة البارز في جامعة هارفارد، فإن قوة العمل تعاني ''فقدان متزايد للطبقة الوسطى''.
باختصار، فإن الوظائف التي تحتاج إلى مهارات متوسطة التي كانت تشكل في الماضي الثقل الموازن للطبقة الوسطى الأغنى في العالم، تختفي تماما. وتحل مكانها وظائف متدنية المهارات نسبيا (ومتدنية الأجر) لا يمكن أن تحل محلها التكنولوجيا الجديدة، أو إسناد المهام إلى الخارج- مثل التمريض المنزلي، أو البستنة. ويتم توليد الوظائف كذلك بالنسبة إلى الأشخاص ذوي المهارات العالية، ولا سيما في مجال العلوم، والهندسة، والإدارة.
بالنسبة إلى باقي قوة العمل، بما في ذلك خريجو الكليات، فمن الصعب بشكل متزايد إيجاد وظيفة آمنة، والأمر أصعب بالنسبة إلى أولئك الذين يجدون وظائف أن يتلقوا أجرا يتماشى مع التضخم. ويعرف معظم الناس أن معدل متوسط الدخل الأمريكي تراجع بحدة منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي. وعدد أقل يدرك أن الدخول الحقيقية انخفضت بحدة كذلك خلال الفترة ذاتها بالنسبة إلى أولئك الذين يحملون شهادات جامعية. وفقط أولئك الذين يحملون شهادات عليا، ولا سيما حملة الدكتوراه، لمسوا، وحصلوا على مكتسبات صافية (بالنسبة إلى البعض، بشكل مذهل).
لأزمة الوظائف وجوه عدة تدعو إلى القلق، ومنها ثلاثة تستحق تسليط الأضواء عليها. وربما أن المشكلة الأعظم هي الحراك الضعيف للسوق. فقد اعتاد الناس وصف سوق العمل الأمريكية بكلمة، شومبيتريان؛ تيمنا باسم الاقتصادي النمساوي النيوكلاسيكي الذي ابتكر دورة ''التدمير الخلاق''. وربما يتم فقدان الوظائف سريعا خلال فترة الهبوط، ولكن كانت تتم إعادة توزيعها سريعا على قطاعات أكثر إنتاجية حينما يستأنف النمو الاقتصادي. غير أن ذلك لا يحدث الآن.
وفقا لشركة الاستشارات، ''مكينزي''، استغرق الأمر ستة أشهر بالنسبة إلى الاقتصاد الأمريكي ليتعافى إلى مستويات الوظائف قبل الانكماش بعد الهبوط الذي حدث عام 1982. وفي أعقاب انكماش عام 1991، ارتفعت الفترة إلى 15 شهرا. وبعد عام 2001، استغرقت الفترة 39 شهرا- الأمر الذي يعني أن الاقتصاد اقتضى الدورة التجارية الكاملة تقريبا ليستعيد إجمالي الوظائف الذي سلمته الدورة السابقة. وفي أعقاب الانكماش العظيم لعام 2008، توقعت ''مكينزي'' أن يستغرق الاقتصاد فترة 60 شهرا للوصول إلى مستويات الوظائف قبل فترة الهبوط.
يبدو ذلك الآن أمرا متفائلا. ففي كانون الأول (ديسمبر) 2007، كان الاقتصاد الأمريكي يوظف 146 مليون شخص. وبعد أربعة أعوام، تراجع الرقم إلى 140 مليونا. وحسب المعدل الحالي لتوليد الوظائف، فسيستغرق الأمر مدة عامين ونصف العام آخرين لاستعادة مستويات عام 2007- الأمر الذي سيجعل دورة التبديل تستغرق قرابة 78 شهرا. وهذا تدمير من دون إبداع. وحتى هذا الأمر يقلل من شأن المشكلة، حيث إن عدد السكان خلال ذلك الوقت سيزداد بأكثر من عشرة ملايين نسمة.
يقول كارل كامدن، الرئيس التنفيذي لشركة كيلي سيرفيسيز، وهي وكالة توظيف مزدهرة في ولاية ميتشجان: ''أعرف بعض الشركات التي توظف كبار المهندسين الذين تتمثل وظيفتهم الوحيدة في تقليل عدد الموظفين. وفي كل مكان، يبدو أن اسم اللعبة هو تقليل عدد الموظفين الدائمين، وما زلنا في المراحل الأولى من هذا الاتجاه''.
تنبع المشكلة الثانية من الأولى- توظف أمريكا نسبة متراجعة من شعبها. ففي بداية الانكماش، كان معدل التشغيل إلى السكان 62.7 في المائة. ويبلغ المعدل الآن 58.5 في المائة. وفي الشهر الماضي، هبط معدل البطالة من 9 في المائة إلى 8.6 في المائة. وفي ظاهر الأمر، كان ذلك يبدو وكأنه قفزة مرحب بها في توليد الوظائف. ولكن في واقع الأمر، كان سبب أكثر من نصف الهبوط هو النقصان في أعداد ''الباحثين بفعالية'' عن عمل. وتجاوز العدد البالغ 315 ألف شخص الذين خرجوا من سوق العمل عدد الوظائف الجديدة البالغ 120 ألف وظيفة.
وفقا لإحصاءات الحكومة، لو أن العدد ذاته من الأشخاص كان يبحث عن العمل اليوم مثلما في عام 2007، كان معدل البطالة سيكون 11 في المائة. وانتقل البعض من المطالبة بمنافع البطالة، إلى المطالبة بمنافع العجز، وبناءً عليه، خرجوا من قوة العمل بشكل دائم. واعتمد البعض الآخر على الإحسان من الأقارب. وانتهى الأمر بالبعض الآخر في السجن. ففي عام 1982، كان أكثر من 500 ألف شخص بقليل في السجن، وأما اليوم، فهناك نحو 2.5 مليون شخص، أكثر من عدد سكن أتلانتا، وبوسطن، وسياتل، وكنساس سيتي (مدن) معا، وذلك وفقا لمشروع الحراك الاقتصادي لمركز بيو، المؤسسة الفكرية في واشنطن.
أخيرا، فإن حصة متزايدة من أي الوظائف التي ما زال الاقتصاد قادرا على توليدها توجد في المجالات الأقل إنتاجية. وإن المهن الخمس التي يتوقع مكتب إحصاءات العمل أن تكون الأسرع نموا بين الوقت الحالي وعام 2018، لا يتطلب أي منها شهادة جامعية. وهذه الوظائف هي ممرض قانوني، و''مساعدو الرعاية الصحية المنزلية''، وممثلو خدمة الزبائن، وعمال إعداد الطعام، و''مساعدو الرعاية الشخصية المنزلية''.
لا يحتل التصنيع أي مرتبة ضمن المراتب العشرين العليا، ومثل تلك الوظائف لا يمكن أن تحل محل الراتب والشروط التي كانت مثالية في الماضي في ذلك القطاع. ويقول دان ديميكو، الرئيس التنفيذي لشركة نوكور، إحدى أكبر شركتين أمريكيتين متبقيتين في قطاع الصلب، ويتمثل شعار شركته في عبارة ''أمة تبني وتصنع الأشياء'' معلقا: ''لا يمكن أن تعمل صناعة إعداد الطعام على استدامة الطبقة الوسطى''.
لا تجري الرياح بما يشتهي ديميكو. ووفقا لدراسة أعدها هذا العام مايكل سبنس، الاقتصادي من جامعة ستانفورد الحائز على جائزة نوبل، وسانديل هلاتشوايو، كان توليد الوظائف كافة منذ عام 1990 في ''قطاع غير قابل للتداول''. وبين عامي 1990، و2008، أضافت الولايات المتحدة 27.3 مليون وظيفة، كان كل منها في مجال الخدمات. وكان قرابة نصفها في قطاع الرعاية الصحية أو القطاع العام- وهما مجالان يعتبر فيهما نمو الإنتاجية صفرا فعليا. وفي المقابل، تبع نمو الإنتاجية المذهل في التصنيع عدد الموظفين المتقلص.
إذا كان هناك تفسير لسبب ركود دخول الطبقة الوسطى خلال الجيل الماضي، فإنه كالتالي: بغض النظر عن الوظائف التي تستطيع الولايات المتحدة توليدها، فإنها في القطاعات الأقل فعالية- الأنواع التي لم تستطع الكمبيوترات، ولا الصين، أن تجد طريقة بعد للقضاء عليها. ويبدأ هذا الاتجاه في أن يلتف حول أقدام العمال الأمريكيين الأعلى تعليما بكثير. وفي الوقت الذي يستمر فيه هذا التحول، فإن الوظائف الأعلى أجرا محفوفة بالمخاطر على نحو متزايد، حسبما يجادل الأستاذ سبنس، والسيدة هلاتشوايو.
بناءً عليه، ما الذي يمكن فعله لإحياء سوق الوظائف المتصلبة على نحو متزايد؟ لو كانت الإجابة بسيطة، لكانت على شفاه كل شخص منذ فترة طويلة. ولكن لسوء الحظ، لا توجد سابقة للتحديات التي تواجهها أمريكا، وبناءً عليه، هنالك إجماع قليل بين الاقتصاديين وصانعي السياسة حول أفضل الحلول. وعلى أية حال، يتفق الجميع تقريبا على كيفية التأكد من ألا يتدهور الوضع. ويعلو القائمة نظام تعليم أفضل لجميع مراحل الحياة.
للأسف، فإن البدء من جديد بنظام دراسي متوسط بشكل متزايد أمر أسهل قولا من فعله. ولا تعتبر مسألة تجديد المهارات بشكل دائم أمرا واقعيا لأعداد كبيرة من قوة العمل. وربما أن هناك دروسا يمكن تعلمها من بلدان مثل ألمانيا، وتحديدا فيما يتعلق بالتعليم المهني، ولكن لا توجد شهية فيدرالية لتطبيقها. ويقول كامدن الذي ترعى شركته مئات الآلاف من العمال الذين يعملون بشكل مؤقت في شتى أرجاء العالم، من المحامين، إلى المساعدين في المكاتب: ''على كل مواطن أمريكي أن يعتاد على فكرة أسلوب عمل مختلف للغاية تماما. وما تعلمته في الكلية قبل خمس سنوات، يمكن أن يكون عتيق الطراز فعليا''.
ربما، بشكل حتمي، بالنظر إلى المناخ المالي، مضت ميزانيات التعليم والتدريب في الاتجاه الخاطئ خلال الأعوام القليلة الماضية. وتستمد المدارس العامة، وكليات المجتمع المهنية جانبا كبيرا من تمويلها من ضرائب المحلية على العقارات. ويجلب ذلك الأنموذج نقطتين سلبيتين بشكل كبير. النقطة الأولى هي أن ذلك يعني أن الكليات المجتمعية ضحايا ''سياسة التمييز بناءً على رمز المنطقة''- كلما تدنت قيم العقارات في منطقة ما، كانت الأموال أقل لتدريب القوة العاملة، أو تعليم الأبناء.
ثانيا، يحرم ذلك المجتمعات من عوامل الاستقرار المالي الذي تحتاج إليه خلال الأزمة المطولة لحبس الرهن على المنازل. وشهدت المناطق التي تعرضت إلى أسوأ ضربة بسبب أزمة الإسكان بعض التخفيضات الأكثر حدة في مجال التعليم. وفي المقابل، استطاع بعض أفضل كليات المجتمع النجاة من المشكلة. ولكن بعض الميزانيات اتجه اتجاها منخفضا على شكل دوامة في وقت ارتفع فيه الطلب على إعادة تدريب الموظفين. ويقول الأستاذ أوتور: ''إنه أمر سخيف للغاية حينما نسحب الدعم عن كليات المجتمع في الوقت الذي تحتاج إليه فيه إلى أقصى حد''.
يتفق الاقتصاديون أيضا على الحاجة إلى مجموعة كاملة من التدابير الأخرى- من زيادة الإنفاق على البنى التحتية، حيث بدأت نوعية الطرق والمطارات الآن تبدو كنوعيتها في العالم الثاني، إلى سياسة أكثر حكمة للهجرة تشجع الطلاب الأجانب الأكثر موهبة على البقاء في الولايات المتحدة. ويدعو معظمهم أيضا إلى زيادة الإنفاق العام على البحث والتطوير، وكذلك حوافز خاصة أفضل. وإن لدى الولايات المتحدة الآن أقل الإعفاءات الضريبية سخاءً المفروضة على البحث والتطوير في العالم المتقدم.
كل هذه الإصلاحات معا سيكون لها تأثير- ولكن قلة يعتقدون أنها ستغير الصورة. ويقول بيتر أورزاج، مدير الميزانية السابق لأوباما، والذي أصبح الآن نائب رئيس بنك سيتي: ''الحقيقة هي أننا لا نعرف كيف نصلح سوق العمل في الولايات المتحدة- نحن في أرض مجهولة. وسيكون من المفيد زيادة الإنفاق على إعادة التدريب، وعلى البنى التحتية، وأن نضع نظاما أكثر عقلانية للهجرة. إلا أن هذه التدابير لن تغير أوضاع الطبقة الوسطى. وليس من الواضح بعد التدابير التي ستؤدي إلى ذلك''