نداء إلى
حفظهم الله
في كثير من الدول ، عندما تتعرض صناعة معينة لأي ضربة اقتصادية أو وباء أو خسارة جماعية ناتجة عن ظرف طارئ أو قاهر أو حتى منافسة خارجية ، تهب الحكومات لإنقاذ تلك الصناعة كي لا تتعرض للانقراض وكي لا يهجر أهل ذلك الإنتاج إنتاجهم.
عندما أنشئت سوق دمشق للأوراق المالية بشقيها السوق الأولي (الإصدار أو الاكتتابات ) و السوق الثانوي (التداول ) ، كان الهدف منها هو جمع مدخرات المواطنين وتوظيفها في مشروعات وشركات كبرى تعود بالفائدة عليهم ،وتجنبهم الاستثمار بالقنوات الأخرى غير الآمنة ، مثل جامعي الأموال وما رافق هذه الظاهرة من ضياع لحقوق الناس .
ولكن يلاحظ في الفترة الأخيرة و نتيجة غياب دور الجهات الوصائية ( التي يعول عليها التدخل الإيجابي في الأزمات ، ناهيك عن التدخل السلبي) أن استثمارات ومدخرات الناس تتعرض لنفس المصير الذي تعرضت له عند توظيفها لدى جامعي الأموال الذين لم تجف دموع الناس بعد مما تسببوا به لهم من خسارات جسيمة.
إن الأزمة الحقيقية ليست في تعرض أسعار الأسهم لضغوط سعرية أوصلتها إلى أسعار تلامس أو تنخفض عن القيمة الإسمية أو الدفترية ، وإنما الأزمة الحقيقة هي في فقد الثقة بأن الجهات الوصائية على سوق المال تمتلك القدرة على التدخل الحازم والسريع والإيجابي لتصحيح الأوضاع في الأزمات الطارئة.
المقترحات:
1- الإعلان عن تمديد فترة زيادة رأسمال البنوك إلى ستة سنوات في أقرب وقت ممكن ، وذلك للأسباب المفصلة أدناه.
2- تشكيل صندوق استثماري حكومي برأسمال كبير يرأسه السيد وزير المالية ويديره مدير عام السوق ، يكون صانعا للسوق وفق الطرق المعتمدة عالميا لصناع السوق Market Makers .
الأسباب :
1- الإصرار على التقيد بالمدة الواردة في مرسوم الزيادة فيه استحالة إجرائية ، من حيث المدد الزمنية المطلوبة لمراحل الزيادة في حال عدم الجمع بين زيادتين أو أربعة أو خمسة في ذات الوقت.
2- إذا كان المطلوب من التقيد بالمدة التي تنتهي في 31/12/2012 هو ضخ قطع أجنبي من قبل البنوك والشركات الخارجية ، فإن لذلك محاذير كبيرة ، كون نسب التملك هي:
60% للبنوك الخارجية
15% للشخصيات الاعتبارية
25% للجمهور من المواطنين السوريين
بمعنى : إذا لم يتم ضخ 25% من قبل الجمهور و التي تقدر بحدود 25 مليار ل س ، (بالنظر إلى المبالغ المطلوبة للوصول إلى الحد الأدنى الجديد - أي بمعدل 1.5 مليار شهريا ) ، فهذا يعني احتمال فشل الزيادة وانهيار تام لأسعار الأسهم ، وذلك على فرض أن كافة البنوك الخارجية المؤسسة للبنوك المحلية بمن فيهم من شخصيات أجنبية سيلتزمون بضخ 60 مليار ليرة سورية خلال 18 شهر في مثل هذه الظروف ، و الجميع لاحظ أن بنك قطر الدولي الإسلامي ومن معه من شخصيات لم يكتتب بحصته في الأسهم التي تحق له بالمرحلة الثانية بالقيمة الإسمية رغم قلتها بالنسبة له ( 258,000 ألف سهم ) ، فيجب أخذ هذه السابقة بعين الاعتبار و التدبر.
مع العلم أن بنك سوريا الدولي الإسلامي من أنجح البنوك الخاصة في سوريا.
فهل يتوقع أصحاب الأقلام الخضراء النجاح في إمكانية سحب 25 مليار من يد الناس خلال سنة و نصف وفي مثل هذه الظروف ؟؟؟
هذا طبعا على فرض عدم تأسيس أي بنك أو شركة مساهمة عامة جديدة خلال تلك الفترة .
مما يعني أن النتيجة ستكون عكسية للأسباب التالية:
أ- في حال عدم تغطية الاكتتاب للزيادة فإن هذا يعني فشل الهدف في الحصول على قطع أجنبي يرفد الخزينة و يقدم التمويل المطلوب للمشاريع الإستراتيجية، فليس من المقبول أن تتجاوز نسبة الأجانب الحد الأعظمي لها لأن ذلك شرط أساسي وسيادي .
ب- سيترافق عدم تغطية الاكتتاب في حال حدوثه لا سمح الله مع انخفاض حتمي قد يصل إلى ما دون القيمة الإسمية للأسهم ، لأنه من غير المعقول أن يقوم أحد بشراء أسهم من السوق وهي مطروحة للاكتتاب بالقيمة الإسمية ولا يوجد مشتري ، كما أن المكتتب الجديد سيأخذ العبرة من قدامى المساهمين الذين احتفظوا بأسهمهم لسنوات طويلة دون أي فائدة تذكر ، وفي حال لم يعتبر المكتتب الجديد بما آل إليه حال قدامى المساهمين ، فإن عليه أن يتوقع فترة طويلة من الانتظار تنتهي مع نهاية فترة الاكتظاظ في الاكتتابات في 31/12/2012 ، ليبدأ بعدها يتوقع قليل من الربح لا يرقى لأرباح الودائع الخالية من المخاطر وذلك نتيجة توزع أرباح البنوك على رأسمال كبير جدا ،ومعلوم أن الكثير من البنوك لم توظف إيداعاتها برأسمالها الحالي ، وبالتالي لم تحقق نتائج جيدة ، فما بالك في حال تضاعف رأس المال !!
ج- إن استنكاف قدامى المساهمين أو البنوك المؤسسة عن الدخول في الزيادة الإلزامية سيضر بسمعة مناخ الاستثمار في البلد ، بل وقد يفسر على أنه هروب أو ندم على الاستثمار في سوريا، كما سيضر بسمعة البنك الذي لم يغطى اكتتابه، سواء بسبب المؤسسين أو الجمهور .
د- على فرض أن سحب السيولة من يد الناس لتخفيف الضغط على سعر صرف الليرة السورية هو أحد الأهداف ، فإن الممارسة الواقعية تدل على عدم واقعية استجابة الناس لهذا الاحتمال ، بدليل تصريف أسهم البنوك بأسعار تتهاوى يوم بعد يوم ، لأنها مؤسسات أغلب أصولها نقد ، ولا يمكن إرغام الناس على الدخول فيها ووضع كامل البيض في سلة واحدة (خاصة أن ما كان يخشاه من فقد الفرق بين القيمة السوقية و الإسمية قد تلاشى ).
ه- هناك احتمال أن تلجأ البنوك التي تم تأسيسها قبل المرسوم إلى القضاء ، كون المرسوم لم يكن موجودا عند تأسيسها ، بالتالي يجب أن يطبق على البنوك التي تم تأسيسها بعد المرسوم ، ولا أتذكر أن هناك بنك تم تأسيسه بعد هذا المرسوم ، رغم أكثر من بنك كان قد حصل على الموافقات المبدئية ، ولم يتم المباشرة بالخطوات التالية ، ربما خوفا من فشل الاكتتاب بسبب كبر رأس المال المطلوب.
إذا ألا يعتبر المضي في زيادات رأس المال أو عدم التصريح الفوري بتمديدها ، ضربا من المغامرة غير المحسوبة ؟؟
هل من حق صغار المساهمين التوسل إلى الجهات الوصائية بأن لا يجربوا بأموالهم ومدخراتهم و تحويشة عمرهم و الحيلة والفتيلة ؟؟؟
هل حاولتم إقناع مغترب تعرض لخسارة في البورصة في دول عربية مجاورة بالدخول في اكتتاب أي من البنوك المحلية و سمعتم الرفض قطعا وحسما ، رشا ودراكا ؟
فهل يتمنى أحد أن تتكرر هذه الصورة في سوق دمشق للأوراق المالية ؟؟؟
هل إلزام البنوك بما لا يتوافق مع مصالحها يعتبر عامل جذب للاستثمارات مستقبلا؟؟؟
إذن المطلوب الإسراع جدا بالإعلان عن إنشاء صندوق استثماري حكومي ، تكون أمواله مقترضة من الخزينة بفائدة ثابتة ومحددة وبطريقة السحب على المكشوف تستحق فيها الفائدة طبقا للمبلغ المسحوب والمدة، و بسقف 10 مليارات ليرة سورية ، يتم خلالها التدخل حتى حدود سعرها العادل و إدارة هذا الصندوق كأي صندوق سيادي أو بنك استثماري حكومي ، يحاسب القائمين عليه وفقا لما يحققه من أرباح .
الفائدة من الصندوق :
1- على صعيد صغار المساهمين يتم تجنيبهم خسارة كبيرة .
2- على صعيد الخزينة سيتم اقتراض مبالغ لا تصل إلى 2 مليار ل س (ممكن أخذها من الاحتياطي الإجباري للبنوك المودع لدى البنك المركزي ، يعني من دهنه سقيله)، ولفترة تتراوح من 3-6 شهور حتى استعادة الثقة بالسوق وديناميكية الجهات الوصائية عليه، ومن شبه الحتمي أن هذا الصندوق سيحقق أرباح مجزية جدا ، ولن يستطيع أحد الاعتراض لأنها أرباح لخزينة الشعب والدولة .
3- سيطمئن هذا المستثمرين المحليين والأجانب من أنه لن يسمح بانهيار السوق مما سيساعد في إسناده و توفير ظروف تساعد كثيرا في تغطية الاكتتابات في المستقبل بمجرد زوال حالة الهلع ، فعدم وصول الأسعار إلى قيمها الإسمية يمكن أن يشجع على تغطية الاكتتابات من قبل الجمهور ‘ وبالتالي نجاح زيادات رأس المال و تامين قطع أجنبي يدخل الخزينة ، وتشجيع على المزيد من الاستثمارات الأجنبية ، مما يساهم في استقرار سعر الصرف ، بمعنى أوضح قد يؤدي ضخ بضعة مليارات إلى تسهيل جذب ما يقارب مئة مليار لتطبيق الزيادة المطلوبة بالمرسوم (ولكن بتباعد زمني معقول) ، حيث أن الأسهم الحرة المتداولة في السوق لا تتجاوز قيمتها بضع مليارات ، تحدد سعر ما يتجاوز مئتي مليار قيمة السوق بعد الزيادات.
4- تصحيح الصورة الذهنية عن سوق الأسهم في سوريا بأنه مكان استثمار آمن ، ومعقول وطويل الأجل وليس مقامرة غير مبنية أي من أسس التحليل المالي Fundamental Analysis أو Technical Analysis.
5- وجود مثل هذا الصندوق كصانع سوق حكومي سيمثل عامل أمان كبير للجميع وسيكون جاهز مستقبلا في حال السماح للأجانب بالتداول في حال تقصد بعض الكبار الضغط على السوق هبوطا بتدخله بما لديه من سيولة ، أو إذا تقصدوا الضغط على السوق صعودا بتدخله بما لديه من أسهم يطرحها في السوق لكي يجنب صغار المستثمرين خطر الفقاعات المفتعلة .
إذا لابد من الصندوق، وقريبا جدا ، ولابد من الإعلان عن نية تأسيسه قريبا جدا جدا .
ولابد من رجال ثقات على رأسه يحمون مصالح كل الأطراف بكل أمانة ومسؤولية وحنكة اقتصادية .
و أخير نقول خير الناس أنفعهم للناس ... وان شاء الله سوريا الله حاميها