امرأة بألف رجل "ماري كوري "

[omar1964]

امرأة بألف رجل "ماري كوري "



يسجل تاريخ العلم على صفحاته العديد من الأمثلة التي تشهد أن الأفكار الرائعة , كانت في بال العلماء, و كيف أن القوانين العظيمة كانت تظهر إلى الوجود صدفة و خلال ثوان معدودات.

ففي يوم من الأيام قرر أرخميدس , كما تروي إحدى الأساطير القديمة , أن يستحم , و بينما كان جسمه يغطس في الماء و يزيحه ليحل محله إذا بفكرة رائعة تخطر في باله و أصبحت فيما بعد أساسا لأهم القوانين في مكانيك السوائل .
أما نيوتن , فقد اكتفى كما جاء في أسطورة أخرى برؤية التفاحة و هي تسقط من على شجرة تفاح في الحديقة حتى أغنى الفيزياء , بواحد من أهم قوانينها ألا و هو قانون الجاذبية الأرضية .
و لعلنا لن نخطئ إذا قلنا بأن هذه الأساطير و غيرها اختلقت من أساسها نتيجة ضيق الأفق أحيانا و الفهم السطحي أحيانا أخرى لما يحدث أثناء اكتشاف القوانين الأساسية في الطبيعة .
فالكثيرون من البشر لم يهتموا بالتفاح و هو يتساقط من على الشجرة , و لكن نيوتن وحده هو الذي توقف أمام هذا الحدث لأن كل أفكاره و اهتماماته كانت مركزة حول قانون " الجاذبية " .
و أحياناً يقضي العلماء لبلوغ هدفهم المنشود , شهوراً طويلة و حتى سنوات كاملة من العمل الدؤوب و هم يجرون التجربة تلو الأخرى محققين بذلك مأثرة علمية كبيرة .

و لعل من أفضل الأمثلة على هذه المأثرة هي قصة العالمة :

ماري سكلودوفسكاـ كوري (Marie Skłodowska–Curie) ‏ (7 نوفمبر 1867 ـ 4 يوليو 1934)

و زوجها العالم بيير كوري (5 مايو 1859 ـ 19 ابريل 1906)
هذه السيدة التي عاشت في زمن لم تحظ المرأة فيه بقدر من الحرية و مع ذلك استطاعت على الرغم من التحديات الاجتماعية التي واجهتها أن تحصل على جائزة نوبل وكانت أول امرأة في فرنسا تكمل رسالة الدكتوراه وأول مخترعة تحصل على جائزة نوبل مرتين وذلك بعد أن اكتشفت مادة الراديوم المشعة.
منذ صغرها كانت مدام كوري التي ولدت في وارسو عاصمة بولندا عام 1867 ميالة بشكل كبير إلى القراءة لا سيما الكتب العلمية وبرعت في الفيزياء، وكان لها دماغ يعتمد على التفكير المنطقي في التعامل مع الأشياء لاسيما فيما يتعلق بالفيزياء والكيمياء، ولما وجدت أن بلدها غير قادر على تحقيق طموحها العلمي قررت الذهاب إلى فرنسا في عام 1891 للالتحاق بجامعة السوربون وهناك التقت بمدرس مادة الفيزياء في الجامعة (بيير) فكونت معه فريقا علميا نادرا بعد أن تزوجته في عام 1895 (لقي الزوج حتفه في عام 1906 في حادث عربة ) تاركا لها طفلين،

قامت الباحثة بتحليل كل العناصر الكيميائية المعروفة في ذلك الوقت فكانت العالمة تعتقد أن ظاهرة الإشعاع من خواص عنصري اليورانيوم والثوريوم فقط، ومن خلال أبحاثها جاءت بنتيجة فحواها أن خصوصية الإشعاع لا تتعلق بتنظيم الذرات بل ببناء الذرة نفسها،وهذه النظرية أصبحت دافعا مهما في تطوير فيزياء الذرة.
بدأت ماري بفحص معادن مختلفة تحتوي على عنصر اليورانيوم والثوريوم و اكتشفت العالمة أن بعض المعادن تتميز بخواص نشاط الإشعاع اكبر بخمس مرات مما كان متوقعا وأسفر ذلك الاكتشاف عن اكتشاف اكبر وهو اكتشاف عنصر كيميائي جديد سمي بولونيوم تمجيدا لوطن العالمة البولندية.
تواصل استمرارالتجارب وإتمام الدراسات التكميلية للأبحاث بشأن تلك الظاهرة مما أدى إلى اكتشاف عنصر كيميائي جديد ذي خواص إشعاعية كبيرة وهو الراديوم وتخصصت ماري في السنوات التالية في أبحاث هذا العنصر الكيميائي.
في سنة 1903 منحت الأكاديمية السويدية للعلوم كلاً من بيار كوري وماري كوري وهنري بيكريل جائزة نوبل في الفيزياء "اعترافاً بالفضل الكبير لأبحاثهم المشتركة في دراسة ظاهرة الإشعاع التي اكتشفها البروفيسور بيكريل".
ولم تتمكن مدام كوري وزوجها من السفر إلى ستوكهولم لتسلم الجائزة بشكل شخصي، ولكنهما اقتسما ريعها مع من يعرفون من المحتاجين، ومنهم بعض طلابهم .
وقد أدى فوز بيار وماري بجائزة نوبل إلى ارتفاع شهرتهما في الأوساط العلمية، وعرضت جامعة السوربون على بيار كوري منصب الأستاذية وصرحت له بتأسيس معمل خاص به في الجامعة، وهو المعمل الذي تولت فيه ماري كوري منصب مدير الأبحاث.
في هذه الجامعة أسند لمدام كوري منصب أستاذ فكانت أول امرأة تشغل وظيفة الأستاذ في السوربون فواصلت التدريس والبحث في آن معا،
كانت ماري كوري هي أول من فاز بجائزة نوبل مرتين،و واحدة من اثنين فقط فازوا بجائزة نوبل في مجالين مختلفين.و هي أول امرأة تحصل على جائزة نوبل، وقد كررت كوري ذلك بعد 8 سنوات، إذ حصلت منفردة على جائزة نوبل في الكيمياء سنة 1911 "اعترافاً بفضلها على تقدم الكيمياء باكتشافها عنصري الراديوم والبولونيوم، و فصلها لمعدن الراديوم، و دراستها لطبيعة و مركبات هذا العنصرالهام".
و لما قامت الحرب العالمية الأولى و كثر الجرحى في صفوف الجنود المقاتلين حفز ذلك مدام كوري لاختراع أول جهاز محمول لأشعة (أكس) للكشف على الجنود الجرحى.
بدأت ماري كوري عملها في معهد الراديوم في باريس عام 1919 ( الذي أنشأته ) بينما اشتركت في عام 1922 في أعمال اللجنة الدولية الثقافية في جنيف ثم منحت عضوية مجلس جامعة الأمم ثم تولت منصب النائب العام للجنة.
ورغم كل هذه الإنجازات فقد تعرضت كوري للتمييز من جانب الأكاديمية الفرنسية للعلوم لمجرد كونها امرأة، حيث فشلت مرتين في الحصول على عضوية الأكاديمية. ولمدة أكثر من نصف قرن لم تنجح أي امرأة في الحصول على عضوية الأكاديمية حتى انتخبت الفيزيائية مارغريت بيري إحدى تلميذات مدام كوري ـ لعضوية الأكاديمية سنة 1962

سألتها صحفية مرة عن أمنيتها فقالت: إني بحاجة إلى غرام واحد من الراديوم لكي أتابع أبحاثي ولكني لا املك ثمن هذا الغرام، فما كان من الصحفية التي سألتها إلا ان عملت حملة واسعة لدعم مدام كوري

مدام كوري كانت تردد دائما: تعلمت من حياتي أن الفقر لا يقف حائلا ضد الطموح.

وصف (اينشتاين) ماري كوري بأنها من جميع المشهورين وحدها التي لم يفسدها المجد. وعندما رآها العالم الروسي (مندليف) في معملها تخلط بعض المواد وهي صغيرة قال: (هذه الصغيرة سيكون لها اسم مرموق في دنيا الكيمياء).

توفيت ماري كوري يوم 4 تموز عام 1934 نتيجة لمرض الأنيميا الخبيثة (لوكيميا) الذي أصابها بسبب التأثر بإشعاعات الراديوم، وهو نفس الإشعاع الذي نالت عنه جائزتي نوبل. وذلك بسبب تعرضها لجرعات هائلة منه دون إجراءات وقاية. خلال تجاربها العلمية وأبحاثها العديدة، ودفنت بجانب زوجها ثم تولت ابنتها الكبيرة (ايرين) استكمال دراسات والديها حول ظاهرة الإشعاع.