عربيني: تدخل المركزي مستمر لإبقاء سعر الصرف في مستويات توازنية عادلة
شركات صرافة: انخفــــاض الـــدولار سيفقــد المضـاربين المزيـد من المكاسب
يسرى المصري
المكان «بقالية» والزمان مع إشراقة صباح جديد /9/ نيسان, والشخصيات مواطن يحاور صاحب البقالية أما الحدث فهو العلاقة الغامضة ما بين الليرة السورية والدولار.. يسأل الأول الثاني عن الأسعار فيجيب البائع: إن السوق جامد!! ويسأل المواطن من جديد:
هل ستنخف...ض الأسعار ما دام الدولار قد استقر تقريباً بحدود /67-69/ ليرة سورية ويجيب البائع: لقد اشترينا بأسعار مرتفعة فهل يعقل أن نبيع بالخسارة؟!!
ويدخل الثالث إلى المسرح هو يحمل لافتة «تاجر جملة استيراد وتصدير» فيبادر الاثنان إلى سؤاله: كيف وضع الدولار اليوم؟, ومن دون أن يرف له جفن يجيب بثقة «ابن السوق»: كانت الليرة قبل عام تقريباً مرتبطة بحقوق السحب الخاصة التي يضعها المصرف المركزي, ولكن مع الاضطرابات ازداد الطلب على العملة الأمريكية وراجت المضاربة في السوق السوداء ومع ازدياد الضغوط سمح المصرف المركزي للمصارف نفسها بتحديد معدلات الصرف الخاصة لتمويل بعض الواردات أي التخلي عن الربط بعملة الصندوق, وقد أدت هذه الخطوة إلى ربط الليرة بثلاثة محاور وهي السعر الرسمي والسوق السوداء ومعدل الصرف الذي تحدده المصارف.
ويسدل الستار على المقدمة «تمهيداً» لعرض التفاصيل في فصول «متلاحقة».
المركزي الوالد الشرعي
وأخيراً.. تدخل المركزي في السوق!! ماذا يعني ذلك؟
وهل كان غائباً عندما تجاوز الدولار حدود الـ 100 ليرة؟!!
يقول المستشار المالي أنس نغنغ: عندما نقول: إن المركزي هو المتدخل الأساس في سعر الدولار, فهذا يعني مثلاً اليوم حدد المركزي سعر التدخل بـ 72,5 أي بمعنى أنه لن يوجد صراف يقبل أن يشتري منك الدولار بأكثر من 72,5, طبعاً لأن المركزي يكون في هذه الحالة أرخص له, أما في حال توقف المركزي عن البيع والتدخل في السوق وقال لا شأن لي بالسوق, والأمر يترك للمصارف ولشركات الصرافة في تأمين احتياجات السوق من الدولار, فعندها تبدأ الليرة بالهبوط فوراً ولن تجد أحداً من شركات الصرافة النظامية والصرافين غير النظامين يقبلون ببيع الدولار إلا بزيادة فاحشة.
وفي النتيجة فإن تدخل المركزي يؤثر بشكل كبير على سعر صرف الدولار مقابل الليرة, واحتمال أن يعلن المركزي عن بيع الدولار بـ 71 ليرة ويصرح في الوقت نفسه أن السعر في الأيام القادمة سيكون أقل من هذا الحد.. ومثل هذا التصريح لا يكلف المركزي أية أعباء مالية, لكنه يعلن أبوته الشرعية لليرة وأنه لن يتخلى عنها وعندها تجد كل الناس الذين معهم دولار يهرعون إلى الصرافة للبيع بسعر 70 أو 69, وهكذا تجد أن «الدولار» يتراجع أمام الليرة من دون أن يدفع المركزي قرشاً واحداً.
قرار التدخل
أن يأتي قرار المركزي متأخراً خير من أن لا يأتي أبداً..
وهكذا بدأت القصة حيث عمد المركزي منذ بداية شهر أيلول الماضي إلى سياسة تحريك سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية بما يتناسب مع تحركات أسعار صرف العملات العالمية المكونة لوحدة حقوق السحب الخاصة والتي تم ربط الليرة السورية بها منذ مطلع 2007, وبشكل يعكس حركة العرض والطلب المحلي على العملات الأجنبية.. ثم ما الذي حدث؟! تقول مصادر المصرف المركزي: عقب العقوبات الأمريكية الأخيرة التي أدت إلى عرقلة حركة التحويلات بالدولار الأميركي ولجوء سورية إلى الاستعاضة عن الدولار الأميركي بالعملات الأخرى عمد مصرف سورية المركزي إلى تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار منذ بداية الأزمة وحتى بداية شهر أيلول الماضي, بهدف تأمين استقرار سعر الصرف وكفاية الاحتياطيات الأجنبية.. كما قام بإدراج عملتي اليوان الصيني والروبل الروسي في نشرة أسعار العملات اليومية الصادرة عن المصرف لتسهيل التعاملات التجارية, ومن ثم عمد المصرف إلى السماح للمصارف وشركات الصرافة بإصدار نشرات خاصة بهم ضمن هامش 1% بين سعري الشراء والبيع مع استمرار رقابة مصرف سورية المركزي عن هذه النشرات, وذلك حتى تتمكن السوق المحلية من استعادة عافيتها حسب قوانين قوى العرض والطلب, إلى أن جاء قرار المركزي بالتدخل المباشر بائعاً وشارياً للقطع الأجنبي مع المصارف ومؤسسات الصرافة وفق سعر التدخل الذي يتم تحديده بعد الاطلاع على السعر الرائج في السوق وحركة العرض والطلب في اليوم السابق, ليشكل السعر سعراً مرجعياً للمصارف ومؤسسات الصرافة لوضع نشرات سعر الصرف الخاصة بها ما أسهم بصورة فعالة في استقرار السوق المحلية وعودة سعر الصرف إلى الانخفاض بشكل تدريجي ومدروس.
كما أكد نائب الحاكم تيسير عربيني أن تدخل مصرف سورية المركزي في السوق مستمر لإبقاء سعر الصرف عند مستويات توازنية عادلة.
لماذا خسر المواطن؟!
يتحمل المواطن الآثار التضخمية لارتفاع الدولار, كما يتحمل خسائر انخفاضه, رغم كونه ليس لاعباً أساسياً في السوق, لكنه المرمى الذي يتم تصويب جميع الأهداف باتجاهه.. وهكذا أمام تذبذب غير منطقي لسعر الصرف تجاوز سقف المئة ليرة سورية, وفي غياب باهت للمصرف المركزي زاد المشهد ضبابية وسوداوية وجد البعض ممن لا يملكون سوى مدخراتهم التي هي ملاذهم الآمن الوحيد والأخير, وجدوا أنفسهم مضطرين إلى تحويل مدخراتهم إلى الذهب أو إلى العملات الأجنبية خشية فقدان قيمتها وخشية تبديلها أو طباعة عملة جديدة.. أو خوفاً من شائعات لم تجد من يتصدى لها..
وخلال أيام قليلة.. أعلن المركزي عن تدخله, بعد طول إحجام, وبدأ الدولار بالتراجع.. ومرة أخرى.. كان هؤلاء ضحية الارتفاع وضحية الانخفاض.. والرابح دائماً السوق النظامي وغير النظامي.. فمن يتحمل المسؤولية؟!
يقول مدير المصرف التجاري السوري في تصريح خاص:
الليرة السورية بخير وهذا هو الأهم.. ونتوقع خلال الفترة القادمة تراجعاً كبيراً في سعر صرف الدولار مقابل الليرة.
لكن للأسف عندما وصل الدولار لحدود الـ100 ليرة دخل على الخط المواطن العادي مما زاد المضاربة والطلب على الدولار, وعندما تدخل المركزي لحماية الليرة بدأت هذه الشريحة من الفئات غير المعنية أصلاً بالدولار بالبيع خشية الخسارة.. وأتوقع أن يصل الدولار قريباً إلى مستوى 65 ليرة سورية وهذا سعر حقيقي وليس وهمياً كالسعر الذي تمت المضاربة عليه.. وأضاف مدير عام المصرف التجاري السوري: لا يوجد طلب كبير فعلياً في السوق على الدولار, ولا توجد حاجة في الوقت الحالي إلى تدخل المركزي نظراً لتوفره... والسوق يبيع ويشتري بما دون 78 ليرة سورية وذلك بأقل من المركزي الذي وصل سعر بيعه إلى 78,45 ليرة سورية.
وأشار أحمد دياب إلى أنه من الملاحظ وجود نوع من الرقابة الهادئة والمتأنية من قبل المركزي على سير عمليات البيع والشراء وهذا ما يؤكد عزم المركزي خفض الدولار دون 70 ليرة سورية مع تحقيق التوازن بين سعر البيع والشراء وإمكانية تغيير السعر حسب مستجدات السوق وتقلبات سعر الصرف, حيث سيتدخل المركزي متى كانت الفرصة مواتية بالعمل على خفض الدولار ما يعزز الثقة بإجراءاته المتخذة.
أين تقع شركات الصرافة؟
خلال الأسابيع الأخيرة تساءل كثيرون عن دور شركات الصرافة في تراجع أسعار الدولار ودورها في ارتفاعه؟!
يقول عبد الله- مدير شركة صرافة: الدولار ارتفعت أسعاره بسبب وجود أزمة الثقة والخوف وزيادة حجم الطلب لتغطية عمليات الاستيراد في الوقت الذي لم توفر فيه البنوك لعملائها احتياجاتهم من العملات الأجنبية. وكانت شركات الصرافة هي الملاذ الأخير لهم لتوفير احتياجاتهم, كما أن هناك الكثير من العملاء المقترضين بالدولار بضمان ودائع بالليرة السورية للاستفادة من فروق أسعار الفائدة, وهؤلاء العملاء تخوفوا من ارتفاع سعر الدولار وكانوا أحد عناصر الضغط على الطلب في الأسواق خاصة أن طلباتهم كانت بمبالغ كبيرة, ولكن بعد تراجع الأسعار نتيجة تدخل المركزي وتوفير البنوك احتياجات عملائها أدى هذا الأمر إلى مزيد من انخفاض الطلب, كما أنه من المنتظر أن تتراجع الأسعار بمعدلات أسرع خلال الأسبوع القادم بعد أن ساد شعور لدى حائزي الدولار بأن انخفاض الدولار سيفقدهم المزيد من المكاسب الأمر الذي بات معه ضرورة التخلص مما لديهم من عملات.. وأوضح مدير شركة الصرافة أن أسعار الدولار تدور حالياً حول سعر /72,69/ وأن حجم الطلبات التي شهدتها الأسواق خلال الأيام الأخيرة ضمن الطلبات الطبيعية بالنسبة لشركات الصرافة.
ويقول ياسر -مدير شركة صرافة: إن السوق تشهد في الوقت الراهن حالة من الاستقرار والتوازن ما بين العرض و الطلب وذلك نتيجة للعوامل النفسية التي سادت الأسواق مؤخراً بعد أن اتجه حائزو الدولار إلى الإسراع في بيعه خشية المزيد من الانخفاض.
وأشار ياسر إلى أنه خلال المضاربة على الدولار كان نسبة المشترين من التجار لا تتجاوز 10% وذلك بسبب تسديد التزاماتهم, أما نسبة 90% فكانت من الفئات غير المعنية بالدولار.
لكن خلال الأسبوع الحالي يمكن القول: إن نسبة المشترين للدولار من التجار حوالي 90% مقابل 10% من الفئات غير المعنية وهذا دليل على توازن واستقرار السوق, والمركزي مستعد في أي لحظة لتلبية احتياجات شركات الصرافة من الدولار.. وأوضح ياسر إلى أن انخفاض أسعار الدولار بسرعة قد تعطي أثراً عكسياً حيث سيزيد الطلب بسرعة وتعود المضاربة.. وبالتالي فإن سعر صرف الدولار ضمن حدود /69-68/ جيد جداً وعند حد 65ممتاز.. لكن سعر صرف 60 قد يؤدي إلى المضاربة من جديد..
وحول اجتماعات المركزي المتكرر مع شركات الصرافة قال ياسر: إن المركزي يتجاوب مع احتياجات شركات الصرافة وهو مستمع جيد وإيجابي في التعامل مع مشكلات وهموم شركات الصرافة.
حديث الناس
تقول السيدة ندى -موظفة مصرفية: سمعنا أن المصرف المركزي بصدد تأسيس شركة مالية تكون الذراع المالية له وتعمل كشركة صرافة في بيع وشراء الدولار, وأعتقد أن هذه الخطوة ستكون لها آثار نفسية جيدة ولاسيما أن العامل النفسي وغياب السلطة النقدية ودور المضاربين كان وراء الارتفاع الكبير الذي شهده سعر الصرف مؤخراً.
يقول المهندس عثمان من غرفة تجارة دمشق: كان من المفترض أن يتم التدخل من قبل المركزي منذ بداية ارتفاع سعر الصرف للدولار في السوق السوداء حتى وصل لأرقام عالية انعكست سلبياً على ارتفاع أسعار كل المواد وبالتالي أثقلت كاهل المواطن «المستوي» أصلاً, وطبعاً انعكست إيجابياً على جيوب المنتفعين والمضاربين والسماسرة الذين لا هم لهم سوى تعبئة جيوبهم ولو على حساب الشعب حتى صار بائع الخضرة يسأل عن سعر الدولار قبل بيع جرزة البقدونس أو الكزبرة أو الفجل.. حتى يعرف ماذا يطلب من الزبون؟!! وعلى كل حال فإن تدخل المركزي تصرف عملي ونأمل أن يستمر على هذا المنوال من أجل لجم هذه الظاهرة التي أتعبت الجميع.
يقول إبراهيم -مدير تجاري: إن انخفاض سعر صرف الليرة السورية ناتج عن تلاعب تجار العملة والمضاربين في السوق السوداء بأسعار الصرف لكسب أرباح خيالية وليس ناتجاً عن العرض والطلب..
يقول عطية يعمل في شركة صرافة: يوجد قانون يمنع شركات الصرافة غير المرخصة من التداول والعمل بالقطع الأجنبي تحت طائلة المساءلة لأن من يمارس هذه المهنة بغير ترخيص يهدف للتلاعب بسعر الصرف وقوت الشعب الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع غير مبرر بأسعار السلع الاستهلاكية والغذائية فأين الرقابة وأين المركزي؟!
يقول باسل -صناعي: إن السعر الذي تحدث عنه البعض والذي وصل إلى 105 ليرات وهو سعر مرتفع لم يحدث أي بيع أو شراء عليه.. وبالتالي لم يحدث هلع كما ظن البعض نتيجة هذا السعر المرتفع.. وحتى عندما عرض الدولار بسعر 88ليرة لم يشتر أحد كذلك بسعر 84 لم يشتر أحد.
درس لا ينسى
وفعلاً فاجأ المركزي المضاربين في السوق غير النظامية بدخول غير متوقع.. ما رفع آمال المواطنين بعودة الأسعار إلى المنطقة الطبيعية.. ولاسيما بعد أن ارتفعت أسعار السلع والمواد الغذائية في سورية خلال الفترة الأخيرة بشكل جنوني, حيث أظهرت بيانات رسمية أن الأسعار ارتفعت بحدود 25% وبعضها 30% ووصلت هذه الارتفاعات في بعض السلع إلى 50%..
وقد كان للشائعات والإعلانات والعامل النفسي دور كبير في وصول الدولار إلى أسعار غير حقيقية وتورط مواطنين بالمضاربة بمدخراتهم.. لكن التحدي الحقيقي والأساسي هو قوة الليرة الشرائية لعودة التوازن إلى الأسواق أيضاً.. فالمواطن أولاً وأخيراً هو البوصلة في قياس مدى نجاح ونجاعة الاجراءات والتدخل.. والتوازن.. فلا يجب نسيانه عند اتخاذ القرار.