خطآن تاريخيان في سورية
خطآن تاريخيان في سورية
ورد هذا المقال في العدد رقم ( 130 ) من مجلة الاقتصادي
| الكاتب: حمود المحمود | تاريخ المقال: 2011-12-29
بتصرف
وهنا سنكشف عن خطأين تاريخيين وقع فيهما المخططون الاقتصاديون السوريون منذ أزمة الثمانينات وحتى أزمة الألفية الثالثة،
أي أنّ هذين الخطأين كانا درساً لم يتعلم منهما المخططون الاقتصاديون في سورية على مدى نحو ثلاثين عاماً.
الخطأ الأول
مع كل أزمة نعود ونلتفت لباقي دول العالم ونبحث عن الشرق وعن أميركا الجنوبية وأفريقيا والهند، وعندما تنجلي الأزمة نعود لسابق عهدنا وننسى هذه الدول بحجة أننا سنخطط لتطوير علاقاتنا معها على مهل.
وخلال السنوات التي بدأ فيها الرخاء الذي بدأت تشتمّه سورية بعد قانون جذب الاستثمار وبدء الانفتاح نحو اقتصاد السوق،
استضافت الحكومة السورية خبراء من الصين وسنغافورة والهند وغيرها، وقررت الحكومة أن تتعلم منهم، لكنها وضعت مقترحاتهم على الرف.
ثم جاءنا الفرنسيون بناء على طلب رسمي فخرجوا بعد دراسة استمرت لأشهر بخطة متكاملة للنهوض بالإدارة الحكومية السورية،
ووضعوا خطة لإعادة الهيكلة لكن الحكومة لم تستطع تطبيقها ببساطة لأنّها تطلبت إلغاء مناصب كانت مخترعة خصيصاً لبعض الأشخاص،
و أيضاً سحب السيارات من كثير من الموظفين والإداريين الذين يأخذونها من باب التنفيعة على حساب تمويلها بالمازوت والبنزين من أموال دافعي الضرائب السوريين.
وووو
إذاً لم نتعلم من الدرس، وفوّتنا الفرصة تلو الفرصة لإعادة هيكلة الإدارة ونفضها بما ينقذ النزيف الذي لايقبله عقل للإدارات الحكومية الخاسرة والشركات الفاشلة في القطاع العام،
والتي تحولت إلى تكايا يمولها عموم السوريين بأموالهم الضريبية وهم مضطرون للتظاهر بالرضا.
الخطأ الثاني
نبدأه بحكاية الوفد الياباني الذي استدعته الحكومة السورية في الثمانينات ضمن خطتنا للتوجه إلى الشرق والاستفادة من تجربتهم.
يومها قررت الحكومة السورية استدعاء وفد ياباني رفيع المستوى يمثّل مختلف جهات الحكومة اليابانية ومستثمريها من القطاع الخاص.
لم يكن بين سورية واليابان نقل جوي مباشر، فجاء الوفد على متن طائرة يابانية إلى القاهرة ثم انتقلوا عبر السورية إلى دمشق.
وحينما وصلوا إلى سورية والتقوا أعضاءً من الحكومة، عرض عليهم المسؤولون أن يتعاقدوا مع شركات الحكومة السورية، وأن يأتوا بمشاريعهم إلى سورية،
فرد عليهم رئيس الوفد الياباني بمايلي: جئنا من اليابان إلى القاهرة، ثم صعدنا إلى الطائرة السورية الحكومية، وعندما أردنا الجلوس في مقاعدنا وجدنا أشخاصاً آخرين يجلسون في مقاعدنا بالدرجة الأولى،
فقلنا لهم عفواً إنها مقاعدنا كما تبين التذكرة فرفضوا، وعندما جاء كادر الطائرة السورية، قالوا لنا صحيح أنكم حجزتم بالدرجة الأولى لكن "الشباب" حجزوا المكان،
ولذا يمكنكم البحث عن مقاعد أخرى خارج الدرجة الأولى وهذا ماحصل.
ثم وجه رئيس الوفد الياباني حديثه لأعضاء الحكومة السورية: أنتم تعلمون أنّ تذكرة السفر هي عقد بين المسافر وبين شركة الطيران،.
فإن كنتم كحكومة لاتستطيعون الإيفاء بعقودكم وحمايتها من اختراق النافذين و"المدعومين" في شركة الطيران الحكومية، فكيف لنا أن نثق بقدرتكم على الوفاء بالعقود الأخرى مع الجهات الحكومية.
وهذا هو الخطأ الثاني، والذي هو باختصار "فساد الإدارة" وقدرة النافذين على اختراقها وتخريب أية عملية تطوير أو إصلاح تسعى إليها الحكومة.
هذا الخطأ الذي أغلق الباب أمام التعاون مع حكومة رائدة وناجحة كاليابان، لاشك أن أخطاءً مماثلة وقعت ولازالت مع دول أخرى كان يمكننا الاستفادة من تجربتها في إصلاح الإدارة والاقتصاد.
وعندما قررنا الاعتماد على أنفسنا بدلاً من الاستفادة من تجارب الآخرين، شكّلنا لجنة مايسمى الـ35 خبيراً لإصلاح القطاع العام،
ولما وجدنا أنّ قراراتها مصيرية حقيقية وستصيب مصالح المستفيدين في مقتل، قتلنا اللجنة ذاتها ونامت في الأدراج هي ونتائجها.
نتذكر هذه الأخطاء مع كل أزمة، ولانتعلم من الدرس، وكل ما نملكه هو التحسّر على ضياع سنوات من أعمارنا وأعمار هؤلاء السوريين في المدن والأرياف في المصانع والشركات،
ممن يدفعون أموالهم ولقمة يومهم مع أطفالهم لسبب واحد وهو أننا لانستطيع القضاء على هذا الفساد
شكراً -------------------------- |
التعديل الأخير تم بواسطة arnouri ; 30-12-2011 الساعة 02:36 PM.
|