
دقيقة نقاش الأسبوعية - مشكلتنا ليست فقط بالصندوق السيادي
جريـــدة القــنديــل الاقتصــادية الأســـبوعية :
إعداد د.محمد وائل سعيد حبش
دكتوراه في الأسواق المالية
و كالعادة و وبالآلية التي اعتدناها و بشكل متوقع فإن دراسة الصندوق السيادي قد تم رفعها إلى رئاسة مجلس الوزراء لإقراره منذ فترة تعتبر بالمقاييس المالية و بمقاييس الأسواق المالية طويلة جداً فالدقائق تحسب في عالم الأموال فكيف بالأسابيع والأشهر !!؟ إن السياسة المالية والمتعلقة بسوق الأوراق المالية تحتاج إلى ديناميكية و آلية من حيث صنع القرار و التنفيذ تختلف بشكل كلي و جذري عن الآليات الممارسة في اتخاذ القرارات الاقتصادية الأخرى و لايهمني عدد الهيئات و المجالس المؤهلة التي تدرس أي قرار لتخرج علينا بفحواه طالما أن القرار المالي الصحيح أو المدروس يأتي متأخراً مما يفقده معظم إن لم يكن كل فاعليته ، و من ثم يأتي إقرار مجلس الوزراء للصندوق السيادي بعد ضغوط شعبية لإقراره في إجراء مكرر لسابقه بشأن تعديل الحدود السعرية و التي لم يتم إلا بضغوط المستثمرين الشديدة والتي وصلت إلى حد التهديد بإجراء اعتصامات مفتوحة أمام مقر إدارة السوق المالي . و في الحقيقة لا بد ذكر النقاط الإشكالية في طريقة اتخاذ القرار المالي المتعلق بسوق دمشق للأوراق المالية :
- كثرة الجهات الوصائية على القرار مع ازدواجيتها بمركزية متخذ القرار .
- إغفال عامل الزمن الذي ارتفع أهميته كثيراً في الحياة الاقتصادية السورية الراهنة .
- ولادة القرارات المالية المصيرية قبيل الصدام المباشر بين المستثمرين و هيئات السوق الرسمية .
وبالنسبة للنقطة الأولى فنحن بالأصل نعاني من البيروقراطية داخل الجهة الإدارية الواحدة فكيف بعدة جهات تشترك في صياغة قرار واحد وبما أننا نعرف مشاكلنا منذ البدء فلماذا يتم اتباع النمط نفسه من آليات اتخاذ القرار وكنا قد أشدنا بدور المصرف المركزي ومجلس النقد و التسليف في الاستجابة الفورية لنبض السوق النقدي السوري والتفاعل يومياً ولا أعتقد أن تعقيدات الليرة السورية أقل من تعقيدات السوق المالي السوري الحديث النشأة .
وأما بالنسبة للنقطة الثانية وهي عامل الزمن فهي تنبثق من النقطة الأولى و كنتيجة لها فمع البيروقراطية تسقط حسابات الزمن وبالإجمال فإن العامل الزمني في الخطط الاقتصادية الحكومية السابقة لم يؤخذ بشكل جدي أو ملموس كما لو كانت التنمية الاقتصادية عبارة عن سباق مفتوح زمنياً بين الدول .
و أما بالنسبة للنقطة الأخيرة وهي الأهم برأي في هذه المرحلة فلا أظن أن اتباع سياسة الهروب إلى اللحظة الأخيرة ستكون سياسة مالية ناجحة على المستوى القصير الأمد و بالتالي فهي حكماً ساقطة على المستوى المتوسط و طويل الأجل
وبالعودة إلى موضوعنا الرئيسي وهو الصندوق السيادي فإني أخشى ما أخشاه أن يتم تفعيل الصندوق السيادي في الوقت الذي لم يعد أحد ليهتم لا بالسوق المالي ولا حتى بحيازة أسهم الشركات المساهمة العامة فمعيار الثقة بالسوق هو العلامة التجارية الأقوى و الأهم من كل القرارات والتوصيات والحلول التي قد لا تعزز من ثقة المستثمر بالسوق و لا أقصد هنا التقليل من أهمية القرار على المستوى المالي والوطني أو التقليل من نتائجه الإيجابية المتوقعة من الناحية الوظيفية أولاً ومن الناحية السعرية بدعم الأسعار السوقية لأسهم الشركات المساهمة ولكن استمرار اتخاذ القرارات ضمن الآلية الموجودة حالياً سيدهور الثقة بالسوق والتي هي متدهورة بالأصل . و أما الأشد إيلاماً بالنسبة لجمهور المستثمرين فهي التصريحات الرسمية المتكررة بأن " السوق بخير " والسؤال البديهي إلى من توجه هذه الرسالة ذات المضامين السياسية أكثر منها اقتصادية ؟!! هل هي للمستثمرين الذي سوادهم الأعظم من المستثمرين المحليين و الذي يعرفون دهاليز السوق أكثر ربما من موظفي السوق نفسه ؟! أم هي استمرار لسياسة اقتصادية قديمة مبدأها " نحن بواد و المواطن بواد " ؟
كفانا خطاب متخشب و تجميلي و تبريري عن واقع السوق المالي فنحن نريد على الأقل بهذه المرحلة :
- تفعيل عمل الصندوق السيادي بأقصر فترة ممكنة
- حصر القرارات التنفيذية بهيئة الأوراق والأسواق المالية دون أن تكون لها مرجعية أعلى .
- تحديد تواريخ زمنية مغلقة وليست مفتوحة لمشاريع القرارات مما يزيد من جدية وفعالية القرار .
- تواجد مكتب إعلامي في إدارة السوق والهيئة خاص لتقديم جميع المعلومات العامة بشكل شفاف .
- تواجد مكتب إعلامي لكل من الشركات المدرجة في السوق لدحض الشائعات أو توضيح المغالطات .
و على الرغم من كثرة التحديات في السوق إلا أن حسن الإدارة والمبادرة و تجاوز الأطر التقليدية من آليات اتخاذ القرار في الأزمات هو ما يصنع السمعة و الثقة القوية بسوق دمشق للأوراق المالية وليست سياسات الهروب إلى الأمام و " الدق على الصدور " .