~5~
اذكر ذلك اليوم عندما أخبرتني أن أجهز نفسي للعشاء وأنك ستأخذني إلى مكان سأحبه بالتأكيد، أردتَ يوماً مميز لنا سوية وكان لم يمض زمن على تعارفنا.
يومها عدت من عملي وأنا أطير من الفرح وأفكر ما عليّ ارتداؤه، واخترت ثوبي الأسود الذي استخدمه كلما أردت أن أكون مميزة، جميلة وأنيقة، صففت شعري ووضعت ماكياج خفيف وأعجبت بمظهري النهائي واخترت عطري المفضل الذي أوفره للمناسبات الخاصة .
تماما على الموعد لا دقيقة قبل ولا بعد رن هاتفي وانك بانتظاري في أسفل البناء، عندما رأيتك وجدت ابتسامة عريضة بانتظاري، مظهري كنت متأكدة من جماله ولكن لم افهم الضحكة تلك!!
مع انك يومها سحرتني بها دوما عندما أشاهد ابتسامتك لا أستطيع مقاومة أي فعل من طرفك، أخبرتك لو تذكر ما سبب الضحكة تلك؟ مظهري لا يحتاج إلى ضحك وبتكشيرة مفتعلة مني ودهشة من ثيابك المفرطة في البساطة جينز وتيشرت بسيط هناك تفاوت كبير بين مظهري ومظهرك .
قلت لي، إما أن أغير ملابسي أو نغير المطعم، لم أفهم، قلت لي، حددي، أخبرتك خلاص سأغير ملابسي وصعدت وتملؤني الخيبة.
كنت أغير ملابسي وكلي غضب على سوء الفهم الحاصل كعادتنا، لم أتخيل رجل في بداية تعرفه إليّ ويريد أن يعزمني على العشاء لم أتخيل إلا مطعم راق وشموع وأمسية هادئة، الذنب ليس ذنبي، وأفكر بحسرة على الوقت الذي أضعته في تجهيز نفسي.
لم أتأخر أكثر من عشرة دقائق وانطلقنا بعدها، ولم أزل لا أفهم ما الذي يحدث، أخذتني يومها إلى مطعم شعبي بسيط تملكه سيدة قبرصية "ماريّا" ، كان عبارة عن خمس طاولات وماريّا، هذا المطعم الذي تحبه واعتدت الذهاب إليه ، يومها كنت اكتشف جانباً جديدا من شخصيتك ، اخترنا طعام يصلح لعائلة كاملة كنتَ تريد أن تجعلني أتذوق كل الأطباق المميزة ولم أقل لك لا، أحب أيضا التلذذ بالطعام لو كنت بصحبة أحد .
أذكر تفاصيل هذا اليوم الذي حاولت أن احفره بعقلي حتى لا أنساه، كعادتي عندما أريد أن لا أنسى حدثا ما، تحدثنا وراقبنا كل من يأتي ويخرج ونحن مستمرين في الجلوس كما لو كنا في منزلنا الخاص، أسرفنا في الضحك وأصواتنا لم نبخل بها لتعم كل المطعم، واذكر ماريّا وهي تراقبنا، وعند مجرد التفاتتك إليها أجدها مزروعة بقربنا، شعرت بنظراتها المحبّة إليك وكأنك أبنها، حتى أنني لاحظت نصف نظرة موجهة إليّ في بداية جلوسي ووجدت النظرة ونصف قبل مغادرتنا، كانت تريد احتوائي بتلك النظرة وبابتسامتها، وكأنني نلت الرضى من حماتي، يومها ضحكت مطولا من استنتاجاتي تلك ولكن أتذكر أني كنت على حق .
من كثرة ما تناولنا من أطعمة وحلويات ومن كثرة ما شربنا رجوتك أن نعود مشيا على الأقدام إلى منزلي وكان، كانت أمسية من أجمل ما يكون، وكأن القدر يكافئني على كل نيّاتي مجتمعة وأهداني أمسية خياليّة، لم أتوقع انك استطعت اكتشاف ما أحبه من عدة لقاءات عابرة بيننا .
أتخيل لو أنني ذهبت إلى المطعم الذي توقعته، على ضوء الشموع وعينات من الطعام وفاتورة كبيرة وهدوء، مطعم ماريّا كان أجمل بكثير، كان كمن يتذوق الحياة ولا كمن يشاهدها تمر أمامه .
تذكرت قصة عن حكيم كان قد زاره تلامذته في آخر جلسة لهم معه، يومها احضر لهم إبريقا من القهوة وصينية مليئة بالكؤوس، منها الكريستالي ومنها الزجاجي والبلاستيكي والورقي .
سارعوا بالتسلسل لانتقاء الكريستالي ومن ثم الزجاجي وهكذا حتى بقي الورقي لآخر واحد منهم، ضحك الحكيم يومها وقال أن الحياة هي تلك القهوة الموجودة في الإبريق اما الكؤوس هي ليست إلا المظاهر الفارغة التي نسعى إليها في كثير من أوقات حياتنا، ننشغل بتلك المظاهر متناسين الاستمتاع بمذاق القهوة الساخنة .
فعلا تلك الأمسية كانت على مذاق القهوة التي أحب، استمتعت بها حتى آخر قطرة .
شكرا انك أهديتني يومها حلما وتحقق .
~سارا في محاولة لتوثيق أجمل لحظاتنا.