اختيار موفق ، وكلمات في صميم الإنسانية الحقة .
ولكنها تحتاج إلى شرح وتفنيد ، وأن تكون مسندة بالتجربة ، ولا يعرف عمقها وصدقها إلا من خاض في الدنيا وأصاب مرة وأخطأ مرات . ثم يجلس ويقرأ فيفهم معاني ما مر عليه من حكم وأمثال .
سيعرف حينها معنى أّكلُتُ حين أّكل الثور الأبيض
وسيعرف معنى أن على المرء أن يضع إصبعه بعينه ويقدر الألم ، ويستنتج ألم غيره .
المشكلة أن من كان تحت خط الفقر ، لا وقت لديه للتفكير واتخاذ قرار أخلاقي مناسب .
من كان غنيا ومترفا ، لا يجد لزوما للتفكير في الآخرين ، ولا تخطر بباله أساسا آلامهم .
جاءت الأديان لتهذيب النفوس والتوفيق بين الخلائق ،ولكن كلا أخذ منها ما يناسبه ، فالمهووس أخذه الهوس في تطبيق مبالغاته ، والجشع أخذ منها ما يستطيع أن يسوس بها قطيع من البسطاء والطيبين ويستغلهم ، والمحروم شمخ بأنفه واستهتر بالآخرين ، فالدين لا يفرق بين رفيع ووضيع ، فالتزم بالدين لا إيمانا، وإنما فرصة لرفعه إلى مصاف السيادة وصدور المجالس .
الإنسان الحقيقي أناني في طبعه ويتبع غرائزه ، ومن ينكر هذا يكذب على نفسه . ولكن العارف العاقل المثقف ، يهذب تلك المشاعر ويتبعها بالكثير من بعد النظر .
فمن الأصدق في أنانيته ؟ رجل آثر نفسه بداية بغباء ، وجعل الناس ينفرون منه ! أم رجل عمل بجد وجهد وآثر الآخرين بداية ، ثم ارتد عليه جميله من حيث احتسب أو لم يحتسب . ألن تكون حياته أكثر متعة وتتخللها المحبة والألفة ، ويخدم أنانيته أكثر ؟
أما غرائزه من حيث حب المال والبنون ، وهو التفسير العملي لحب البقاء والحفاظ على النوع عند العاقل وغير العاقل من إنسان وحيوان ونبات .
من منا يكره المال ؟ ومن يظن أن المال مصدر شقاء ؟
لا أحد ولكن هل هذا صحيح في العمق عند الجميع ؟
من تعب بجني ماله مبتعدا عن الاستغلال بأي صورة كانت ، سيجد طعما لماله ، وسيجد راحة بال في حياته ، أما من كان ينتظر بين لحظة وأخرى ، أن يدخل عليه من يقول له من أين لك هذا ؟ فثروته مصدر قلق وتعاسة داخلية ، تنعكس على مزاجه وأخلاقه ، قد لا يشعر بها بشكل مباشر ولا يدرك مصدر عدم راحته ، فتارة يلجأ للإفراط في العبادات، وتارة يلجأ للأطباء، ويبقى قلقا ويحاول الضحك على نفسه قبل الآخرين .
وقد يُظلم من جهد وتغرب وعمل في جمع ماله ، ويظن الناس أنه ما كان إلا لصا ، غيلة وحقدا وحسدا ، فيضطر لحفظ أرشيفه النظيف ليعرضه حين يُتهم ، ولا يُقنع الفاشلين المتقاعسين ، إلا أن يروا زوال النعمة عنه .
من ملك الدنيا وما فيها لن يجد الاستقرار إلا من خلال القناعة ، ومعاملة الآخرين كما يحب أن يعاملوه .
أحاول جاهدا الإلمام بموضوع شائك ولا بد من النواقص، وإلا فيلزمني تحضير أطروحة قد تصل إلى مجلد ، لبيان ما يجهله الكثيرون عن الهدف من بعض الحكم والتعاليم التي نقرأها ونعجب بها وننساها فورا ، فهي على ظن البعض لا تطعم خبزا ، فالكل يبحث عن بيضة اليوم ويزهد في دجاجة الغد
الإنسان عجول ، ويريد تحقيق أفضل ما حققه الآخرون وأكثر ، فيضيع حياته وينتهي بالسجن أو الإفلاس أو الجنون . ولو كان وظف إمكاناته بالشكل الصحيح وضمن خطة تتناسب مع ما لديه ، لكان وصل إلى هدفه المرسوم ، وعاش حياة هانئة مرضية ، على أن يعترف بالواقع وأن هذا أقصى حدوده ، وأن من تجاوزوه لم يتجاوزوه من خلال جيل واحد ، وإنما مالديهم هو تراكم أجيال بدأوا بداية سليمة واستمر وارثوهم على نفس النهج ، وسيواصل أولاده من بعده المشوار .
اتمنى أن يكون فيما قلت ولو ذرة من فائدة
ومعذرة على الإطالة .