عضو أساسي
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: دمشق
المشاركات: 2,462
شكراً: 7,450
تم شكره 8,841 مرة في 2,338 مشاركة

يوميات موظف حكومي!
يوميات موظف حكومي!
د .بشرى عبد الله اللهو
سنوات وتلتها سنوات وأنا أرزح في ذل الوظيفة الحكومية، دعني أكون صريحا: لا أحبها، أحاول التخلص منها، يحزن الناس إن مرضوا وأفرح لمرضي كي استمتع بإجازة مرضية، أنظر لإجازة الأعياد كسجين سيطلق سراحه، وأخطط لها قبل شهور مسبقة وأحفظ تواريخها وحين تنقضي تنقض علي كآبة وشقاء.
لا أجد أية متعة في هذا العمل، ويقيني أنه لا يجد فيَ أية مصلحة.. في العمل أنظر إلى الساعة المعلقة كل دقيقة أحثها على السير قدما وكم حاولت تقديمها إلا أن جميع محاولاتي باءت بالفشل، أنا من تقوم الدولة مشكورة بصرف رواتبهم مقابل لا شيء فقط لنصرف على عائلاتنا وكأننا أسر محتاجة، وجميعنا تقدم لنا الدولة مساعدات إلا أن الفقراء يأخذونها من مقر تحت لافتة وزارة الشؤون الاجتماعية، ويصطفون خارج المبنى مهما كانت حرارة الجو صيفا أو شتاء، بل إنني أراهم كل يوم في طريقي للعمل يصطفون تحت الجسر وبقرب الخط السريع، ويتسببون في كثير من الحوادث، وينهال على رؤوسهم كثير من سباب السائقين، إلا أن مساعدتي هي بمسمى "راتب"، وبمكان أكثر إنسانية وأكثر نظافة.
ستتساءلون: لماذا لا أترك الوظيفة؟ وإليكم السبب.. أمي تقول: والله العظيم ثلاث وجهي على وجهك حرام.. مجنون تغامر يا ولدي بوظيفة حكومية ثابتة ومضمونة، وراتب ممتاز لتغامر في القطاع الخاص، أين أذهب أنا وإخوتك الأيتام؟ هل تريدنا أن نصطف أمام مكتب وزارة الشؤون الاجتماعية؟ ألم تعدني عندما مات والدك أن ترعانا، لم يجف قبر أبيك بعد وتريد أن تخلف وعدك؟
الابن: من قال ذلك؟ يا أمي أريد زيادة الرزق لإخوتي؟ سأفتح محلا تجاريا أو أكون مقاولا أو تاجرا..
هكذا قال أبناء خالتك حتى انتهى الحال بأختي كما ترى، تصف أمام مكتب الشؤون.. يا ولدي، ارحم ترملي، ويتم صغاري، دعهم حتى يسلكون طريقهم، وافعل بحالك ما تشاء بعدها.
وبعد سنوات فقد زوجتني أمي بامرأة مثلها، تؤمن بأن الرزق لا يأتي إلا عن طريق الوظيفة الحكومية، والفقر واليأس لمن يخرج خارج مظلتها.. توفيت أمي ودفنتها بيدي، وحانت مني التفاتة فرأيت إخوتي قد اصطفوا يتلقون العزاء ورغم الحزن الذي يلفني إلا أنني خاطبت أمي.. لقد وعدتك ووفيت بعهدي، لقد ربيت إخوتي وانظري إليهم رجالا حرصت كل الحرص ألا يعملوا في وظيفة حكومية، وها هم قد حالفهم أوفر الحظ والنصيب.
بعد العزاء، أيقظتني زوجتي.. إلى أين؟ إلي وظيفتك! وظيفتي لقد دفنتها مع أمي! ماذا؟ هل تريدني أن أصطف وأولادي أمام مكتب الشؤون؟
يا الله لم ترث زوجتي من طباع أمي شيئا إلا هذه المقولة.. ذهب نصف عمري سدى ولن أترك نصفه الآخر، لن تصطفي يا زوجتي هناك تحت الشمس.. سأفتح مشروعا أنا وإخوتي وسيكفل بعضنا بعضا.
______________
حفظ الله أمهاتنا جميعا وأراحنا من هم الوظائف
__________________
{بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون}